الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع هديه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
نستأنف معكم أيها المباركون حديثنا عن مفردتي الإسراف والاقتار، وكنا قد تحدثنا في اللقاء الماضي عن الإسراف جملة وختمنا الحديث بقول الله -عز و جل- (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ) وذكرنا بعض ما يمكن أن نقوله حول هذه الآية الكريمة ، وهذه الآية تلاها ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- فقال : إنها أرجى آية في كلام الله ، ويقال أن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- كان حاضرا فقال: بل أرجى منها قول الله -جل وعلا- (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ) يعني هنا ابن عمر يقول : إن الله يقول (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) يعني يدعوهم إلى التوبة ، وابن عباس يقول هذه آية رجاء عظيمة لكن أرجى منها قول الله عن ذاته العلية (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ) المقصود التعليق على آية الزمر التي مضت .
الآن نأتي للاقتار : قلنا في اللقاء الماضي الاقتار يقع على معنيين: يأتي بمعنى أثر الدخان على الوجه (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ *تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ) وهذا ليس له علاقة بلقاء اليوم لأننا نتكلم عن الاقتار الذي هو ضد الإسراف .
الاقتار الذي هو ضد الإسراف جاء في آيات ثلاث :
/ آية شهيرة لا يكاد يجهل أحد تفسيرها : (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) فالله -جل وعلا- يُرشد للطريقة المُثلى في الإنفاق أن لا تكون إسرافا ولا تقتيرا ، وهذه ظاهرة المعنى وقد مرت معنا في دروس سلفت في أيام خلت .
/ بقينا في قول الله -عز وجل- لما ذكر متاع المطلقة ، على اختلاف بين الفقهاء في أحواله وقدره ، قال -جلّ ذكره- (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) فبيّن -جل وعلا- أنه سواءً كان الرجل مُوسعا عليه في الرزق أو كان الله -جلّ وعلا- قد ضيّق عليه فكلاهما في حقه أن يُمتع مطلقته لكن كلٌ بحاله ، وهذا يُذكرك بقول الله -تبارك اسمه وجل ثناؤه- لما ذكر كفارة اليمين قال (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) ولا ريب أن الناس في إطعامهم لأهليهم يختلفون زيدٌ عن عمرو كلٌ بحسب حاله ، كلٌ بحسب مُدّخره بما يعود عليه من مال بتجارته ، بوظيفته يختلف الناس في هذا ، ولا بد من إعمال كلام الله إعمالا صحيحا في الناس ، هذه نظرة عجلاء لآيات التي تتعلق بالإقتار .
/ نأتي الآن لقول البارئ -تبارك اسمه و جل ثناؤه- (قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنسَانُ قَتُورًا)
نبدأ إيمانيا ثم ننتهي إلى اللغويات : هذه الآية جاءت في سورة الإسراء ، وسورة الإسراء سورة مكية وهي من أوائل ما أُنزل وتسمى بالعِتاق الأُوَل هي و"الكهف" و"طه" و"مريم" كان ابن مسعود يقول "وإنها من تلاد -أي من السور التي نزلت مبكرا- التي أخذتها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم" ، هذه السورة ذكر الله -جل وعلا- فيها مزاعم قريش ومطالبهم التي لا تكاد تنتهي (وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً) صلوات الله و سلامه عليه ، لما جاءت هذه المطالب بيّن الله -جل وعلا- أن المانع من عدم إنزالها على النبي ليس لقلة كرامة هذا النبي على ربه -تبارك اسمه- ولكن لو نزلت وأُعطي -صلى الله عليه وسلم- ما طلبوه لما آمنوا (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا) هنا قال البارئ -جل ذكره- (قُل لَّوْ أَنتُمْ) الخطاب لكفار قريش في المقام الأول (تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) لو قدّرنا جدلا أن خزائن رحمة الله سُلمت لأحدٍ من الخلائق لينفق منها قال ربنا (إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ) هنا يأتي الإنسان يستنبط ، يستل ،وهذا العلم ، يتدبر، الله قال بعدها (وَكَانَ الإِنسَانُ قَتُورًا) وسيأتي الحديث عنها .
/ قال هنا (إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ) على عظيم ما في خزائن الله مِما لا ينفد قال الله عن بني آدم لو أن أحدا منهم مُلّك هذه الخزائن قال (إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ) أي عن الإنفاق (لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنسَانُ قَتُورًا) لمَ ؟ لوجود سببين :
الأول : أن هذا الذي ملّكناه خزائن الله -لو فرضنا ذلك جدلا- سيُمسك شيئا لنفسه تقوم به حياته ،هذا واحد . وسيُبقي شيئا آخر مُدخرا خوفا من فقرٍ أو عدمٍ سيكون ظاهر ، تدبّر هنا هذان الحالان منتفيان عن الله لا يحتاج الله إليهما تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، هنا يفقه المؤمن لمَ قال الله (إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ) فلا أحد يملك الغنى المطلق إلا الله وأي أحدٍ أنفق -أنت تقرأ في السيرة فجاء أبو بكر بكل ماله- لكن المقصود بالمال المتداول لكن أبا بكر بيته بقي له ، ثيابه بقيت عليه طعامه في البيت باقٍ . واضح. لا يمكن لأحد ولو جاء زيدٌ من الناس في غمرة حماسه وصنعها لقفل راجعا نادما وبقي فقيرا حتى لو صنعها ، لكن ربنا -تبارك اسمه وجل ثناؤه- مُنزّه عن هذا كله وفي الحديث القدسي -وهذا الحديث كان بعض التابعين إذا تلاه - قرأه- يجثوا على ركبتيه وهو طويل لكن فيه : (يا عبادي كلكم ضالٌ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أُطعمكم ، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي إنكم تُخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضُري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجِنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا) الشاهد في هذا المعنى قال: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد -أرض- فسألوني فأعطيت كل ذي سُئل مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئا إلا كما ينقص المخيَط إذا أدخل البحر) . وعقلا و نقلا المخيَط إذا أُدخل البحر لا يمكن أن يُنقص منه شيئا ، هذا مَثل ضربه الله للناس حتى يعقلوه وإلا كما قال ربنا (لما نقص ذلك من ملكي شيئا) فقال هنا (قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ) ونقول دوما في دروسنا إن مِما يغلب على الظن من أن تُستَدر به رحمة الله حال الفقر أن يقول العبد: "اللهم يا من لا تنفد خزائنه ارحم من نفدت خزائنه" والله يحب من عبده إذا دعا أن يجمع بين أمرين : إظهار العبد فقره ، وإظهار غِنى ربه قال الله عن كليمه موسى (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) فقال الله -جل وعلا- هنا (قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ) ثم قال (وَكَانَ الإِنسَانُ قَتُورًا) وهذا هو سبب إدخال الآية في مناسبة الحديث الليلة،(وَكَانَ الإِنسَانُ قَتُورًا) الجمهور: على أنه جنس الإنسان سواءً كان مؤمنا ، برا ، فاجرا ، لكن الله -جل وعلا- علّم المؤمنين أن يُنفقوا فأجابوا أمر ربهم لِما وعدهم الله -جل وعلا- عليه من الحسنى ، وأما بعض العلماء يرى -غير الجمهور- يرى أن (وَكَانَ الإِنسَانُ قَتُورًا) ينصرف أول ما ينصرف إلى الكفر ،أهل الإشراك لأنهم يُسيئون الظن بربهم ، و ينبغي أن تعلم أن أعظم الدين حُسن الظن برب العالمين ، أن كُنه الدين ، عظمة الدين في قلبك أن تُحسن الظن برب العالمين .
قدمتم من وقت مبكر صليت أنت في هذا المسجد صلاتين بينهما استمعت إلى درسٍ في القرآن أيا كانت نية قائله هذا بينه وبين ربه ، لكن بالنسبة لك توضأت في بيتك أتيت إلى هنا جلست بين صلاتين ، وأثنيت ركبتيك وغيرك منشغل بغير هذا ، والله لو صنعتها لمخلوق لاستحيا منك ، فكيف وقد عبدت بها رب العالمين جل جلاله ، ثق على يقين من حُسن الظن بالله أن تعلم أن الله يقول (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).
وإذا جاء أحد تدله على الطاعة ، تدله على الخير تريد أن تقصم الشر في نفسه ، تحثه على الخير على أن يغلب هواه وعاندك فقل له إن الله يقول (وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ) لا يمكن أن يُضيع الله ، لا أحد أصدق من الله ، الله يقول (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا) يُخبر عن ذاته (لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا) والله إن أقرب الناس إليك و ألصقهم بك قد يُضيع بعض أمرك ، و ينسى بعض كلِمك ، ويفوت عليه بعض عطاياك ، لكن ما تصنعه ، تفعله ، تقوله ، تعمله وتريد به وجه الله ، والله لا يمكن أن يضيع ولو كان حبة خردل ، فالله لا أحد أصدق منه وعدا ، ولا أصدق منه قيلا (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا) فيأتيك -وهذا وارد- من يهوّن هذا الأمر في عينيك ، في نفسك ، ومن يريد أن يقوّض أركانك ويُضعف إيمانك ويحول بينك وبين الطاعة تغلبه إذا عَظُمَ يقينك بوعد الله ، فإن قلّ يقينك بوعد الله فأنت وهو سواء لم يعد له فضل عليك ، لكن إنما دَفَع المؤمنين إلى الطاعات،أحجم المؤمنين عن المحظورات عظيم ثقتهم ويقينهم بأن الله لن يضيع شيئا مِما عملوه يريدون به ابتغاء وجهه -تبارك اسمه وجل ثناؤه- (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) وقال ربنا (وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) والمراد عظة النفس والعباد بما ذكره الله تعالى -جل ذكره- في هذا الكلام الكريم .
إذا عُدنا إلى قضايا اللغة في الآية فإن الله يقول (قُل لَّوْ أَنتُمْ) هذه "لو" تحتاج إلى جواب، في غير القرآن (قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) الآن دع "إذاً" قليلا -في غير القرآن- (لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ) يتم المعنى ، فهذه "اللام" (لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ) الفعل "أمسك" وما قبلها "اللام" واقعة في جواب "لو" ، لكن جيء بـ"إذاً" جيء بلفظ بمفردة "إذاً" هنا لتقوية الجواب ، وهذا أسلوب عربي قطعا فصيح لأن القرآن نزل به وقد جاء في القرآن نظيره ، وجاء في كلام العرب ، أما في القرآن فإن الله -عز وجل- يقول (قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ) ماذا قال ربنا بعدها ؟ (إِذًا لاَّبْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) لو حذفت "إذاً" في غير القرآن وقلت : لو كان معه آلهة كما يقولون - في غير القرآن أقول- (لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) صح المعنى لأن اللام واقعة في الجواب ، في جواب "لو" لكن جيء بـ"إذاً" في سورة الإسراء -ومن العجيب أن الآيتين في سورة الإسراء- جيء بـ"إذاً" لتقوية الجواب . لما نقول هذا لابد أن يكون مستنِدا لكلام العرب ، هناك رجل من العرب ، من الصعاليك -قوم يجلسون في الصحراء يقتلون يسرقون- يقال له بشر بن عُوانه خطب امرأة جميلة من بنات عمه ، أبى العم أن يعطيها إياه ، حصلت أمور وأمور ، كُلّف بمهر بالغ يتطلب أن يمضي في الفيافي والصحاري وكان عمه أراد ذلك أن يواجه السباع الضارية والوحوش الكاسرة فيُقتل ويُغلب ، أراد عمه ذلك ، فهو ماذا فعل ؟ خرج يريد أن يأتي بمهر لابنة عمه ، فلما خرج لقي أسدا ، فلما لقي الأسد هو على فرسه وجاءه الأسد يُظهر مخالبه ، يُظهر أنيابه ، يُظهر الشر في عينيه ، فكأن الفرس أحجمت وهي ترى منظر الأسد ، فترك الفرس ويقول -يخاطب فرسه- إن الأرض أثبت منك ظهرا -وسأُعلّق على هذا- فوقف على الأرض وأخذ ينظر إلى الأسد واستطاع أن يقتل الأسد ، ثم أخبر عن هذا في قصيدة قال :
أفاطمُ لو شهدتي ببطن خبتٍ وقد ** لاقى الهزبر -أي الأسد- أخاك بِشرا
إذا لرأيتي ليثا أمّ ليثا ** هزبرا أغلبا لاقى هزبرا .
الشاهد هنا : أنه قال : أفاطمُ ، ويقصد فاطمة وهذا يسمى ترخيم ، تقول يا مروو وأنت تنادي مروان ، وتنادي عائشة تقول : يا عائش ، وقد ورد هذا في السّنّة ، هو ينادي فاطمة قال : أفاطمٌ ، بدون التاء
أفاطمُ لو شهدتي ببطن خبتٍ وقد ** لاقى الهزبر أخاك بِشرا
الآن قال: "لو" أين جواب لو ؟ قال : "إذا لرأيتي" كان يكتفي بـ"رأيتي" فأتى بـ"إذا" لتقوية المعنى ، مثلها مثل مثلها مثل الآية .. واضح ، قال :
إذا لرأيتي ليثا أمّ ليثا ** هزبرا قد لاقى هزبرا
والقصيدة طويلة ويقول فيها يخاطب الأسد يقول : "وأنت تروم للأشبال قوتا" يعني تريد أن تأكلني تأخذني لأشبالك
وأنت تروم للأشبال قوتا ** وأطلب لابنة الأعمام مهرا .
أنا أُريد مهرا لابنة عمي ، وأنت تريد قوتا لأشبالك فغلبتك ، والقصيدة طويلة ، لكني أنا أريد موضع الشاهد "إذا لرأيتي ليثا أمّ ليثا" فأتى بـ"إذا" لتقوية الجواب مع أنه يمكن أن يستغني عنها ، هذا نظير قول الله -والعلم عند الله- (قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنسَانُ قَتُورًا) والعلم عند الله . وصلى الله على محمدٍ وآله والحمد لله رب العالمين .
----------------------------------------------------------
شكر الله لأختنا (**) لتفريغها الحلقة وبارك في وقتها وعمرها
----------------------------------------------------------
شكر الله لأختنا (**) لتفريغها الحلقة وبارك في وقتها وعمرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق