كنا توقفنا في اللقاء السابق عند قول الله تبارك وتعالى (إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا) وقلت إنهم أخذوا بالأسباب أولا ثم توجهوا إلى الله بالدعاء. وهذا هو الواجب على المؤمن أن يأخذ بالأسباب كلها ثم يتوجه إلى الله بالدعاء، أما لو توجهنا إلى الله بالدعاء وتكاسلنا عن الأخذ بالأسباب فنحن ها هنا كالمتواكلين على الله تبارك وتعالى لأننا لا بد أن نأخذ بالأسباب مع الدعاء لله تبارك وتعالى. وأيضا عندما طلبوا من الله تبارك وتعالى الدعاء طلبوا قمة أنواع الرحمة (ربنا آتنا من لدنك رحمة) من الرحمة التي هي لخاصة الخاصة.
(وهيئ لنا من أمرنا رشدا) الرَشد والرُشد في القرآن الكريم:
/ الرَشد -بفتح الراء والشين- يكون غالبا للأمور الدينية ولا يمنع أن يكون أيضا للأمور الدنيوية، لكن الغالب فيه أن يكون للأمور الدينية (فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا)، (واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا) وهنا أيضا (وهيئ لنا من أمرنا رشدا) فالرَشد هنا طلبهم في الأمور التي تتعلق بالدين ولا يمنع أن يكون في أمور الدنيا.
الله تبارك وتعالى بيّن بعد ذلك أنه استجاب دعاءهم فورا (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا) الفاء ها هنا تفيد سرعة الاستجابة أن الله تبارك وتعالى استجاب لدعائهم عندما أخذوا بالأسباب وتوجهوا إلى الله بالدعاء، الله تبارك وتعالى استجاب لهم واستجاب لهم بأن حفظهم من هؤلاء القوم الأشرار، وحفظ الله عليهم تمسكهم بدينهم فقال تعالى: (فضربنا على آذانهم) أي أنمناهم وأغلقنا آلة السمع لأن الأذن هي جارحة السمع، الجارحة التي يسمع بها الإنسان. والأذن في الغالب هي التي توقظ الإنسان من النوم لأن حاسة السمع عندما ينام الإنسان هي تعمل ولذلك لو نادينا على أحد الناس النيام يستيقظ ويقوم، فالله تبارك وتعالى عندما أراد أن يُنيّمهم هذه الفترة ضرب على آذانهم، وضرب على الآذان حتى يجعلهم ينامون ولا يستيقظون من الأصوات التي تدور حولهم. ونعلم أن حاسة السمع في القرآن تتأخر عن القلب يعني في قوله تعالى (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة).
تتقدم حاسة السمع على حاسة البصر دائما في القرآن الكريم، الحاسة كحاسة، لكن الأذن وهي الجارحة تتأخر عن جارحة الإبصار، يعني في قوله تعالي (ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيدي يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها) ، وأيضا (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها)
السمع كحاسة يتقدم على البصر، والأذن كجارحة تتأخر عن البصر. فما الحكمة في ذلك؟
حاسة السمع تتقدم لأن الطفل يولد وهو يسمع، أما الإبصار الطفل لا يُبصر إلا بعد أسبوع، يعني في الأسبوع الأول لو أشرنا بيدينا أمام عيني الطفل لا يرى شيئا ولا يبصر شيئا، لكنه يسمع من اللحظة الأولى. السمع أيضا هو وسيلة الدعوة إلى الخير أو إلى الشر، يعني عندما يدعو الإنسان أخاه فإنما يدعوه من طريق السمع. ولذلك قلت سابقا إن الله تبارك وتعالى عندما ذكر الوعي، والوعي هذا يتعلق بالعقل لأن الوعي فكر وتفكير فهو يتعلق بالعقل لكن الله تبارك وتعالى ذكر الوعي في موضع وحيد في القرآن الكريم وأسنده إلى الأذن قال (وتعيها أذن واعية). وأيضا هناك سبب طبي آخر في تقديم السمع على البصر، هذا السبب أن مركز الإبصار في الإنسان خلف الدماغ، أما مركز السمع فهو في الجانب الأيسر من الدماغ ولذلك مركز السمع متقدم على مركز الإبصار. واضح.
إذا حاسة السمع كسمع يتقدم للأسباب التي قلتها: رقم واحد أن الطفل يولد به أنه يسمع وهو نائم. أيضا أن مركز السمع في الجانب الأيسر من الدماغ أما مركز الإبصار فهو خلف الدماغ من الخلف. لكن الله تبارك وتعالى عندما يذكر الأذن كجارحة وليست كحاسة سمع، إنما هي ذكرت كجارحة تُذكر بعد العين لأن العين في الأمام والأذن في الجانبين، ففي الترتيب بالنسبة للجوارح البصر مُقدم على السمع ولذلك الأذن تذكر بعد العين. ولذلك رب العباد عندما أراد لهؤلاء القوم أن يناموا هذه الفترة الطويلة ضرب على آذانهم.
وهذا يعطينا درسا تربويا مهما: أن الله تبارك وتعالى عندما يريد لا تسأل أيها العبد كيف سيكون، وكيف سيفعل؟ يعني عندما استجاب لأصحاب الكهف ضرب على أذانهم، هل هم كانوا يتوقعون أن يضرب الله على آذانهم حتى لا يسمعوا وحتى لا يستيقظوا؟ ما كانوا يتوقعون هذا. فأنت عندما تأخذ بالأسباب ثم تتوجه إلى الله بالدعاء وتكون صاحب يقين وحسن ظن بالله، فليس المهم أن تدعو الله تبارك وتعالى وفقط، لا، لا بد أن يكون لديك يقين. وإذا طلبت من الله الرحمة فاطلب قمة أنواع الرحمة وهي من لدنه لأن (لدن) ظرف أقرب من (عند)، يعني فيه (من عندنا) وفيه (من لدنا) الظرف الأقرب هو ( من لدن) والله علمنا أن ندعوه ونطلب منه قمة أنواع الرحمة.
(فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا) كلمة (عددا) نعت لكلمة (سنين) نعت يعني صفة لها، يعني هي بمعنى سنين معدودة.
وكلمة معدودة تدل على أن السنين عددها كثير لأن العدد القليل هو الذي لا يُعدّ، يعني حتى الناس يُعبِّرون عن العدد القليل بعدد أصابع اليد، أما تقولون ذلك، أن الشيء الفلاني بمقدار أصابع اليد أو عدد أصابع اليد يعني قليل، إنما (سنين عددا) معدودة، أي: كثيرة.
وذكرها الله في آية متقدمة في نفس السورة وهي في قوله تعالى (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا) تأملوا دقة التعبير القرآني (ثلاث مائة سنين وازدادو تسعا) هل هي ثلاث مائة وتسع سنين؟ طب لماذا لم يقل ثلاث مائة سنين وتسعا؟
(وازدادوا) تدلنا على أن هناك سرا في الأمر. ما السر؟
أن المجتمع الذي يعيش فيه أهل الكهف كان عندهم العدد بالعدّ الشمسي - الذي نسميه نحن الآن الميلادي - العدد الشمسي الذي هو العدد الميلادي. وفي قوله ثلاث (مائة سنين وازدادوا تسعا) إشارة إلى أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم سيكون العدّ عندهم بالعدّ القمري، والتأريخ لهذه الأمة سيكون بالتأريخ القمري. ونحن عندنا الفرق بين السنة القمرية والسنة الشمسية أحد عشر يوما، وكل مئة سنة يكون الفرق ثلاث سنوات بين السنة القمرية والسنة الشمسية، فلما كانت ثلاث مئة وستزيد على العدّ القمري تسع سنوات، لأن كل مئة يزيد لها ثلاث سنوات. إذا في قوله (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا) بيان للفرق بين التأريخ القمري والتأريخ الشمسي. هذا معنى (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا).
(ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا) (بعثناهم) البعث هنا بمعنى أنهم كانوا ممنوعين من البعث والتصرف، كانوا نائمين، فلما أراد لهم أن يبتعثوا، وأن يتصرفوا، وأن يتحركوا، أيقظهم من نومهم.
(لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا) (لنعلم) بالنون الدالة على تعظيم الله سبحانه وتعالى أي: لنعلم نحن. هل علم الله تبارك وتعالى لم يكن مسبقا؟ نعم الله تبارك وتعالى خلق كل شيء فقدره تقديرا، فعلم الله سابق. إذا لماذا قال هنا (لنعلم أي الحزبين)؟ لنعلم علم وقوع الآن، العلم بوقوع الشيء الآن. إذا هناك علم أزلي، وعلم لوقوع الشيء وظهوره.
(لنعلم أي الحزبين) ما المراد بالحزبين؟ ما الحزبان؟ الحزبان هما فريقان:
قيل إن الفريق الأول هم الفتية لأن الفتية عندما سُئلوا لأن الله قال في الآية التي ستأتينا (وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم) فالفتية يظنون أنهم ناموا يوما أو بعض يوم، لأن اليوم أو بعض اليوم هو أقصى مدة ينامها الإنسان، يعني المعروف عند الإنسان أنه أقصى مدة له ينام يوما أو بعض اليوم، فهم قالوا بحسب فهمهم هذا.
والفريق الثاني: هم أهل المدينة التي يعيشون فيها، لأن أهل المدينة كان لديهم تأريخ اختفاء أصحاب الكهف يعني يعلمون متى اختفوا عن المجتمع. فالله تبارك وتعالى قال (لنعلم أي الحزبين).
وقيل إن الحزبين هنا حزبان كافران، وقيل هما حزبان مؤمنان. لكن القول الذي ذكرته هو الذي يتناسب مع سياق الآيات، أنهم الفتية، وأنهم أهل المدينة التي كانوا فيها.
(أحصى لما لبثوا أمدا) هل (أحصى) هنا أفعل التفضيل؟ لأن أحصى على وزن أفعل. أم هي فعل ماض؟ لأن الله تبارك وتعالى استعمل (وأحصى كل شيء عددا) بالفعل الماضي، وهناك في سورة المجادلة (يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه).
فالبعض يرى أنه فعل ماض، قال به بعض المفسرين. وبعض المفسرين يقول إن (أحصى) هنا أفعل التفضيل. طيب إذا كان أفعل التفضيل علام يدل؟ (أحصى) بمعنى ماذا؟ قالوا: يدل على أيهم أتقن للعدد، أو أتقن للسنين، أيهم أكثر إتقانا.
إذاً.. إذا قلنا إنها أفعل التفضيل فتكون بمعنى أيهم أكثر إتقانا للعدد.
ما معنى (أمدا)؟
قيل عدد ا، وقيل زمنا، يعني عددا من السنوات أو عددا من الشهور، يعني الأمد هو العدد أو الزمن، والزمن أيضا هو عدد. هذه (ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا).
هنا الله تبارك ذكر هذه القصة إجمالا في هذه الآيات الثلاث، يعني من أول (إذ أوى الفتية إلى الكهف) إلى قوله (لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا) هذه هي القصة، ملخص للقصة، ثم ذكر الله بعد ذلك التفصيل للقصة. ولذلك أهل القصة في الدنيا يقولون إن هذه القصة مخالفة لضوابط القصة عندهم لماذا؟ يقولون إجمال ثم تفصيل!! لا ينفع فالمستمع عرف القصة إجمالا فلماذا يأتي التفصيل بعد ذلك؟ نقول لهم إن القرآن الكريم كتاب هداية، ومعنى كتاب هداية أن الله تبارك وتعالى يعطي المعنى الإجمالي للإثارة والتشويق حتى يتهيأ الإنسان لسرد القصة تفصيلا، لأن القصة في القرآن ليست تذكر على سبيل التسالي، ولا تذكر على سبيل السرد التاريخي، لا.. لا هي سرد تاريخي ولا هي للتسالي، إنما هي للاعتبار وللتفكر ولتثبيت الفؤاد.
وهذه القصة لم تُذكر إلا في سورة الكهف، سورة الكهف فيها ثلاث قصص، لم تُذكر إلا فيها:
قصة أصحاب الكهف.
وقصة موسى مع العبد الصالح - مع الخضر-
وقصة ذي القرنين
لم تُذكر إلا في سورة الكهف.
وذكر الله بعد قصة أصحاب الكهف ثلاثة أمور تزحزح اليقين من الإنسان لو أنه لم ينتبه لنفسه.
القصة الأولى: صاحب الجنتين، هذه القصة تمثل أن الإنسان يأتيه طغيان حب المال في القلب، يطغى حب المال في قلبه، لأن فطرة الإنسان أنه يحب المال، وكونه يحب المال ليس بعيب فيه، إنما العيب يبدأ عندما يُدعى إلى الإنفاق، وإلى إعطاء المسكين طعامه فيتأبى ويمتنع ولا يعطي، هاهنا أصبح المال وحب المال طغيان في قلب الإنسان. وأيضا عندما يطغى المال ويطغى حب المال في قلب الإنسان فإنه لا يفتش من حلال أم من حرام، يعني لا يدقق لأنه كل همه أن يجمع المال بعد طغيان حب المال في القلب. إذا أول ما يزحزح اليقين من قلب الإنسان طغيان حب المال.
الأمر الثاني: الاغترار بالدنيا. ولذلك ضرب الله مثلا للحياة الدنيا في هذه السورة وحذف كل المراحل التي تكون في الدنيا، يعني قال (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء، فاختلط به نبات الأرض) بعدها مباشرة (فأصبح هشيما) وعطفها بالفعل.
هناك مراحل؟ أين هذه المراحل؟ الله تبارك وتعالى يختصرها ليعالج القلوب التي اغترت بالدنيا والتي أحبت الدنيا إشارة إلى أنك يوم ولدت أنت ميت، ولذلك أجلُك كُتب قبل أن توجد في الدنيا، وأنت ابن أربعة أشهر. إذا يوم أن ولدت أنت ميت، انتهت الدنيا مهما طالت، ولذلك رب العباد وهو يتحدث عن الدنيا والموت والبعث ومراحل خلق الإنسان في سورة المؤمنون، يعني بعد أن قال (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة..) الخ الآية قال (ثم إنكم بعد ذلك لميتون* ثم إنكم يوم القيامة تبعثون).
ولو تأملنا سويا لأدركنا الآتي: أن الله جل وعلا وهو يتحدث عن الموت أكد الإخبار بالموت بكل المؤكدات، فأكده بالجملة الإسمية، وأكدها بـ (إن)، وأكدها بـ (اللام) (ثم إنكم بعد ذلك لميتون) طب الآن الجملة أو الخبر عندما يؤكد بالمؤكدات الثلاثة لا يخاطب به إلا المُنكر، يعني أنا أخبرك بخبر، متى أؤكد لك بالمؤكدات الثلاثة؟ إذا أنت أنكرت الخبر، لأن مراحل التوكيد تمر هكذا: أنا أخبرك أولا بجملة إسمية فأقول لك أنت ناجح، هذه جملة تدل على الثبوت والدوام، لكنك ما زلت مترددا وعندك شك في كلامي، آتيك بالمؤكد الثاني الذي هو (إن) وأقول: إنك ناجح، ما زال لديك شك لكن الشك الأول يختلف عن الشك الثاني، الشك الأول لأنك كنت خالي الذهن فكان رد الفعل لديك كأنك تشك في كلامي، يعني أنت خال الذهن من قضية النجاح فأنا فاجأتك وقلت لك أنت ناجح، فردت فعلك أنك كالشك في كلامي، كأنك تشك، أكدت لك بالمؤكد الثاني وما زلت تشك، آتيك بالمؤكد الثالث الذي لا مؤكد بعده، آخر المؤكدات وهو اللام. هذه اللام كان ينبغي أن تكون في أول الجملة لأنها دالة على التوكيد لكن لوجود (إن) الدالة على التوكيد فسيجتمع معي حرفين للتوكيد (إن) و(اللام) فقالوا لا بد من زحلقة أحد الحرفين، فتمت زحلقة (اللام) وبقيت (إن) في مكانها، ولذلك تسمى اللام المزحلقة.
طيب إذا كانوا بالضرورة سيزحلقون حرفا لماذا لم يزحلقوا (إن)؟ لأنها لها عمل آخر غير التوكيد وهو أنها تنصب المبتدأ وترفع الخبر، فلو أٌخرت لن تعمل هذا العمل فزُحلقت (اللام).
س: هل هناك أحد من الخلق أنكر الموت؟
الموت لم ينكره أحد، طيب ربنا الآن يخاطب الإنسان بالمؤكدات الثلاثة في الموت، لماذا؟
لأن المؤكدات الثلاثة نظرا لحال الإنسان وانشغاله والتهائه عن الاستعداد للموت، يعني نظرا لحالة الإنسان الذي هو في غفلة وغير مستعد للموت أكد الله بالمؤكدات الثلاث، هذا يسمى عند البلاغيين: تنزيل غير المُنكِر منزلة المُنكِر.
لماذا نزله الله منزلة المُنكِر؟ لأنه في غفلة وغير مستعد للموت.
القسَم ليس من المؤكدات التي تدخل في الإخبار أو الخبر، إنما إذا دخل على الخبر فيكون أكثر توكيدا، إنما التوكيد نفسه: الجملة الإسمية، و(اللام) و(إن) إذا دخلت، ولذلك في قوله تعالى: (والعصر إن الإنسان لفي خسر) فيه (إن) والجملة الإسمية، وفيه (اللام).
طيب أتى في البعث بمؤكدين إثنين فقط (ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) مع أن الناس منهم من أنكر البعث، والذين أنكروا البعث كان ينبغي أن يؤكد البعث بكل المؤكدات. فلماذا لم يؤكد الله البعث ها هنا؟
حديث القرآن عن البعث مر بمرحلتين في القرآن :
المرحلة الأولى: عرض الأدلة، مخاطبتهم بما يفهمون ومخاطبتهم بالأسلوب الذي يجذبهم لمعرفة كمال قدرة الله على البعث. هذه كانت المرحلة الأولى. ولو أخذنا سورة يونس أنموذجا لتبين لنا ذلك.
المرحلة الثانية: مرحلة اليقين بوقوع البعث ويؤمن من يؤمن ويكذب من يكذب. فالآية هذه في مرحلة اليقين خلاص البعث واقع وحاصل فليؤمن من يؤمن، وليكذب من يكذب، والآية التي في سورة سبأ تؤكد ذلك (قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله) أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول الله، الله هو الرزاق.
الرزق من أسس الربوبية فلماذا قال هنا (الله)؟
لأن الله تبارك وتعالى يشير إلى أن ربكم الذي خلقكم ورزقكم هو المستحق للعبادة وللتوحيد فإذا وحدتموه وعبدتم الله حق العبادة فأنتم بذلك مؤمنون. إذن الموت باعتبار حال الإنسان نزّل الله الناس وهم غير منكرين نزلهم منزلة المنكرين، والبعث مرحلة تحقيق يقين وثابت وليؤمن من يؤمن، وليكفر من يكفر.
بدأ الله بعد ذلك: (نحن نقص عليك نبأهم بالحق) من الذي سيقص على النبي صلى الله عليه وسلم نبأهم؟
إنه الله تبارك وتعالى و (نقص عليك نبأهم بالحق) أي بالصدق الذي لا صدق بعده، يعني لا تسمعوا ولا تقرأوا لهذه القصة إلا في كتاب الله المُوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فالله يقصّ علينا نبأهم بالحق.
(إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى) (فتية) فتية بمعنى شباب، بمعنى أنهم من الفتوة، من القوة لأنهم آمنوا وتمسكوا بعقيدتهم بقوة وكان هناك الملك الظالم الجبار لكنهم لجأوا إلى الله تبارك وتعالى وطلبوا من الله أن يحميهم، فحماهم الله تبارك وتعالى. ولذلك قيل إن كلمة (فتية) المأخوذة من الفتوة. الخلاصة فيها أنها تعني الآتي: اجتناب المحارم واستعجال المكارم. إذا الفتية يُوصف بها من يجتنب الحرام ومن يستعجل المكارم التي ترفع قدره. وهذا قول حسن. فهم لما آمنوا بربهم وأخذوا بالأسباب الله قال (وزدناهم هدى) زادهم الله هدى من عنده. كيف يزيد الله عباده هدى؟ وكيف يزيد العبد هداية؟
العبد يأخذ بالأسباب أولا ويعمل بأسباب هداية الدلالة فيوفقه الله جل وعلا لهداية التوفيق والمعونة، وهو في هداية التوفيق والمعونة هو الآن اهتدى، لكن يتطلب المحافظة على الهداية والمزيد من الهداية فكيف يزيده الله هدى؟
يزيده الله هدى بأن ييسر له الخير وييسره لكل خير. ومن أفضل الدعوات التي ندعوها لأنفسنا أن ندعو الله جل وعلا بأن يُيسر الخير لنا وأن يُيسرنا للخير. لأنك قد ييسر لك الخير إلا أنك لا ييسرك الله للخير، الخير مُيسر لك وتستطيع أن تفعله إلا أنك لا تفعل، فأنت الآن يسر الله لك الخير إلا أنك لم تُيسر لهذا الخير. وقد تُيسر للخير إلا أن الخير لا يُيسر لك.
في سورة يوسف فيها قراءتان: (وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم) ، (وقال لفتيته اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) وهذه ستقابلنا في سورة يوسف لأن السور تتداخل، وربما عندما نأتي في يوسف لا نستطيع التفصيل خلونا هنا أفصلها لكم هل الفتية هناك بنفس معنى الفتية هنا أم هناك فرق بين الفتية هنا، والفتية هناك؟
إذا زادهم الله هدى بأن يسّر الخير لهم ويسرهم للخير(والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) فزيادة الهدى ليست خاصة بأصحاب الكهف إنما هي عامة لكل مؤمن.
(إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى) زادهم الله هدى بأن يسر لهم الخير بأن منع عنهم ظلم الملك الجبار الذي كان موجودا، وأنامهم يعني أخفاهم عن عيونه فهو ظن أنهم قد ماتوا فلم يعد يبحث عنهم، وهم لم يستيقظوا من نومتهم إلا بعد ثلاتمائة سنة. أو ثلاثمائة وتسع سنوات بالتأريخ القمري (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى).
(وربطناعلى قلوبهم) هذا هو التثبيت الذي طلبوه من رب العباد.
ونتوقف اليوم عند قوله (وربطنا على قلوبهم) ونبدأ بها في اللقاء القادم بحول الله وقوته.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkahf/49
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق