الأربعاء، 30 سبتمبر 2020

تفسير سورة هود من الآية (109) إلى نهاية السورة / الأترجة


  بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وبعد .. 
فهذا هو المجلس الثامن والأخير مدارسة سورة هود عليه السلام وانتهى بنا الحديث الى التعقيب الذي ورد في الآيات الكريمة بعد القصص الذي قصه الله عز وجل على نبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم من ثم جاء هذا التعقيب في الآيات الكريمة.
/ ثم قال عزوجل أيضاً في هذا التعقيب قال (فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَٰؤُلَاءِ ۚ ) يعني لا تكن في مرية .. لا تكن في شكٍ (مِّمَّا يَعْبُدُ هَٰؤُلَاءِ) يعني من بطلان ما يعبد هؤلاء من كفار مكة وغيرهم ، (مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ ۚ ) يعني لا يعبدون عبادةً إلا مثل عبادة آبائهم ، يعني نفس الضلال الذي كان عليه آباؤهم هم على دربهم سائرون وعلى نهجهم يسلكون.
 قال عزوجل (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ) نعطيهم نصيبهم حظهم ، النصيب هو الحظ (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ) فإنا لنوفينهم أعمالهم وما وعدناهم عليها بلا نقص على ذلك العمل الذي عملوه.
 وقوله (فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) لاشك أن الخطاب يتوجه أولاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنه أيضاً هو خطابٌ لأمته من بعده ، والأصل أن مخاطبة النبي في القرآن مخاطبةٌ لأمته إلا إذا قام الدليل على تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم.

/ ثم قال الله عز وجل بعد ذلك (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ ).
  قوله (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ) يعني وقع الخلاف بين أتباع موسى عليه السلام فيما بينهم واختلفوا اختلافاً عظيماً وافترقوا فرقاً شتى. وأخبر عزوجل أنه لولا كلمةٌ سبقت من ربك وهي كلمة الإنظار أن الله قطع على نفسه وعداً أن ينظر الناس إلى يوم القيامة وعندئذٍ يحاسبهم ويكافؤهم ويجازيهم على على أعمالهم.
 وذِكرُ قصة موسى عليه السلام في أثناء الحديث عن كفار مكة فيها لفت نظر النبي صلى الله عليه وسلم وتسلية له بأن يقال له إن قومك اختلفوا وكذبوا وأعرضوا وموسى لقي مثل ذلك من قومه، بل من الذين اتبعوه حصل منهم الاختلاف وحصل منهم التنازع وأن الله عزوجل هو الذي يقضي بينهم ويحكم يوم القيامة.
 ثم قال الله عز (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ) يقول عزوجل (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ) يعني أن الكفار التي شكٍ من هذا القرآن وما جاء به وما تضمنه في شكٍ منهم مريب ، والضمير في قوله (إنهم) عائدٌ إلى كل من هو في شكٍ من القرآن من المشركين ويدخل معهم اليهود والنصارى وكل من كان في شكٍ من هذا القرآن الكريم وما جاء به وما دعا إليه.

/ ثم قال عزوجل (وَإِنَّ كُلًّا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ ۚ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) كل من شك في القرآن ، أصلا المنافقون حقيقتهم كفارا لكنهم يظهرون الإيمان ظاهرا وإن كان باطنهم التكذيب. 
قال عزوجل (وَإِنَّ كُلًّا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ) هذا أسلوب تأكيد لمضمونه وهو: أن كل إنسان سيوفى عمله غير منقوص، سيوفى جزاء عمله إن خيرا وإن شرا (وَإِنَّ كُلًّا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ ۚ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

/ ثم قال عز وجل (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا) هذه هي النتيجة ، هي المُحصلة من بعد هذه القصص كلها، من بعد هذه الرحلة الطويلة مع تاريخ الأمم وما واجهه الأنبياء يأتي التأكيد على هذه الحقيقة فيقول الله عزوجل لنبيه ولأتباعه من المؤمنين (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
 فقوله عزوجل (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) يعني استقم على ما أمرك الله عزوجل وشرع لك ، على ما أُمرت به من الأوامر والشرائع وعلى ما نزل إليك ، (وَمَن تَابَ مَعَكَ) قوله: (وَمَن تَابَ مَعَكَ) أصل التوبة الرجوع ، يعني ومن رجع معك إلى الحق وسلك سبيله.
 (وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) هذه الآية العظيمة هي أشبه ما تكون الخلاصة التي نستفيدها من هذه السورة الكريمة ، من هذا التطواف الطويل في تاريخ الأمم أن المؤمن يستقيم على هذا الدين كما أمره الله ، لا يلتفت إلى من أعرض ، لا يلتفت إلى من كذّب ، لا يلتفت إلى من صدّ ، بل يستقيم كما أمره الله عز وجل.
 والحقيقة إن قوله عز وجل (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) هذه ايةٌ جامعةٌ مانعة وهي كما يُروى عن ابن عباسٍ وغيره أنها أشد آيةٍ نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ، لم؟ لأن الله يأمر نبيه أن يستقيم على مثل ما أمره الله ، كما أمرك الله استقم ، ولذلك هذا شديد لأن الله يأمر نبيه أن يستقيم وأن يلتزم بكل ما أمره الله عز وجل، ولهذا جاء أن هذه الآيات ونحوها مما عجّل بشيب النبي صلى الله عليه وسلم لأنها تكليفٌ عظيم أن يستقيم على الدين وأن يلتزم كما أمره الله عزوجل لأن المرء قد يُقصّر وقد يصيبه السهو والكسل والضعف ونحو ذلك، ولكن الله عزوجل بفضله ورحمته غفورٌ رحيم ، ولهذا قال (وَلَا تَطْغَوْا) الطغيان: مجاوزة الحد ، ويكون مجاوزة الحد بمجاوزة حد الشريعة سواءً بفعل ما نهى الله عنه أو ترك ما أمر به. (إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) وهذا تعليلٌ مناسب يعني استقم لأن الله بصيرٌ بما تعمل يعني يعلم ولا يخفى عليه شيء.

/ قال (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) كما أمره بالاستقامة نهاه عن الركون إلى الكافرين، إلى الذين ظلموا أنفسهم بالكفر ونحو ذلك ، ولفظ الركون هو: ميلٌ مع موافقة ، أصل الركون ميلٌ مع موافقة ، مشتقٌ من الرُكن لأن المائل يعتضد بهذا الشيء ، يعتضد إليه، يميل ويعتضد بهذا الذي مال عليه، فإذا كان مائلاً معتضداً هب أن هذا الذي اعتضد عليه ضعيف ماذا سيحصل به؟ سيسقط مباشرةً. ولذلك نهى الله نبيه والمؤمنين أن يركنوا الى الذين ظلموا لأنه ركنٌ ضعيف سيميل بهم ويهوي. وهذه الحقيقة يعني أدب عظيم يجب أن يتربى عليه المؤمن أن لا يركن إلى الظالمين مهما كانت عندهم من قوة ومهما كان عندهم من منعة فإن الركون اليهم سيؤدي إما أن يميل بك الركن في هذه الدنيا ، أو أن تلقى العقوبة من الله في الآخرة ، ولذلك قال (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) فلا يجوز للمؤمن أن يركن إلى الظالمين ولا أن يعتمد عليهم ولا أن يثق بهم.
 ثم قال عز وجل (فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) يعني ليس لكم من أولياء ولا تنصرون أيضا مع ذلك.

/ قال الله عز وجل بعد ذلك (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ) أمر نبيه أن يقيم الصلاة وهنا وقفات:
 الأولى: هذا الارتباط الوثيق بين الأمر بالاستقامة وعدم الركون إلى الظالمين والأمر بالصلاة ليدل على أن الصلاة من أعظم ما يعين المرء على الاستقامة على الحق، ولاشك في ذلك لأن الصلاة صلةٌ بين العبد وربه وهي أعظم زاد ولذلك تتكرر يومياً ، غالب العبادات موسمية، مرة في السنة .. مرة في العمر.. مرة في الأسبوع .. مرة في الشهر ، لكن الصلاة يومياً ، وليست فقط يومياً بل في اليوم أكثر من مرة لأنها صلة بالله عز وجل ، محتاج المؤمن في هذه الدنيا إلى صلة دائمة بالله عز وجل ولهذا قال (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء فقمنٌ أن يستجاب لكم).
/ ثم قال عز وجل (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ) طرف الشيء: ما بين وسطه ، وطرفي النهار هنا أول النهار وآخر النهار يعني عند طلوع الشمس وعند غروبها، فأمر الله عز وجل نبيه أن يقيم الصلاة طرفي النهار يعني في أول النهار وفي آخره.
/ ثم قال بعد ذلك ( وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ) وقوله (زلفاً من الليل) زُلفاً: جمع زُلفة ، والزُلفة: هي الساعة القريبة من أختها يعني وساعةً من الليل وأقم الصلاة طرفي النهار وساعةً من الليل، لماذا أمر عز وجل بإقامة الصلاة طرف النار وزلفاً من الليل؟ 
(إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) هذه قاعدة عامة: أن الحسنات يذهبن السيئات، يكفرن السيئات هذه واحدة، و(يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) يعني يبعدنها عنك لأن الحسنة تقول أختي .. والسيئة تقول أختي..اختي ، فإذا عمل الإنسان الحسنة دعته إلى حسنةٍ أخرى وباعدته عن السيئات، فهي مباعدة بمعنى التكفير ومباعدة بمعنى إبعادها عنك بحيث لا تقع في السيئات. ومعلوم أن الصلوات مما يكفر الله بها الذنوب ، فهناك ذنوب تكفِّرها الأعمال الصالحة مثل الصلاة ورمضان إلى رمضان والحج المبرور والعمرة إلى العمرة، كل هذه أعمالٌ صالحة من الحسنات تُكفر بها الذنوب. على أن المقصود بالذنوب التي تكفر هي صغائر الذنوب واللمم. أما كبائر الذنوب أو تلك التي تتعلق بحقوق العباد فلابد فيها من توبةٍ خاصة بحسبها ونوعها لابد فيها من توبةٍ خاصةٍ.
  (ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ) يعني هذا الذي قصّه الله عزوجل وأخبر به هو ذكرى ، والذكرى: ما يتذكر به الإنسان.
 قال (ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ) يعني للذين يريدون أن يتذكروا، للذين من طبعهم أن يتذكروا أما الذي لا يريد أن يتذكر وهو مُصر على ضلالته لا تنفعه (وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ) فإذاً الذي يتذكر حقيقةً هو الذي عنده قابلية للتذكر، هو الذي يخشى الله كما جاء في آيةٍ أخرى، هو الشخص المستعد لقبول الحق وسماعه والانقياد إليه.

/ قال عزوجل بعد ذلك (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) يأمر نبيه بالصبر، ما حدد له على أي شيءٍ يصبر لكن اذا قرأنا السورة وعرفنا الوقت الذي نزلت عليه والموضوعات التي عالجتها عرفنا أن الصبر هنا يرتبط بدعوته، بالمهمة التي يقوم بها وما لاقاه من قومه من صدٍ وإعراض وبُعدٍ ومجافاة فهو يأمره بالصبر قال (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) لأن الله عزوجل أعدل العادلين وأحكم الحاكمين ولا يضيع عمل عنده ،مهما كان هذا العمل ولو كان مثقال ذرةٍ من خردلٍ أتينا بها وكفى بنا حاسبين ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا)  فقوله ( فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) ارتباط بين الصبر والإحسان فإن هذا الصبر جزاؤه أن الله لا يُضيع أجر المحسنين، فمعناه أن الصبر من الإحسان ، ولهذا يستحق الصابر أن يكافأ وأن يجازى على صبره.

 - وتأملوا هنا : أن الله حينما أمر بالصبر ذكره بعد الأمر بالاستقامة وعدم الركون والأمر بإقام الصلاة ثم قال (وَاصْبِرْ) ليدل على الترابط بين أداء هذه الأمور ومنزلة الصبر، وليدل على أن الصابر أيضاً مُحسن حينما قال ( فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).

/ ثم قال عز وجل بعد ذلك (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ)
 قوله (فَلَوْلَا) هذه أداة تحضيض، يعني: هلا كان من القرون من قبلكم ، هلا كان من القرون الذين سبقوكم أناس ينهون عن الفساد!! وقوله (مِنَ الْقُرُونِ) يعني من الأمم الماضية.
 (أُولُو بَقِيَّةٍ) البقية : يطلق على الفضل والخير، سُمي الخير والفضل بقية لأن الانسان يُبقيه عنده، الإنسان يُبقي عنده أفضل شيءٍ وأخير شيء يبقيه عنده ولذلك يُسمى بقيةً، سمّاهم الله بقية لأنهم خير الناس، وما الذي جعلهم خير الناس؟ هل لأنهم أكثر الناس عبادة أو صدقة أو صوم أو صلاة ليل؟ لا.. بل لأمرٍ واحد وهو: [ينهون عن الفساد في الأرض] هذه أعظم فضيلة يتميز بها المؤمن وهو: أنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولذلك كانت الخيرية لهؤلاء أنهم هم البقية الخيرة لأنهم يأمرون بالمعروف قال (أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ)، وقال الله في الآية الأخرى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) فدائماً ترتبط الخيرية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لماذا الخيرية مرتبطة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ لأن هذا خير يتعدى إلى الغير، الإنسان الذي يصلي في بيته ينفع نفسه ، أو يصوم ينفع نفسه ، أو يتعلم ينفع نفسه ، لكن إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر تعدى خيره إلى غيره فأصبح خيره متعدي، ولاشك أن الخير المتعدي أكثر فضلا وأجرا وثوابا من الخير الخاص.
/ ثم قال الله عز وجل (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ) وهذه دلالة على أن أهل الخير الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر قلة، بقية قليلة.
 (إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ) وتأملوا هذا الربط بين الإنجاء والنجاة والسلامة وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنهي عن الفساد خصوصاً ، ولذلك قال ينهون عن الفساد في الأرض.
 ثم قال (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ) (مَا أُتْرِفُوا) أي ما أُعطوا من الترف، أترفه يعني: أعطاه الترف، مثل أضحكه جعله يضحك، أبكاه جعله يبكي، فأترفه جعله ذا ترفٍ ، فمعنى أُتْرِفُوا: يعني أُعطوا الترف وهو السعة والغنى والنعيم.
 وانظروا التأكيد على مسألة الترف ومسألة الغنى وأنها سبب من أسباب الفساد في الأرض ، وهذا أمرٌ نصت عليه آياتٌ أخر في القرآن الكريم مثل قوله عز وجل (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا) فالترف وأهله من المُترفين هم أسباب فساد الأرض وهم أسباب نزول العقوبة على أهل الأرض. ثم قال الله عز وجل بعد ذلك (وَكَانُوا مُجْرِمِينَ) يعني كانوا آثمين، وهذا ارتباط بين الترف والإثم وأن غالب المترفين أهل إثمٍ وأهل إجرامٍ - والعياذ بالله -.

/ ثم قال عزوجل (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) وهذه قاعدة عامة حيث يقول عزوجل أنه لا يهلك قريةً من القرى بظلمٍ والحال أن أهلها مصلحون (بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) ، وتأملوا في الآية الكريمة حيث يقول عزوجل (وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) ولم يقل أهلها صالحون ليشير إلى أن المقصود هو الفعل الذي يتعدى إلى الغير ويُصلح الآخرين ، وهذا مرتبط بقوله في الآية السابقة (أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَاد) فهناك نهيٌ عن الفساد وإصلاح ، وأعظم الإصلاح أن تمنع الفساد، ولذلك وجود الصالحين في أنفسهم ليس عصمةً وامنةً من العقوبة كلاً، لا بد من الوجود المصلحين لغيرهم ولذلك قال قالت عائشة رضي الله عنها (أنهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم،إذا كثُر الخبث) فإذا كثر الخبث والمنكر فإن الأمة تهلك حتى لو كان فيها الصالحون. وهل يمكن أن يكثُر الخبث وفيه أناس يُصلحون؟ أبداً ممكن يكثر وفي ناس صالحون في أنفسهم. لأن الصالح في نفسه مستقيم في نفسه لكن لا شأن له بمجتمعه ولا شأن له بأسرته ولا بأولاده ولا بقرابته ولا بجيرانه فهذا لا نفع منه لغيره.

/ ثم قال الله عز وجل بعد ذلك (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) وهذا من أعظم التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين وللدعاة إلى الله والمصلحين أن يعلموا أنهم إذا ما أحد قبِل منهم لا يضرهم هذا لأن الله لو يشاء لهدى الناس جميعا، لكن الله من حكمته وقضائه أنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء ولذلك قال (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً) يعني جماعةً واحدة لا اختلاف فيها ولكن (وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) يعني لايزال الاختلاف طبيعة في الناس.
 والحقيقة هذا يعني سورة هود كثير من السنن الاجتماعية التي يجب ينبغي تأملها والوقوف عندها ، وهذه الآية تشير إلى سنة من سنن الاجتماع العظيمة وهي مبدأ الاختلاف بين الناس ، الاختلاف بكل معانيه وبكل مستوياته ومقاييسه ، اختلاف عالي في الاعتقاد وما دون ذلك، في الأعمال والأخلاق والآراء ، وأسباب الاختلاف كثيرة، اختلاف العلم .. اختلاف الفهم .. اختلاف الدين.. اختلاف التقوى والورع.. اختلاف البيئة والنشأة ، تؤثر في الإنسان، يمكن أنت في بلدك يكون لك رأي فاذا انتقلت من بلدك لبلدٍ آخر تغيرت آراؤك وأنت في كل الموضعين تعتقد أنك مصيب ،حينما كان ذلك رأياً لك كنت تعتقد أنك مصيب، ثم لما انتقلت وغيرت مكانك أو بيئتك جدّت لك آراء وأنت تعتقد أنك مصيب فيها، فيجب ألا يزعجنا وجود الاختلاف، أعني به الاختلاف الذي في الدائرة بمفهومها الواسع الذي يقبل هذا يجب ألا تضيق به نفوسنا لأن الله عزوجل جعل ذلك من طبيعة اجتماع الناس، ولذلك قال (وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ*إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ) والخلاف الوارد في الآية الكريمة التي تشير إليه هو الاختلاف العقدي بوجود المؤمن والكافر.

/ قال (وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ) قوله (وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ) يعني لتحقيق هذه الحكمة الإلهية في وجود المؤمن وجود الكافر، في وجود الصراع بين المؤمنين والكافرين ، في وجود من يقول لا إله إلا الله ومن يشرك مع الله، لذلك خلقهم لأن هذا يحقق معنى العبودية لله عزوجل، لو كان كلهم مجبرون على عبودة الله قهراً بالقدرة الإلهية لم يتحقق معنى العبودية الحقه لله عز جل لكن يوجد جند الله المؤمنون الذين يوحدونه ويقاتلون على توحيده أعداءهم، بهذا تظهر معنى عبودية الله عزوجل (وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ) لهذه المعاني.

/ قال عزوجل (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) قضى الله،  (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ، قال الله أن يملأ النار وأن يملأ الجنة من أهلها وهذا من سابق قضائه وحكمه .
 وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ 
/ ثم قال الله عز وجل بعد ذلك (وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) الآن السورة في آخرها وستختم بالمقصود الأساسي من السورة بعد هذا التطواف الطويل في السورة والمرور على تاريخ اممٍ كثيرة يقول الله عز وجل لنبيه (وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) التثبيت: التسكين والمنع من الاضطراب يسمى ذلك تثبيتاً ،اذا سكّنته ومنعته من الاضطراب يكون ذلك تسكينا، وهذا التثبيت قد يكون حسياً كما تثبت الخيمة بأوتادها ، وقد يكون معنوياً بالربط على القلب وإنزال السكينة عليه، وهذا هو المعنى الأول المراد بالآية سكون القلب والربط عليه بحيث يستطيع مقاومة هذا الحزن الذي يرِد عليه بسبب تكذيب الكافرين وإعراضهم عن دين الله عز وجل وهذه من أهم الحِكم التي من أجلها قصّ الله أخبار الأمم الماضية تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعده ، وهذه الطريقة استعملها النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ليُثبتهم على الحق ويُنزل السكينة عليهم ولذلك إذا استوحش الإنسان من جفوة الناس وجفوة المجتمع وقلة الناصرين وقلة من هم على اتباع طريقه فلينظر في سير الصالحين قبله فإنهم يثبتونه ليعلم أن هذا الطريق الذي يمشي عليه ويسير عليه قد مضى عليه أمم وأجيال، تاريخ طويل من الجهاد في سبيل الله ولهذا النبي مرةً كان متوسداً الكعبة فجاءه أحد الصحابة يشكو له يقول: (ألا تدعوا الله لنا، ألا تستنصر لنا) في أشد حالات المسلمين ضعفاً، كانوا يعذبون بلال وعمار وغيره من الصحابة كانوا يعذبون، ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم؟ لم يقل شيء وإنما ضرب مثالاً، قال: ( كان من قبلكم يؤتى بالرجل فيحفر له في الأرض فيُدفن فيها ويُنشر بمنشار ما بين لحمه وعظمه ويُفرق فرقين ما يصرفه ذلك عن دينه ما يصرفه ذلك عن دينه) ثم قال: (والله ليُتمن الله هذا الأمر) فالنبي صلى الله عليه وسلم ضرب مثالاً من تاريخ القصص الماضية لتثبيت قلب المؤمنين وصبرهم حتى يعلم إن أُصبت وأصابك البلاء والعذاب فلست وحيداً في ذلك بل سبقك أنبياءٌ كُثُر، سبقك الصالحون وأولياء لله عزوجل ساروا على هذا الطريق فيورثك ذلك ثباتاً على الحق الذي أنت عليه ، ولذلك يقولون من أعظم التثبيت القراءة في سير الصالحين الذين مضوا قبلك بأن تقتدي بهم وأن تسلك سبيلهم.
 ثم قال عز وجل (وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ)
 قوله (وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِالإشارة هنا وقع خلاف بين المفسرين فيها: أهي إشارة الى السورة نفسها - سورة هود - بكل ما فيها ، أو هي إشارة إلى الأنباء التي جاءته حين قال (وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ) ، يعني وجاءك في هذه يعني في هذه الأنباء، أو وجاءك في هذه السورة ، المعنى الحقيقة لا تعارض فيه بل في هذه الأنباء بما دلت عليه هذه السورة ، كلها تتضمن الموعظة (وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ) الحق: يعني الصدق المطابق للواقع ، هذا الوصف الأول أنه حق ، ثم قال (وَمَوْعِظَةٌ)  والوصف الثاني الموعظة وأصل الموعظة اسم مصدر الوعظ ، والوعظ هو: الاتعاظ بما حصل من الماضين، أن يتعظ وأن يتذكر بما حصل للماضين.
 (وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ) ذكرى يتذكرونها تحصل لهم بها العظة ويحصل لهم بها التذكر،( وذكرى) لكن لمن هذه الذكرى للمؤمنين وليست لكل أحد بل للمؤمنين خصوصا.
 
/ ثم قال الله عز وجل بعد ذلك (وَقُل لِّلَّذِينَ) يوجه نبيه صلى الله عليه وسلم يقول له (وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ *وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ) قل للذين لا يؤمنون بما جئت به ، لا يصدقون به ، لا بأس (اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ) يعني اعملوا على المكان الذي أنتم عليه ، على الطريقة التي أنتم عليها، على العقيدة التي أنتم عليها فإنا عاملون على ما أمرنا الله وعلى الطريقة التي نعتقدها.
وهذا حد المفاصلة بحيث يعني يصل الإنسان إلى هذه المرحلة يقول للإنسان أنت على ما أنت عليه وأنا على ما أنا عليه (قل كلٌ يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً) فإذاً في هذه الحال يقول لهم اعملوا على ما أنتم عليه إنا عاملون (وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ) 
انتظروا حكم الله عز وجل وقضاءه بيننا، ونحن سننتظر هذا الحكم وننتظر قضاء الله عز وجل وما يحكم فيه بيننا وبينكم.

/ ثم قال الله عز وجل بعد ذلك (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) 
تختم هذه الكريمة بالإشارة إلى أن لله عزوجل غيب السماوات والأرض ، والإشارة إلى علم الله بالغيب ملحوظٌ فيه مضمون السورة الكريمة فإن السورة ذكرت أنباءً من الغيب الذي لا يُعلم، ولهذا ناسب لفت النظر إلى هذا المعنى، إلى معنى الغيب الذي جاءت فيه هذه السورة ، فهذه أخبار بهذا التفصيل ، بهذا الاستعراض التاريخي الطويل هي من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ولذلك قال  (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) يعني غيب ما في السماوات وغيب ما في الأرض (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) يعني إليه وحده على سبيل الحصر والقصر ، إليه وحده يُرجع الأمر كله، والأمر: القضاء والحكم مثل قوله عز وجل (ألا له الخلق والأمر) فله وحده يرجع الأمر وليس إلى أحدٍ سواه ، سواءً في كبير الأمر وصغيره ، وقليله وكثيره كله يرجع إليه الحكم ، إليه عزوجل ليس إلى أحدٍ سواه، ولأن الحكم يرجع إليه وحده دون سواه فاعبده ، اعبد ربك حق العبادة وتوكل عليه فيما أنت عليه من الأمر في دعوتك وفي شؤونك وفي عبادتك أنك تتوكل على الله وتسأله الإعانة على ما تقوم به من عمل.
(وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) عما تعملون من خيرٍ أو شر بل سيجازي كلاً بعمله وكلاً بما كسب.
 وبهذا تُختم هذه السورة الكريمة العظيمة بما  تضمنته من معانٍ عظيمة في مجال الصبر والدعوة إلى الله ومجابهة المعرضين الصادين عن سبيل الله ، وتستعرض تاريخاً طويلاً من سير الأنبياء مع أممهم وتكذيبهم لهم، وموقف أولئك الرسل وحقيقة دعوتهم ، حقيقة ما يدعون إليه ،وموقف أولئك المكذبين وماذا كانت النتيجة بعد ذلك ، كل ذلك تثبيتاً لفؤاد النبي صلى الله عليه وسلم وربطاً على قلبه لما واجه الإعراض الشديد من الكفار والتكذيب حتى عظُم عليه ذلك الأمر فتنزل هذه السورة وغيرها من السور تسليةً لفؤاده وربطاً على على قلبه عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
 بهذا نكون أنهينا هذه المجالس المباركة التي تدارسنا فيها هذه السورة الكريمة ، نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوما وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوما وألا يجعل فينا ولا معنا ولا من بيننا شقياً ولا محروما وأن يجعل مجلسنا هذا من المجالس التي تغشاها السكينة وتحفها الملائكة ويذكر الله أهلها فيمن عنده .. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق