(إنه لقول رسول) هذا الرسول وهو جبريل عليه السلام وُصف بخمس صفات: أنه [ كريم ، ذي قوة ، مكين ، مُطاع ، أمين ]
خمس صفات وصف الله عز وجل بها جبريل عليه السلام . وجبريل عليه السلام يمثل الرسول الملكي في العالم العلوي لنقل هذا القرآن ، ومحمد صلى الله عليه وسلم يُمثل الرسول البشري الموصل لهذا القرآن إلى البشر ، يقول ابن القيم "فهل علمتم سندا أعلى من هذا ، فجبريل ينقل عن الله ، ومحمد ينقل عن جبريل ، والناس أو الصحابة أو المؤمنون ينقلون عن النبي صلى الله عليه وسلم" هل هناك سند أعلى من هذا السند؟ وهذه الآية واحدة من الآيات الدالة على حفظ الله للقرآن بدلالة الأوصاف التي ذكرها الله عزوجل للرسولين المُبلِغين للقرآن ، الرسول الملكي والرسول البشري عليهم صلوات الله أجمعين.
أول صفة أنه كريم : والكرم يدل على أكثر من معنى:
الأول : الكرم يدل على النفاسة وبالتالي يدل على ان هذا الملَك مُعظّم عند ربه. والرسول الكريم الذي له هذه المكانة والمنزلة عند ربه يُنتخب لشيء كريم. فالحاكم إذا عنده شيء مهم ورسالة عظيمة ينتخب لها أي واحد أم يختار لها أحسن من عنده؟ فإذا وصف الكرم هنا وإن كان للرسول الملكي جبريل عليه السلام هو في النهاية يصب في تعظيم القرآن نفسه - كل الاشياء سنربطها بها ان شاء الله - إذا هو كريم فانتُخِب لحمل رسالة كريمة وهي القرآن.
الثاني: (ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ)
( ذي) يعني صاحب / (ذو) بمعنى صاحب
ولكن بالتتبع وُجد أن (ذو) تستخدم في مواضع ، و (صاحب) تستخدم في مواضع ، المواضع التي يستخدم فيها (ذو) هي مواضع التعظيم والإجلال ، و(صاحب) تكون فيما هو أدنى من ذلك. ولذلك أنتم لا تقرأون في القرآن صاحب الرحمة وإنما ذو الرحمة ، ذو مغفرة ، ذي الجلال والاكرام ، ما في صاحب ، لا توجد كلمة صاحب مع الله سبحانه وتعالى وإنما تأتي (ذو) لماذا؟ لأن كل ما مع الله عظيم. هذا دليل.
الدليل الثاني : أنه جاءت كلمة (ذو) و (صاحب) مع يونس عليه السلام في قضية الحوت وقضية غرقِه وغير ذلك فجاءت في قوله تعالى(وذا النون إذ ذهب مغاضبا) ذو ، بينما جاءت في موطن آخر (ولا تكن كصاحب الحوت) الحديث عن نبي واحد فكيف جاءت (صاحب) مرة وجاءت (ذو) مرة وأنت تقول الآن إن (صاحب) تأتي في مواضع و (ذو) تأتي في مواضع؟
إذا تأملنا وجدنا: أن كلمة (ذو) أُضيفت في الآية الأولى إلى النون ، وأضيفت (صاحب) في الآية الثانية إلى الحوت ، وفرق بين الحوت والنون ، فالنون هو الحوت العظيم ، والحوت هو الاسم العادي للحوت فناسب أن يُذكر مع الوصف الأعظم للحوت ذو ، ومع الثاني صاحب.
(ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) تكررت هذه ويكفي في الحديث عن واحدة المهم أنه صاحب قوة.
حسنا.. ما علاقة أن يكون صاحب قوة بقضية نقل القرآن؟ ما علاقتها بتنزيل القرآن وحفظه؟
جـ : أن هذا الرسول إذا كان قويا سيستطيع حفظه من الشياطين التي تسترق السمع أو غير ذلك فلن يصيبه أي تحريف أو تبديل.
وهذا صحيح. لو أن عندي رسالة مهمة وأرسلت بها واحد ضعيف فيه إمكانية أنه يحصل عليها الأعداء أو تُزور أو تُغير ، لكن إذا أرسلت بها قوي على الأقل يعني أفضل مما تُرسل بها ضعيف فما بالك إذا كان القوي هو جبريل عليه السلام الموصوف بهذا من ربه سبحانه وتعالى.
ومن دلائل قوة جبريل عليه السلام قوم لوط أنه رفعهم بطرف جناحه وقلبهم ، هذا شيء عظيم فهل تستطيع جن أو إنس أو بشر أن يصلوا إلى هذه الأمانة التي معه؟ هذا معنى أول في قضية قوة جبريل عليه السلام أنه بقوته يمنع الشياطين من الوصول إلى هذا.
الأمر الثاني: لا أحد يجبره على التغيير ، ما يستطيع أحد أن يبدل معه القرآن.
المعنى الثالث: أن هذا الرسول الموصوف بالقوة هو موالي ونصير وصاحب وحليف لهذا الرسول البشري الذي تكذبونه والدليل على هذا (فإن الله هو مولاه وجبريل) فما رأيكم حين يعرف الكفار أن هذا القوي جبريل عليه السلام هو موالي وصاحب وعون ونصير لمحمد صلى الله عليه وسلم، ماذا في هذا؟ ما الدلالة التي تصل لهم؟ القوة والإخافة والإرهاب لهم ، إذا كان هذا النبي العظيم ، إذا كان هذا الرسول الذي هو جبريل عليه السلام نصير لمحمد صلى الله عليه وسلم وهو بهذه القوة فعليكم أن تخافوا.
أيضا: أن ما مع جبريل عليه السلام يُعد أمانة ، فوق أنه رسالة يُعد أمانة ، والأمانة تحتاج إلى قوي (يا أبتِ استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين) لاحظ الربط بين القوة والأمانة. هذا جزء من دلالات قضية القوة الموجودة هنا.
(مكين) يعني له مكان عظيمة عند ربه سبحانه وتعالى ولذلك الله سبحانه وتعالى قال (عند ذي العرش) ولو كانت المكانة عند غير الله سبحانه وتعالى لكان الأمر فيه سعة ، لكن المكانة والمنزلة والتمكين لجبريل عليه السلام عند رب العالمين ، عند ذي العرش.
وذكر العرش هنا وإضافة (ذو) له أيضا للتدليل على التعظيم في هذا المجال.
(مُطاع) جبريل عليه السلام زيادة على هذا مُطاع، (مطاعٌ) أي في الملأ الذي هم فيه وهم الملائكة ، وكونه مُطاع أيضا هذه رسالة تصل إلى الكفار بأنه مُطاع وأن معه من يأمرهم فيطيعونه وبالتالي هو أيضا قوي من هذه الجهة.
(ثَمّ) يعني هناك ، مطاعٍ هناك ، (ثم أمين) دائما تذكر الأمانة مع الرسالة ، وذُكرت هذه صفة الأمانة بعد هذا الظرف (ثم) للإشعار بأنها من الصفات المهمة والمميزة لحامل الرسالة فهو أمين.
فلو جمعت هذه الأوصاف الخمسة لوجدت حفظ القرآن فيها ظاهرا : فهو أمين لا يمكن أن يُعدِّل ولا يبدل ولا يغير رُغم ما أعطاه الله من قوة ، رُغم ما أعطاه الله من سلطان فهو مُطاع ، رُغم ما أعطاه الله من المكانة والحظوظ عند رب العالمين لكنه لا يُغير شيئا فيما ائتمن عليه. وقد وُصف النبي صلى الله عليه وسلم بالأمانة.
(وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ)
هذا الوصف خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.
س: لماذا ذُكرت الصُحبة ولم تُذكر الرسالة؟ بان يُقال وما رسولكم بمجنون؟ لماذا هنا صاحب دون رسول؟ لماذا لم يقل وما رسولكم بمجنون؟
جـ: ذكر الصُحبة هنا مهم لأنه يُشعر بقربه منهم وطول بقائه بينهم فهم قد عرفوا أخلاقه .. أمانته وكل هذه الأمور ثم بعد هذا تصفونه بالجنون!! أنتم تعرفون من هو ، أنتم إذا اردتم أن تضعوا أمانة لا تضعوها إلا عند محمد صلى الله عليه وسلم وفي نفس الوقت يقولون مجنون وهل يضع الناس أماناتهم عند مجنون؟! إلى آخر يوم هاجر فيه النبي صلى الله عليه وسلم كانت أمانات الكفار عنده حتى نعرف أن كثير من الاتهام الذي يُوجهه إلى كثير من صاحب الخير والفضل والدِّين كثير منه مبني على الأهواء فقط وليس هو مبني على الحقائق ، بل كثير منهم مبني على المغالطة أصلا يقولون عنه أنه مجنون وكاذب وساحر وكاهن ثم يضعون أماناتهم عنده إلى آخر يوم هاجر فيه صلى الله عليه وسلم ، الناس لا يضعون أماناتهم عند من يدركون أنه بهذه الصفات لكن هذه فقط لأجل تمييع الأمر وتشويه السُمعة لتبتعد الناس عن دعوته صلى الله عليه وسلم. وما الرسوم التي تسمعونها ، وما الإساءات التي تحصل إلا لأجل إبعاد الناس عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، فأحسن شيء يواجه بها هؤلاء الذين يفعلون هذه الأفاعيل هو زيادة تمسك ، زيادة قراءة في سيرته صلى الله عليه وسلم حتى ينقلب السحر على الساحر كما يقولون ، وأبشركم أن زادت الآن القراءة في السيرة ، زاد الاعتناء بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، زادت قراءة الناس واطلاعهم في جنوب الأرض وفي شرقها وفي العالم كله وهذا (ويمكرون ويمكر لله والله خير الماكرين).
(بمجنون) الباء هنا يسمونها زائدة والصحيح أنه لا يوجد في القرآن زائد بل هي للتوكيد فهي تدخل على الكلمة لزيادة التوكيد ولزيادة النفي فليس هو صلى الله عليه وسلم بمجنون فيما يقول.
س: لماذا يقولون مجنون؟
جـ: لأنهم رأوا أن كلمة الجنون هي أعلى وصف ممكن أن يُنفّر الناس عنه صلى الله عليه وسلم ، فيقولون المجنون ممكن يهذي بأي كلام ، ممكن يقول أي كلام وبالتالي الناس بطبيعتهم ينفرون من المجنون فأرادوا أن يصفوه صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف.
هذه الأوصاف جاءت بعد أوصاف جبريل عليه السلام الذي نزل بالقرآن ، هل يُعقل أن يأتي مجنون - وحاشاه صلى الله عليه وسلم - بهذا الكلام الذي تسمعونه وهو القرآن؟!
(وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ)
هذا ما يدل على عُلو السند أي ان النبي صلى الله عليه وسلم صعد ورأى جبريل بالأفق المبين بالمكان العالي الظاهر ورآه رؤية حقيقية، وفي قضية الوحي أيضا قابله ورآه وغير ذلك ، فالسند بين النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل عالي جدا حصلت فيه المشاهدة حصلت فيه المشافهة حصل فيه السماع كل هذه الصور حصلت بين هذين الرسولين الكريمين.
أيضآ (ولقد رآه بالرفق المبين) ذكر اتصال النبي صلى الله عليه وسلم بجبريل مهم جدا في نفي هذه الصفات التي يتكلمون عنها ، قضية الشعر قضية الجنون ، قضية الكهانة لماذا؟
لأنهم لا يستطيعون أن يصفوا جبريل بهذه الأوصاف فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم قد اتصل به ورآه وسمعه فكيف يكون بهذه الأوصاف وهو يتصل بجبريل عليه السلام!!
(وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) أي محمد صلى الله عليه وسلم ما هو على الغيب - المقصود بالغيب الوحي .. القرآن الذي معه - (بضنين).
(بِضَنِينٍ) إذا كانت بالضاد -أخت الصاد- فالمقصود ببخيل ، وإذا كانت (بظنين) وهي قراءة ابن كثير والكسائي وهي قراءة صحيحة (بظنين) بالظاء فهي مأخوذة من الظِنة - بالكسر - وهي التهمة ، فعلى المعنيين : يكون المعنى الأول (وما هو على الغيب بضنين) يعني ببخيل.
س: لماذا؟ ما ما مناسبة هذه الكلمة؟
مناسبتها أن الإنسان إذا كان معه شيء نفيس - كريم وقد أخذناها من كلمة كريم السابقة فالرسول الكريم يُرسل بشيء كريم ونفيس - فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم معه شيء نفيس ليس مع البشر مثله شيء فقد يتبادر إلى أذهان بعض الناس أنه قد يضِن ببعضه فلا يعطيهم كله لأن هذا شيء عظيم ، الإنسان من طبعه إذا كان عنده شيء مهم جدا - حتى في المعلومات - إذا عنده معلومات مهمة جدا جدا جدا تجده ما يقولها كلها ، يقولها بالتقسيط وبعضها يقوله وبعضها يتركه من أجل أن يجعل الناس بحاجة إليه باستمرار ، لكن الله عز وجل يقول محمد صلى الله عليه وسلم ما هو من هذا ، فهو لم يضِن بشيء من هذا القرآن أبدا ولم يُخفي منه شيئا. وهذا رد على من يقول أن هذا القرآن ناقص.
أما إذا كان (بظنين) من الظِنة وهي التُهمة فالمقصود: بل ليس بمتهم. وبعض أهل العلم رجح هذه القراءة الثانية على الأولى وإن كان مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلابد من الأخذ بالقراءتين جميعا. وقالوا إن الذي ذُكر عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوصف يوما من الأيام من الكفار بالبخل ، وإنما اتُهم بالجنون أو اتُهم بالكهانة أو بالسحر أو غير ذلك فناسب أن يقال (بظنين) من الظِنة وليس (بضنين) ولكن الصحيح أنه بما أنها ثبتت القراءة فنأخذ المعنى هذا والمعنى هذا.
(وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ )
هنا نفي أن يكون هذا القول بقول شيطان لماذا؟
لأنه يتنافى معه تماما ، فالشيطان يدعو دائما إلى الفحشاء والمنكر وإلى رذائل الأخلاق ، وهذا القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم وبلّغه للناس يدعو إلى مكارم الأخلاق، فو أن أي متأمل تأمل وجد الفرق بين هذا وهذا.
(شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ ) دائما يُذكر مع الشيطان (الرجيم) والرجم هو: الإبعاد والطرد.
(فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) يعني كيف تفكرون؟ على أي شيء تعتمدون؟ القرآن واضح والدعوة إليه واضحة ثم تقولون أنه قول شيطان أو قول شاعر!! وهل يستطيع أحد أن يقول مثل هذا.
( إِنْ هُوَ ) أي القرآن، (إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ) معنى (ذِكْرٌ) يحتمل أن يكون ذِكر يعني شرف ومنه قوله تعالى (وإنه لذكر لك ولقومك) ، (ص والقرآن ذي الذكر) يعني ذي الشرف ، فقد يكون المقصود ذكر شرف فهو شرف للعالمين جميعا لمن أراد أن يتشرف فعليه أن يتصل بهذا القرآن. وهذا دعوة لكل مسلم ومؤمن أن يكون له اتصال بالقرآن فهذا شرف عظيم.
المعنى الثاني : أنه ذِكر يعني تذكير ، ومجيء لللفظ القرآني على هذه الصورة فيه إعجاز ليشمل هذا وهذا ، فهو ذكر وشرف وهو أيضا تذكير وعِظة للناس أجمعين.
(لِّلْعَالَمِينَ) كلهم والعالَم هو: كل ما سوى الله، فكل العالمين يدخلون في هذا الأمر حتى غير الناس.. غير البشر، لأن العالَم كل ما سوى الله سواء يدخل فيه الناس العقلاء وغيرهم.
( لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ)
فهو ذكر للعالمين عموما ولكن لمن شاء منهم أن يستقيم يكون أكثر ظهورا وأكثر دلالة على الخير. وكثيرا ما تأتي الآيات دالة على أن الذي يشاء والذي يفعل الأسباب للاستقامة يؤتيه الله سبحانه وتعالى ويعطيه.
هاتان الآيتان تدلان على أن القرآن في أصله فيه هداية للناس أجمعين ، حتى لو كانوا كفار ممكن أن يهتدوا بسبب القرآن ، ولذلك أنا دائما أدعو أننا نستخدم الدعوة بالقرآن ، نُسمعهم القرآن حتى ولو كانوا لا يفقهون العربية ، ونشتغل على هذا الأمر بأي طريقة من الطرق ، عن طريق الإنترنت ، عن طريق أي شيء المهم نجعلهم يسمعون القرآن ، صدقوني لو أن البشر كلهم سمعوا القرآن وهؤلاء الكفار سيكون له تأثير عميق فيهم وتغيير كثير لحياتهم.
ولكن أيضا هناك تأثير آخر على مستوى أخص وهو الذين يشاؤون الاستقامة وهم المؤمنون هذا تأثيره بشكل آخر وأعظم وأكثر هداية لهم.
( لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ) في الآية هذه دليل على أن الإنسان يملِك مشيئة وهذا رد على الجبرية الذين يقولون الإنسان مُسير لا مُخير ، ما له أي دور في حياته فهو عندهم أشياء قُدرت عليه لابد أن يعملها ، نعم لابد أن يعملها لكن بلا مشيئة؟! بلى له مشيئة، له أن يصلي أو لا يصلي ، له أن يعمل الخير أو لا يعمل الخير ، هذه مشيئة لكنها في النهاية تحت مشيئة الله ، ولذلك انظر هذا التوازن فقد جاءت الآية الثانية (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) أي هذه المشيئة الثابتة لكم هي تحت مشيئة الله.
(وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) هذا فيه رد على القدرية الذين يقولون إن الإنسان له من القدرة والمقدرة أن يفعل ما يشاء ، لا.. ليس له أن يفعل ما يشاء ، إذا لم تكن هذه المشيئة - مشيئة الإنسان - تحت مشيئة الله فلن يستطيع أن يفعل شيئا، فقد يُقدِّر وقد يخطط ولكن لا يحصل شيء مما يريد (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
هذه السورة انتهت بهذه الصورة لكني أذكر في نهايتها:
أن هذه الآيات السابقة التي هي في بدايتها تكررت فيها (إذا) بعدد الأحداث المكررة ، وكونها تكررت دليل على أن كل حدث منها ، كل حدث لوحده كفيل بأن يُوصل الإنسان إلى الحقيقة المذكورة في نهايتها وهي (علمت نفس ما أحضرت) يعني كأنه قيل : إذا الشمس كورت علمت نفس ما أحضرت ، وإذا النجوم انكدرت علمت نفس ما أحضرت ، لكن لو لم تُكرر بأن قيل : إذا الشمس كورت والنجوم انكدرت والجبال سيرت ، كان ما يصل إلى هذا إلا بمجموعها جميعا.
هذا ما ظهر لنا في هذا الأمر .. ولعلنا نختم بهذا بهذا الأمر الذي ذكرناه لكم قبل قليل هذا اللقاء المبارك. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير ، هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
لتحميل الملف :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق