الاثنين، 16 سبتمبر 2024

الدرس السادس - من قوله: فصل وتستفاد الإباحة من لفظ الإحلال

 🎧 لسماع الدرس

الحمد لله رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات، أما بعد:
📖 فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله "فصل وتستفاد الإباحة من لفظ الإحلال ورفع الجناح والإذن والعفو وإن شئت فاففعل، وإن شئت فلا تفعل، ومن الامتنان بما في الأعيان من المنافع وما يتعلق بها من الأفعال نحو قوله (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين) ونحو، (وبالنجم هم يهتدون)، ومن السكوت عن التحريم، ومن الإقرار على الفعل في زمن الوحي. 
🎙 الشرح: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. أشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأصلح لنا إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. أما بعد: فلا نزال مع هذه القواعد التي أوردها الشيخ رحمه الله تعالى نقلا عن كتاب بدائع الفوائد للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى. وهذا الفصل فيه ما تستفاد منه الإباحة، أو كيف تُستفاد الإباحة، ويُعرف أن هذا الأمر مباح. وهذا الفصل تقدم معنا نظيره في قوله رحمه الله تعالى فيما سبق "وتستفاد الإباحة من الإذن والتخيير، والأمر بعد الحظر، ونفي الجناح، وإن الحرج والإثم والمؤاخذة، والإخبار بأنه يعفو عنه" هذه كلها نفس الذي ذكر هنا، ربما يكون هنا شيء من الإضافة السيرة جدا. 
وقوله رحمه الله تعالى "تستفاد الإباحة من لفظ الإحلال" يعني مجيء النص بأن هذا الأمر حلال، أو أن الله عز وجل أباحه و أحله جل وعلا لعباده، مثل قول (أحل لكم الطيبات) (أحل لكم صيد البحر) و أحل الله البيع) هذه كلها يستفاد منها الإباحة. وأيضا رفع الجناح (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام) (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) فهذا أيضا مما يستفاد منها أن الأمر مباح. كذلك الإذن (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) أيضا تستفاد الإباحة من مجيء النص بـ إن شئت فافعل و إن شئت فلا تفعل، في الذي قبله قال "والتخيير" هنا قال "وإن شئت فافعل، وإن شئت فلا تفعل" هذا هو نفس الذي مر معنا سابقا. قوله والتخيير و مر مثال ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام لمن سأله عن الصيام في السفر؟ قال (إن شئت فصم وإن شئت فأفطر) هذا تخير، فيدل على الإباحة، إباحة كل من الأمرين. ومن الامتنان بما في الأعيان من المنافع في قبلها أيضا العفو ورفع الجناح، والإذن، والعفو، والعفو (لا تسألوا عن أشياء إن تبدى لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبدى لكم عفا الله عنها) قال "ومن الامتنان بما في الأعيان من المنافع، وما يتعلق بها من الأفعال" وهذا ذكر عليه المثال قال (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين) وأيضا قوله (وبالنجم هم يهتدون).
قال رحمه الله تعالى "ومن السكوت عن التحريم" هذا مستفاد من الحديث (وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها)، قال "ومن الإقرار على الفعل في زمن الوحي"، وهذا ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أنه نوعان:
الأول: إقرار الرب سبحانه وتعالى على فعل زمن الوحي، واستدل له ابن القيم فيما جاء عن جابر رضي الله عنه قال: (كنا نعزل والقرآن ينزل). 
والنوع الثاني: إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم للفعل في زمن الوحي، واستدل له ابن القيم رحمه الله بقول حسان رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه (كنت أنشد وفيه من هو خير منك) يعني فيه الرسول عليه الصلاة والسلام يقصد أنه ما أنكر عليه وأقرني. نعم. 
هنا انتهى ما يتعلق بالأحكام الخمسة التي هي ما يستفاد منها الإباحة في الواجب والمستحب، والحرام، والمكروه، و المباح.
قبل الدخول فيما بعده أشير إلى فائدة لطيفة ذكرها ابن القيم رحمه الله في ثنايا هذا الموضع من كتابه بدائع الفوائد، أورد قول الله عز وجل (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) قال رحمه الله تعالى: "جمعت أصول أحكام الشريعة كلها، فجمع في هذه الآية الأمر والنهي، والإباحة والخبر"
الأمر (خذوا زينتكم عند كل مسجد)
والإباحة (كلوا وأشروا)
والنهي (ولا تسرفوا)
والخبر (إنه لا يحب المسرفين) نعم.

📖 قال رحمه الله "فائدة: التعجب كما يدل على محبة الله تعالى للفعل نحو (عجب ربك من شاب ليست له صبوة) ونحوه قد يدل على بغض الفعل كقوله تعالى (وإن تعجب فعجب قولهم) وقوله (بل عجبت ويسخرون) وقوله (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله) وقد يدل على امتناع الحكم وعدم حسنه كقوله (كيف يكون للمشركين عهد عند الله) ويدل على حسن المنع منه قدرا وأنه لا يليق به فعله لقوله تعالى (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم)
🎙️الشرح: هذه فائدة ذكرها رحمه الله تعالى تتعلق بالتعجب ومقصود ذكر هذه الفائدة في هذا الموطن نحن الآن في سياق القواعد والضوابط التي تتعلق بالتفسير فهذه الفائدة المقصود من إيرادها هنا أن التعجب يأتي على أنواع وفهم هذه الأنواع يعين الناظر والمتأمل على استنباط الحكم ومعرفة الحكم، لأن يأتي التعجب ليراد به شيء، ويأتي في موضع يراد به شيء آخر، يأتي مثلا في موضع تعجب دال على محبة الله للشيء، ويأتي تعجب في موضع آخر دال على بغض الله للشيء، فإذا فُهم هذا المتعلق بأنواع مجيء التعجب يعين على معرفة الحكم أو استنباط الحكم. فائدة القاعدة: التنبيه إلى أن التعجب يحمل مدلولات متنوعة فيستفاد منها في استنباط الأحكام ومعرفة الأحكام. والتعجب يأتي في موطن الاستعظام للشيء، أو الأمر لخروجه عن نظائره، فإذا كان هذا الخروج عن النظائر في أمر حسن ويجمل وأمر طيب فيكون التعجب منه من باب المحبة له، وإذا كان الخروج عن النظائر في فعل منكر وغشيان إثم وعظيمة من العظائم فيكون التعجب منه في باب البغض والكراهية. فهنا ذكر أمثلة لتنوع مجيء تعجب فيقول رحمه الله:" التعجب كما يدل على المحبة للفعل نحو (عجب ربك من شاب ليست له صبوة) هذا حديث عظيم جدا ينبغي أن يعلمه الصغار، أن يعرفه الصغار، مثل أيضا حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ذكر منهم شاب نشأ في طاعة الله، ليس له صبوة، هذا معناه ليس له صبوة، صبوة: يعني ميل للانحراف، منذ نشأ وهو على الجادة مستقيما على طاعة الله عز وجل، إذا العجب هنا ماذا؟ محبة العجب هنا محبة (عجب ربكم من شاب ليست له صبوة). هذا الحديث مثل ما أشرت يحسن أن يعرف الصغار، ومثله حديث شاب نشا في طاعة الله. أريد أن أشير إلى حديث مهم أيضا في باب التعجب وعجب الرب سبحانه وتعالى أيضا أنصح كثيرا أن ينشر بين الرعاة رعاة الإبل ورعاة الغنم أن ينشر ويذكر لهم هذا الحديث ينفعهم الله سبحانه وتعالى به نفعا عظيما، وهو حديث ثابت في سنن أبي داود عن نبينا صلى الله عليه وسلم قال (يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي، فيقول الله عز وجل انظروا عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني، قد غفرت لعبدي، وأدخلته الجنة) راعي غنم ولي من أولياء الله في صلاة، إذا حضر في الصلاة أذن رفع الصوت بالآذان، تشهده الجبال والأشجار، خائف من الله عز وجل بعيد عن عن الفتن والشرور، منشغلا بهذا الأمر، فقال سبحانه وتعالى (قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة) تعجب هنا ماذا؟ محبة، تعجب محبة للفعل، قال كما يدل على محبة الله للفعل كما في هذا الحديث (عجب ربك من شاب) ونحوه، فيه أمثلة له كثيرة في السنة. "قد يدل على بغض الفعل" يعني هذا النوع لم يأتِ عليه مثال، الأول الذي هو لم يأت عليه مثال في القرآن الذي هو العجب عن محبة الله للفعل، أما العجب عن محبة للفعل ليس محبة الله له، عن محبة الله الفعل هذا جاء في القرآن في قصة الجن (إنا سمعنا قرآنا عجبا) هذا مقام محبة، شيء أعجبهم وأحبوه، واهتدوا بسماعه إلى هذا الدين. 
قال "كما أنه يدل على محبة الله الفعل قد يدل على بغض الفعل كقوله (وإن تعجب فعجب قولهم أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم) هذا بغض (إنا لفي خلق جديد) هذا إنكار للبعث، فإذا هنا التعجب إنكار لقولهم وبغض له، قال (وإن تعجب فعجب قولهم)، أيضا قول الله سبحانه وتعالى (بل عجبتُ ويسخرون) وفي قراءة الجمهور (ًبل عجبتَ ويسخرون) ( بل عجبتُ) هذا فعل الرب سبحانه وتعالى مثل ما في الحديث (عجب ربك) يكون هنا التعجب فعل الرب (عجبتُ) أي عجب الرب من صنيع هؤلاء، والقراءة الثانية (عجبتَ) أي أيها الرسول، دلالتها على محبة الله للفعل، هو ساق هذا المساق على محبة الله للفعل من أي القراءتين؟ قراءة الضم (عجبتُ) الذي هو فعل الرب سبحانه وتعالى. وقوله (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله) هذا التعجب أيضا للبغض لصنيع هؤلاء الذي هو الكفر. وقد يدل على امتناع الحكم، التعجب يدل على امتناع الحكم وعدم حسنه كقوله (كيف يكون للمشركين عهد عند الله) هذا يدل على امتناع الحكم وعدم حسنه. وقد يدل أيضا على حسن المنع منه قدرا وأنه لا يليق به سبحانه فعله كقوله (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم) نعم.

📖قال رحمه الله "فائدة: نفي التساوي في كتاب الله قد يأتي بين الفعلين كقوله تعالى (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر) الآية. وقد يأتي بين الفاعلين كقوله (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله) وقد يأتي بين الجزاءين كقوله (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة)، وقد جمع الله بين الثلاثة في آية واحدة وهي قوله تعالى (وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور..) الآيات. 
🎙️الشرح: قال رحمه الله تعالى "فائدة: نفي التساوي في كتاب الله" هذا يأتي كثير في القرآن نفي التساوي (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) قد يأتي بالتنصيص على هذه اللفظة نفي التساوي، وقد يأتي المعنى نفسه (أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أم من يمشي سويا على صراط مستقيم) هذا ماذا؟ نفي تساوي هذا نفي تساوي (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا) هذا نفي تساوي، هذا يأتي في القرآن كثير نفي التساوي، الفائدة هنا أن التساوي في القرآن جاء على أنواع منها:
 / نفي التساوي بين فعلين يعني لا يستوي هذا الفعل وهذا الفعل نفي تساوي بين فعلين مثاله (أجعلتم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر) الفعلين في الأول السقاية والعِمارة، سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، هل هذان الفعلان يساويان الإيمان بالله واليوم الآخر؟ ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن) يعني سويتم بين هذا وهذا؟! (كمن آمن بالله واليوم الآخر) فهذا فيه نفي التساوي بين ماذا؟ فعلين، نفي التساوي بين فعلين.
/ وقد يأتي بين الفاعلين، فاعل وفاعل مثل قوله (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله) ومثل أيضا (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا) هذا نفي التساوي بين فاعلين.
/ وقد يأتي بين الجزاءين الجزاءين ثواب الحسنات وثواب السيئات، قد يأتي بين الجزائين كقوله (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة) هذا فيه نفي التساوي بين جزاء أصحاب النار، وجزاء أصحاب الجنة. قال رحمه الله تعالى "وقد جمع الله بين الثلاثة في آية واحدة وهي قوله تعالى (وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل، ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور) قال هذه الآية جمعت الثلاث، الثلاث ما هي؟ نفي التساوي بين الفعلين، ونفي التساوي بين الفاعلين، ونفي التساوي بين الجزاءين. انظرها في هذه الآيات: قوله (وما يستوي الأعمى والبصير) الأعمى والبصير المراد بهما الجاهل والعالم، الجاهل بالدين والعالم بالدين، هذا هو المراد، هنا نفي التساوي بين الفاعلين، الفاعلين الأعمى والبصير، الجاهل والعالم، نفي التساوي بين الفاعلين. وقوله (ولا الظلمات ولا النور) هنا الظلمات ظلمات الكفر، والنور نور الإيمان، فهنا نفي التساوي بين ماذا؟ الفعلين، بين الكفر والإيمان نفي التساوي بين الفعلين. وقوله (ولا الظل ولا الحرور) الجنة والنار، (ولا الظل ولا الحرور) هذا نفي التساوي بين الجزاءين، فجمعت الآية الأنواع الثلاثة نعم. 

📖قال رحمه الله "فائدة في ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور: التذكير والوعظ والحث والزجر، والاعتبار، والتقرير، وتقريب المراد للعقل وتصويره في صورة المحسوس بحيث يكون نسبته للعقل كنسبة المحسوس إلى الحس. وتأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر، وعلى المدح والذم، وعلى الثواب وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره، وعلى تحقيق أمر، وإبطال أمر".
🎙️الشرح: هذه فائدة تتعلق بالأمثال المضروبة في القرآن والقرآن ضربت فيه أمثال كثيرة (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) والله سبحانه وتعالى حث عباده على عقل الأمثال والتفكّر في الأمثال والانتفاع بها. انظر مثلا قوله سبحانه وتعالى في سورة إبراهيم (ألم ترى كيف ضرب الله مثلا)، وانظر قوله في سورة الحج (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له) استمعوا، فالله عز وجل حث على عباده على عقل الأمثال التي في القرآن وحسن الاستماع لها والانتفاع بها لأن فائدتها عظيمة جد ا، لأن فائدتها للمؤمن. عظيمة جدا، والمثل فائدته أنه يجعل الشيء المعنوي كالشيء المحسوس الذي تراه أمامك لأنه تضرب الأمثال للمعنويات بالمحسوسات، الأشياء المعنوية بالأشياء المحسوسة الآن مثلا الإيمان الذي في القلب، الإيمان الذي القلب وأصوله وما يتفرع عنه وما يثمر.. إلخ. يقول الله عز وجل (ألم ترى كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين) إذا تريد أن تعرف الإيمان وأصوله وفروعه وثماره انظر إلى النخلة لأن النبي عليه الصلاة والسلام تلا هذه الآية وقال هي النخلة، أنظر إلى النخلة جعلها  الله مثل للمؤمن، وجاء في الحديث قال عليه الصلاة والسلام (إن من الشجر شجرة جعلها الله مثلا للمؤمن) هذا مثل للمؤمن، في هذه الآية مماثلة المؤمن للنخلة، مماثلة المؤمن للنخلة، وهناك وجوه شبه بين المؤمن والنخلة، ذكر في الآية أربعة من هذه الوجوه، ودلت النصوص على وجوه كثيرة في الشبه بينهما، كنت كتبت رسالة قديما بعنوان [مماثلة المؤمن للنخلة] وجمعت لطائف وفوائد حول معنى الآية ومدلولها، وأيضا عن أهمية الأمثال وفائدتها العظيمة، فالأمثال لها أهميتها، ومن مرّ بالمثل في القرآن ينبغي أن يحسن تدبر المثل وعقل المعنى، وكان بعض السلف ربما يبكي إذا مرّ بمثل وما فهمه يقول لست من العالمين، الله يقول (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) الفائدة هنا في أن ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور كثيرة متنوعة، فمما يستفاد منه المثل: التذكر (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون)، (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون) فمن فائدة المثل التذكر والوعظ، يعني وعظ الناس بتحذيرهم من محرم، أو وعظهم في ترغيبهم في مثلا في أمر صالح وأمر طيب. الآن لما ضرب الله عز وجل مثل للذي آتاه الله الآيات فانسلخ منها ضرب الله مثله بالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، هذا في وعظ، وفيه أيضا زجر كما سيأتي، ونهي عن ذلك.
 قال "والحث" الحث يعني على العمل والترغيب به (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء، والله واسع عليم) هذا فيه حث على النفقة والبذل في سبيل الله، قال "والزجر" يعني الزجر عن الفعل والتحذير منه والنهي عنه مثل قوله (ومن يشرك بالله فكأنما) هذا مثل (فكأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق) هذا فيه الزجر.
" والاعتبار" تضرب الأمثال في القرآن للاعتبار (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون).
 أيضا التقرير يضرب المثل للتقرير، يعني تقرير الأمر بإثباته مثل (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم  قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) مثل قوله (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) والاعتبار والتقرير، وأيضا تقريب المراد للعقل وتصويره في صورة المحسوس بحيث يكون نسبته للعقل كنسبة المحسوس إلى العقل، هذا مرّ معنا مثاله (ألم ترى كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة) ثم بعدها قال (ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة) هذا مثل يجعل الأمر المعنوي بماذا؟ بصورة الشيء المحسوس المعاين المشاهد.
 تأتي أيضا الأمثال مشتملة على بيان تفاوت الأجر مرّ معنا المثال قوله (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء) هذا فيه التنبيه على التفاوت في الأجور، و مرد التفاوت في الأجور إلى قوة الإخلاص وضعفه، وقوة المتابعة وضعفها، أيضا قوله (مثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فأتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل).
أيضا قال "المدح" يأتي المثل لمدح مثل قول الله عز وجل في الصحابة (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فاستغلظ  فاستوى على سوقه يعجب الزراع) فهذا المثل المراد به المدح والثناء، هذا ثناء عظيم على الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم. 
أيضا يأتي المثل للذم وتقبيح  الأمر، وتقبيح الفاعل (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتباعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض فمثله كمثل الكلب) وأيضا مثلها قوله (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا) هذه أمثال قصد بها الذم. أيضا (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) 
وأيضا تأتي الأمثال مشتملة على الثواب، وبيان الثواب وعظمه، قوله فيما أعده سبحانه وتعالى لأهل الجنة، (وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون).
 وأيضا يأتي المثل مشتمل على تفخيم الأمر مثل (ألم ترى كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء) فهذا فيها تفخيم الأمر فيما يتعلق بكلمة التوحيد لا إله إلا الله. قال: "أو تحقيره" تفخيم الأمر أو تحقير الأمر في الآية التي بعدها (ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة)، وأيضا الأمثال التي ضربت في القرآن لبيان حال الدنيا، هذه ضربت من أجل تحقير الأمر (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه السماء فاختلط به نبات الأرض) إلى تمام الآية. وعلى تحقيق أمر، يعني يأتي المثل مشتملا على تحقيق أمر يعني إثباته وتقريره، وأنه أمر حق ثابت، وسيحصل ويقع قال (كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم) فهذا فيه تحقيق الأمر أن من يفعل فعلهم حري بأن يعاقب مثل عقوبتهم، (وما هي من الظالمين ببعيد)، (أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر).
 وأيضا إبطال الأمر، هذا آخر نوع ذكره رحمه الله تعالى  إبطال الأمر، مثل قول الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) ثم ضرب مثال لذلك قال (كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا، والله لا يهدي القوم الكافرين) نعم. 
 قال رحمه الله "فائدة: السياق يرشد إلى بيان المجمل، وتعيين المحتمل".
نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كل الله، وهدانا إليه صراطا مستقيما ..... سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق