الثلاثاء، 8 مايو 2012

وقفة مع قول الله تعالى (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ..) / الوعظ

أ. نجلاء السبيل *
 أ) ما هو الوعظ؟
 هو أن تنصح وتخلص في النصيحة وتجمع في هذه النصيحة بين الترغيب والترهيب.
 قال الراغب : النصح : تحري فعل، أو قول، فيه صلاح صاحبه. (1)  
والنصح مأخوذ من معنيين : من الناصح وهو الخياط ، والنَّصاحُ: هو الخيط الذي يُخَاطُ به. والمنصِحة: هي الإبرة. فكما أن الإبرة تسلم شعث الثوب المقطوع فالناصحُ يسلمُ ويستر ما ظهر من عيوب وعورات أخيه.
 ومن قولهم: نصح العسل أي أخلصُه وصفاه. ناصح العسل: خالصه الذي لا يتخلله ما يشوبُه. وقال الأصمعي: الخالص من العسل وغيره وكل شيء خَلَصَ فقد نَصَح. (2)

/ الوقفة التربوية المأخوذة من معنى النُصح:
من تأمل في المعنيين السابقين وجد أن الناصح لابد أن تجتمع فيه صفتين : أن يكون مخلصًا صافي القلب صافي السريرة وأن يكون ساترًا.
 أولاً: الصدق في النصح والإخلاص فيه ويعتبر ضابط مهم جدًا في قضية الوعظ والتوجيه والتعليم ومعناه : أن يقوم في قلب الناصح إرادة مصلحة المنصوحين حقيقة ، فينصحهم نصح من يرحم حالهم ويقيل عثراتهم ويشفق بهم ويريد صلاحهم ، قال الحسن البصري رحمه الله : "ما زال لله تعالى نصحاء، ينصحون لله في عباده، وينصحون لعباد الله في حق الله، ويعملون لله تعالى في الأرض بالنصيحة، أولئك خلفاء الله في الأرض" (3) وكلما كنت صادقًا في نصحك نفع الله بكلامك وأثَّر ما تقوله في المنصوح ولو بعد حين .
 إذا أحبَّ الله باطن عبدهِ ...... ظهرت عليه مواهب الفتّاح
 وإذا صفت لله نيةُ مصلح....... مال العبادُ إليه بالأرواح

 ثانيا: الستر قال المنذري: الستر على المسلم تغطية عيوبه وإخفاء هناته.
 والستر صفة يحبها الله تعالى، جاء في الحديث: (إن الله حييُّ ستيِّرُ يُحبُ الحياء والستر) ماعز بن مالك رضي الله عنه لما جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله طهرني فقال: (ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه) فرجع غير بعيد ثم جاء وقال: يا رسول الله طهرني فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك وفي المرة الرابعة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمَ أُطهّرك؟ قال: من الزنا، فقال عليه الصلاة والسلام: أبه جنون؟ فأُخبر أنه ليس مجنون، (أشرب خمرًا)؟؟ فقام رجلاً فاستنكهه فلم يجد رائحة الخمر. فقال رسول الله صلى الله عليه: أزنيت؟ قال: نعم فأمر به فرُجم. ثم قال عليه الصلاة والسلام لهزال وهو الذي أشار على ماعز بالذهاب للنبي صلى الله عليه وسلم والاعتراف بين يديه بالزنا- قال له: "لو كنت سترته بثوبك لكان خيرًا لك مما صنعت به" وكل هذا حث على المبالغة بالستر وأن الستر أولى من الاعتراف فإن الله يقبل التوبة عن عباده ويحب التوابين.
 رُوي أن امرأة أخبرت السيدة عائشة رضي الله عنها بذنب، فأعرضت بوجهها وقالت: "يا نساء المؤمنين إذا أذنبت إحداكنَّ ذنبًا فلا تخبرنًّ به الناس، ولتستغفر الله، ولتتب إليه فإن العباد يُعيّرون ولا يغيرون وإن الله يُغيِّر ولا يُعيِّر" .
 والشريعة كما ألزمت المسلم بالستر على نفسه ألزمته بالستر على غيره، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تؤذوا عباد الله ولا تعيّروهم ولا تطلبوا عوراتهم فإن من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته) رواه أحمد.
 قال صلى الله عليه وسلم: (ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة) البخاري .
 وبقدر سترك على معايب الناس يُوقع الله الستر على معايبك جزاًء وفاقًا والمؤمن الصادق في نصحه كل غايته أن يزيل عيب أخيه، وأن يحوطُه ويوجهه لا أن يفضحه ويشهر به ويجرحه ويعيره وشتان شتان كما يقول ابن رجب : "بين من قصده النصيحة وبين من قصده الفضيحة". الفرق بين النصيحة والتعبير . فالمصدور ينفثُ بما في صدره، وكما يقول الفضيل بن عياض رحمه الله : "المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعيّر" (4) . ومن أراد الاستزادة فليرجع لكتاب (الستر على أهل المعاصي) للشيخ خالد بن عبد الرحمن الشايع فهو كتابُ عظيم النفع كثير الفوائد.
ب) أسلوب الوعظ: الأسلوب له أثر بالغ في التربية فالناس لا تريد من يمارس عليها أسلوب القهر والضغط والإجبار وكأنه يحمل الوصاية على الخلق أجمع!!! تأمل حسن التودد في أسلوب وعظ لقمان لابنه وهو يقول له: (يا بنيّ - يا بنيّ) هذا التصغير تصغير تودد، يشعر بالقرب واللطف والرفق والحنّو ، وبه يصبح قلب من أمامك مهيأ لك، عنده استعداد أن يسمع منك بمعنى أن الطريق إلى هذا القلب صار مفتوحًا والكلمة إذا وجدت في القلب محلاً نفعت!!. انظر لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أرحم الخلق بالخلق وأشفق الخلق بالخلق كيف علّم ووعظ صحابته، هاهو يأخذ بمنكب معاذ ثم يقول له: (يا معاذ إني أحبك) وكل هذا تتودد وتلطف ورفق ورحمة حتى ينفتح قلب معاذ ويصبح للكلام أثرًا، ثم يأتي التعليم بعد ذلك (لا تدع دبر كلا صلاةٍ أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).
 إنًّ أهم وأعظم وأول تمكّين أن يمكَّن لك في القلوب، فلا يمكن للإنسان أن يقبل الناس كلامه وينتفعون بما يقوله إلاَّ إذا مُكّن له في قلوبهم وهذه القلوب لا تُشترى بالمال!! وإنما جُبلت القلوب على حب من أحسن وتلطف وتأدب معها ورفق بها فالله يقول: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) .
 جـ) لا تنشغل بالنتائج: وهذا من أسباب نجاح الداعية والمربي والواعظ أن لا ينشغل بالنتائج فقط، ابذر البذر الذي معك، واغرس الكلمة الطيبة والتوجيه والنصح الذي أخلصت فيه لله عز وجل والنتائج والثمرة اتركها لله عز وجل فأنت لا تملكها!!!
 تأمّل... امرأة نوح عليه السلام وهو نبي من أنبياء الله ومن أولي العزم من الرسل ظل يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا دعاهم ليلاً ونهارًا وجهارًا وكانت زوجته تمشي وتقول للناس إنه مجنون.
امرأة لوط عليه السلام وهو نبي كريم عفيف غيور، وزوجته كانت هي التي تدل الناس على أضيافه، وكلاً منهما تأكل وتشرب في بيت نبي وتبيت على فراش نبي ومع ذلك لم تنتفع ولم تهتدي!!
 وامرأة فرعون تأكل وتشرب عند كافر وتبيت على فراش رجل كافر وكانت تقول: (رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) !
وهذا كله يعلمك أيها المتدبر لكتاب الله : أن الهداية ليست بيدك، والنتائج ليست بيدك، الهداية من الله والله أعلم بخلقه وأعلم بمن يستحق الهداية ومن لا يستحقها . ولله في ذلك شؤون وأسرار وله جل جلاله الحكمة البالغة (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء) .
د) ترتيب الأوليات: مهم جدًا للدعاة والمربين أن يراعوا الأوليات في الدعوة والنصح والتعليم . أن تبدأ بالأهم فالمهم فالأقل أهمية، اغرس في المدعوين الإيمان والتوحيد ، الاعتقاد الصحيح ثم علمهم العبادات والأخلاق وهذا ظاهر بوضوح في وصايا لقمان التي سنتدارسها في المحور القادم بإذن الله.
--------------------------------
1- المفردات (494)
2- نضرة النعيم (8/3489).
3- نضرة النعيم
4- جامع العلوم والحكم
*إحدى منسوبات جمعية تحفيظ القرآن بمحافظة جدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق