الاثنين، 26 ديسمبر 2011

لماذا جاءت آية سورة الملك باستخدام فعل (بلى يبلو) في قوله تعالى (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً...)

لماذا جاءت آية سورة الملك باستخدام فعل بلى يبلو في قوله تعالى (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {2}) ؟ ولماذا جاء التخفيف في البلاء ولم يستعمل ليبتليكم؟ وما الفرق بينهما؟لو قرأنا آية سورة الملك (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {2}) لوجدنا أنها تنتهي بقوله تعالى ( وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) والمغفرة تقتضي التخفيف أولاً لأن الابتلاء والشدّة لا تتناسبان مع الغفور التي هي أصلاً صفة مبالغة أما صيغة ليبلوكم فهي أنسب مع المغفرة والتخفيف جزء من المغفرة.
وهناك أمر آخر: نلاحظ في سورة الإنسان ذكر تعالى ما يصحّ معه الابتلاء (فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ) السمع والبصر والاختيار والعقل وأطال في ذلك فلما أطال في ذكر ما تردد أطال في صيغة الإبتلاء (نَّبْتَلِيهِ) أما في سورة الملك فلم يذكر أياً من وسائل الابتلاء إنما ذكر خلق السموات مباشرة في الآية التي بعدها فاقتضى استعمال الصيغة المخففة
(لِيَبْلُوَكُمْ).أمر آخر أنه تعالى ذكر في سورة الإنسان شيئاً من ابتلاء الأعمال ما لم يذكره في سورة الملك.
فذكر في سورة الملك آية في المؤمنين (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ {12} ) وآية في الكافرين (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ {6}) لكن في سورة الإنسان ذكر الابتلاء في الأعمال (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً {7} وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً {8}) (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً {24} وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً {25} وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً {26}) وأفاض في ذكر النعيم في الآخرة مما لم يذكره في الملك (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً {5}) فذكر ما يستدعي الابتلاء وذكر الكافرين (إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً {27}) وذكر الظالمين (يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً {31} ) والظلم من نتائج الأعمال.
إذاً السياق والوسائل وما ذكر من الأعمال جعل ذكر الابتلاء أنسب من كل ناحية من حيث الوسائل وجو السورة والسياق والأعمال هذا من حيث الصيغة.
--------------------------------
لمسات بيانية / د.فاضل صالح السامرائي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق