د. محمد بن عبد العزيز الخضيري
{وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (٥٦) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (٥٨) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩)}
{وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (٥٦) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (٥٨) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩)}
الحمدُ لله والصَّلاةُ والسَّلام على رسولِ الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:
فهذا هو المجلس الثَّالِثْ من مجالس تفسير سورة (طـَهَ) في هذه الدَّورة الــمُباركة (دورة الأُترجــة) المقامة في جامع الشِّيخ محمد بن عبد الوَّهاب - - بِحيِّ الخليج في بُريدة، وهذه اللَّيلة ليلة الثَّامن عشر من شَهْرِ شَوَّال من عَام ألفٍ وأربعمائة واثنين وثلاثين من الهجرةِ النَّبوية. وقد وَصلْنا في تفسير هذه السُّورة إلى قول الله عزّ وجل (وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى) .
ذَكَرَ الله -عزّ وجل- الحُجَج التِّي احتَّجَ بها مُوسى على فِرعون، وكيف أنَّ موسى اِستفرَغَ وُسْعَهُ في بيان الحقّ، وجاء بِـمَا يَدُلّ عليه، ويُبيِّنُهُ لِــمَنْ كان راغِباً في طَلَبِه وَمُقْبِلاً عليه. قال الله عزّ وجل (وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِـنَا كُلَّهَا) أَرَيْنا فِـــرْعون الآيات كُلَّها، ولَكنَّهُ أصَرَّ على الــمُعاندَة، والتَّكذيب قال (فَكَذَّبَ وَأَبَى) كَذَّب بتلْك الآيات وأَبـَى أن يُؤمِن.
/ وقولُه (آَيَـاتِــنَا كُلَّهَا) قد يستغرِبُها من لا يعرِف الإِعراب.
فائدة نحوية: (أريْنَاهُ آياتِـــنا) هذه (آياتــِنا) مفعولٌ به ثَـــانٍ (لأَرَى) منصوب وعلامَةُ نَصْبِهِ الكَسْرة، لأنَّها جـمْعُ مُؤنَّث سَالـــِم، لأن هي منصُوبة، ولذلك لــمَّا أكَّدَها قال (كُلَّهَا) فَــبَيَّن أنَّ النَّصْب هُنا بالفَتحة، لأنَّ التَّأكِيد هُنا جاء (كُلَّهَا) لأنَّها تأكيدٌ لـِمَنصُوب، وتأكيد المنصُوب يكُون بالنَّصْب، (فكُلّ) جَاءَت أيضاً على النَّصْب.
/ قال الله -عزّ وجل- مُبيِّناً كيف كَذَّبْ، قَالَ فرعون (أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى) هذه طريقة هؤلاء الطُّغاة، عندما تأتِيهُم الحُجـَج والآيات لا يُقابِلُونها -يا إخواني- إلاَّ بالتُّهَم، ومُحاولـة إثارة النَّاس والغَــوْغاء ضِدّ الدَّاعية، فنحنُ نعرف مقاصِدْك يا مُـــوسَى، أنتَ تُريد أن تَستأْثِر بالــمُلْك دُوننا لَكْ مقاصِد سياسية، عندك مآرِب تُريد من ورائها أن تكون الــمَلِك علينا (أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى) ، تُريد أنْ تـجمَع النَّاس حتَّى تُؤَلِّبَهُم على الــمَلِكْ والــمَمْلكَة والــمُلْك، هذا لا يـُمكِن أن نقْبَله.
ومن قال لك أنَّ موسى لهَ غَرَض في هذا الذِّي أنتَ فيه؟ مُوسى عنده مُهِمَّة أعْظَم "إنقاذ النَّاس من حَضِيضْ الكُفُر، ودعوِتهم إلى الله وإنقاذ بني إسرائيل من العُبُودية التِّي استعبَدْتَهُم فيها إلى أن يكُونُوا أحراراً، ويفتَحُ الله بهم الأرضَ الــمُقدَّسة".
/ قال (فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ) يعني إنْ كَانَ هذا الذِّي جِئْتَ به سِحْراً قد تعلَّمتَهُ عند غيرِنا، فعندنا سحرٌ مثْــلُه نأتِيك بِـــه، فَنغلِبُكَ بالسِّحر (فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوىً) طَلَبَ هُـــوَ أن يُغَالِبَ مُوسى بالسَّحرة الذِّين عنده. قَالوا: وكانَ السِّحر مشهُوراً في عهْد فِرعون وكان السَّحرة يتَقَرَّبُون إليه ويطلُبُون قُــربُه، وكانَ فــِرْعَــوْن يُكرِه بعضَ بني إسرائيل على تَعَلُّمِه من أَجْل أن يَستَحوِذْ بهم على النَّاس، ويَـجعَلَهُم يُسَّخِرُون النَّاس له.
/ قال (فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ) مَوْعِد بينَنا وبينك يا مُوسى لا تُخْلِفهُ أنْت ولا نُخْلِفهُ نَـحن. (مَكَانًا سُوًى) أَيّ مَكَاناً نَصَفَاً بَينَنا وبَينَك، نَأتِي نحنُ وإيَّاك إِليه على قَـــدْرٍ سَواء. وقيل (مَكَانًا سُوًى) أيّ مُستَوِياً، يُبصِرُ النَّاسُ فيه مَا يَـجري على أَرضِه، من دُون أن يَغيب عنهم شيء، وكان هَذَا من مَطلُوبِ مُـــوسى ولِذلك سَارَع مُوسى بالإِجابة وقال (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) اليَوْم الذِّي يَخرُج النَّاسُ فيه لِعيدِهِم، ويتزيَّنُون فيه. (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحَى) أَمْـــرُ الأنبياء كُلُّهُ واضِح، ما عِندَهُم شيء يُخفُونَه، ما قالوالا، لا، لا، هَدِّي الأُمُور يا فِــرعون أنتْ فقْط أعْطِنا مثلاً مَنْصِب وِزَاري، أو حقِــيبَتين، أو حاجة، ونحنُ نرضى بالبَاقي ونسْكُت، لا، هذا كُلُّه لا يَعنِينا ولا يَهُمُّنا في شَيءْ نحنُ حَمَلَة رسالة، نحنُ حَمَلَة مُلْك عَــريضْ، ولسْنا حَمَلَة مناصِب وِزارية، أو مُسَاومات أرضية. مباشرة بَادَر مُوسى إلى القَبُول (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَة) وهُوَ يوم عيد لهُم، وقيل إنّ هذا اليوم يُوافِق يوم عاشُوراء، فهُو اليَوم الذِّي اجتَمَعُوا فيه، وهو اليومُ الذِّي حَصَل فيه ما حَصَل من إِهْلاكِ فِــرعون، إنْ صَحَّ ذلك. أمَّا إهلاكُ فرعون في يوم عاشُوراء فهُو صَحيح. لأنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلَّم- صَامَه وأَمَرَ بِصِيَامِه وقال (نحنُ أَحَقُّ بموسى منكم) يقوله لليهود، (فهو اليوم الذِّي نجَّى اللهُ فيه مُوسى ومن مَعَه) والـــمُؤمنُون إلى اليوم يَــفرَحُون بذلِكَ اليوم الذِّي نجَّى الله فيه المؤمنين من فِرعون ومَلائـِه.
/ (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَة.وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحَى) لا في اللَّيل فيكُونُ الأمر مَعمِيّاً ولا في القصْر فيكُون الأمر خَفِيّاً ولا في الظُّهُر فيكون الأمر فيه مشَّقة على النَّاس ولا في أوَّل الصَّباح فيكُونوا النَّاس لــم يستَّعِدُوا ولم يخرجُوا وإنَّما قال (ضُحى) يعني بعد شروق الشَّمس بقليل، ويكُون الأمر واضِحاً، وظاهراً وفي مكان مُعتَدِل، لا مُنخَفِضَ فيه ولا مُرَتَفَع.
/ قال الله عزّ وجل (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ) أي ذَوي كيْده وسَحَرَتــَه وما كان يُعِدُّه منذ فترةً طويلة من السِّحرْ، (ثُمَّ أَتَى) جمَع كُلّ ما أُوتي. يُقال إنَّهُ جَمَع سبعينَ ألْف سَاحِر، في بعض الرِّوايات ثمانين ألْف سَاحر، في بعضها ثلاثين ألْف سَاحِر، وفي بعضها خمسة وثلاثين ألْف سَاحِر، في رواية ابن عبَّاس أنَّهُ جَمَع اثنين وسبعين ساحِراً.. والله أعلم بما كان من ذلك، لكن هذا يَدُلّ على أنَّ فرعون كانَ مُلكُه عريضاً، وكان قد بَطَشَ بالنَّاس، وسخَّرَ هؤلاء السَّحرة، لتأمين مملكِتِه وخِداع النَّاس وإرهابهم.
قال لهم موسى بعد ما اجتمعُوا مُذَكِّراً وواعظاً لأنَّ موسى -عليه الصَّلاة والسَّلام- لا يُريد في ذلِك اليوم أن ينتصِر دُون أن يُحقِّق إيصالَ الرِّسالة، يُريد أن يُوصِل رسالة وأن يقول للنَّاس كَلِمة. مثل ما فَعل الغُلام المؤمن في قصَّة أهلِ الأُخدُود، فهذا الغُلام آمَن وكان إيمانه بسبب ذلك الرَّاهِب. ثُمَّ عَلِمَ به الــمَلِك فأراد أن يُعاقِبَه، فذهب به في البحر، فدَعا الله عليهم، فأنجاه الله من بينهُم، ثُمَّ صَعِدُوا به جبَلاً فَدَعا الله عليهم فسَقَطُوا وأنجاهُ الله من بينهم. فقال الــمَلِك: كيف أقْتُلُك؟ قال: اِجمع النَّاس في صَعيدٍ واحِد، ثُم خُــذْ سَهْماً مِنْ كِنانتي، واربطِني على أصْل الشَّجَرَة، ثُمَّ قُــلْ بسم الله، ربِّ هذا الغُلام فإنَّك إن فعَلْتَ ذلك فإنَّك قاتِلي. فالملك كان يريد القتل، ماذا يقول قبل هذه الكلمة أو بعدها لا يَهُمُّه، وقال تِلك الكلمة، وأطلَق السَّهم فقَتَلَ الغُلام. فقال النَّاس: آمنَّا بِرَبِّ الغُلام. ما استَطَعْت أيُّها الــمَلِكْ أن تقْتُلَهُ إلاّ لـمَّا قُلتْ الكلمة التِّي أَمَرَك أن تقُولها، وهي تَدُلّ على الإيمان بِربِّه، فأُسقِطَ في يَدِ الــمَلِك!
وهنا موسى عليه الصَّلاة والسَّلام لــمَّا اجتمَعُوا، جعَلَها فُرصْة فَذَكَّرهُم بالله -عزّ وجل-، (قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ) خَافُوا الله (لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) لا تفتَرُوا على الله كَذِباً بِسحرِكُم، فَتَزْعُمُوا أنَّ فِرعون رَبٌّ لكُم، وتَرُدُّوا آية الله -عزّ وجل- التِّي أرسَلَها على يَدِيّ (لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَـيُـسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ) وفي قراءة (فـيَـسْحَتَكُمْ بِعَذَابٍ). (فَـيُـسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ) أي يستأْصِلَكُم بِعذاب، رَهَّبَهُم وذكَّرَهُــم ووعَظَّهُم.
/ ثُمَّ قال (وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى) وهَذا من ذَكاءِ موسى عليه الصَّلاة والسَّلام فإنَّه لــمْ يَقُلْ وأنتُم خَائِبُون وإنَّـما قال (مَنِ افْتَرَى) فالخيبة عاقِبتُهُ، يَخِيب، ولا يَفُوز، ولا يُحَصِّلُ الــمقصُود. عندما سَمِعُوا هذه الكلمة من مُوسى عليه الصَّلاة والسَّلام، قالوا والله ما هذا بكلامِ ساحر، لو كانَ ساحِراً ما قال لنا هذا الكلام. (فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) أحدُهُم يقول: هذا لا يُمكِن أن يَكُونَ سَاحِراً، والثاني يقول: بلْ اِمضُوا لِــمَا جئتُم لـــَه، الثَّالث يقول: ســـنَغْلِـبُه، والرَّابِع يقول: دعُونا ننْتَظِر ونتَأَكَّدْ.
/ (فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) ثُمَّ إنَّهُ غَلَبَ عليهم ما غَلَبْ من وسوسة الشَّيطان وجُنُودِ إبليس الذِّينَ بُثُّوا فيهم. (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) أيَّ أسَرُّوا فيما بينهُم كلاماً (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) أيَّ كأنَّ ملأً، أو جُنْداً من جُنْدِ إبليس جمعُوهُم وقالُوا: اِنتَبِهُوا هؤلاء سَحَرَة مُحتَرِفُون جِدَّاً، وأنتُم تعْلَمُون أنَّكُم تَنالُون أُعطِيَات من فرعون، فهؤلاء إنْ فَازُوا عليكم سيغلِبُونكم وسيأخذُون كُلّ المناصِب التِّي كانت عندكم- ذكَّرَوهُم بالدُّنيا- وخوَّفُوهُم من ذَهابْ المنْصِب، وهذا من كِيدْ فِرْعون.
/ (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى) يذْهبَا بالسِّحر الذِّي مَعَكُم، ويَستأْثِران ويُصبِحان هُم أصحاب الشَّأن والأَمْر والنَّهي والجَاه في البَلَد. ولا يَبقى لكُم معروف ولا من يَذْكُرُكُم ولا مَنْ يُكرِمُكُم، خوَّفُوهُم من هذه النَّاحية، مثل من يُخَوِّف بعضَ النَّاس مثلاً من انقِطاع الرَّاتِب، أو بالإِخراج مثلاً من البَلَدْ، أو بغيرها. فيقول (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ)
فائدة نحوية : قولُــه (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) هذا مِــمَّا يُشكِلْ في الإِعراب، لأنَّ (إنْ، وإنَّ) تَنْصِبْ الاِسْم، فإذا كانَ اسماً مثلاً مُفرَداً، أو جَمْع تكسير، فإنَّها تَنْصِبُهُ بالفتحة، وإذا كان مُثنَّى فإنَّها تَنصِبُهُ بالياء، فكانَ المفروض أن يُقال (إِنْ هَذَيْن لَسَاحِرَانِ) لكنَّ القراءة جاءَتْ (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) فما الجَواب؟
الجَواب: أنَّ هذا جاء على لُغةٍ من لُغُات العَرَب، وهي أنَّهُم يُلِزمُون الــمُثنَّى الأَلِفْ في حالة (الرَّفـع-والنَّصْب، والجَرّ) يقول: (جَاءَ هذان - ورأيتُ هذان- ومَررتُ بـِهَذان)
إنَّ أبَــاها وأَبَـــا أبَــاها قــد بَلَغَا في الــمَجدِ - ليسَ غايَتَيْهِا وإنَّــما (غَايَتَاها)
إنَّ أبـَاها وأَبَــا أَبَــاها قَــدْ بَلَــغَـا فِــيْ الــمَجــدِ غَــايَتَـاهــا
لأنَّهم يُلزِمُـــون الــمُثَنَّى الأَلِف في كُلِّ الأحوال ويُقَدِّرُون الحرَكات على الأَلِفْ. فيكُون الإعراب: (إِنَّ- إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) "هذان" اسم إنْ مَنصُوب بِــحركَة مُقدَّرة على الألف، مَنَع من ظُهُورها التَّعَذُّر.
وفي قراءة أبي عَمْر بنِ العَلاء قالوا (إِنَّ هَـــذَيْن لَسَاحِرَانِ) وهذه القِراءة لا إشكالَ فيها من حيث القِيَاس والإِعراب.
/ (يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا) فانتبهوا لمكيدتهما (وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى) يعنى هؤلاء ما لهم مقصد إلا الإفساد في الأرض وتخريب نظام المملكة والإنقلاب على النظام والخروج عليه، وأيضاً سحب الصلاحيات من تحت أرجلكم حتى لا يبقى بأيديكم شيء وتصبحون بعد ذلك فقراء
قال الله -عز وجل- (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) تُقرأ بروايتين (فاجمعوا كيدكم) أي اجمعوا كل ما عندكم من السحر، و(فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) أي أحكموا كيدكم، أي افعلوا ما عندكم من السحر بإحكام وإتقان وافعلوا أبلغ ما تجدونه من السحر هاتوا كل ما بأيديكم وأتوا به على أفضل ما يكون وبهذا إجمعوا كل السحر وأتقنوه؛ إذا جمعنا القراءتين ، (ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً) لكي ترعبوا موسى وهارون لأنهم إذا أتوا صفاً صار لهم هيبة ولهم مقام بخلاف ما إذا جاء كل واحد منهم من طريق وكل واحد في ناحية.
/ (وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى) أي من كان له العلو فقد أفلح فإن كان نحن فإن فرعون سيعطينا وسيقربنا، وإن كان موسى صارت له الغلبة وخسِرنا .
/ (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى) كانوا هم معتزّين بما عندهم ولكنهم كانوا مؤدبين بمعنى أنهم ما بدأوا دون أن يشاوروا موسى وهارون ولكنهم استشاروهما وتأدبوا بين أيديهما ولعل الله كافأهم بالإيمان اكراماً لهم على الأدب الذي حصل منهم مع موسى وهارون.
/ (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى) خيّروا موسى بين أن يبدأ أو أن يبدأوا فاختار موسى أن يبدأوا من أجل أن يرى الناس كل ما عندهم من السحر فإذا جاءت الآية التي بيده وإذا بها تغلب كل ماعندهم وتغطي عليهم، لكن لو ألقى موسى عصاه أولا ثم جاؤوا هم بسحرهم قد يختلط الأمر على بعض الناس فتريث موسى، ولعل هذا كان بأمر من الله
(قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ) جاؤوا بحبال وعصي (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى) يعني سحروا أعين الناسواسترهبوهم وإلا في الحقيقة فأن ما عندهم لم يكن لينقلب إلى حيات تسعى وإنما سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم؛ الله وصفه بأنه عظيم للدلالة على أنه لو رأه إنسان عادي لتغيرعليه قلبه
قال الله (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى) حتى موسى وصل إليه الخوف خاف أن ينخدع الناس بسحر هؤلاء السحرة فلا يصبروا ولا يتريثوا لكي ينظروا إلى الآية التي جعلها الله بيده. ولذلك تخوف من شدة ما أُوتي هؤلاء من السحر ولذلك طمأنه الله لأنه قال له (لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) يعني أنتما في عنايتي ورعايتي (قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى) اطمئن يا موسى العلو سيكون لك لكن موسى لا يدري كيف سيكون له العلو لكنه يعلم ويوقن بأن العلو سيكون له بوعد الله إياه.
/ قال (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا) ألق ما في يمينك وهي عصاه فإنها ستصبح حية ضخمة تأتي على كل ما قذفوه في الأرض من حبال وعصي فتلتهمه فلا يبقى منه شيء. ليست تسحوذ عليه أو تركب فوقه أو تُمسك به أو تُسكته، لا، تُلغيه من الوجود، وهذا أبلغ ما يكون من الغلبة، آية عظيمة جداً ، ولذلك لما كانت عظيمة كان أول من آمن بها كان هؤلاء السحرة. قال (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا) (فإذا هي تلقف ما يأفكون) كل ما ائتفكوه واختلقوه أكلته هذه الآية فلم تبقِ منه شيئاً، لا إله إلا الله! لو قدّرنا أنهم كانوا اثنين وسبعين ساحراً وكل واحد ألقى حبالاً وعصياً كم عددها؟؟ تملأ سيارة أو سيارتين أو شاحنة، جاءت العصا التي في يد موسى فألقاها فأكلت ذلك كله، أين ذهبت!!! سبحان الله!! وهم ما فعلوا شيئاً إنما سحروا أعين الناس، وإلا الحقيقة أن هذه الحيات التي فعلوها هي حبال وعِصي انتهت والتغت من الوجود.
/ قال الله مطمئناً موسى (إنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ) هذا كيد السحرة كيد يسير لا ينطلي علينا ولا على أهل الإيمان (إنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ) ليس له حقيقة.
/ (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) هذه قاعدة قرآنية أن الساحر لا يُفلح في أي أمر يطلبه لا يفلح حتى في طلب الدنيا. انظروا أكثر السحرة الآن يفعلون ما يفعلون من أجل أن يأخذوا أموال الناس وهم أفقرالناس وشر الناس حالاً، لا في بيوتهم ولا في مناظرهم ولا في ثيابهم ولا في طعامهم وشرابهم ولا في هيئاتهم لا يُفلح الساحر حيث أتى، هذا الذي طلب الدنيا بالكفر بالله والعبادة لغير الله، لا يمكن أن يكون الفلاح قريناً له.
لما فعل ذلك موسى وأكلت كل ذلك، أول من يؤمن هم السحرة. قال الله -عز وجل- (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً) أُلقوا كأنما ألقاهم مُلقٍ من شدة اندهاشهم بما حصل على يد موسى ، وماذا حصل منهم؟ مباشرة هووا إلى الأرض ساجدين لله -عز وجل- ، لأن الحقيقة التي جاء بها موسى قد قضت على كل غشاوة كانت فوق قلوبهم ، وعلى كل شهوة طغت عليهم ، كانوا راغبين في الدنيا وطالبين القرب من فرعون (أَئِنَ لنَا لأَجراً إِنْ كُنَا نَحْنُ الغالبين) يريدون هذا، (قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) زادهم زيادة من عنده. ما يريدون أكثر من هذا مطالبهم بسيطة جداً، لكن لما جاء الحق الذي هو كالشمس أو كالضحى الذي هم فيه انقشعت عنهم كل شبهة وزالت عنهم كل شهوة، فلم يبقَ في قلوبهم إلا الحق وإيثاره ولذلك (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً) هذا الفعل ، ثم صدحوا بالحق (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) وفي الآية الأخرى (آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون) فإن قيل كيف قدّم هارون هناعلى موسى؟ قلنا:
أولاً: مراعاة للنظم والقرآن جاء بلغة العرب والعرب تراعي الفواصل وتهتم بها لجمال اللفظ.
ثانياً: لعل بعضهم قال آمنا برب هارون وموسى وبعضهم قال آمنا برب موسى وهارون فيكون ذلك مطابقاً للواقع.
/ قال الله مبيناً مكيدة جديدة من مكائد فرعون، الآن فرعون بُهت الآن السحرة الذين جاء بهم ليستعين بهم على باطله كلهم سجدوا لله رب العالمين وأعلنوا أنهم أتباع لموسى وهارون. هل قال لهم تعالوا اصبروا ، دعونا نؤمن سوياً ؟ لا، لا يمكن لأنه كذب وأبى. ماذا يصنع لهم؟ لو كان الذين آمنوا الناس غير السحرة لقال لهم كيف تؤمنون وأنا ما آمنت ولا هؤلاء السحرة الذين جاؤوا بالسحر آمنوا،أنتم سُذّج وسفهاء ولا تعرفون الحق ولا الحقيقة سلِّموا للعلماء ، سلموا للناس الذين يفهمون من أمثالي، المشكلة التي وقع فيها فرعون أن السحرة الذين جيئ بهم ليغالبوا موسى وهارون هم الذين آمنوا وهم أول من سجدوا، ما هي الحيلة؟ (قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) أين الطاعة والسمع؟ كيف تتقدمون بالإيمان قبل أن تأخذوا إذناً مني؟ أنا ما سمحت لكم حتى الآن. إذاً أنتم وقعتم في مخالفة عظمى تستحقون عليها القتل لأنكم فعلتم فعلاً من غير إذني. لم يقل أنتم اكتشفتم الحق والله شكراً لكم أن دللتمونا على الخير، ولم يقل لأنكم آمنتم فأنتم تستحقون على الإيمان القتل، لا، لأنه ما يستطيع ذلك، قد بانت الحجة للسحرة، إذن ما هي المشكلة؟ كونكم استعجلتم بالإيمان قبل أن أسمح لكم به، المفروض تصبرون، تكتبون خطاباً، يوقع الخطاب من قِبلي، ثم يصدر الخطاب ثم يُعلن بمرسوم ملكي، نسمح لفلان وفلان وفلان بمزاولة شعائر الإيمان واتباع موسى، وعندها يكون هذا طبيعي،هذه ديمقراطية فرعون، يريد الأمور تجري بصورة رسمية. ما يستعجل الإنسان ويتقدم بين يدي هذا الملك العادل الطيب الديمقراطي الذي يعطي لكل الناس حرياتهم! لا، قال (قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ). (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) تهمة جديدة، هي القصة أناعرفتها أصلاً أنتم وهو متآمرين عليّ قبل أن تأتوا إلى هذا المكان، وكان هو الذي يعلمكم السحر من حيث لا أشعر، لكن الجزاء عندي (فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ) يُقال أنه هو أول من عاقب بمثل هذه العقوبة. (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى) أي على جذوع النخل. (ولتعلمن أيّنا أشد عذاباً وأبقى) فإن كنتم خفتم من العذاب الذي يهددكم به فستعرفون ما هو عذابي وما هي عقوبتي، سأعذبكم عذاباً لم يعذبكم به أحد من العالمين، ولم يسمع به أحد قبلي، وستكونون أنتم عبرة لكل معتبر وعظة لمن يأتي بعدكم من السفهاء الذين يفتاتون على مقامي ويتقدمون بين يدي فيؤمنون قبل أن يستأذنون!! الآن هو يفر، يخادع، ما قال والله هؤلاء ناس بان لهم الحق كيفكم، اتفضلوا، الله يحيكم، لا، آمنتم قبل أن آذن لكم الورطة العظمى التي يستحقون بها الإقصاء والإستئصال هو أنهم تقدموا على فرعون بالإيمان.
/ (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى) هنا ثبت الله هؤلاء، والله ما أعجب من شيء مثل ما أعجب من هؤلاء السحرة، إي وربي، كل ما جئت إلى قصتهم أصابتني قشعريرة، كيف أن الله إذا أنزل هدايته على أحد وأراد به خيراً نقله من حضيض الكفر إلى صعودات الإيمان من غير مقدمات. نحن لو أردنا أن نقف هذا الموقف نحتاج عشرين سنة نتربى ونقرأ آيات وأحاديث ونجلس عند العلماء و و و و و لنقف هذا الموقف العظيم، اسمعوا ماذا قالوا - لله أنتم أيها السحرة! في أول النهار كنتم سَحَرة فَجَرة ثم أمسيتم شهداء بررة- يا رب لا تحجب عنا هدايتك. أرأيتم كيف تأتي الهداية؟؟!يخلقها الله في قلوب من شاء من عباده، فيصبح الإنسان في لحظات ينتقل من كافر موغل في الكفر إلى مؤمن لا يتردد في أن يبذل نفسه وماله وكل ما يملك من أجل الله كيف هذا!!!! يهدي من يشاء، (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء) اللهم كما هديت هؤلاء فاهدنا للحق يا ربالعالمين (قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَات) يا الله! كان بإمكانهم أن يقولوا دعونا نصبر ثم نستخفي ونلوذ نهرب نبتعدعن عينه، لا، إعلان بالحق بالفعل بالسجود، وبالقول آمنا برب العالمين ربموسى وهارون، ثم مصادمة للباطل (لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا) أي ولن نؤثرك على الله الذي فطرنا وخلقنا وأبدع خلقنا، أو لن نؤثرك على ماجاءنا بالبينات (وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ) يقسمون بالله اقض ما أنت قاض، افعل ما تشاء نحن قد هانت علينا نفوسنا في ذات الله ، بذلناها من أجل الله؛ كيف جاء هذا الإيمان؟ !!
(فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَاعَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) أنت الذي علمتنا السحر وأكرهتنا عليه وشجعتنا وأغررتنا به فنحن نسأل الله أن يجعل ما يصيبنا على يدك غفراناً لخطايانا وتكفيراً لهذه السيئة التي وقعنا فيها.
/ (وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) خير لنا منك وثوابه أبقى لنا من ثوابك، إن كنت تعدنا بأجر من الدنيا وبقرب منك فقربنا من الله خير وثواب الله أبقى من ثوابك.
/ (إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ) هذا الذي نخشاه ونخافه ، نخشى من العذاب الدائم، وليس أن تقطع أيدينا وأرجلنا من خلاف وتصلبنا على جذوع النخل.
/ (إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى) يبقى بقاءً سرمدياً غير حيٍّ ولا ميت.
/ (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى) هؤلاء هم أصحاب المنازل العالية. (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى) سبحان الله! كيف استقر الإيمان في قلوب هؤلاء فنطقوا بهذا الحق!
يا إخواني هذه هي حقيقة الإيمان إذا أودعه الله قلب إنسان لن يتكلم إلا بالحق ويبصر الحقائق كأنه يراها مع أنها غيب مستور عنه، فهم الآن يقولون هذا الكلام الذي والله لا يستطيع أن يقوله واحد منا مع أنه وُلد في الإسلام وعاش في الإسلام ثلاثين أو أربعين أو خمسين عاماً لا يستطيع أن ينطق ما ينطق به هؤلاء ويتكلم بهذا الكلام الجميل المتين الفصيح الرائع الدال على قوة الإيمان الذي وقرَ في قلوبهم. كيف ضحى هؤلاء بدنياهم ومناصبهم وأعمالهم وبقائهم مع أولادهم وبقائهم في أراضيهم وأوطانهم ومزارعهم وأنتم تعرفون مصر ماذا كانت في الزمن الأول؟ عندما كان النيل يجري فيها وهي جنات وأنهار، شيء مغري. كل ذلك نسوه في ذات الله ، لله هؤلاء القومّ والله ما أعجب من أحد مثل ما أعجب من حال هؤلاء السحرة الذين أصبحوا سحرة فجرة يؤيدون الباطل وينصرونه ويكفرون بالله ويستهينون به ثم يصل بهم الحال إلى أن يكونوا في المساء من الشهداء الأتقياء البررة!
أسأل الله سبحانه وتعالى الذي هداهم أن يهدينا والذي جعل في قلوبهم هذا الإيمان وهذا اليقين أن يجعل في قلوبنا إيماناً ويقيناً يمحو كل شك وكل شهوة. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
لحفظ المقطع الصوتي :
لحفظ المقطع الصوتي :
مصدر التفريغ : http://www.tafsir.net/vb/tafsir28329/#ixzz2OqBV3rty
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق