د. ناصر بن محمد الماجد
المجلس الأول
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿٦٧﴾ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴿٦٨﴾)
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وبعد. فلا زال حديثنا موصولاً في تفسير سورة غافر ضمن الدورة العلمية الأترجة.
وكنا قد انتهينا عند قول الله عز وجل (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) هذه الآية الكريمة تأتي في سياق امتنان الله عز وجل على خلقه وما أنعم عليهم ومن نعمه عليهم سبحانه وبحمده أن خلقهم أطواراً ورعاهم عز وجل وتولاهم بالرعاية منذ أن كانوا نطفة في أرحام أمهاتهم.
يقول عز وجل (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ) والذي خُلِق من تراب هو أبونا آدم فإما أن يكون المعنى (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ) يعني أصل خلقكم من تراب أو أ المراد (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ) أي خلق أبيكم من تراب فإذا كان الأب مخلوق من تراب وأصله تراب فإن أصل ذريته من بعده أيضاً التراب.
قوله (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) النطفة ماء الرجل (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا) والعلقة هو: الدم الغليظ الذي يعلق بالرحم.
(ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا) قوله (ثمّ) نلحظ أن مراحل خلق الإنسان جاء معها كلمة (ثمّ) وهذه فيها إشارة إلى أكثر من معنى:
الأول: أن هذه الأطوار تدل على أن بينها تراخي وأنها لا تأتي مباشرة بل كل طور يأخذ وقته ومدته، هذا واحدة.
الثانية: قوله (ثم) على تقدير محذوف أن يقدّر بما يناسب السياق "ثم أنشأكم" أو "ثم قدّركم" أو نحو ذلك في كل ما جاء بعدها فهي متعلقة بمحذوف مقدّر بنحو "ثم يقدركم" أو ثم "ينشئكم" ونحو ذلك من المعاني المناسبة.
اللام في (وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا) و (وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) هذه تسمى لام التعليل خلقكم لهذه العلة ففيها معنى التعليل تعلل سبب الخلق وسبب هذه الأطوار. خلق الإنسان على هذه الأطوار يجعل المرء يتفكر في خلقه ويعلم أنه لن يستمر في هذه الحياة ولن يكون على صفة معينة لأنه تنقل في هذه الأطوار طوراً فطوراً وصورة فصورة فهو يعلم أنه يتغير وأنه لن يستقر على حال منذ كان نطفة في رحم أمه إلى أن تكوّن الدم ثم العظام ثم اللحم ثم خرج من بطن أمه ثم صغيراً ونشأ ثم كبر واشتد ثم بدأ يوهن عظمه ويضعف، فهذا التنقل يُشعر الإنسان أنه لن يبقى في هذه الدنيا وأنه لن يُخلد فيها لأنه لم يستقر في طور من حياته علة صفة معينة بل لا زال يتطور ويتبدل فمن علم أنه لن يستقر على طور سيعلم بالبدهي أنه لن يخلّد في هذه الدنيا ولن يبقى فيها.
الأمر الآخر هذا الخلق وهذا التطور للإنسان من طور وطور ومرحلة ومرحلة هي دالة على الخالق لأن هذا التنقل في غاية الدقة وفي غاية الإحكام مما يستحيل أن يكون وقع صدفة دون تقدير من الخلاّق العليم محال أن يكون على نحو هذا الاتقان البديع أن يكون هكذا وجد عبثاً فهو دالٌ أيضاً على وجو الخلق ولذلك ذكر الله هذه الأطوار طوراً فطوراً ومرحلة فمرحلة ليستدل بها أهل العلم وأهل النظر الذين قال عنهم (وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) يستدلون بها على هذه المعاني أن هذا الخلق المتقن لا بد له من خالق وعلى أن هذا المخلوق الذي يتطور طوراً فطوراً ومرحلة فمرحلة أنه لن يخلد في هذه الدنيا ولن يقيم فيها.
قوله عز وجل (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) وهذه من مظاهر قدرته عز وجل ومن مظاهر ربوبيته أنه هو المحيي المميت.
ثم قال (فَإِذَا قَضَى) إذا قدّر وحكم، إذا قضى بأمر وحكمه وقوله "كن فيكون" هذا تقريب للمعنى وإلا فالأمر أعظم من ذلك لأن الله عز وجل لا يعجزه شيء سبحانه وبحمده.
ثم قال عز وجل (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ ﴿٦٩﴾ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴿٧٠﴾ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ ﴿٧١﴾ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ﴿٧٢﴾ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ ﴿٧٣﴾ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ ﴿٧٤﴾ ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ ﴿٧٥﴾ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴿٧٦﴾).
قوله (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ) قيل لأهل النار أين ما كنتم تشركون؟ وهذا القول سيقع مستقبلاً عندما تقوم الساعة ويدخل أهل النار إلى النار وعبّر عنه بصيغة الماضي (ثُمَّ قِيلَ) مع أنه سيقال لهم، التعبير بصيغة الماضي في القرآن الكريم لأمر لم يتحقق بعد هو دلالة على التحقق من الوقوع وأنه من الثقة بوقوعه كأنه قد وقع وانتهى فهو دلالة على تحقق الوقوع فكأنه وقع وانتهى ولذلك يعبّر عنه بصيغة الماضي.
(ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ ﴿٧٣﴾ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا) ضلّوا عنا يعني غابوا عنا فلم نرهم، هكذا قالوا في البداية وهم يظنون أنهم كانوا سسيشفعون لهم، قالوا غابوا عنا ثم تبين لهم أنه حتى وهمهم أنهم غابوا وأنهم ضاعوا عنهم فهم وهمون في ذلك بل الحقيقة ما قالوا (بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا) لم ندعو شيئاً يستحق أن يُدعا وأن يُلتجأ إليه وأن يُعبد لأن هؤلاء لا نفع لهم فكأنهم لا شيء أصلاً قال (بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا) قال عز وجل (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ) مثل هذا الضلال الذي وقع لهؤلاء الكفار الذين ضلّت عنهم آلهتهم، مثل هذا الضلال يُضِلّ الله الكافرين، يضلِّهم في الدنيا ويضلِّهم في الآخرة.
ثم قال عز وجل (ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ) ذلكم العذاب الذي نزل بكم وذلكم الضلال الذي وقع لكم بسبب أنكم كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق. فانظر هنا القيد (بِغَيْرِ الْحَقِّ) ليس كل فرح مذموم بل الفرح الذي بغير الحق، أما الفرح بالحق فلا بأس به (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ) [يونس:58]. فهنا قال (بِغَيْرِ الْحَقِّ) للدلالة على أن هناك نوع من الفرح بالباطل. وفرحهم بالباطل له صور كثيرة: فرحهم بالدنيا، فرحهم بالجاه، فرحهم بأنواع المُتع التي في الدنيا، فرحهم بتسلّطهم على أهل الإيمان، أنواع الفرح التي يمكن أن يفرحوا بها المتلبِّسة بالباطل (ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ).
وهنا أشار إلى المرح وهو أيضاً المرح بالباطل لأنه فُهِم من قوله بغير الحق في الفرح أن المرح أيضاً بغير الحق. والتعبير بالمرح دلالة على اللهو والبعد عن الغاية التي خلق من أجلها الإنسان لأن الإنسان لم يخلقه الله سدى خلقه لغاية وكلفه بتكليف وأوكل عليه الحفظة الكرام وسيحاسبه في الآخرة فهو لم يُخلق عبثاً ولذلك قال (وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ) فالمرح حالة منافية للحالة التي من أجلها خلق الناس ولذلك ذمّها الله عز وجل وجعلها من صفات الكفار. فما النتيجة بسبب الفرح والمرح بغير الحق؟ النتيجة أنهم كانوا من أصحاب النار ولهذا قال (ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) كلمة (بئس) من أفعال الذمّ التي تُطلَق على الأقوال وعلى الأفعال فتقول: بئس قوله وبئس فعله، و "نِعْمَ" في المقابل تقول: نعم قوله ونعم فعله.
(فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) المثوى: محل الثويّ أي الرجوع والاقامة، بئس المثوى الذي يرجعون إليه ويقيمون فيه (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)، ومثوى المتكبرين هو النار وبئس القرار. في قوله عز وجل (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ) أيضاً فيها دلالة على أنه من سنة الله إضلال الكافرين الذين يتصفون بتلك الصفات التي ذكرها الله عز وجل وهذا أمر مشاهد أن المتصفين بهذه الصفات التي أشار إليها الله عز وجل أنهم يضلون عن الحق ولا يهتدون إليه.
بعد هذه الآيات الكريمة يأتي التعقيب المتضمن للمقصود وهو تسلية النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول عز وجل (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) اصبر أيها الرسول على ما أمرك الله بالبلاغ واصبر على ما يعترضك وأنت تبلّغ هذا الدين، لماذا يصبر؟ (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) وعد الله لك حق وعد الله لك بأن ينصرك حق، ووعد الله بأن يُعلي كلمتك حق، ووعده أن يظهر دينك حق، قال عز وجل (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) [الصف:9] كما أن وعده بإهلاك الكافرين والمكذبين حق ولذلك قال (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) دون تقييد لهذا الوعد ليشمل كل ما وعد به رسوله (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ).
ثم قال (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) فإما أن نرينك بعض الذي نعدهم من العقوبة والعذاب أو نتوفاك قبل حدوث ذلك فلا تيأس فأن المرجع سيكون لله عز وجل. وسبحان الله، الله عز وجل يأمره بالصبر على ما أمره والصبر على بلاغ رسالة الله والصبر على وعد الله ولا يعده أن يرى آثار دعوته أو آثار انتقامه من أعدائه ولذلك قال (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) ليس كله، فقد ترى بعض ما نعده وقد لا ترى منه شيئاً لأن مهمة الرسول والداعية إلى الله وكل من يسير على طريقتهم وسبيلهم أن يقوموا ببلاغ رسالات الله عز وجل أما أثر هذا في الناس، أما مدى استجابتهم، أما مدى تحقق هذا فيهم فقد يموت الداعية ولا يرى أثر عمله، قد يغرس غرساً ولا يجني ثمرة غرسه، ونخطئ كثيراً إذا علّقنا بين أن نغرس الغرس وأن نجني الثمر يكون هذا من الاستعجال الذي يؤدي إلى الخذلان في مجال الدعوة إلى الله لأن بعض الناس يريد أن يغرس غرساً في مجال الدعوة وهو الذي يجني الثمرة قد لا يحصل لك هذا ولذلك قال (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) قد ترى بعض ما وعدناك وقد لا ترى ليس المقصود أن يرى الإنسان ثمرة عمله فإن حصل ورأى ثمرة عمله فهذا من عاجل بشرى المؤمن وكلنا نتمنى هذا لكن ليس بالضرورة أن ترى بعض الناس قد يخطط ويعمل ويتخذ بعض الخطوات في مجال دعوته من أجل أن يرى ثمرة العمل وإن كانت ضعيفة أو هزيلة فيقطف الثمرة قبل نضجها واستوائها وربما لا ينتفع بذلك.
ثم قال (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ) وهذه الآيات كلها تسير في مسار تسلية النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال عز وجل (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ) وهذا أيضاً من باب التعزية للنبي صلى الله عليه وسلم يقول له كما أرسلت أنت فقد أُرسلِت رسل من قبل كثير وكما لقيت من الأذى والتعذيب في جنب الله عز وجل فقد لقي غيرك من الأنبياء كثير منهم من قصصنا خبره عليك فعلِمته ومنهم من لم نقصص خبره عليك فلم تعلمه. وهذا من أعظم التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم أن يعلم أن هذا الطريق الذي هو فيه سلكه غيره من الأنبياء وكل الدعاة إلى الله عز وجل يجب عليهم أن يستحضروا هذا المعنى السبيل الذي أنت فيه والطريق الذي تسلكه طريق سار مئات بل ألوف الأنبياء والمرسلين وألوف من الصالحين فطريق لم يكن أنت أول من سلكه طريق مُعبّد بين واضح فاستعن بالله وسِر مسيره. ولهذا قال عز وجل (مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ) من الأنبياء والرسل فعلمت خبرهم (وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) وهذا يدل على أن عدد الأنبياء والرسل كبير لا يُعلم عددهم وما ذُكر في القرآن هو بعضهم وجزء منهم. وبعض المفسرين يقول لم يذكر في القرآن إلا أولو العزم من الرسل أما باقيهم فلم يذكروا. المقصود أن الرسل كثر منهم من نعرفهم ومنهم من لا نعرفهم.
(وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) الآية هنا البينة أو العلامة سواء كانت آية حسية أو آية معنوية، فأما الآية الحسية كغالب آيات الأنبياء السابقين هي آيات حسية مثل الناقة، مثل الدابّة، هذه آيات حسية، وقد تكون آيات معنوية كهذا القرآن فإنه آية النبي صلى الله عليه وسلم الباقية الخالدة. ولا يأتي النبي بالآيات من تلقاء نفسه بل إن ذلك بمشيئة الله وبتقديره. (فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ) قضاؤه الذي قضاه بأن يعذّب الكافرين المكذبين عندئذ (وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ) عند ذلك يخسر المبطلون.
ثم قال عز وجل (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿٧٩﴾ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴿٨٠﴾ وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَأَيَّ آَيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ ﴿٨١﴾)
هذا أيضاً من باب الاستدلال بنعم الله عز وجل ومظاهرها على إثبات مبدأ الألوهية واستحقاق الله عز وجل للعبادة وحده دون سواه. وامتن الله علينا بهذه الأنعام التي نركبها وهي نِعَم عظيمة في نفعها للناس والانتفاع بها هذه صورها ومظاهرها كثيرة وإنما نصّ على أمرين منها وهي الركوب والأكل لأنها أظهر هذه المنافع، أظهر منافع هذه الأنعام أن تُركب وأن يؤكَل منها. ثم قال (وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ) وهي التي لم تُذكر، انظروا النص قال (لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) نصّ على الأكل والركوب (وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ) غير الأكل وغير الركوب. ومن هذه المنافع (وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) الحاجة التي في الصدر أيّ أنواع الحاجات ويضرب المفسرون لذلك مثالاً بالسفر البعيد، السفر إلى الأقطار البعيدة والبلدان النائية، هذه من الحاجة التي تدخل ضمن دلالة الآية وإن كانت الآية تشمل هذا وكل أنواع الحاجة التي في صدر الإنسان. (وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) الفلك السفن، تُحملون أنتم عليه وتلك البهائم تُحمل على السفن. قال عز وجل (وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَأَيَّ آَيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ) يريكم آياته الدالة على قدرته الدالة على بديع صنعه الدالة أيضاً على ألوهيته وحده سبحانه المعبود. وانظر التعبير بصيغة المضارع (وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ) للدلالة على تجدد هذه الرؤية وأنه في كل مرة نرى آية جديدة من آيات الله التي لا يسع أحد أن يُنكرها، ليست مرة واحدة وتنقضي بل باستمرار، ولو تأمل الإنسان في نفسه وفي أهله وخاصته وفي الدنيا كلها لا يلتفت إلا إلى نعمة ولا نتحول من نعمة إلا إلى نعمة فاللهم لك الحمد على نعمك وآلائك الجزيلة. إذا (فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ) هناك مسألة يذكرها أهل العلم في هذه الآية وفي آيات أخرى تدل على معناها وهي مسألة حكم أكل لحوم الخيل بعض أهل العلم يستدل بهذه الآية على تحريم أكل لحوم الخيل ووجه الدلالة على قولهم يقولون: إن الله عز وجل لما ذكر الأنعام ذكر أن منها ما يركب ومنها ما يؤكل والأصل في الخيل أنه يُركب قال هذا فيه دليل على أنه لا يؤكل لحم الخيل. وهذه مسألة وقع فيها خلاف بين الفقهاء إلا أن الراجح فيها جواز أكل لحم الخيل دلّ على ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر الأنصاري رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحُمُر الأهلية وأذِن في لحوم الخيل. ومما يشهد لذلك أيضاً حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: نحرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فرساً فأكلناه ونحن بالمدينة. يعني ما كان هناك حاجة لذلك مما يدل على أن أكله مباح وهذا هو الراجح من كلام أهل العلم.
هم يستدلون بها مع مجموع من الآيات مثل قوله عز وجل في سورة النحل (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل:8] قالوا إنها للركوب والزينة فيستدلون بهذه الآيات على تحريمها لكن الصحيح جواز ذلك.
ثم قال الله تعالى (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿٨٢﴾ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٨٣﴾ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ﴿٨٤﴾ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ﴿٨٥﴾)
بهذا المقطع تختم السورة الكريمة وفيها نعي على الكفار فيقول عز وجل (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) وهذا استفهام فيه معنى التقريع لهم والتوبيخ كيف لم يسيروا في الأرض فينظروا عاقبة المكذبين من قبلهم؟! الأمم الأخرى التي كذبت وهذا المعنى لفتت السورة الأنظار إليه في أولها فأعيد عجُزها على صدرها لنفس المعنى فقال عز وجل (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ففيها نعي عليهم أنهم لم يسيروا في الأرض فينظروا في ما حل بمن كذب من قبل ممن هو أقوى منهم وأشد وأكثر آثاراً في الأرض هؤلاء الذين كانوا أقوى وأشد وأكثر آثاراً ما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون لم تغني عنهم قوتهم ولا شدتهم ولا آثارهم (فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ) جاءتهم الرسل بالبينات الواضحات (فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٨٣﴾ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ﴿٨٤﴾).
في قوله (فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) وقع خلاف بين المفسرين في مرجع الضمير على قولين:
منهم من قال إن (فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) أنه عائد إلى الرسل لما كذبهم قومهم فرحوا بما آتاهم الله من العلم وشرّفهم به.
والقول الثاني الضمير يرجع إلى المكذبين. وهذا هو الظاهر لأنه على القول الأول فيه تفكيك لنظم الآية ومرجع الضمائر لأن الضمائر قبل (فرحوا) وبعدها كلها عائدة إلى المشركين إلا هذا الضمير، ذهبوا إلى هذا القول يقولون كيف يفرحون وهم قد عُذِّبوا؟! هكذا جعلهم ينحون هذا المنحى لكن الذي يظهر أن الضمير عائد على المشركين ليكون الكلام كله متسقاً مع بعض ويكن سالماً من التفكيك. وأما فرحهم بما عندهم من العلم فهو حكاية حالهم لما جاءتهم الرسل. جاءتهم الرسل فكذبوهم وفرحوا بالعلم الذي عندهم، بما عندهم من العقل بما عندهم من المعرفة، علم ومعرفة، فرحوا بهذا العلم وأعجبوا به وغرّهم حتى منعهم عن متابعة الرسل. ولذلك قال (فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) حتى قادهم هذا الفرح أنه (وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) وقوله (وَحَاقَ بِهِمْ) أي أحاط بهم ما كانوا به يستهزئون، استهزأوا بوعد الله ووعيده فحاق بهم ما استهزأوا به أي أحاط بهم.
ثم قال عز وجل (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ) وهذا دأب المكذبين أن يستمروا على عنادهم وتكذيبهم إلى أن يقع أمر الله عز وجل قال (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا) أي الشدّة والكرب، البأس المقصود به الشدة والكرب لما رأوا البأس (قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) وانظروا الآن التوحيد وحققوا معنى البراءة من المشركين قالوا (وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ) لكن لا ينفعهم، ولذلك قال عز وجل (فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا) لم ينفعهم إيمانهم لأنه بعد فوات محله، عند مشاهدة عذاب الله العام ينزل لا ينفعهم إيمانهم.
قال عز وجل (سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ) هذه الآية الكريمة التي ختمت بها السورة تقرِّر أن سنة الله عز وجل جرت في الأمم كلها أن المكذبين المعاندين المستكبرين أنهم لا يُهدَون إلى الحق وأنهم لا يزالون مستمرين في ضلالهم وغيّهم وأنهم يستمرون عليه إلى أن ينزل بهم العذاب وتلك سنة الله عز وجل وعادته في المكذبين لرسله ولذلك قال (قَدْ خَلَتْ) أي مضت (فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ) في هذا الأمر وفي هذه الحال (وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ) وذلك عند مجيء بأس الله عز وجل وعذابه.
نسأل الله عز وجل أن يحفظنا وأهلنا وجميع المسلمين من كل سوء ولي ذلك والقادر عليه. وبهذا نكون قد أنهينا هذه السورة الكريمة فالحمد لله على ما منّ وأعان.
إذا كان عند أحدكم سؤال عمّا تقدم وإلا ننتقل إلى السورة التي تليها وهي سورة فصلت.
إجابة الشيخ على أسئلة الحضور:
لا شك أنها بمعناها. يسأل الأخ عن قول قارون (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) [القصص:78] فيقول هذا المال وهذا الخير وهذا النعيم الذي أنا فيه، الغنى أوتيته لأني عالم أنا الذي عملت وأنا الذي اجتهدت وأنا الذي تعبت وأنا الذي اكتسبت حتى بلغت ما بلغت فليس لأحد علي منة ولا فضل ففرح بما عنده من العلم والمال وتلك عادة أهل الكفر والتكذيب أنهم يفرحون بما عندهم من العلم وما عندهم من متاع الدنيا فينسون أن الله هو الذي أنعم عليهم، هو الذي أعدّهم وأمدّهم فيجحدون عمته عز وجل ويكذّبون وهذا من استدراج الله لهم ولذلك يقول عز وجل (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [الأعراف:183]
.
أنت تسأل عن العزيز والملك في سورة يوسف وقع خلاف بين المفسرين في المراد بعزيز مصر والملك الذي رأى الرؤيا فمن المفسرين من قال أن العزيز هو الملك نفسه لا يختلف سمي مرة العزيز لأنه هو الملك فيكون عزيزاً ومرة سمي الملك.
ومن أهل العلم -من المفسرين- من يقول أن العزيز هو نائب الملك وليس هو الملك ويقولون محال أن يكون هو الملك نفسه لأنه هو الذي أمر بسجن يوسف بعدما وقع من امرأته أراد أن يداري ويواري فضيحته بسجن يوسف ويجعله كأنه هو المتهم وهو الذي وقع منه ما وقع مع أن التي راودته امرأته فأراد أن يطمطم ويُدمدم هذه الواقعة بسجن يوسف مع أنه قد ظهر لهم (ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) [يوسف:35] الآيات ظاهرة ومع ذلك سجنوه. قالوا محال أن يكون هو الذي سجنه وهو الذي يرسل (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ) [يوسف:50] وقبل ذلك يرسل الملك رسولاً يسأله (فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) الملك ما كان يعرف تفاصيل ما حدث لكن لما جاءته الرؤيا بدأ يسأل عن هذا الرجل في السجن لماذا هو مسجون؟ بدأ يتتبع الأمر ثم بعدئذ أرسل إلى يوسف يسأله عن حقيقة ما وقع من النسوة قالوا هذا يدل على أنه ليس هو العزيز وهذا هو الأقرب لاختلاف اللفظ لفظ العزيز ولفظ الملك . ثم أيضاً لهذا المعنى الذي وقع في سؤاله عن أمر كان يجهله والله أعلم.
إذا أردت أن تعرف مراحل خلق الإنسان فاجمع هذه الآيات كلها التي وردت في خلق الإنسان، الآيات التي وردت في هذه السورة وفي سورة الحج وسورة المؤمنون إذا جمعت هذه المواضع الثلاثة علت مراحل خلق الإنسان ففي كل آية يذكر جزءاً من مراحل خلق الإنسان مرة يكون التفصيل أكثر ومرة يكون البسط فإذا جمعت هذه المراحل وهذه طريقة القرآن يذكر في كل موضع ما يقتضيه السياق ويناسب مثل قصة موسى تجدها في موضع قصيرة وفي موضع طويلة، في موضع يذكر تفاصيل لا تذكر في الموضع الآخر إذا أردت أن تعرف القصة تجمع الآيات وكذلك فيما يتعلق بخلق الإنسان وأطواره إذا جمعت الآيات في السور الثلاث بان لك الأطوار التي مر بها الإنسان في خلقه والله أعلم.
الآية مساقها مساق امتنان من الله عز وجل وكيف يمتن عليهم بأمر لم ينتفعوا به الله عز وجل ساق هذه الآيات بعد أن ذكر إهلاك فرعون (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ) الكتاب فيه هدى، فهو أورثهم الكتاب وجعلهم وارثين له فالمساق مساق امتنان عليهم فيقال لا يُفهم هذا المعنى بل الآيات فيها امتنان على اليهود أنه أورثهم الكتاب فلا يستقيم أن يُفهم أنهم لم يحفظوا الكتاب أو لم يقوموا به، الآية لا تدل عليه وإن كان صحيحاً في ذاته لكن الآية لا تدل عليه.
قضاؤه، وأعظم قضائه قيام الساعة، أعظم القضاء الذي يظهر فيه كمال المُلك ويظهر فيه تمام خسران الكافرين هو قيام الساعة، هذا أعظم القضاء.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
------------------------------------
مصدر التفريغ / ملتقى أهل التفسير (بتصرف يسير)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق