الاثنين، 13 سبتمبر 2021

تفسير سورة التكوير / د. عويض العطوي


 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: هذا اللقاء سيكون بمشيئة الله تعالى حول سورة التكوير.
/ عدد آياتها: تسع وعشرون آية.
/ موضوعاتها : تدور موضوعات هذه السورة حول التغيرات الكبرى التي تسبق يوم القيامة وأيضاً تتحدث عن القرآن وعن الرسولين الذين نقلا هذا القرآن ، الرسول الملكي جبريل عليه السلام ، والرسول البشري محمد صلى الله عليه وسلم وموقف الكفار من ذلك.
مناسبتها لما قبلها : علم المناسبات يبنى على آخر موضوع في السورة السابقة وأول موضوع في السورة اللاحقة.
المناسبة بين نهاية سورة عبس وبين بداية سورة التكوير :
أن سورة عبس انتهت ببيان بعض أحداث يوم القيامة -الصاخة- وما يحصل للناس فيها (وجوهٌ يومئذٍ عليها غبرة ترهقها قترة اولئك هم الكفرة الفجرة) كأن سائلاً يسأل متى يكون هذا اليوم الفظيع العظيم؟ فجاء (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2)) يعني هذا هو وقته.

/ التحليل البياني لمضمون السورة :
بدأت هذه الأحداث العظيمة البالغة اثنا عشر حدثا عظيما مهولا تُقسّم إلى قسمين :
١- ستة أحداث قبل حصول يوم القيامة فهي كالعلامات له والمقدمات له.
٢- ستة بعد بعث الناس وبعد النفخ في الصور وقيام الناس لرب العالمين.
فأما الستة التي تسبق والتي هي علامات وإرهاصات وأحداث عظيمة لحصول يوم القيامة فهي (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)) هذه ستة.

ثم تقوم القيامة ويُبعث الناس تأتي الستة الأخرى: (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13)). هذه ستة وهذه ستة.
وهذا أنسب ما قيل في مثل بيان هذه الأحداث العظيمة التي تسبق يوم القيامة.
الملحوظ: أن هناك أموراً معينة في هذه الأحداث الكبرى يمكن أن نتحدث بشيء من التفصيل سأذكرها لكم بعد ذلك ونقف معها واحدة واحدة. لكن الآن سنذكر بعض التفصيلات في هذه الألفاظ التي وردت. 

 المقطع الأول :

(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ (14) 
الله سبحانه وتعالى يقول (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) بدأ بالحدث الأعظم والأكبر في العالم العلوي وهو السماء ، لأن العلم الأكبر في السماء هو الشمس ، والجرم الأكبر في السماء هو الشمس ، والشمس مصدر الضوء والنور ، ولذلك ناسب أن يكون الحدث معها هو قطع أهم سلطان لها وهو النور ، أعظم سلطان للشمس هو النور ، فالذي يحصل إنهاء هذا النور . (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) ، و (كورت) المقصود بها أُذهب نورها ، يعني جعلت كالكورة لُف بعضها على بعض وبالتالي انطمس نورها وضعف سلطانها.

ستلحظون الآن أنه كل الأحداث التي ستُذكر فيها إذهابٌ لسلطان هذا المخلوق لماذا؟
ليبقى السلطان الأعظم لله سبحانه وتعالى ، حتى هذه المخلوقات على عظمها سيذهب كل سلطانها. الشمس فيها الضوء سينتهي الضوء ، النجوم فيها الجمال وفيها أيضاً مصدر للضوء سيذهب كل هذا ، الجبال فيها مصدر القوة والتثبيت كل هذا سيذهب ، بعد ذلك ستظهر الحقيقة للناس كلهم أن الأمر لله سبحانه وتعالى.

(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) المقصود بالتكوير هو: إدخال بعضها في بعض كما هو الحال في تكوير العمامة إذا لبُست، يدخل بعضها في بعض فيذهب سلطانها وقوتها وبالتالي يذهب نورها ولا شك.
بناء الأفعال كلها في هذه الأحداث للمجهول أو لما لِم يسمَّ فاعله تأدباً مع الله سبحانه وتعالى ، مع أنه معلومٌ أن الذي يكورها هو الله سبحانه وتعالى ، لكن كل الأفعال الواردة بالبناء لما لم يسمَ فاعله يعني ما ذُكر الفاعل. ربما يكون هذا للدلالة على سهولة هذا الأمر.
 وحتى نُقرب هذا المفهوم لكم نقول: إذا كان فيه انسان مهتم برسالة سواء أرسلت أو ما أُرسلت ، كُتبت أو ما كُتبت ، وجاء يسأل بحماس عن هذه الرسالة ما الذي حصل فيها؟ ما الذي تم فيها؟ فيقال له: أرسلت الرسالة، خلاص هل يَهمه من أرسلها؟ أم يَهمه أنها أُرسلت؟ المهم الإرسال وليس المهم -في هذا المثال طبعاً- وليس المهم من أرسلها ، فاهتمامه مُنصبٌ على الفعل لا على فاعله. وهذا قد يكون في بعض الأحيان .. في بعض الأحداث .. في بعض الظروف .. يكون الاهتمام بالفعل أكثر من الاهتمام بالفاعل.
وقد يكون من باب السهولة أُرسلت الرسالة؟ أُصلحت السيارة؟ وكأن الأمر بسيط ما يحتاج حتى أن يُذكر معه الفاعل.
هذا أيضاً قد يكون مقصوداً هنا: أن هذا الأمر الذي ترونه عظيماً لا يحتاج أن يذكر معه الخالق سبحانه وتعالى أنه هو الذي كوّره فهو هينٌ وسهلٌ بالنسبة له سبحانه وتعالى ولذلك بُني الفعل على هذه الصورة ، بل كل الأفعال بُنيت على هذه الصورة. 

(وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ) 
الانكدار جاء مع النجوم ، وأُفردت الشمس لأنها مفردة ، بينما النجوم كثيرة ولذلك جُمعت حتى لا يبقى نجمٌ واحد يخرج عن هذا الأمر فكل النجوم ستنكدر. 
ما معنى تنكدر؟ قالوا يذهب نورها. ومأخوذ من الكُدرة وهو الميل إلى السواد ، كانت مضيئة .. كانت جميلة .. أصبحت الآن كُدرة. وأظن فرق كبير بين وصفي النور والجمال وزينة السماء وبين أن تكون منكدرة ما فيها ضوء ، انتهى سلطانها الذي كانت تُعرف به وهو تزيين السماء والجمال ذهب كله. وقد يكون الانكدار تفرقها وتحطمها وتساقطها وهذا أيضاً من معاني الكلمة. وإذا لم يكن بين المعاني تخالف فحملُ الآية على المعاني كلها أولى. فلماذا لا تكون يذهب نورها وسلطانها في الجمال وأيضاً تتساقط وتذهب من مكانها.

( وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ) 
سلطان السماء أو العلم العظيم في السماء هو الشمس والنجوم المُجمِّلة له. الآن الانتقال إلى العالم الأرضي ، وأعظم علمٍ في العالم الأرضي التي سمّاها الله أعلام أصلاً هي الجبال ، فناسب أن يُبدأ بعلَم الأرض في مقابل علَم السماء. 
الجبال لها وظيفة ذكرها الله سبحانه وتعالى ، أنها أوتاد مثبتة لهذه الأرض. ذُكر معها التسيير ، والتسيير معناه الانتقال ، معناه أنها انتقلت من مكانها وذهبت. إذاً سلطانها الذي هو تثبيت الأرض انتهى ، ليس للأرض الآن ما يثبتها فتُسير .. هذا أمر.
 الأمر الثاني : أن ذكر التسيير مع الجبال فيه مناسبةٌ عجيبة ، تتعلق بأن الجبال رمزٌ للثبات ورمزٌ للثُقل فكونها تُسيّر هذا دليلٌ على عظم القدرة من الخالق سبحانه وتعالى ، والتغيير الهائل الذي يحصل هذه الجبال على ضخامتها ستسير ، وتعرفون الآيات الأخرى ، إذا جمعتها مع هذه الآية تعرف كيف تسير، كيف شأنها ، فتكون أخف ما تكون ، وتذهب تسير حتى في السماء كأنما هي سحاب. 

  (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ) 
الانتقال الآن من العلَم السماوي إلى العلَم الأرضي .. إلى علَم المال ، أنفس ما عند الناس هي العِشار - عند أهل العرب السابقين- فلأنه أنفس مالهم قال الله عزوجل خصوصا من الإبل العشار لأنها أنفس ما عند العرب. هذا على القول بأن العِشار هي الناقة العشراء، جمع ناقة عشراء وهي التي مضى على حملها عدة أشهر. 
وبعضهم يقول: هي التي وضعت ولها عدة أشهر. على كل حال ذكر هذا الصنف خصوصاً لأنه الأنفس عندهم.
(عُطِّلَتْ) يعني تُركت وأهملت بدون راعي. 
س: إذا كانت أنفس المال عندهم لماذا تُترك؟ على ماذا يدل هذا؟
جـ : على أن الهول الذي حصل ألهاهم عن أنفس أموالهم.
يقول أغلب المفسرين : "ويُقاس على هذا كل مالٍ نفيس سواء كان عند البادية أو عند غير البادية" فعند أهل المدن قد يكون الأموال والبنوك والأرصدة وغير ذلك.إذا قامت القيامة سيكون كل هذا مُعطل ، كل الأموال ، كل شيء نفيس عندك سينتهي. 
ولاحظ كلمة (عُطِّلَتْ) دون تركت. 
وقيل: العشار هي السحب المحملة بالماء يعطلها الله عز وجل فلا يجعلها تنزل مطراً على الناس سنواتٍ طويلة حتى تموت البهائم وتموت الأرض ويموت الناس. وعلى هذا التفسير يكون هذا الأمر وهو انحباس الأمطار علامة من علامات الساعة.

(وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ)
ذِكر الوحوش لأننا مازلنا في محيط الأرض ، الأرض ذُكر منها الجبال ، وذُكر منها العِشار ، وذُكر منها الوحوش وذُكرت منها البحار ، بينما لم يُذكر من السماء إلا الشمس والنجوم ، لأن الشمس والنجوم هي الأشياء التي يراها الناس ظاهرة ، وهي التي تزين السماء ، بينما لصوقهم بالأرض ووجودهم في الأرض هم ألصق بهذه الأشياء الكثيرة ، فهم يحتاجون الجبال ، يحتاجون البحار ، يحتاجون العِشار ، يحتاجون ...الخ. فلأن هذه الأشياء كثيرة حولهم ، ولأن الإنسان أكثر انتباهاً لما هو لصيقٌ به كان ذكر الحوادث الأرضية أكثر من ذكر الحوادث العلوية أو السماوية.

(وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ)
س: لماذا ذُكرت الوحوش خصوصاً؟
ج :  لأن الوحوش تتناسب عكسياً مع المذكور في العِشار ، فالعِشار ذكرٌ للحيوان المألوف والوحوش للحيوان غير المألوف - يعني الوحشي -  فقد يتساءل متسائل إذا كانت هذه العِشار حصل لها ما حصل عُطلت يعني تركت.
لاحظ أن الأمر كله ضد المنطق المعروف عند الناس لأن المسألة تغير أحوال ، العادة أن العِشار تُحفظ لكنها في هذا الحدث عُطلت ، العادة أن الوحوش تنفر ، في هذا الحدث حُشرت -جمعت-.
س: من يستطيع أن يجمع الوحوش؟ أصلا ً لفظها يدل على أنها نافرة ، على أنها مؤذية فمن الصعوبة حشرها لكن لأن ذلك اليوم فيه أحداث عجيبة وعظيمة وخارجة عن المألوف ناسب أن تُذكر بهذه الصورة ، والحشر يتناسب مع موضوع السورة أصلا،ً وموضوع السور المكي كلها التي تتحدث عن موضوع البعث وحشر الناس. وإذا كان حشر هذه المخلوقات النافرة هيناً وسهلاً على الله عز وجل فحشر الناس من باب أولى.

(وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ)
الآن انتقالٌ من العالم البري الأرضي إلى العالم البحري المائي. ومن الملاحظ أنه في الماء ذكر شيئا واحدا وهو البحار لأنها تضم كل ما فيها من مخلوقاتها وغير ذلك تتأثر بذلك الحدث الهائل.
نلاحظ أن كل ما عندنا هنا هو الشيء وضده أو سلطانه فما هو الشيء الذي ضد الماء؟ النار.
فالماء ضده النار ولذلك كان الحدث العظيم فيما يخُص البحار هو أنها تُسجّر يعني تُوقد وتُشعل.
أو (تُسجّر) بمعنى تُفجّر وقد جاءت في سورة الانفطار (إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ) معنى (فُجِّرَتْ) إما أنه يعلو ماؤها .. يزيد ماؤها فيتداخل بعضه مع بعض فتصبح بحراً واحداً ، أو أنها تتفجر بحيث أن الحواجز التي بينها تتشقق وتزول ويصبح الماء بحراً واحداً. ولا شك أن هذا الحدث لو حصل أمر هائل وعظيم للغاية. ولا مانع أيضاً من القول بأنها تُوقد.
فإذا جمعنا هذا مع هذا كان للبحار أكثر من وصف ، فهي تُفجّر من جهة وهي تُسجّر من جهة أخرى ، وهذا حدثٌ مرئي وحدثٌ مُحسّ وهو من النار ، والقادر سبحانه وتعالى على إحراق الماء ووجود الإحراق في الماء -وهو أمرٌ عجيبٌ للغاية- قادرٌ سبحانه وتعالى على أن يعيد الناس. لاحظوا كل هذه الألفاظ تبني المهابة في النفوس. هذه الستة الأولى انتهينا منها.
 الآن قامت القيامة وبُعث الناس أول حدث يحصل :
(وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ)
 فيها أكثر من تفسير : 
/ قد يكون (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) يعني رُبطت مع كتابها ، أو رُبطت مع شبيهها ، أو رُبط كل عابدٍ مع معبوده ، أو رُبطت كل فئةٍ مع من يماثلها فالمؤمنون مع المؤمنين والكفار مع الكفار ، أو رُبطت النفوس بالأجساد. وهذا أظهر لأنه الأكثر ظهوراً في الحدث. فمن الأحداث العظيمة اللي تحصل يوم القيامة أن الأجساد تُبعث وتُربط بها نفوسها فتقوم حية ، هذا هو البعث ، الأجساد يُنبتها الله ويُعيد إليها نفوسها فتنمو من جديد ويكون الإنسان حياً وعند ذلك يُحاسب. فهذا أوثق بالمعنى وأكثر لصوقاً به. ولا مانع من الأخذ بالمعاني الأخرى كلها لأنها ستُعطى كتابها ،وسيُقرن كل عابدٍ بمعبوده.
ويقول بعض المفسرين : وجَعْل تزويج النفوس أو ربط النفوس بشيءٍ آخر غير معلوم أي غير محدد لأجل أن تشمل كل ما ذكرناه. والآية تحتملها كلها.

  (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَت)
لما كان الحدث الأكبر يوم القيامة والذي ينكره الكفار هو بعث الناس بعد ما ماتوا ناسب أن يُذكر صورة من صور البعث -إحياء- في مقابله الوأد -إماتة أو إذهابٌ للحياة- فناسب أن يُذكر هذا النوع الفظيع من قتل الناس وهو وأد البنات، وكون وأد البنات يُذكر في هذه الأحداث الضخمة هذا دليلٌ على نصر الله للضعيف والمظلوم.
أنظر السماوات والأرضين والبحار الأحداث الهائلة هذه من ضمن أحداثها التي ستكون والمعدودة أن الموؤدة تُسأل ، الموؤدة الضعيفة هذه التي كان الرجل في الجاهلية يأتي إلى زوجته إذا وضعت ووجدها بنتاً يأخذها ويربيها إلى أن تنمو .. تنمو فتكبر ثم بعد ذلك يقول لأمها زينيها سنذهب بها إلى أعمامها أو أخوالها أو غير ذلك ، وتُزينها وتُلبسها أحسن ملابسها  فيأخذها وقد حفر لها حفرةً من قبل ثم يقول يا بٌنيه انظري في الحفرة فإذا نظرت دفعها فسقطت وأهال التراب عليها. هذا الأمر الفظيع الذي كان يعمله أهل الجاهلية ذُكر هنا لأنه حدثٌ عظيم ، وهذا دليلٌ على أن الله سبحانه وتعالى ينصر الضعيف.

فائدة تربوية :  يجب أن ينتبه الإنسان ويخاف من ظلم الضعفاء على وجه الخصوص ، فإن الله ناصرهم لا محالة. واذا كان أمرهم سيُعلن يوم القيامة من ضمن الأحداث العظيمة فالأمر مُخوفٌ للغاية.

  (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَت) ستُسأل هي أولا ً تعظيماً لشأنها لأن هي تسأل أمام الملأ. وتُسأل باي ذنبٍ قُتلت؟ ولما لم يكن لها ذنبٌ أصلا ،ً بل قُتلت بدون ذنب لكنها تُسأل عن الذنب توبيخاً وتشنيعاً على قاتلها. وهذا كثير في كلامنا، إذا كان الأمر الذي نتحدمعنىث عنه غير موجود أصلا ً وأسأل عنه هذا من باب توبيخ هذا الفاعل وأن أصلا ً لا ذنب لها فكيف تقتلها!! 
أو بمعنى آخر : لو كان لها ذنبٌ لكان قتلها شنيعاً. فكيف قُتلت وهي لا ذنب لها. هذا فحوى الآية.

(وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ)
الآن بُعث الناس فالذي يتناسب مع هذا بعد ذلك نشر الصحف. ما معنى نشرها؟ نشرها على واحد من معنيين :
/ إما أن يكون المقصود نشرها أي توزيعها على أصحابها فيأخذ بعضهم باليمين ويأخذ بعضهم بالشمال ويأخذ بعضهم من وراء ظهره.
/ أو يكون المقصود نشرها أي: فتحها بعد طيها فتكون مطوية ثم تُنشر.
ولا مانع من حمل الآية على المعنيين جميعاً فكلاهما من الأحداث التي تكون في ذلك اليوم.

(وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ)
عودٌ إلى العالم السماوي لكن بأمرٍ مختلف كان الحديث في السّابق علامة من علامات الحصول أمّا الآن فهو حدثٌ من أحداث يوم القيامة.
ما الفرق بينهما؟
كان هناك شيءٌ في السّماء شمسٌ أو نجوم أمّا الآن فالسماء كلها ستُزال كلها .. تُكشط. والكشط هو: الازالة ، وهو مخصوصٌ بإزالة جلد البعير خصوصاً من بين بهيمة الأنعام كلها. فيسمى إزالة جلد البعير  كشطاً، إزالة جلد بقيّة الأنعام يسمّى سلخاً.
ولمّا كان إزالة جلد البعير فيه قوّة ولصوق دل هذا على أن إزالة السّماء أمر ٌ عظيمٌ للغاية، فهي بناءٌ عظيم ، وفيها قوة عظيمة ومع هذا ستُزال.

قد يسأل سائل أين الأرض؟ هذه السماء وأحداث السماء؟
 أولا ً مكونات السماء ثم بعد ذلك السماء نفسها. الأرض ذُكرت مكوناتها لكن الأرض نفسها ما ذُكرت هنا؟!
لعل السر في ذلك: أن الذي ذكر في مكونات السماء كان شيئاً قليلاً متمثل في الشمس وفي النجوم ، أما بقية الكواكب وغيرها فلم يأتِ لها ذِكر. بينما ما يتعلق بالعالم الأرضي فالأشياء التي ذُكرت كفيلة بإيصال الدلالة أن الأرض أصلا كلها تنتهي وتذهب. كيف ذلك؟
الذي يُمسكها - وهو الجبال - سُيرت ، البحار التي تعمل توازن في طبيعتها وبيئتها ومناخها دخل بعضها على بعض ، وحوشها التي هي أسباب الحياة فيها ، والعِشار وغير ذلك والأموال والنفائس جُمعت أو عُطلت أو غير ذلك ، إذا لا حياة فاكتُفي بهذا عن ذكر الأرض وما حصل لها ، والأرض كما ورد في الأحاديث ستُغير (يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات) لا السماء تبقى سماء ولا الأرض تبقى أرض  كل ذلك سيتغير.

 (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ)
هذه نهاية المطاف الآن بعد هذه الأحداث الجحيم مُسعّرة ، والجحيم اسمٌ من أسماء النار ولكنه اسمٌ خاصٌ بالنار ذات الطبقات التي إيقادها طبقات فوق بعضها ، وأيضا هي نار عظيمة وشديدة ، فهي نار عظيمة وشديدة وذات طبقات. أما جهنم فهي نار محشورة في شيء. هذه بعض فروق التسميات في أسماء النار. هذه الجحيم على كثرة طبقاتها تُسعّر أي تُوقد. ولا شك أنها إذا أوقدت على هذه الطبقات ستكون أمرا عظيماً للغاية. في المقابل :

(وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ) يعني قُدمت.
ولاحظ الجنة قُدمت ، ما قال زُينت ، قال قُدمت (أزلفت) والإزلاف هو التقديم. وهذا دليلٌ على تكريم الله لأهل الإيمان ، فالجنة تُقدم لهم على أنها عطاء لهم ، تُقدم لهم .. تُزف لهم .. تُزين لهم .. تُحضر لهم هذه الجنة ، ومن يُحضرها؟ ومن الذي يُزلفها؟ هو رب العالمين سبحانه وتعالى.
عند ذلك بعد هذه الأحداث التي بلغت اثني عشر حدثاً ، بعد هذه الأحداث الهائلة تظهر الحقائق وتَبِين لكل ذي بصرٍ وذي عينين ، يقول الله سبحانه وتعالى بعد ذلك:
(عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ)
هذا هو جواب الشرط المُتمثل في (إذا) المتكررة.. إذا .. إذا .. إذا ، طيب ما الذي سيحصل؟ ما النتيجة؟ (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ) في تلك اللحظة تعلم كل نفسٍ ما أحضرت ، والإحضار هو: جعل الشيء حاضراً. أي ما عملت ، أي ما قدمت في هذه الدنيا تعلم هل هو خير أو شر؟ تُدرك قدر ما قدمت بعد هذه الأحداث الهائلة.
هذا القسم الأول المختص بهذه الأحداث الهائلة التي بدأت بها هذه السورة التي ناسب نهاية سورة عبس.

أما القسم الثاني وهو أيضا مهمٌ هو المتمثل في قوله تعالى:
 (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (27) لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29))
هذا القسم هو المُتعلق بمنزلة هذا الكتاب العظيم. وهذا الكتاب العظيم لم يأتِ الحديث عنه مباشرةً بل جيء الحديث عنه بعد مجموعة أقسام ، ما هذه الأقسام؟ 
قال الله عز وجل (فَلَا أُقْسِمُ) واذا رأيت هذا الأسلوب في القرآن (فلا أقسم) فاعلم أن المقصود أقسم ، فليس هنا نفي الإقسام بقدر ما هو إثبات الإقسام ، ولهذا تفسيرٌ لغويٌ معين يتعلق بمعنى إن كان هناك شيءٌ يُقسَمُ به فلا أقسم إلا بمثل هذا دليل على عِظَم المُقسم به في هذا المقام.
 (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) 
هذه الكلمات الثلاث تتحدث عن أوصافٍ هي في الأصل أوصافٌ لحيوانات والمتعلقة ببعض بقر الوحش وببعض الظباء. والمقصود بالخنس هي: التي تخنُس ، والخُنُوس هو: الاختفاء. والجواري من الجري وهو الإسراع.
والكُنس مأخوذة من الكُناس وهو المكان الذي يأوي اليه الظبي فيلجأ إليه. ولكن سياق الآيات يدل على أن الحديث عن كواكب أو عن نجوم ، والنجوم فيها مجموعة ظواهر تختفي وتظهر ، وتُشرق وتغرب ، وتجري أيضاً تتحرك من مكانها. فهذه الأمور التي هي من خصائص النجوم أقسم الله سبحانه وتعالى بها ، فأقسم بهذه النجوم من حيث ظهورها ، من حيث جريانها ، من حيث اختفائها .
من حيث ظهورها، قد يقول قائل: أين ظهورها ليس في الآية دليل على الظهور؟
نقول ذكر الخنوس وهو الاختفاء دليلٌ على الظهور لأنه لا يُذكر اختفاء شيءٍ إلا إذا كان ظاهراً ، إذا كان ظاهرا نقول اختفى. فعُلم من هذا أن المقصود هي هذه النجوم في هذه الأحوال وهي أحوال عجيبة ولا شك قد نشعر بها أو ندركها وقد لا ندرك كثيرا منها ، لكن بما أن الله أقسم بها فهي أمور عظيمة للغاية.

ثم يقول الله سبحانه وتعالى:
 (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ) في إقسام آخر بظواهر معينة تتكرر على الناس وهي في بداية ونهاية ، في ظهور واختفاء ، وهذا كله دلائل للإنسان لو تأمل فيه أن هذه الدنيا ستنتهي وستأتي يوم آخر ودار أخرى فعلى الإنسان أن ينتبه.

(وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ)  معنى عسعس معناه: أقبل ، وقيل: أدبر ، وقيل: أقبل وأدبر ، ولذلك بما أن الكلمة جاءت عسعس دالة على الإقبال مرة ودالة على الإدبار مرة فلا مانع إذاً أن يكون المقصود الإقسام بالليل في حالتين إذا أقبل وإذا أدبر ، أما في مقابله وهو النهار ما قال سبحانه وتعالى النهار مع أن الذي في مقابل الليل النهار ، قال (والصبح) لأن المراد هنا تحديد زمن معين في الصبح يوحي بالحياة في مقابل الذهاب عند الليل فقال سبحانه وتعالى (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) التنفس المنسوب إلى الصبح الأصل في القرآن أن الألفاظ تؤخذ على ظاهرها كما هي فالصبح يتنفس شعرنا بهذا ، علِمنا بهذا أو لم نعلم ، الصبح يتنفس، والكشوفات الحديثة تدل على أن في الصباح هناك نوع من الغازات ينبعث لا يوجد إلا في الصباح تشعر أنت به إذا تنفست ، ولذلك إذا صلى الواحد الفجر وهو عائد من صلاة الفجر يشعر بأن فيه شيء في الجو غير موجود في غير هذا الوقت وهو انتشار غاز الأوزون ويملأ المكان ، فتجد الإنسان إذا تنفس يشعر بنشوة وبراحة هذا من تنفس الصبح الذي ذكره الله سبحانه وتعالى ، ولا نقول أن هذا مجاز ، بل نقول هذه حقيقة لكننا لم ندركها كبشر ربما ما قسناها ، ما رأيناها لكننا نشعر بآثارها وهذا أيضا من الدلائل العجيبة في القرآن. 
وأيضا كلمة (عسعس) بتركيبها هذا (عس عس) مكونة أولا من حرفين: حرف العين وهو حرف جهوري ظاهر ، العين من أقوى الحروف العربية ظهورا هذا يتناسب مع شيء ، السين حرف هامس والحرف الهامس قد يتناسب مع ذهاب الليل ، وحرف العين قد يكون مناسبا لظهور الليل وظهور النور فيه بالقمر وغير ذلك ، فكون الكلمة جمعت بين (عس عس) عين سين ثم عين سين دليل على أن هذا الأمر متعلق بالليل في ظهوره وفي ذهابه ، في إقباله وفي إدباره كما تدل عليه ترتيب الحروف هنا. 
(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ)
بعد هذه الأقسام المُقسم عليه هنا هو أمر عظيم وهو: أن هذا القرآن هو قول رسول كريم ، قد يكون فيه إشكالية في مفهوم الآية (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (إن) تدل على توكيد الجملة بعدها ، (إنه) الهاء عائدة على القرآن ، طيب القرآن هذا ليس له ذكر أبدا في السورة؟! 
هذا نسميه في اللغة ضمير الشأن ، وضمير الشأن أنك تذكر ضمير ليس له معاد ، ما له شيء سابق ، طيب لماذا تذكره؟ للتدليل على أنك لو ذكرته بالضمير فهو معروف حتى لو لم تذكره ظاهرا. مثل ذلك (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) هل ممكن أن يتجه الذهن إلى شيء غير القرآن في قوله تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)؟ أم أنه مباشرة تتجه للقرآن مع أنه ما ذُكر شيء قبل ذلك. (قل هو الله) (هو) ضمير يعود ولم يذكر لفظ الجلالة قبل ذلك ، كل هذا دليل على أن هذا المذكور في صورة ضمير هو من الظهور بمكان بحيث لا يحتاج أن يُذكر ويكفي أن يذكر ضميره.
(إنه) أي القرآن (لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) و(اللام) تسمى لام مزحلقة تدل على توكيد الكلام.
(لَقَوْلُ رَسُولٍ) الرسول المذكور هنا هو جبريل بدلائل كثيرة ، بدلائل الأوصاف التي بعدها. فيه من يقول أن المقصود هو محمد صلى الله عليه وسلم لكن الظاهر والبيّن هنا أن المقصود هو جبريل عليه السلام ليكون فيه توازن في تفسير الآيات.
طيب هل القرآن هو قول جبريل؟ لا ليس بقوله ، يعني ليس هو الذي أنشأه إنما هو كلام رب العالمين سبحانه وتعالى وإنما جبريل رسولٌ ناقلٌ لهذا الكلام. فلأنه أوصله للنبي صلّى الله عليه وسلم وتلفظ به فيُعد من هذا الباب قائلاً. ولأجل هذا السِّر وهذا الأمر قال الله سبحانه وتعالى (إنّه لقول رسول) ولم يقل سبحانه وتعالى "إنه لقول جبريل" هناك فرق كبير ، لو قيل (إنه لقول جبريل) لكانت نسبته إلى جبريل وأنه مُنشئه أظهر. لكنه نُسِب على أنه رسول، ومعلومٌ عند كل البشر أن  ، فليس هو مُنشئها إنما هو ناقلٌ لها. ولهذا ليس في الآية دليلٌ على القائلين بأن القرآن مخلوق وأن مُنشأه جبريل و..الخ كلام كثيرٍ من الفِرَق في هذا المجال .. أبداً ، هذا أمر ٌ ظاهرٌ في دلالة اللغة وبيّن أن الرسول ناقلٌ لرسالة ، ولكنه ذُكر أنه قال لأنه بلّغه بلفظه للنبي صلى الله عليه وسلم فيُعتبر من هذا الجانب قائلاً ولا يُعد مُنشئاً. 
(إنه لقول رسول) هذا الرسول وهو جبريل عليه السلام وُصف بخمس صفات: أنه [ كريم ، ذي قوة ، مكين ، مُطاع ، أمين ]
خمس صفات وصف الله عز وجل بها جبريل عليه السلام . وجبريل عليه السلام يمثل الرسول الملكي في العالم العلوي لنقل هذا القرآن ، ومحمد صلى الله عليه وسلم يُمثل الرسول البشري الموصل لهذا القرآن إلى البشر ، يقول ابن القيم "فهل علمتم سندا أعلى من هذا ، فجبريل ينقل عن الله ، ومحمد ينقل عن جبريل ، والناس أو الصحابة أو المؤمنون ينقلون عن النبي صلى الله عليه وسلم" هل هناك سند أعلى من هذا السند؟ وهذه الآية واحدة من الآيات الدالة على حفظ الله للقرآن بدلالة الأوصاف التي ذكرها الله عزوجل للرسولين المُبلِغين للقرآن ، الرسول الملكي والرسول البشري عليهم صلوات الله أجمعين.
أول صفة أنه كريم : والكرم يدل على أكثر من معنى:
الأول : الكرم يدل على النفاسة وبالتالي يدل على ان هذا الملَك مُعظّم عند ربه. والرسول الكريم الذي له هذه المكانة والمنزلة عند ربه يُنتخب لشيء كريم. فالحاكم إذا عنده شيء مهم ورسالة عظيمة ينتخب لها أي واحد أم يختار لها أحسن من عنده؟ فإذا وصف الكرم هنا وإن كان للرسول الملكي جبريل عليه السلام هو في النهاية يصب في تعظيم القرآن نفسه - كل الاشياء سنربطها بها ان شاء الله - إذا هو كريم فانتُخِب لحمل رسالة كريمة وهي القرآن.

الثاني: (ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ)
( ذي) يعني صاحب / (ذو) بمعنى صاحب 
ولكن بالتتبع وُجد أن (ذو) تستخدم في مواضع ، و (صاحب) تستخدم في مواضع ، المواضع التي يستخدم فيها (ذو) هي مواضع التعظيم والإجلال ، و(صاحب) تكون فيما هو أدنى من ذلك. ولذلك أنتم لا تقرأون في القرآن صاحب الرحمة وإنما ذو الرحمة ، ذو مغفرة ، ذي الجلال والاكرام ، ما في صاحب ، لا توجد كلمة صاحب مع الله سبحانه وتعالى وإنما تأتي (ذو) لماذا؟ لأن كل ما مع الله عظيم. هذا دليل.
الدليل الثاني : أنه جاءت كلمة (ذو) و (صاحب) مع يونس عليه السلام في قضية الحوت وقضية غرقِه وغير ذلك فجاءت في قوله تعالى(وذا النون إذ ذهب مغاضبا) ذو ، بينما جاءت في موطن آخر (ولا تكن كصاحب الحوت) الحديث عن نبي واحد فكيف جاءت (صاحب) مرة وجاءت (ذو) مرة وأنت تقول الآن إن (صاحب) تأتي في مواضع و (ذو) تأتي في مواضع؟
إذا تأملنا وجدنا: أن كلمة (ذو) أُضيفت في الآية الأولى إلى النون ، وأضيفت (صاحب) في الآية الثانية إلى الحوت ، وفرق بين الحوت والنون ، فالنون هو الحوت العظيم ، والحوت هو الاسم العادي للحوت فناسب أن يُذكر مع الوصف الأعظم للحوت ذو ، ومع الثاني صاحب.
(ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) تكررت هذه ويكفي في الحديث عن واحدة المهم أنه صاحب قوة. 
حسنا.. ما علاقة أن يكون صاحب قوة بقضية نقل القرآن؟ ما علاقتها بتنزيل القرآن وحفظه؟ 
جـ : أن هذا الرسول إذا كان قويا سيستطيع حفظه من الشياطين التي تسترق السمع أو غير ذلك فلن يصيبه أي تحريف أو تبديل
وهذا صحيح. لو أن عندي رسالة مهمة وأرسلت بها واحد ضعيف فيه إمكانية أنه يحصل عليها الأعداء أو تُزور أو تُغير ، لكن إذا أرسلت بها قوي على الأقل يعني أفضل مما تُرسل بها ضعيف فما بالك إذا كان القوي هو جبريل عليه السلام الموصوف بهذا من ربه سبحانه وتعالى. 
ومن دلائل قوة جبريل عليه السلام قوم لوط أنه رفعهم بطرف جناحه وقلبهم ، هذا شيء عظيم فهل تستطيع جن أو إنس أو بشر أن يصلوا إلى هذه الأمانة التي معه؟ هذا معنى أول في قضية قوة جبريل عليه السلام أنه بقوته يمنع الشياطين من الوصول إلى هذا.
الأمر الثاني: لا أحد يجبره على التغيير ، ما يستطيع أحد أن يبدل معه القرآن.
المعنى الثالث: أن هذا الرسول الموصوف بالقوة هو موالي ونصير وصاحب وحليف لهذا الرسول البشري الذي تكذبونه والدليل على هذا (فإن الله هو مولاه وجبريل) فما رأيكم حين يعرف الكفار أن هذا القوي جبريل عليه السلام هو موالي وصاحب وعون ونصير لمحمد صلى الله عليه وسلم، ماذا في هذا؟  ما الدلالة التي تصل لهم؟ القوة والإخافة والإرهاب لهم ، إذا كان هذا النبي العظيم ، إذا كان هذا الرسول الذي هو جبريل عليه السلام نصير لمحمد صلى الله عليه وسلم وهو بهذه القوة فعليكم أن تخافوا.
أيضا: أن ما مع جبريل عليه السلام يُعد أمانة ، فوق أنه رسالة يُعد أمانة ، والأمانة تحتاج إلى قوي (يا أبتِ استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين) لاحظ الربط بين القوة والأمانة. هذا جزء من دلالات قضية القوة الموجودة هنا.
 (مكين) يعني له مكان عظيمة عند ربه سبحانه وتعالى ولذلك الله سبحانه وتعالى قال (عند ذي العرش) ولو كانت المكانة عند غير الله سبحانه وتعالى لكان الأمر فيه سعة ، لكن المكانة والمنزلة والتمكين لجبريل عليه السلام عند رب العالمين ، عند ذي العرش.
وذكر العرش هنا وإضافة (ذو) له أيضا للتدليل على التعظيم في هذا المجال.

(مُطاع) جبريل عليه السلام زيادة على هذا مُطاع،  (مطاعٌ) أي في الملأ الذي هم فيه وهم الملائكة ، وكونه مُطاع أيضا هذه رسالة تصل إلى الكفار بأنه مُطاع وأن معه من يأمرهم فيطيعونه وبالتالي هو أيضا قوي من هذه الجهة.

(ثَمّ) يعني هناك ، مطاعٍ هناك ، (ثم أمين) دائما تذكر الأمانة مع الرسالة ، وذُكرت هذه صفة الأمانة بعد هذا الظرف (ثم) للإشعار بأنها من الصفات المهمة والمميزة لحامل الرسالة فهو أمين.
فلو جمعت هذه الأوصاف الخمسة لوجدت حفظ القرآن فيها ظاهرا : فهو أمين لا يمكن أن يُعدِّل ولا يبدل ولا يغير رُغم ما أعطاه الله من قوة ، رُغم ما أعطاه الله من سلطان فهو مُطاع ، رُغم ما أعطاه الله من المكانة والحظوظ عند رب العالمين لكنه لا يُغير شيئا فيما ائتمن عليه. وقد وُصف النبي صلى الله عليه وسلم بالأمانة.

(وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ)
هذا الوصف خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.
 س: لماذا ذُكرت الصُحبة ولم تُذكر الرسالة؟ بان يُقال وما رسولكم بمجنون؟ لماذا هنا صاحب دون رسول؟ لماذا لم يقل وما رسولكم بمجنون؟
جـ: ذكر الصُحبة هنا مهم لأنه يُشعر بقربه منهم وطول بقائه بينهم فهم قد عرفوا أخلاقه .. أمانته وكل هذه الأمور ثم بعد هذا تصفونه بالجنون!! أنتم تعرفون من هو ، أنتم إذا اردتم أن تضعوا أمانة لا تضعوها إلا عند محمد صلى الله عليه وسلم وفي نفس الوقت يقولون مجنون وهل يضع الناس أماناتهم عند مجنون؟! إلى آخر يوم هاجر فيه النبي صلى الله عليه وسلم كانت أمانات الكفار عنده حتى نعرف أن كثير من الاتهام الذي يُوجهه إلى كثير من صاحب الخير والفضل والدِّين كثير منه مبني على الأهواء فقط وليس هو مبني على الحقائق ، بل كثير منهم مبني على المغالطة أصلا يقولون عنه أنه مجنون وكاذب وساحر وكاهن ثم يضعون أماناتهم عنده إلى آخر يوم هاجر فيه صلى الله عليه وسلم ، الناس لا يضعون أماناتهم عند من يدركون أنه بهذه الصفات لكن هذه فقط لأجل تمييع الأمر وتشويه السُمعة لتبتعد الناس عن دعوته صلى الله عليه وسلم. وما الرسوم التي تسمعونها ، وما الإساءات التي تحصل إلا لأجل إبعاد الناس عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، فأحسن شيء يواجه بها هؤلاء الذين يفعلون هذه الأفاعيل هو زيادة تمسك ، زيادة قراءة في سيرته صلى الله عليه وسلم حتى ينقلب السحر على الساحر كما يقولون ، وأبشركم أن زادت الآن القراءة في السيرة ، زاد الاعتناء بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، زادت قراءة الناس واطلاعهم في جنوب الأرض وفي شرقها وفي العالم كله وهذا (ويمكرون ويمكر لله والله خير الماكرين).

(بمجنون)  الباء هنا يسمونها زائدة والصحيح أنه لا يوجد في القرآن زائد بل هي للتوكيد فهي تدخل على الكلمة لزيادة التوكيد ولزيادة النفي فليس هو صلى الله عليه وسلم بمجنون فيما يقول.
س: لماذا يقولون مجنون؟
جـ: لأنهم رأوا أن كلمة الجنون هي أعلى وصف ممكن أن يُنفّر الناس عنه صلى الله عليه وسلم ، فيقولون المجنون ممكن يهذي بأي كلام ، ممكن يقول أي كلام وبالتالي الناس بطبيعتهم ينفرون من المجنون فأرادوا أن يصفوه صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف.
هذه الأوصاف جاءت بعد أوصاف جبريل عليه السلام الذي نزل بالقرآن ، هل يُعقل أن يأتي مجنون - وحاشاه صلى الله عليه وسلم - بهذا الكلام الذي تسمعونه وهو القرآن؟!

(وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ)
هذا ما يدل على عُلو السند أي ان النبي صلى الله عليه وسلم صعد ورأى جبريل بالأفق المبين بالمكان العالي الظاهر ورآه رؤية حقيقية، وفي قضية الوحي أيضا قابله ورآه وغير ذلك ، فالسند بين النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل عالي جدا حصلت فيه المشاهدة حصلت فيه المشافهة حصل فيه السماع كل هذه الصور حصلت بين هذين الرسولين الكريمين.
أيضآ (ولقد رآه بالرفق المبين) ذكر اتصال النبي صلى الله عليه وسلم بجبريل مهم جدا في نفي هذه الصفات التي يتكلمون عنها ، قضية الشعر قضية الجنون ، قضية الكهانة لماذا؟ 
لأنهم لا يستطيعون أن يصفوا جبريل بهذه الأوصاف فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم قد اتصل به ورآه وسمعه فكيف يكون بهذه الأوصاف وهو يتصل بجبريل عليه السلام!!
(وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) أي محمد صلى الله عليه وسلم ما هو على الغيب - المقصود بالغيب الوحي .. القرآن الذي معه - (بضنين). 
(بِضَنِينٍ) إذا كانت بالضاد -أخت الصاد- فالمقصود ببخيل ، وإذا كانت (بظنين) وهي قراءة ابن كثير والكسائي وهي قراءة صحيحة (بظنين) بالظاء فهي مأخوذة من الظِنة - بالكسر - وهي التهمة ، فعلى المعنيين : يكون المعنى الأول (وما هو على الغيب بضنين) يعني ببخيل.
س: لماذا؟ ما ما مناسبة هذه الكلمة؟
مناسبتها أن الإنسان إذا كان معه شيء نفيس - كريم وقد أخذناها من كلمة كريم السابقة فالرسول الكريم يُرسل بشيء كريم ونفيس - فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم معه شيء نفيس ليس مع البشر مثله شيء فقد يتبادر إلى أذهان بعض الناس أنه قد يضِن ببعضه فلا يعطيهم كله لأن هذا شيء عظيم ، الإنسان من طبعه إذا كان عنده شيء مهم جدا - حتى في المعلومات - إذا عنده معلومات مهمة جدا جدا جدا تجده ما يقولها كلها ، يقولها بالتقسيط وبعضها يقوله وبعضها يتركه من أجل أن يجعل الناس بحاجة إليه باستمرار ، لكن الله عز وجل يقول محمد صلى الله عليه وسلم ما هو من هذا ، فهو لم يضِن بشيء من هذا القرآن أبدا ولم يُخفي منه شيئا. وهذا رد على من يقول أن هذا القرآن ناقص.
أما إذا كان (بظنين) من الظِنة وهي التُهمة فالمقصود: بل ليس بمتهم. وبعض أهل العلم رجح هذه القراءة الثانية على الأولى وإن كان مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلابد من الأخذ بالقراءتين جميعا. وقالوا إن الذي ذُكر عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوصف يوما من الأيام من الكفار بالبخل ، وإنما اتُهم بالجنون أو اتُهم بالكهانة أو بالسحر أو غير ذلك فناسب أن يقال (بظنين) من الظِنة وليس (بضنين) ولكن الصحيح أنه بما أنها ثبتت القراءة فنأخذ المعنى هذا والمعنى هذا.

 (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ )
هنا نفي أن يكون هذا القول بقول شيطان لماذا؟
لأنه يتنافى معه تماما ، فالشيطان يدعو دائما إلى الفحشاء والمنكر وإلى رذائل الأخلاق ، وهذا القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم وبلّغه للناس يدعو إلى مكارم الأخلاق،  فو أن أي متأمل تأمل وجد الفرق بين هذا وهذا.
(شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ ) دائما يُذكر مع الشيطان (الرجيم) والرجم هو: الإبعاد والطرد.

(فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) يعني كيف تفكرون؟ على أي شيء تعتمدون؟ القرآن واضح والدعوة إليه واضحة ثم تقولون أنه قول شيطان أو قول شاعر!! وهل يستطيع أحد أن يقول مثل هذا.

( إِنْ هُوَ ) أي القرآن،  (إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ) معنى (ذِكْرٌ) يحتمل أن يكون ذِكر يعني شرف ومنه قوله تعالى (وإنه لذكر لك ولقومك) ، (ص والقرآن ذي الذكر) يعني ذي الشرف ، فقد يكون المقصود ذكر شرف فهو شرف للعالمين جميعا لمن أراد أن يتشرف فعليه أن يتصل بهذا القرآن. وهذا دعوة لكل مسلم ومؤمن أن يكون له اتصال بالقرآن فهذا شرف عظيم.
المعنى الثاني : أنه ذِكر يعني تذكير ، ومجيء لللفظ القرآني على هذه الصورة فيه إعجاز ليشمل هذا وهذا ، فهو ذكر وشرف وهو أيضا تذكير وعِظة للناس أجمعين.

(لِّلْعَالَمِينَ) كلهم والعالَم هو: كل ما سوى الله، فكل العالمين يدخلون في هذا الأمر حتى غير الناس.. غير البشر، لأن العالَم كل ما سوى الله سواء يدخل فيه الناس العقلاء وغيرهم.

( لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ)
فهو ذكر للعالمين عموما ولكن لمن شاء منهم أن يستقيم يكون أكثر ظهورا وأكثر دلالة على الخير. وكثيرا ما تأتي الآيات دالة على أن الذي يشاء والذي يفعل الأسباب للاستقامة يؤتيه الله سبحانه وتعالى ويعطيه.
هاتان الآيتان تدلان على أن القرآن في أصله فيه هداية للناس أجمعين ، حتى لو كانوا كفار ممكن أن يهتدوا بسبب القرآن ، ولذلك أنا دائما أدعو أننا نستخدم الدعوة بالقرآن ، نُسمعهم القرآن حتى ولو كانوا لا يفقهون العربية ، ونشتغل على هذا الأمر بأي طريقة من الطرق ، عن طريق الإنترنت ، عن طريق أي شيء المهم نجعلهم يسمعون القرآن ، صدقوني لو أن البشر كلهم سمعوا القرآن وهؤلاء الكفار سيكون له تأثير عميق فيهم وتغيير كثير لحياتهم.
ولكن أيضا هناك تأثير آخر على مستوى أخص وهو الذين يشاؤون الاستقامة وهم المؤمنون هذا تأثيره بشكل آخر وأعظم وأكثر هداية لهم.
( لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ) في الآية هذه دليل على أن الإنسان يملِك مشيئة وهذا رد على الجبرية الذين يقولون الإنسان مُسير لا مُخير ، ما له أي دور في حياته فهو عندهم أشياء قُدرت عليه لابد أن يعملها ، نعم لابد أن يعملها لكن بلا مشيئة؟! بلى له مشيئة، له أن يصلي أو لا يصلي ، له أن يعمل الخير أو لا يعمل الخير ، هذه مشيئة لكنها في النهاية تحت مشيئة الله ، ولذلك انظر هذا التوازن  فقد جاءت الآية الثانية (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) أي هذه المشيئة الثابتة لكم هي تحت مشيئة الله.

(وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) هذا فيه رد على القدرية الذين يقولون إن الإنسان له من القدرة والمقدرة أن يفعل ما يشاء ، لا.. ليس له أن يفعل ما يشاء ، إذا لم تكن هذه المشيئة - مشيئة الإنسان - تحت مشيئة الله فلن يستطيع أن يفعل شيئا، فقد يُقدِّر وقد يخطط ولكن لا يحصل شيء مما يريد (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
هذه السورة انتهت بهذه الصورة لكني أذكر في نهايتها:
 أن هذه الآيات السابقة التي هي في بدايتها تكررت فيها (إذا) بعدد الأحداث المكررة ، وكونها تكررت دليل على أن كل حدث منها ، كل حدث لوحده كفيل بأن يُوصل الإنسان إلى الحقيقة المذكورة في نهايتها وهي (علمت نفس ما أحضرت) يعني كأنه قيل : إذا الشمس كورت علمت نفس ما أحضرت ، وإذا النجوم انكدرت علمت نفس ما أحضرت ، لكن لو لم تُكرر بأن قيل : إذا الشمس كورت والنجوم انكدرت والجبال سيرت ، كان ما يصل إلى هذا إلا بمجموعها جميعا.
هذا ما ظهر لنا في هذا الأمر .. ولعلنا نختم بهذا بهذا الأمر الذي ذكرناه لكم قبل قليل هذا اللقاء المبارك. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير ، هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد. 

لتحميل الملف :




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق