سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
انتهى الفصل الأول عندما قتل موسى عليهالسلام هذا القبطي دون أن يريد أن يقتله، استغفر ربه فتاب الله عليه لكن بقي واقع هؤلاء يبحثون عنه (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) وهو قد خرج من بيت فرعون وإلا لو كان في بيت فرعون ما كان خائفا، الذين في بيوت الظلَمة لا يخافون (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ) نفس القبطي أو الإسرائيلي نفسه (يَسْتَصْرِخُهُ) لأنه جاء أيضا قبطي آخر يريد أن يظلمه لأنه شاع في بيت الظالم الطاغية فرعون أن كل من حوله ظلمة كما هو منهج كثير من (....) فهو يستنصره ويستصرخه (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) أقوى من قضية الاستنصار أن أنقذني، ساعدني لماذا؟ لأن هذا يريد أن يظلمه (قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) بالأمس أدخلتنا في قضية وفي مشكلة واليوم أيضا أدخلتنا في مشكلة، ما شأنك أنت؟! بعض الناس طبيعته -مع كل أسف- الوقوع في المشكلات، يُدخل أهله من مشكلة لمشكلة، تجد أهله يترددون بين المدارس أو أحيانا بين الشُرط وأجهزة الأمن بسبب هذا الولد كما يفعل هذا الرجل (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) ما شأنك أنت؟! لماذا لا تبتعد عن هذه القضايا؟! ليس عنده حكمة ومع ذلك أراد موسى عليه السلام أيضا أن ينصره لأنه مظلوم، مع كل ذلك فهو مظلوم، ماذا حدث؟ (فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا) ليس بطش قتل،لا، ماالذي حدث؟ مباشرة يُفاجأ موسى عليه السلام بقوله (أَتُرِيدُ) يناديه (يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) هنا وقفات، وقفات مهمة جدا أيها الإخوة :
/ من الذي قال هذا الكلام؟ خلاف بين العلماء قيل أن الذي قاله الإسرائلي لأنه هو الذي شاهد القضية، وقيل: لا -وهو قول الجمهور- أن الذي قاله القبطي، لابد أنه تسرب الخبر بطريقة ما (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا) هذه لا يمكن أن يقولها الإسرائلي وهو قد استنصره وفزِع معه إنما نعم قول الجمهور أن الذي قاله القبطي، كيف وصله الخبر، الله أعلم، تتسرب الأخبار ... ما هناك سر .
/ هنا قفوا (وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) في هذه الآية عدة وقفات:
الوقفة الأولى : أن موسى عُرِف بالإصلاح واشتهر بالإصلاح بعد أن خرج من بيت فرعون بل إنه ربما أن سبب خروجه هو أنه كان مُصلحا ولا يستطيع أن يتحمل ما يحدث في بيت فرعون.
ثانيا: أن المُصلح يجب أن يُعرف بسلوكه وأخلاقه، وموسى كذلك ولكنها قضية أن هذا في نظر القبطي طبعا أما موسى عليه السلام فلا شك أن الله آتاه عِلما وحِكما بل إن تصرفه من هذه الفزعة -كما يُقال- أو النجدة أو المبادرة عليه السلام كلا، لكن هذا قول.
إذا المُصلح يجب أن يُعرف، يشتهر بين الناس كما قال الإمام الشيخ عبد الرحمن السعدي أن الناس ينظرون إلى المُصلح ألاّ يكون قاتلا. وهذه رسالة مهمة كما ذكرها الشيخ السعدي رحمه الله.
وهنا انتهى هذا المشهد وفجأة يأتي من يقول لموسى عليه السلام، يأتي رجل من أقصى المدينة يسعى (وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) دعونا نقف مع هذه الآية بدلالاتها العجيبة:
/ من الذي جاء يسعى؟
هو من بيت فرعون لما عرف الموآمرة انظر كيف يخرج أحيانا من بيت هؤلاء للظلمة والطواغيت من يكون فيه خير .. فيه صلاح، من يكون فيه غيرة..فيه نجدة، وقد يكون قد تأثر بموسى في دعوته قبل نبوته (وَجَاء رَجُلٌ) كلمة "رجل" تكفي، لما تقول لإنسان فلان رجل..صاحب فزعة..صاحب مبادرة..صاحب نجدة..صاحب خُلُق..يأبى الظلم، وإفشاء السر هنا جائز لأنه إفشاء سر الظلمة ولو كان أهل بيته (إِنَّ الْمَلَأَ) أي ملأ فرعون ومع فرعون (يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) .
ثانيا: أتعجب!! كيف فرعون الذي يُطهّر تطهير عرقي لماذا هذه المرة يأتمر؟ لماذا يتشاور ويسأل الملأ أنه يريد أن يقتل موسى، لماذا؟ لأن قتل الداعية..قتل الذي عُرف بالإصلاح يختلف عن قتل مئات الأشخاص فهو يعرف أن قتل موسى سيُثير مشكلة عنده في البلد ولذلك ضروري أقتل موسى وليدعُ ربه هذا فيما بعد أن بُعث موسى عليه السلام لكن حتى هنا فيه تشاور بينهم .. فرعون الطاغية الذي يُطهّر تطهير عرقي لم يسأل أحد ولم يشاور أحد هذه المرة يسأل لأن المستهدف رجل له مكانته .. له منزلته فليس من السهولة أن يُقدِم على قتله (لِيَقْتُلُوكَ)، أيضا رسالة هم أصلا يريدون قتل موسى من قبل لكن لم يجدوا فرصة، وجدوا مُستمسك في قصة قتل القبطي فاتخذوها ذريعة من أجل قتل موسى، الآن فرعون يقتل نصف بني إسرائيل، يُطهّر تطهيرا عِرقيا وحلال .. جائز .. لا مشكلة وموسى يقتل خطأ وغير مُراد فردا من الظلمة يضخمونها... قضية وجريمة، ليست هذه القضية، إنهم وجدوا دليلا هنا. الداعية...العالِم ... المُصلح يجب أن ينتبه لا يعطي خصمه فرصة ليستمسك عليه قضية أو خطأ فيضخمها إعلاميا حتى يصل إلى مآربه من سجنِه أو فصلِه أو إيذائه أو قتله وهو الذي أعطاه الفرصة وإلا قضية موسى هنا ليس لأنه قتل قبطي فهو يقتل.
انظروا إلى ما يجري في بعض البلاد العربية يُقتّلون المئات من شعوبهم ويُحاكمون شخصا لأنه نوى أن يقتل شخصا، أنا لا أقلل من مسألة القتل ولا أتساهل في القتل، بيّنتُ سابقا أن هذا خطأ بل إن موسى عليه السلام قد استغفر ربه وتاب عليه لكن انظر إلى هذا. ثم انظر إلى مُبادرة هذا الرجل جاء مُسرعا مُضحيا بمصالحه الشخصية وهو يعرف أن هذا الأمر قد يُقتل هو، هو يريد أن يُنقذ مُصلح ولو على حساب مصلحته ومكانته (أُخرج) يعطيه الخبر ويعطيه ماذا يفعل، هنا الخبر لما جاء لموسى مؤثر إذا كان سابقا خائفا يترقب كيف الآن وهم يتآمرون عليه، فلا وقت للتفكير يخشى أن موسى يتخذ قرارا أو ينتظر يدرس الأمر فيقبضون عليه قال مباشرة أُخرج..أُخرج، هكذا من يُعطي غيره خبرا مفاجئا يُساعده بالحل، إذا أعطيت غيرك خبر مفاجئ في حُزن أو فرح وغالبا في الحزن أو الخوف أعطه حلا ... مباشرة (فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) والله إني ناصح لك لست مع هؤلاء، هؤلاء لا يريدون أن تخرج، يريدون أن تُقتل (يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) أنظر إلى هذه المعاني العظيمة لأن موسى في هذه الحالة يحتاج إلى من يُساعده في هذه الأزمة. يجب أن نقف مع من عنده مشكلة نُساعده في حل مشكلته ولهذا نجد أن هذه المعاني عظيمة جدا ولها آثارها ولها دلالتها.
(فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ*فخرج منها خائفا يترقب) ثم بعد ذلك ماذا حدث له؟ نعم (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) توجّه إلى الله هو لا يعرف أين الطريق .. ليس معه طعام .. ليس معه شراب ليس لديه وقت، ليس لديه وقت يُودع أمه إن كانت حية .. خرج (فَاخْرُجْ) لابد من المبادرة والسرعة فبعض الأمور لا تحتمل التأخير فالثواني تؤثر(فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ*فخرج منها خائفا يترقب) ثم توجه إلى الله جل وعلا (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ*وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ) لأنه بلد آمن وهي في فلسطين خارجة عن حكم فرعون ماذا قال هنا (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) قال شيخنا العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي "الإنسان إذا استعصى عليه أمر في مسألة علمية أو قضية مهمة يتوجّه إلى الله جل وعلا" ومع ذلك هداه الله جل وعلا إلى سواء السبيل (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) لو أننا في مُلماتنا وأمورنا توجهنا إلى الله بصدق وإخلاص ويقين دلنا الله على الصراط المستقيم لكن أن تدعو الله وأنت مُوقن بالإجابة، بعض الناس يدعو الله وقلبه غافل، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
ثم هنا هو مشى ولم يجلس في مصر ويدعو الله بل خرج أي أخذ بالوسيلة ودعا الله، (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا) [البقرة:٢٥٠]، النبي صلى الله عليه وسلم في بدر وهويواجه المشركين يرفع يديه يسأل الله جل وعلا لم يجلس في جوف الكعبة يدعو الله -مع أهمية الدعاء هناك- بل لما جاءه الصحابة عند الكعبة يطلبون منه الدعاء غضب النبي صلى الله عليه وسلم. الدعاء مهم لكن أين فعل السبب؟! افعل السبب واجتهد ثم اسأل الله جل وعلا أن يهديك وأنت مُقن بالإجابة، يقول عمر رضي الله تعالى عنه: والله إنني لا أحمل همّ الإجابة ولكنني أحمل همّ الدعاء. ولا نستعجل، فهداه الله إلى الصراط المستقيم مع أنه لا يعرف الطريق .. ليس معه شيء، هداه الله، قيل أن فيه عدة طُرق وإلا لو كان طريقا سالكا واضحا لما دعا، الأمر واضح لكن زاده أن عدة طُرق برية فهداه الله إلى الصراط المستقيم حتى قيل إنهم كانوا يبحثون عنه في الطُرُق المعوجة لأنهم يقولون الخائف لا يذهب مع الطريق المستقيم يذهب من طُرق أُخرى لكن الله هداه إلى الطريق المستقيم، المهم أنه وصل إلى مدين وهنا ستبدأ مرحلة جديدة كم فيها من دروس...كم فيها من عِبر...كم فيها من مبادرات هذه الآيات على وجازتها.
نسأل الله أن يهدينا إلى سواء السبيل...
نسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم..
نسأل الله أن يجنبنا الـ...
ادعو الله لأنفسكم...ادعو الله عند فطركم لإخوانكم المجاهدين... للمستضعفين في الأرض...ادعو لآبائكم وأمهاتكم
الِحوا على الله بصدق وأبشروا ولذلك جاءت آية الدعاء (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) في وسط آيات الصيام للدلالة على أهمية الدعاء في الصيام ومِما يُرجى فيه الإجابة عند الفطر.
أسأل الله أن يتقبل مني ومنكم ويحفظنا وإياكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق