الجمعة، 8 نوفمبر 2024

مقاصد سورة الفاتحة

في سورة الفاتحة خمسة مقاصد :

المقصد الأول : تَوحِيدُ الله سبحانه: اشتملت السورة على التعريف بالمعبود جَلَّ في علاه، وعلى توحيد الخالق سبحانه، وتَضَمَّنتْ سورة الفاتحة خلاصة وجيزة لعقائد الإسلام، واجتثاث جذور الشرك التي كانت فاشية في الأمم، ومقتضى ذلك توحيد العبادة، والتوجه بها إلى الله سبحانه، فهو جَلَّ شأنه المعبود بحق دون سواه، يرشد إلى ذلك قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) .
ففيها تعليم وإرشاد إلى كيفية التمجيد والثناء والحمد لله تعالى ولا يكون ذلك إلا عن نعمة، وأهمها نعمة الخَلق والإيجاد ومَنْ كان كذلك فهو جدير بالعبادة وحده؛ ولذلك فقد اشتملت السورة على ثلاثة أسماء لله تعالى هي مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا، وعليها مدارها وهي (الله، الرب، الرحمن).
والحمد يتضمن الاعتراف بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات وتوحيدها ... إلخ . وربوبيته سبحانه لخلقه ليست مبنية على القهر والجبروت بل مبنية على الرحمة، فهو سبحانه الرحمن الرحيم، وهذا بيان لحقيقة العلاقة بين الله تعالى وبين خلقه، وأنها مبنية على الرحمة التي تَغْمُرُ الخلائق كلهم، وبخاصة العبد المؤمن.
وقد فصل القرآن الكريم جانب التوحيد ونهى عن الشرك في عشرات السور منه، واعتنى بذلك أيما عناية حيث كان التوحيد هو المهمة الأساس في الفترة المكية، وهى أطول مُدَّتي الرسالة .

المقصد الثاني : الإيمان باليوم الآخر: واشتملت السورة على أهم أركان الإيمان، بعد الإيمان بالله تعالى؛ وهو إثبات المعاد والجزاء على الأعمال والإيمان باليوم الآخر وما فيه من بعث وسؤال وحشر ونشر وحساب وجنة ونار وغير ذلك مما فصله القرآن الكريم في العديد من السور والآيات لا سيما القرآن المكي، الذي يُعنى بغرس العقيدة في النفوس أولا، في مثل جُزْأَيْ (عمّ وتبارك). 
وإذا كان في الدنيا نوع من التقاضي بين الناس، وألوان من الجزاء على الأعمال، فإن الله سبحانه هو المتفرد بالحكم العادل يوم القيامة، وهو سبحانه مَلِكُ هذا اليوم ومالكه . ومن يملك مصير العباد، ومآلهم الدائم يوم الآخرة، فهو المالك الحقيقي لما قبله في الدنيا من باب أولى، وإذا كان في الدنيا نوعُ مُلْكِ لبعض ملوك الأرض، فإن الْمُلْكَ كلَّه لله تعالى في الدنيا والآخرة، وهو ملك حقيقي لا يحول ولا يزول وإلى هذا يشير قوله تعالى (ملِكِ يَوْمِ الدِّينِ) . ويوم الدين هو يوم الحساب والجزاء، الذي يُدان فيه العباد إلى رَبِّ الأرض والسماء .
 وقد أشار القرآن الكريم إلى الإيمان بالله تعالى والإيمان باليوم الآخر، إلى جوار العمل الصالح في كثير من آياته وبيّن أن ذلك هو أساس الفوز بالسعادة الأخروية، قال تعالى : (وإِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَرَى وَالصَّبِئِينَ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَلِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة : ٦٢] . والمراد: إيمان كل أمة برسولها قبل أن تُنسخ رسالته، ولا يقبل الله تعالى إيمان أي من أرباب الشرائع السابقة بعد مجيء الرسالة الخاتمة إلا بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والعمل بشريعته، قال تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَسِرِينَ ) [آل عمران: ٨٥].
وما من أحد يسمع برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ثم لم لا يؤمن بها إلا مات كافرا والعياذ بالله .

 المقصد الثالث : التكاليف الشرعية: أما جانب العبادات مما يتعلق بالصلاة والزكاة والصيام والحج والأذان والذبح والنذر والدعاء والاستغاثة والاستعاذة والرجاء والخوف والتوكل والاستعانة وما إلى ذلك، وتوجيه هذه العباداتِ إلى الله تعالى وحده، فقد أشار إليه قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، وقد تَضَمَّنتْ هذه الآية عهدًا وثيقا بين الناس وربهم يُحقِّقُ رسالتهم في الوجود، فلا عبادة إلا لله، ولا توكل إلا على الله ولا استعانة إلا بالله، وقد فصّل القرآن الكريم أنواع العبادة في أكثر سُوَرِهِ في حديثه عن أركان الإسلام الأربعة، وفصّل القرآن الاستعانة بالله تعالى في آيات التوكل والإنابة ونحوها .

المقصد الرابع : قصص الأنبياء والمرسلين : أما جانب النبوات والرسالات في سورة الفاتحة، فيشير إليه قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) فالقرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد، يهدي للتي هي أقوم، ويدعو إلى الطريق المستقيم، ويأمر بالعدل والقسط والوسطية والاستقامة والسعادة في الدارين لا تتم إلا بترك الانحراف والضلال وسُبُلِ الغواية والاعوجاج، ولا يكون ذلك إلا عن طريق الرسل والكتب المنزلة، والرسل هم أَوَّلُ الذين أنعم الله عليهم ولا سبيل إلى هداية البشر، ولا إلى معرفة الحق من الضلال والخير من الشر، إلا عن طريق الرسل.
وقد فصّل القرآن الكريم ما أجملته سورة الفاتحة من الحديث عن أنبياء الله ورُسُلِهِ في عشرات السور، إلى جانب الحديث عن الصِّدِّيقين والشهداء والصالحين، مما يأخذ بيد المسلم إلى طريق الهداية وسبيل الرشاد، وطريق الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقا . وهذا الجانب من قصص الأنبياء والمرسلين تناولته السور المكية، فالهداية هي التطبيق العملي لدعوة الأنبياء، وهي طريق الإنسان إلى معرفة ربه سبحانه . ولعل هذا هو السر في اختيار هذه السورة ليقرأها المسلم في صلاته وجوبا في اليوم الواحد سبع عشرة مرَّة، ثم يُكثر منها في النوافل وغيرها ما شاء الله له .

المقصد الخامس : أهل الكتاب : أما أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين فصَّل القرآن الكريم الحديث عنهم في سُوَره المدنية، وأوضح زيْغَهُم وضلالهم وأسباب غضب الله تعالى عليهم، فقد أجملت سورة الفاتحة هذه المعاني في قوله تعالى : (غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) . 
ومعلوم أن مقاصد القرآن الكريم تتناول جانب العقيدة والنبوة والرسالة والعبادة والهداية، التي هي الهدف من القصص والأخبار القرآنية وهذا ما أجملته سورة الفاتحة، وَفَصَّلَهُ القرآن الكريم.
____________________________
محتويات سور القرآن الكريم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق