الأحد، 30 سبتمبر 2012

الدرس التاسع : الأصل الثانى وهو معرفة دين الإسلام بالأدلة ( 3/1)

1- قوله تعالى: (إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ) [آل عمران:19]
الإسلام في هذه الآية المراد به الإسلام الشرعي العام الذي هو دين الأنبياء جميعاً وهو التوحيد ، وعلى هذا تفاسير السلف لمعنى الإسلام في هذه الآية.
 قال قتادة في قوله تعالى: (إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ) "الإسلام: شهادة أنّ لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وهو دين الله الذي شرع لنفسه، وبعث به رسله، ودلّ عليه أولياءه، لا يقبل غيرَه ولا يجزى إلا به". رواه ابن جرير. وفيه دلالة على وجوب التوحيد وأنه الدين الذي يقبله الله تعالى، والإسلام الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم أصله التوحيد لله . قال ابن القيم : "وقد دل قوله: (إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ) على أنه دين جميع أنبيائه ورسله وأتباعهم من أولهم إلى آخرهم، وأنه لم يكن لله قط ولا يكون له دين سواه".
 - قال أول الرسل نوح (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)
- وقال إبراهيم وإسماعيل: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ)
 - (وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
 - وقال يعقوب لبنيه عند الموت : (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ إلى قوله وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)
 - وقال موسى لقومه : (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ)
 - وقال تعالى : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)
 - وقالت ملكة سبأ : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فالإسلام دين أهل السموات، ودين أهل التوحيد من أهل الأرض، لا يقبل الله من أحد ديناً سواه).
 وقال ابن كثير : "قوله (إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ) إخبار من الله تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين، حتى خُتموا بمحمد صلى الله عليه وسلم، الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد ، فمن لقي الله بعد بعثته محمدًا بدِين على غير شريعته، فليس بمتقبل. كما قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ".ا.هـ.
 2- قوله تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرينَ) [آل عمران:85] .
وللسلف في المراد بالإسلام في هذه الآية قولان :
القول الأول: أنه دين الإسلام الذي بعث به محمد ، وأصله الشهادتان، وعليهما مدار التوحيد، وأن هذه الآية نسخت جميع الأديان السابقة من اليهودية والنصرانية والصابئية وبقايا الحنيفية.
 القول الثاني: أن المراد به الإسلام العام الذي هو دين جميع الأنبياء، وهو توحيد الله . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقوله تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً) الآية ، عام في الأولين والآخرين بأن دين الإسلام هو دين الله الذي جاء به أنبياؤه وعليه عبادة المؤمنون كما ذكر الله ذلك في كتابه من أول رسول بعثه إلى أهل الأرض نوح وإبراهيم وإسرائيل وموسى وسليمان وغيرهم من الأنبياء والمؤمنين".
 وأجمعوا على أن المراد بالإسلام في قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) هو دين الإسلام الذي بعث به محمد .
 3- قوله تعالى: (شَهدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إلَّا هُوَ وَالمَلاَئِكَةُ وَأُولُوا العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ) [آل عمران:18].
- لفظ الشهادة وما تصرّف منه يطلق على معنيين مشهورين:
 المعنى الأول: الحضور والمعَاينَة والإبصَار، كما في قوله تعالى : (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
 المعنى الثاني: الإخبار البيّن الجازم عن أمرٍ ذي شأن ، وهو المراد هنا كما في قوله تعالى: (شَهدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إلَّا هُوَ) . وقد اجتمع المعنيان في قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) 
"أَشَهِدُوا" استفهام إنكاري، أي: هل حضروا خلقهم وعاينوه؟ وشَهَادَتُهُمْ أي إخبارهم الجازم في هذا الأمر العظيم.
 والمقصود أن الشهادة بالمعنى الثاني تتضمن معاني الإخبار والبيان والجزم عن أمر ذي شأن. فإذا تحققت هذه الأوصاف سمي شهادة وإن لم يكن فيه لفظ الشهادة ، ولذلك سمى الله تعالى هذا الزعم منهم شهادة. والشهادة إذا لم تكن بحق فهي شهادة زور.
 - وسمي قول "لا إله إلا الله" شهادة لأنه إخبار بيّن جازم عن أمر ذي شأن.
 - قوله تعالى: (شَهدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إلَّا هُوَ وَالمَلاَئِكَةُ وَأُولُوا العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ) أي أن الله تعالى وملائكته وأولوا العلم يشهدون أنه لا إله إلا الله.
 قال ابن القيم : "وقوله تعالى: (قَائِماً بِالْقِسْطِ) القسط هو العدل؛ فشهد الله سبحانه أنه قائم بالعدل في توحيده، وبالوحدانية في عدله. والتوحيد والعدل هما جماع صفات الكمال؛ فإن التوحيد يتضمن تفرده سبحانه بالكمال والجلال والمجد والتعظيم الذي لا ينبغي لأحد سواه. والعدل يتضمن وقوع أفعاله كلها على السداد والصواب وموافقة الحكمة".
 4- قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) [الزخرف:27] تضمنت البراءة مما يعبد من دون الله ، وإثبات العبادة لله وحده، وهذا هو معنى التوحيد، لا بد فيه من نفي وإثبات، نفي استحقاق غير الله للعبادة والبراءة مما يعبد من دون الله. وإثبات العبادة لله وحده. فلا يكون موحّداً إلا من جمع بين النفي والإثبات. وهذا أمر يدل عليه المعنى اللغوي للتوحيد ، فجعل الشي واحداً يستلزم إثباتاً ونفياً إثبات الوحدانية له، ونفي مشاركة غيره له.
 5- وأما قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَينَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إلَّا اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران:64] السواء في لسان العرب: النَّصَف والعدْل، وأصل ذلك أن العرب إذا تنازعوا وحصل بينهم من القتل والجراحات ما يحصل وأرادوا الصلح تداعوا إلى السَّواء فيصطلحون على أمر يكون فيها إنصاف للمتنازعين يسوَّى فيه بينهم في الدماء والحقوق. قال زهير ابن أبي سلمى:
 أَرونا سُنَّةً لا ضيـم فيهـا = يُسَوّى بَينَنا فيهـا السَّـواءُ
 فَإِن تَدَعُوا السَّواءَ فَلَيسَ بَيني = وَبَينَكُمُ بَني حِصـنٍ بَقـاءُ
 ومن العرب من تأخذه العزة بالإثم والبطر بالقوة فيأبى الدعوة إلى السَّواءِ، كما قال عنترة:
 أبينا فما نُعطي السَّواءَ عدوَّنا = قياماً بأعضادِ السراء المعطّفِ
 والعرب يمتدحون من يعطي السَّواء ويرضى به لأنه أرضى للنفوس وأقرب لمكارم الأخلاق والشيم . وقد خاطبهم الله تعالى بما يعرفون فقال: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَينَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إلَّا اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) قال ابن جرير: "(إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ) يعني: إلى كلمة عدل بيننا وبينكم، والكلمة العدل، هي أن نوحِّد الله فلا نعبد غيره، ونبرأ من كل معبود سواه، فلا نشرك به شيئًا".
 والكلمة تطلق في اللغة على الجملة المفيدة، وأما اصطلاح النحويين على أن الكلمة اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، فيجعلون الاسم كلمة، والفعل كلمة والحرف الذي جاء لمعنى كلمة؛ فهذا اصطلاح حادث ، ولا مشاحة في الاصطلاح ، لكن ليتفطَّن إلى أن معنى الكلمة في لسان العرب ليس هو المعنى الاصطلاحي عند النحاة ، قال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا) فسمَّى هذه الجملة المفيدة كلمة، والأدلة والشواهد على هذا الإطلاق كثيرة جداً. فكلمة التوحيد هي: كلمة (لا إله إلا الله). والكلمة السواء التي دعا الله تعالى إليها هي: (أَنْ لاَ نَعْبُدَ إلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ) وهذه الآية بيَّنت معنى التوحيد ، وأن تفسيره الصحيح الذي لا يصح غيره أنه عبادة الله وحده لا شريك له، والبراءة من كل ما يعبد من دون الله (أَنْ لاَ نَعْبُدَ إلَّا اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً).
 قوله تعالى: (وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) قال ابن عطية: "واتخاذ بعضهم بعضاً أرباباً هو على مراتب: أعلاها اعتقادهم فيهم الألوهية وعبادتهم لهم على ذلك، كعزير وعيسى ابن مريم ، وبهذا فسَّر عكرمة ، وأدنى ذلك طاعتهم لأساقفتهم ورؤسائهم في كل ما أمروا به من الكفر والمعاصي والتزامهم طاعتهم شرعاً، وبهذا فسَّر ابن جريج. فجاءت الآية بالدعاء إلى ترك ذلك كله".
 ودلَّ قوله تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) على أن من قام بذلك فهو من المسلمين، ومن أبى وتولَّى فليس بمسلم.
--------------------------------------------------------------------
 المصدر: http://www.tafsir.net/vb/tafsir29650/#ixzz26njsvsu0

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق