الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات، أما بعد:
📖 فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله "فصل ويستفاد كون الأمر المطلق للوجوب من ذمه لمن خالفه وتسميته إياه عاصيا وترتيبه عليه العقاب العاجل أو الآجل، ويستفاد كون النهي للتحريم من ذمه لمن ارتكبه، وتسميته عاصيا، وترتيبه العقاب على فعله، ويستفاد الوجوب بالأمر تارة، وبالتصريح بالإيجاب، والفرض والكتب، ولفظة (على) ولفظة (حق على العباد)، و (على المؤمنين)🎙️الشرح: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وأصلح لنا إلهنا شأننا كله، ولا تكننا إلى أنفسنا طرفة عين أما بعد: هذا الفصل والذي بعده يتعلق بالأحكام التكليفية الخمسة التي هي الواجب، والمستحب، والمحرم، والمكروه والمباح، وفائدة ما يذكر رحمه الله تعالى من قواعد قررها أهل العلم أن من يضبط هذه القواعد من خلالها يستطيع أن يميز هل هذا واجب أو مستحب، هذا هو محرم أو مكروه أو مندوب، ومن خلال هذه القواعد يُعرف التمييز بين هذه الأحكام، الأحكام التكليفية الخمسة وهي متعلقة بفعل المكلف بما يقتضي الفعل، أو يقتضي الترك أو التخيير بين الفعل والترك وهي كما تقدم خمسة أحكام:
/ الواجب: وهو ما أمر به الشارع على وجه الإلزام.
/ والمستحب: وهو ما أمر به الشارع لا على وجه الإلزام.
/والمحرم: ما نهى عنه الشارع على وجه الإلزام بالترك.
/ والمكروه: ما نهى عنه الشارع لا على وجه الإلزام بالترك.
/ والمباح: ما لا يتعلق به أمر ولا نهي لذاته.
فهذه خمسة أحكام تكليفية: واجب ومستحب، ومحرم، ومكروه، ومباح، وهذه الأحكام جاءت في القرآن وجاءت في السنة فكيف يستفاد الحكم؟ كيف يعرف الحكم عندما يقرأ المرء النص هل هذا واجب أو مستحب أو محرم، أو مكروه، أو مباح؟
يقول رحمه الله تعالى "ويستفاد كون الأمر المطلق للوجوب من ذمه لمن خالفه وتسميته إياه عاصيا وترتيبه عليه العقاب العاجل أو الآجل. قوله رحمه الله: يستفاد كون الأمر المطلق للوجوب، المقصود بالأمر المطلق أي المجرد عن القرائن لأن الأمر له ثلاثة أحوال:
● الحالة الأولى: أن يقترن به ما يدل على الوجوب فهذا واضح أنه واجب، اقترن به ما يدل على الوجوب مثل الأمر بالمحافظة على الصلاة وإقامتها (حافظوا على الصلاة) (وأقيموا الصلاة).
● والحالة الثانية: أن يقترن به ما يدل على الاستحباب وليس الوجوب، أن يقترن بالأمر ما يدل على الاستحباب مثل ما جاء في الحديث قال عليه الصلاة والسلام (صلوا قبل المغرب) قال (صلوا قبل المغرب) قالها ثلاثا، (صلوا قبل المغرب) ثم قال (لمن شاء) الآن (لمن شاء) هذه قرينة تدل على أنه مستحب وليس واجبا، فإذا الأمر تارة يكون مصحوبا بقرينة تدل على الوجوب، وتارة يكون مصحوب بقرينة تدل على الاستحباب، وتارة يكون مجرد عن القرائن، المجرد عن القرائن ماذا يسمى؟ يسمى الأمر المطلق. فجمهور أهل العلم على أن الأمر المطلق للوجوب، وأن الأصل في الأمر الوجوب، يعني حتى لو لم يكن هناك قرينة في السياق تدل على أنه واجب الأصل أن الأمر للوجوب وهناك دلائل على ذلك مثل قول الله عز وجل (ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) ومثل قوله (فليحذر للذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) مثل قول (أفعصيت أمري) سمى عدم الطاعة للأمر معصية.
قال رحمه الله تعالى: "ويستفاد كون الأمر المطلق للوجوب من ذمه لمن خالفه" وهذا يأتي في النصوص مثلا: (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون) هذا ذنب لمن خالف هذا الأمر (واركعوا مع الراكعين)، وأيضا "تسميته إياه عاصيا" إياه أي تارك الأمر، من لا يفعله، تسميته عاصيا هذا من الدلائل على الوجوب وقد قال الله تعالى (ومن يعص الله ورسوله ويتعدى حدوده يدخله نارا خالدا فيها) وقال (أفعصيت أمري) قوله (أفعصيت أمري) هذه فيها دلالة على أن مخالفة الأمر معصية، وقوله في الآية الأولى (ومن يعص الله ورسوله) هذه تدل على أن المعصية لله والمعصية للرسول عليه الصلاة والسلام بترك الطاعة للأمر من أسباب دخول النار، ختمت الآية بقوله (ويتعدى حدوده يدخله نارا) وقوله رحمه الله تعالى "وترتيبه عليه العقاب عاجلا وآجلا وتسميته عاصيا)، ترتيب العقاب عليه عاجلا وأجلا مثل ما في الآية التي مر الإشارة إليها (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).
قال رحمه الله: "ويستفاد كون النهي للتحريم من ذمه لمن ارتكبه وتسميته عاصيا وترتيبه العقاب على فعله" يستفاد كون النهي للتحريم وهذا هو الأصل في النهي أنه للتحريم مثل ما قال عليه الصلاة والسلام (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه) قال "يستفاد من كون النهي للتحريم من ذمه لمن ارتكبه" ، "من ذمه" أي ذم الشارع لمن إرتكبه مثلا قوله (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) هذا ذنب (لبئس ما كانوا يفعلون)، "وتسميته عاصيا" أي مرتكب النهي، قال (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) فسماه عاصيا، ترك الطاعة لله وارتكاب المنهي سماه الله عز وجل معصية، وأيضا ترتيب العقوبة هي على فعل منهي، هذا يدل على أنه محرم، ترتيب العقوبة على فعله مثل قوله عز وجل (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) رتب على الفعل العقوبة بالنار فهذا يدل على أن النهي للتحريم، نعم.
📖قال رحمه الله: "ويستفاد الوجوب بالأمر تارة، وبالتصريح بالإيجاب، والفرض والكتب، ولفظة (على)، ولفظة (حق على العباد)، و (على المؤمنين).
🎙️الشرح : هذه الآن يعني أمارات وعلامات يستفاد منها أن هذا الحكم واجب يعني بالأمر به، والأمر الأصل فيه أنه للوجوب، ومن ذلكم ما تقدم قول الله عز وجل (وأقيموا الصلاة) ، (حافظوا على الصلوات) (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى) (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها). وبالتصريح بالإيجاب، أي بالتصريح أنه واجب مثل ما جاء في السنة، قوله عليه الصلاة والسلام (غسل يوم الجمعة واجب)، أو بالفرض يعني التصريح بأنه فرض مثل ما ختمت آية المصارف للزكاة الثمانية (إنما الصدقات) ختمت بقوله (فريضة من الله)، "والكتب" يعني كونه كتب على العباد، الكتابة هذه تدل على الوجوب والإلزام مثل قوله (كتب عليكم الصيام)، "ولفظة على" مثل قوله عز وجل (ولله على الناس حج البيت)، "ولفظة حق على العباد" حق على العباد هذه أيضا تدل على الوجوب مثل قوله (حقا على المتقين)، ومثل ما جاء في الحديث (أتدري ما حق العباد على الله، وما حق العباد على الله)، وأيضا (على المؤمنين)، ولفظة (حق على العباد)، و(على المؤمنين) وهذا مثاله ما تقدم (حقا على المتقين)، (أتدري ما حق الله على العباد) نعم.
📖 قال رحمه الله: "ويستفاد التحريم من النهي، والتصريح بالتحريم والحظر، والوعيد على الفعل، وذم الفاعل، وإيجاب الكفارة بالفعل، وقوله (لا ينبغي) فإنها في لغة القرآن والرسول للمنع عقلا وشرعا، ولفظة (ما كان لهم كذا وكذا) و (لم يكن لهم)، وترتيب الحدّ على الفعل، ولفظة (لا يحل)، و (لا يصلح)، ووصف الفعل بأنه فساد، وأنه من تزيين الشيطان وعمله، وأن الله تعالى لا يحبه ولا يرضاه لعباده، ولا يزكي فاعله، ولا يكلمه، ولا ينظر إليه، ونحو ذلك".
🎙️الشرح: قال "ويستفاد التحريم من النهي" هذه الآن أمارات يعرف بها أن هذا الفعل محرم، وأن النهي عنه نهي على وجه الإلزام بتركه، فهذه أمارات يعرف بها ذلك:
الأمر الأول: قال "يستفاد التحريم من النهي" (ولا تقتلوا أنفسكم)، (ولا تقربوا الزنا) (ولا تقربوا مال اليتيم) وهكذا، هذا النهي عنه يستفاد منه التحريم، والأصل في النهي التحريم. قال: "والتصريح بالتحريم" التصريح بالتحريم مثل (وأحل الله البيع وحرم الربا) هذا فيه تصريح بالتحريم، (حرمت عليكم أمهاتكم)، (حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) تصريح بالتحريم والحظر، أي (والتصريح بالحظر) والحظر هو المنع والوعيد على الفعل، (التصريح بالتحريم والحظر) الحظر الذي هو المنع والوعيد على الفعل. والأصل أن الشارع - وهذه قاعدة ذكرها أهل العلم - لا يُتوعد إلا على ترك واجب أو فعل محرم، الوعيد على الفعل مثل (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) وذم الفاعل مثل قوله (لا يحب الكافرين) (لا يحب الخائنين)، (إنهم كانوا قوم سوء فاسقين)، ونظائر ذلك كثيرا، ذم الفاعل يدل على أن الفعل محرم. قال: "وإيجاب الكفارة بالفعل" وهذا أمثلته كثيرة، مثل قتل الخطأ، مثل كفارة اليمين، وغير ذلك. أيضا استفاد من قوله (لا ينبغي) فإنها في لغة القرآن والرسول عليه الصلاة والسلام للمنع عقلا وشرعا (لا ينبغي).
وأيضا لفظة (ما كان لهم كذا) ولفظة أيضا (لم يكن لهم) (ما ينبغي)، (ما كان لهم) و (لم يكن لهم) هذه كلها صيغ تدل على التحريم، (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله)، (ويوم تقوم الساعة يلبس المجرمون ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين). أيضا ترتيب الحد على الفعل، (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة). أيضا لفظة لا يحل تدل على التحريم (فإن طلقها فلا تحل له من بعد)، (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث). أيضا لفظت لا يصلح مجيء هذه اللفظة يدل على التحريم مثل قوله عليه الصلاة والسلام بيد، فلا بأس به، وإن كان نساء، فلا يصلح أن يحرم. أيضا هو وصف الفعل بأنه فساد، وصف الفعل بأنه فساد (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) سمى أو وصف الفعل بأنه فساد فهذا يدل على التحريم، أو وصفه بأنه من تزيين الشيطان (وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون) (ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) هذا كله من تزيين الشيطان. أيضا قول إن الله لا يحبه، هذا يدل على أنه محرم (إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا) (لا يحب المسرفين) (لا يحب الخائنين). وأيضا (لا يرضى لعباده الكفر)، (فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر). كذلك لا يزكي فاعله ولا يكلمه ولا ينظر إليه. هذه أيضا من علامات التحريم (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم). هذه كلها تدل على التحريم. قال "ونحو ذلك" يعني أنه لم يذكر ما ذكر على وجه الحصر ولهذا ختم بقوله "نحو ذلك" مثل لعن الفاعل، لعن الفاعل يدل على تحريم الفعل أو وصفه بأنه ظلم أو لا أظلم منه، هذا يدل على التحريم، وهكذا. نعم.
📖 قال رحمه الله "وتستفاد الإباحة من الإذن والتخيير، والأمر بعد الحظر، ونفي الجُناح، والحرج، والإثم، والمؤاخذة، والإخبار بأنه يعفو عنه، والإقرار على فعله في زمن الوحي وبالإنكار على من حرم الشيء والإخبار بأنه خلق لنا كذا، وجعله لنا وامتنانه علينا به، وإخباره عن فعل من قبلنا غير ذام لهم عليه، فإن اقترن بإخباره مدح دل على رجحانه استحبابا أو وجوبا"
🎙️الشرح: قال "وتستفاد الإباحة" يعني أن هذا الحكم مباح ليس واجب ولا مستحب ولا محرم ولا مكروه، مباح، مباح لا يتعلق به أمر ولا نهي لذاته أباحه الشارع، كيف نعرف أن هذا الحكم مباح؟ قال "تستفاد الإباحة من الإذن" يعني الإذن بالأمر مثلا (أذن للذين يقاتلون) هذا إذن، أذن للذين يُقاتلون بأنهم ظلموا..
وأيضا التخيير، التخيير هذا يدل على الإباحة، لما سئل عليه الصلاة والسلام عن الصوم في السفر قال (إن شئت صم وإن شئت فأفطر) يعني هذا مباح وهذا مباح.
والأمر بعد الحظر يعني بعد المنع، الأمر بعد الحظر يعني بعد المنع يدل على الإباحة يعني قوله عز وجل (وإذا حللتم فاصطادوا) هل قول (فاصطادوا) الأمر هنا للوجوب؟ لا، للإباحة، الأمر بعد الحظر (فإذا قضيتم الصلاة فانتشروا في الأرض)..
كذلك نفي الجناح (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح) نفي الجناح..
ونفي الحرج (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل)
ونفي الإثم (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه)..
ونفي المؤاخذة (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم)..
أيضا الإخبار بالعفو بأنه معفو عنه (لا تسألوا عنا أشياء إن تبدى لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبدى لكم عفا الله عنها) وبالإقرارعلى الفعل في زمن الوحي وهذا يعني ما يعرف بالسنة التقريرية يفعل الشيء بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام يُقره لا ينكره هذا يدل على الإباحة مثل أكل الضب بين يديه عليه الصلاة والسلام ولم يأكل لكنه أقرّ فهذا يدل على الإباحة والجواز..
أيضا بالإنكار على من حرم الشيء (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)..
وأيضا يدل على الإباحة الإخبار بأنه خُلق لنا، خلق لنا كذا، وخلق.. هذا يدل على أن هذا مباح (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) وأيضا جعله لنا (الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم)..
كذلك امتنانه علينا به (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه)..
وأخباره عن فعل من قبلنا له غير ذام لهم، يعني أخبر بفعلهم له ولم يذمهم على ذلك الفعل مثل ما جاء في قصة يوسف عليه السلام (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) هذا أخذ منها الفقهاء عدة أحكام أخذوا منها الضمان، وأيضا أخذوه منه الجعالة والكفالة، أخذوا منه عدة أحكام. قال "فإن اقترن بإخباره مدح" يعني أخبر عمن قبلنا بشي ومدح الفاعل على فعله، هذا يدل على رجحانه استحبابا أو وجوبا، جاء في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال (إن رجلا كان فيمن كان قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه فقيل له هل عملت من خير؟ قال ما أعلم، قيل له انظر، قال ما أعلم شيئا غير أني كنت أبايع الناس في الدنيا وأجازيهم فأُنظِر المُوسر وأتجاوز عن المعسر فأدخله الله الجنة) مثل هذا الذي يعني أخبر ومدح فاعله ورتب على فعله الثواب هذا يدل على إما الوجوب، أو الاستحباب. نعم.
📖 قال رحمه الله "فصل وكل فعل عظّمه الله ورسوله، أو مدحه، أو مدح فاعله لأجله، أو فرح به، أو أحبه أو أحب فاعله، أو رضي به أو رضي عن فاعله، أو وصفه بالطيب أو البركة أو الحسن، أو نصبه سببا لمحبته، أو لثواب عاجل أو آجل، أو نصبه سببا لذكره لعبده أو لشكره له، أو لهدايته إياه، أو لإرضاء فاعله، أو وصف فاعله بالطيب، أو وصف الفعل بأنه معروف، أو نفى الحزن والخوف عن فاعله، أو وعدِه بالأمن، أو نصبه سببا لولايته، أو أخبر عن دعاء الرسل بحصوله، أو وصفه بكونه قربة، أو أقسم به أو بفاعله كالقسم بخيل المجاهدين وإثارتها، أو ضحك الرب جل جلاله عن فاعله، أو عجبِه به، فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب".
🎙️الشرح: نعم،هذ الفصل ذكر فيه رحمه الله تعالى أمارات تدل على أن الفعل مشروع ومشروعية مشتركة بين الوجوب والندب، فهو دليل على مشروعية مشتركة بين الوجوب والندب، فمن علامة كون الفعل مشروعا تعظيم الله عز وجل للفعل، وتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم للفعل، ومدح الفاعل والثناء على فعله لأجله مثل (أولئك هم المفلحون)، (أولئك هم المهتدون)، (أولئك هم أولوا الألباب)، أو فرحه به مثل قوله عليه الصلاة والسلام (لله أشد فرحا بتوبة عبده إذا تاب) ، أو أحب فاعله (إن الله يحب التوابين) ويحب المتقين، ويحب المحسنين..
أو أحب فاعله أو رضي به، أو رضي عنه، رضي به (إن الله يرضى لكم ثلاثا) كما جاء في الحديث، ورضي عنه (رضي الله عنهم)، أو وصفه بالطيب، وصفه أي الفعل بالطيب (قل لا يستوي الخبيث والطيب) (ليميز الله الخبيث من الطيب)، أو وصفه بالبركة (فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة)، أو وصفه بالحُسن مثل (ومن أحسن دينا)، أو نصبه سببا لمحبته أي جعله علامة للمحبة (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني) هذه علامة المحبة يعني أن كل من يدعي محبة النبي عليه الصلاة والسلام يعرِض نفسه على هذه العلامة في الآية (فاتبعوني) إن وجدت العلامة فالمحبة صادقة، أو لثواب عاجل، عاجل أي في الدنيا (آتيناه أجره في الدنيا)، (وأثابهم فتحا قريبا)، (للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة) أو آجل، يعني ثواب مؤجل يوم القيامة (جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار)، أو نصبه سببا لذكره لعبده لأن ذكر الله للعبد تشريف للعبد هذا يدل على فضيلة العمل (فاذكروني أذكركم)، (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي)، أو نصبه سببا لشكره له يعني شكره للعامل (ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم)، أو نصبه سببا لهدايته إياه (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) (ومن يؤمن بالله يهدي قلبه)، أو لإرضاء فاعله (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان) (ورضوان من الله أكبر)، أو وصف فاعله بالطيب مثل (الطيبات للطيبين) (تتوفاهم الملائكة طيبين)، أو وصف الفعل بكونه معروفا (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى) (وقولوا لهم قولا معروفا)، أو نفى الحزن والخوف عن فاعله (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، أو وعَده بالأمن (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) أو نصبه سببا لولايته أي تولي الله عز وجل للعبد (الله ولي الذين آمنوا وهو يتولى الصالحين) (ووليهم بما كانوا يعملون) أو أخبر عن دعاء الرسل بحصوله، يعني جاء في أدعية الرسل فيما توجه الرسل به يطلبونه من الله عز وجل (توفني مسلما) (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا) (وارزقنا وأنت خير الرازقين)، أو وصفه بكونه قربة (ويتخذ ما ينفق قربات عند الله)، أو أقسم به أو بفاعله كالقسم بخيل المجاهدين وإغارتهم (والعاديات ضبحا* فالموريات قدحا* فالمغيرات صبحا) ، أو ضحك الرب جل جلاله من فاعله هذا يدل على أن الأمر ما مشروع ضحك الرب من فعله، أو ضحك أيضا الرسول عليه الصلاة والسلام مثل ما مرّ معنا في ضحك النبي عليه الصلاة والسلام لما جاء الحبر وقال: إنا نجد أن الله يضع السماوات على إصبع..) في نهايته (فضحك رسول الله وصلى الله عليه وسلم) يعني إقرارا لذلك، أيضا في الحديث فقال: (فيضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة) ثم قال عن الثاني (ثم يتوب) ، أو عجَبِه به مثل ما جاء في الحديث أن الله ليعجب من الشاب ليست له صبوة) يعني نشأ من صغره على الطاعة والعبادة لله عز وجل، قال فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب. نعم.
📖 قال رحمه الله "فصل وكل فعل طلب الشارع تركه، أو ذم فاعله، أو عيّب عليه، أو مقت فاعله، أو لعنه، أو نفى محبته إياه، أو محبة فاعله، أو نفى الرضا به، أو الرضا عن فاعله، أو شبّه فاعله بالبهائم أو الشياطين، أو جعله مانعا من الهدى، أو وصفه بسوء أو كراهة، أو استعاذ الأنبياء منه أو أبغضوه، أو جُعل سببا لنفي الفلاح، أو لعذاب عاجل أو آجل، أو لذم، أو لوم، أو ضلالة، أو معصية، أو وصفه بخبث أو رجس أو نجس، أو بكونه فسقا أو إثما، أو سببا لإثم، أو رجس، أو لعن، أو غضب، أو زوال نعمة، أو حلول نقمة، نعم
🎙الشرح: ذكر أمور عديدة ثم ختم رحمه الله فقال: "فهذا ونحوه يدل على المنع من الفعل" وهذا الفصل يؤجل إلى اللقاء القادم بإذن الله سبحانه وتعالى. ونسأل الله جل وعلا أن ينفعنا أجمعين بما علمنا، وأن يزيدنا علما وتوفيقا، وأن يصلح لنا شأننا كله، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
أردت أن أنبه إلى أن ما يتعلق بالفصل الذي انتهينا منه وهذا الفصل الآتي يعني كثير من الأدلة، وأيضا نفس هذه الأمور مستفادة من كتاب [الإيمان في أدلة الأحكام للعز بن عبد السلام] ويظهر -والله أعلم- أن ابن القيم رحمه الله تعالى نقل عنه لأنه على نفس الترتيب، وهناك ذكرها ثم ساق عليها الأدلة، على كل واحد من هذه ذكر الأدلة في كتاب [الإمام في أدلة الأحكام] فما يتعلق بهذا الفصل وأيضا ما يتعلق بالفصل الآتي يمكن يراجع في كتاب الإمام [أدلة الأحكام للعز بن عبد السلام] وابن القيم في [البدائل] رجع إلى هذا الكتاب، والغالب أن هذا الفصل وكذلك الذي بعده أن ابن القيم أخذه بشيء من التصرف من كتاب العز بن عبد السلام.
نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله، وهدانا إليه صراطا مستقيما...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق