بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله في هذه الفقرة المتعلقة بالوقف والابتداء في سورة الإنسان.
أولا: هل يصح الوقف على قول الله تعالى: (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه)؟
نص على الوقف هنا بعض علماء الوقف والابتداء، وإذا تأملنا في الآية فإن قوله سبحانه وتعالى بعدها : (فجعلناه سميعا بصيرا) جعله بعض المفسرين مرتبطا بقوله (نبتليه) ، قالو : المعنى على التقديم والتأخير، أي: فجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه. لكن هذا التقدير غلّطه جماعة من المفسرين ومن علماء الوقف والابتداء لسببين:
الأول: أنه لم تأت (لام) مع كلمة (نبتليه).
والثاني: أن الإنسان يبتلى إذا كان عاقلا حتى لو لم يكن سميعا بصيرا، فتعليق الابتلاء بكونه سميعا بصيرا لا يصح.
وإذا نظرنا إلى قوله (فجعلناه)، وجدنا أنها جملة معطوفة بالفاء على (خلقنا)، وكون الإنسان سميعا بصيرا هو من تتمة خلقه، فالله سبحانه وتعالى ذكر في الآية أنه خلق الإنسان من نطفة فجعله سميعا بصيرا، يعني: لكمال قدرته كون من هذه النطفة هذا الإنسان السوي الكامل الذي يملك السمع والبصر، فالأقرب - والله أعلم - أنه لا وقف هنا.
س: وهل يصح الوقف على قول الله تعالى في الآية السادسة : (عينا يشرب بها عباد الله)؟
جوّز الوقف هنا الأشموني وحده، ولم ينص عليه بقية علماء الوقف والابتداء، وإذا تأملنا فإن قوله تعالى بعدها : ( يفجرونها تفجيرا) جملة فيها ضمير عائد على العين، وهي من تتمة بيان تنعمهم بهذه العين. فذكر الله أولا أنهم يشربون بها، يعني يروون بها ويتلذذون بها، وأنهم يفجرونها تفجيرا)، يعني يوجهونها حيث شاؤوا، فالأقرب عدم الوقف هنا. والله أعلم.
وهل يصح الوقف على قوله تعالى : (يوفون بالنذر) في الآية السابعة ؟
جوّز الوقف هنا الأشموني وحده، ولم ينص عليه بقية علماء الوقف والابتداء، وإذا تأملنا فإن الله سبحانه وتعالى ذكر عدة صفات وأعمال للأبرار، بدأها بقوله (يوفون بالنذر) ، ثم ذكر أنهم (يخافون يوما كان شره مستطيرا)، ثم ذكر أنهم (يطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا)، وكل صفة من هذه الأوصاف جاءت في جملة فعلية قائمة بنفسها، فالأقرب صحة الوقف هنا - والله تعالى أعلم-.
س: وهل يصح الوقف على قوله تعالى في الآية التاسعة : (إنما نطعمكم لوجه الله) ؟
نص على الوقف هنا الهبطي، وحسنه الأشموني، ولم ينص عليه بقية علماء الوقف والابتداء، وإذا تأملنا فإن قولهم بعدها : ( لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) هو في الحقيقة من تتمة معنى أنهم إنما يطعمونهم لوجه الله، فإذا كان الإطعام لوجه الله فحقيقته أنهم لا يطلبون من غير الله جزاء ولا شكورا، وبناء عليه لعل الأقرب - والعلم عند الله تعالى - عدم الوقف هنا.
س: وهل يصح الوقف في الآية الحادية عشرة على قوله تعالى: (فوقاهم الله شر ذلك اليوم)؟
نص الأشموني وحده على أن الوقف هنا حسن، ولم ينص عليه بقية علماء الوقف والابتداء، وإذا تأملنا فإن الله سبحانه وتعالى بين جزاءهم بعدة أمور:
الأمر الأول: أنه وقاهم شر ذلك اليوم، يعني يوم القيامة.
والأمر الثاني: أنه لقّاهم نضرة وسرورا.
والأمر الثالث: أنه جزاهم بما صبروا جنة وحريرا، ثم فصل في نعيم الجنة.
ووقاية شر ذلك اليوم في حد ذاته ليس نعيما قائما مستقلا، بل لا يتم ذلك النعيم إلا بأن يُلقوا النضرة والسرور وأن يدخلوا الجنة، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ، فلا يتم الفوز إلا باجتماعهما، وبناء عليه فالأقرب عدم الوقف هنا. والله تعالى أعلم.
وهل يصح الوقف في الآية الثالثة عشرة على قوله تعالى: (متكئين فيها على الأرائك)؟
الجواب: نعم، نص على الوقف هنا جماعة من علماء الوقف والابتداء، ووجهه: أنه قال بعدها: (لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا)، وهذه الجملة إما أن تكون حالا بعد حال، يعني: أن قوله : (متكئين) حال مما قبله، وقوله: (لا يرون) تكون حالا بعد حال، أي: متكئين فيها غير رائين فيها شمسا ولا زمهريرا.
وتصلح أن تكون استئنافا، وهو الأقرب؛ لأن كونهم لا يرون في الجنة شمسا ولا زمهريرا ليس مرتبطا بحال الاتكاء، بل هم لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا أبدا، وبناء عليه تكون هذه الجملة مستأنفة، فيصح الوقف قبلها والابتداء بها. والله تعالى أعلم.
س: وهل يصح الوقف في الآية التاسعة عشرة على قوله تعالى : (ويطوف عليهم ولدان مخلدون) ؟
نص السجاوندي وحده على تجويز الوقف هنا، ولم ينص عليه بقية علماء الوقف والابتداء، وإذا تأملنا فإن قوله : (إذا رأيتهم حسبتهم) كله في وصف الولدان المخلدين، فكأنه قال: يطوف عليهم ولدان مخلدون من صفتهم أنك إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا، وبناء عليه لعل الأقرب عدم الوقف هنا. والله أعلم.
س: وهل يصح الوقف في الآية العشرين على قوله: (وإذا رأيت ثم)؟
نبه الداني والأنصاري والأشموني على المنع من الوقف هنا وأنه خطأ؛ لأن قوله بعدها: (رأيت نعيما) جواب (إذا) الواردة في أول الآية، ولا يصح الوقف قبل أن يأتي جواب (إذا). والله أعلم.
س: وهل يصح الوقف في الآية الحادية والعشرين على قوله : (عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق)؟
الجواب: نعم، نص عليه بعض علماء الوقف والابتداء، ووجهه: أن وصف الثياب التي يلبسونها قد انتهى هنا، ثم بين ما يُحَلُّون به في أيديهم، فقال: (وحلُّوا أساور من فضة)، فصح الفصل بين النعيمين، والله أعلم.
س: وهل يصح الوقف في ذات الآية على قوله : (وحلُّوا أساور من فضة)؟
الجواب: نعم، نص عليه جماعة من علماء الوقف والابتداء، ووجهه: أن قوله بعدها: (وسقاهم ربهم شرابا طهورا) يحتمل أن يكون عطفا يعني عطفا لنعيم جديد بعد أن ذكر النعيمين السابقين في ذات الآية، ويحتمل ان يكون استئنافا. وعلى كلا الاحتمالين يصح الوقف؛ لأنه إذا كان عطفا فهو من قبيل عطف الجمل التي قامت بنفسها ، فجملة: (وسقاهم ربهم شرابا طهورا) جملة قائمة بنفسها لا تحتاج إلى شيء ترتبط به قبلها ولا بعدها، وإذا كانت مستأنفة فالابتداء بها ظاهر.
وهنا أمر آخر، الله سبحانه وتعالى في النعيم السابق قال: (وحلُّوا أساور من فضة)، ثم قال: (وسقاهم ربهم شرابا طهورا)، ولم يقل وسُقوا شرابا طهورا، فهذا نعيم خاص له استقلال وميزة خاصة، فإفراده أفضل وأولى. وبالتالي يصح الوقف قبل قوله : ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا)، وتلاوة هذه الجملة وحدها. والله أعلم.
س: وهل يصح الوقف في الآية الثانية والعشرين على قوله: (إن هذا كان لكم جزاء)؟
صحح الوقف هنا بعض علماء الوقف والابتداء، وإذا تأملنا فإن قوله تعالى: (وكان سعيكم مشكورا) يحتمل أن يكون استئنافا، يعني: جملة مستأنفة في أنهم أخبروا أن سعيهم وعملهم الصالح الذي عملوه في الدنيا كان مشكورا يستحقون عليه هذا الجزاء وهذا النعيم. ويحتمل أن يكون من تتمة الكلام السابق فكأنه قال لهم: إن هذا كان لكم جزاء لأن سعيكم في الدنيا كان مشكورا، وبناء عليه الوقف هنا محتمل، والأولى تركه. والله أعلم.
وهل يصح الوقف في الآية الرابعة والعشرين على قوله : (فاصبر لحكم ربك)؟
جوز الوقف هنا الأشموني وحده دون بقية علماء الوقف والابتداء، وإذا تأملنا فإن قوله بعدها: (ولا تطع منهم أثما أو كفورا) إما ان تكون جملة مستقلة اشتملت على نهي مستقل، يعني: في أمر لا علاقة له بالأمر الأول الذي هو الصبر لحكم الله، وبناء عليه يصح الوقف هنا. أو تكون جملة هي من تتمة الصبر لحكم الله، فالصبر لحكم الله لا يتم إلا بألا يطيع آثما أو كفورا، والأمر هنا محتمل. والله تعالى أعلم.
س: وهل يصح الوقف في الآية السادسة والعشرين على قوله : (ومن الليل فاسجد له) ؟
جوز الوقف هنا الأشموني وحده دون بقية علماء الوقف والابتداء، وإذا تأملنا فإن قوله: (وسبحه ليلا طويلا) هو من تتمة المطلوب في الليل؛ لأن الله سبحانه وتعالى بين أنه مطلوب منه أن يسجد لربه في الليل وأن يسبحه ليلا طويلا، وبناء عليه لا يصح الوقف على قوله: (فاسجد له).
ويحتمل أيضا أن يصح الوقف على (فاسجد له) على تفسير من فسّر هذه الجملة مع الآية التي قبلها على أنها في مواقيت الصلوات الخمسة، وذلك أن قوله : (واذكر اسم ربك بكرة) إشارة إلى صلاة الفجر، (وأصيلا) إشارة إلى صلاتي الظهر والعصر، (ومن الليل) إشارة إلى صلاتي المغرب والعشاء، ثم أمره بقيام الليل في جملة مستقلة في قوله : ( وسبحه ليلا طويلا)، وهذا المعنى نص عليه جماعة من المفسرين. وهو قول وجيه، والوقف بناء عليه له وجه. والله تعالى أعلم.
س: وهل يصح الوقف في الآية السابعة والعشرين على قوله : ( إن هؤلاء يحبون العاجلة)؟
حسن الوقف هنا الأشموني وحده دون بقية علماء الوقف والابتداء، وإذا تأملنا فإن قوله بعدها: (ويذرون وراءهم يوما ثقيلا) هي جملة تحتمل أن تكون مستأنفة، فيصح الوقف على قوله (يحبون العاجلة). وتحتمل أن تكون من تتمة الوصف الأول، يعني: أنهم لأنهم أحبوا الدنيا العاجلة تركوا العمل للآخرة، فهما وصفان متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، وبناء عليه لا يصح الوقف هنا، والأمر في هذا محتمل. والله تعالى أعلم.
س: وهل يصح الوقف في الآية الثامنة والعشرين على قوله: (نحن خلقناهم وشددنا أسرهم)؟
الجواب: نعم، نص عليه جماعة من علماء الوقف والابتداء
ووجهه: أن امتنان الله سبحانه وتعالى عليهم بخلقهم، وجعل خلقهم قويا شديدا متماسكا محكما قد انتهى هنا ، ثم جاءت جملة شرطية في قوله : (وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا)، في حال أنهم إذا عصوا الله سبحانه وتعالى وكفروا ولم يؤمنوا به بدلهم الله بغيرهم، على إحدى الأقوال في معنى هذه الجملة. والله تعالى أعلم.
س: وهل يصح الوقف في الآية التاسعة والعشرين على قوله: (إن هذه تذكرة)؟
الجواب: نعم، نص عليه جماعة من علماء الوقف والابتداء، ووجهه أن جملة (إنّ) قد انتهت هنا باسمها وخبرها، ثم جاءت جملة شرطية في قوله : (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا)، فصح الابتداء بها. والله أعلم.
س: وهل يصح الوقف في الآية الثلاثين على قوله : ( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله)؟
الجواب: نعم، نص عليه جماعة من علماء الوقف والابتداء
ووجهه: أن جملة الحصر التي جاءت بالنفي الذي جاء بعده استثناء قد انتهت هنا، ثم جاءت جملة مستأنفة مبدوءة بـ (إنّ) في قوله : (إن الله كان عليما حكيما)، فصح الوقف قبلها والابتداء بها. والله تعالى أعلم.
س: وهل يصح الوقف في الآية الأخيرة على قوله : (يُدخل من يشاء في رحمته)؟
الجواب: نعم، نص عليه جماعة من علماء الوقف والابتداء
ووجهه: أن الله سبحانه وتعالى ذكر في الآية أهل رحمته وأهل عذابه. فذكر أهل رحمته في جملة مستقلة في قوله : (يُدخل من يشاء في رحمته)، ثم ذكر أهل عذابه في قوله: (والظالمين أعد لهم عذابا أليما)، وهي جملة مستقلة، فصح الفصل بينهما. والله تعالى أعلم. هذا آخر ما يتعلق بالوقف والابتداء في سورة الإنسان.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علما وعملاً وهدى وتقى والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق