الخميس، 26 أبريل 2012

وقفات تربوية من سورة لقمان - وقفة مع الشكـــر -

أ. نجلاء السبيل *
قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} لقمان آية 12.
الحكمة نعمة تستحق الشكر ومن الحكمة أن تشكر ربك.
قال ابن القيم: "الشكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناءً واعترافًا وعلى قلبه شهودًا ومحبة وعلى جوارحه انقيادًا وطاعة". مدارج السالكين (2/244) . هذا التعريف الرقيق للشكر
ماذا يعلمك؟ وعلى ماذا يربيك كمتدبر لكتاب الله؟؟
أنه إذا منَّ الله عليك بـ(فضل، بعلم، بإنجاز، بأمر) فاعلم يقينًا أنه لولا توفيق الله وتيسيره ومعونته لما تمَّ لك هذا الأمر، فالله عز وجل هو سبب الأسباب وهو الذي هيئها لك ويسرها وساقها لك، وهو الذي نفعك بها فالفضل كله لله من قبل ومن بعد.
إذا رمت سهامُ العزم صائبةً .... فما رميت ولكنَّ الله راميها
فإذا أدركت هذا المعنى جيدًا ورسخ في قلبك تضاءلت أمام نفسك وتلاشت نفسك أمامك وألجمتها بلجام التقوى، تأمّل في قصة ذي القرنين هذا الملك الذي مُكّن له في ملكه وآتاه الله من كل ما يؤتى الملوك، بعد أن بنى ذلك السد العظيم، من حديد ونحاس، لا من حجارة وطين، وانتهى من البناء، وقف أمام هذا الإنجاز الهائل واجتمعت له نشوة الملك ونشوة الإنجاز وتحقيق الهدف وكلاهما يوجد في النفس ما يوجده من عظمة وعزة وفخر وإعجاب، هنا يأتي التواضع الذي لا يقدر عليه إلاَّ الصالحون من عباد الله تواضع العارفين الذين أدركوا أن هذا محض فضل الله عليهم، فقال: (هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي) وتقدير كلامه، لولا أن الله ساقني إليكم ما حصل هذا البناء، ولولا أن الله ألهمكم أن تسألوني بناء السد لما بنيته، ولولا أن الله ألهمني ووفقني لفكرة بنائه بالحديد والنحاس لما وقفت، فكل هذا رحمة وفضل وتوفيق من الله، هذا الاعتراف هو شكر لله ورد للنعمة إلى مُنعمها على وجه الخضوع والامتنان.
قال أبو عمرو الشيباني: قال موسى -عليه الصلاة والسلام - يوم الطور: "يا رب إن أنا صليت فمن قبلك؟ وإن أنا تصدّقت فمن قبلك؟ وإن أنا بلغت رسالتك فمن قبلك؟ فكيف أشكرك؟؟ قال: الآن شكرتني" جامع العلوم والحكم (240)
وعند أبي الجلد قال: قرأتُ في مسألة داود - عليه السلام - أنه قال: "يا رب كيف لي أن أشكرك، أنا لا أصل إلى شكرك إلا بنعمتك؟ قال: فأتاه الوحي أن يا داود أليس تعلم أن الذي بك من النعم مني؟ قال: بلى، قال: فإني أرضى بذلك منك شكرًا" وطالما أن العبد شاكر معترف بفضل الله عليه، وأن الله هو الذي منحه وأعطاهُ وفضّله وأسبغ عليه فإن الله سيُبقي عليه هذه النعمة ويزيدها له ويبارك له فيها .
قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم 7) .
قال الحسن البصري: "إن الله ليُمتّع بالنعمة ما شاء، فإذا لم يُشكر عليها قلبها عذابًا ولهذا كانوا يسمّون الشكر: الحافظ لأنه يحفظ النعم الموجودة والجالب: لأنه يجلب النعم المفقودة" عدة الصابرين 122.
وقال كعب الأحبار: "ما أنعم الله على عبدٍ من نعمةٍ في الدنيا فشكرها لله وتواضع بها لله إلا أعطاه الله نفعها في الدنيا ورفع له بها درجةً في الآخرة وما أنعم الله على عبدٍ نعمةً في الدنيا فلم يشكرها لله ولم يتواضع بها لله إلاِّ منعهُ الله نفعها في الدنيا وفتح له طبقات من النار يعذبه إن شاء أو يتجاوز عنه" عدة الصابرين 145.
ثم ختمت الآية بقوله: (فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ). الغنى صفة كمال ، والحمد صفة كمال ، واجتماع الغنى مع الحمد كمال آخر، فله ثناء من غناه، وثناء من حمده، وثناء من اجتماعها. النهج الأسمى (2- 62).
------------------------------
*إحدى منسوبات جمعية تحفيظ القرآن بمحافظة جدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق