الثلاثاء، 8 مايو 2012

الحلقــ السابعة ـــة / قوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا) الأحقاف: ١٥



الحمد لله حمد اً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى . وأشهد ألاّ إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع هديه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
 أيها المباركون هذا لقاء لما قد سبق من لقاءات وهي تفسير لكلام رب العالمين - جل جلاله - والآيات التي نشرف بالحديث عنها في هذا اللقاء المبارك هي من سورة الأحقاف قول الله - جل وعلا - :
 (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ)
 فنقول - والله المستعان - : الآيات ظاهرة البيان وهي من أعظم وصايا الرحمن في القرآن لعباده ، قال الله جل ذكره وتبارك أسمه (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) تنصرف الوصية هنا إلى الوالدين مباشرين الأب والأم ، والله - جل وعلا - خلق أبانا آدم من غير أب ولا أم ، خلقة بيده ، ثم إنه - جل وعلا - من ضلع آدم خلق أمنا حواء فاستوى بذلك أن آدم خلق من غير أب ولا أم وخلقت حواء من ضلع رجل ثم إنه - جل وعلا - كتب أن يكون كل أحد عن ذكر وأنثى ، ثم إنه - جل وعلا - بعد ذلك خلق عيسي من أم من غير أب ، من نفخة نفخها جبرائيل في جيب درع مريم ابنت عمران فاستوت الأحوال الأربعة المتصورة عقلاً . هذا كله توطئة .
 فلما كان الوالدان بقدر الله هما السبب في وجود كل أحد كل بحسبه وصى العلي الكبير بهما ، والمرء قبل أن يصنع أي أمر  يستصحب وصية الله - عز وجل - وقد مر معنا في حلقات عدة وسيمر معنا أن الدين قائم على تعظيم الله - جل جلاله - ومن تعظيم الله - جل جلاله - تعظيم أمره والنظر بكل قلب وجارحة إلى أوامر الله فيأتيها الإنسان طوعا يريد ما عند الله - جل وعلا - من الثواب.
/ قال - تباركت أسماؤه وجلّ ثناؤه - (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) ثم بيّن بعد إجماع (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا) . والكره: هو التعب الناجم عن مشقة لكنه محبوب إلى النفس ذلك أنه ما من امرأة إلا وتحب أن تحمل وتضع ، ولذلك لو قُدر أن امرأة ما عقيم فإنها تسعى في أن تلد ، هذا شأن النساء جميعاً إلا ما ندر وما ندر شاذ لا حكم له . والمقصود  من هذا أن الله - جل وعلا - بيّن هنا : أن شأن الأم أولى بالإحسان من الأب لكن ينبغي أن يُعلم أن برك لأمك ليس معناه عقوقك لأبيك وأنما يبقى للأم درجات ثلاث زائدة عن برّ الوالد كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح لما سئل من أحقّ الناس بحسن صحابتي ؟ قال ( أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ) .
/ قال ربنا : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا) وفق الصناعة النحوية فإن "كرهاً" هنا تُنصب على أنها حال ، وبعض أهل العلم ممن لهم في الصناعة النحوية يقولون أنها أولى أن تعرب نعتاً لمنعوت محذوف أي "حملته حملاً ذا كُره" ، لكن الأول أولى لوقوعه في العربية كثير فإن "كرها" بالاتفاق مصدر ، والمصدر إذا جاء منكرا صح أن يجيء حالا وفي الخلاصة كما هو معروف :
ومصدر منكر قد يقع حالا ** بكثرة كبغتة زيد طلع
فقول الناظم : "بغتة زيد طلع" معناه في غير النظم "طلع زيد بغتة" ، فـ بغتة : مصدر جاء نكرة يُعرب حال هو نفسه ما ينطبق على الآية لذلك قلنا ورجحنا أن كونها حالا أولى .
/ قال ربنا - جل وعلا - (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا) فجمع الله بين الحمل والفصام أي الفطام ولا يتبيّن من هذه الآية وحدها ما يمكن أن يقع عليه مدة أقل الحمل ، لكن قاعدة عند الأصوليين تسمى الدلالة بالإشارة ، والدلالة بالإشارة أن تُضم الآية إلى آية أخرى فينشأ من الضميمة فقه مستنبط أو حكم مستنبط فلما ضممنا هذه الآية من الاحقاف لقول الله - جل وعلا - (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) فأخرجنا العامين من الثلاثين شهرا المذكورة في سورة الاحقاف نجم عنها سته أشهر فتبين أن أقلّ مدة الحمل ستة أشهر ، وأهل العلم يقولون كما روى ابن أبي حاتم وابن اسحاق - صاحب السير - أن أول من فطن لهذا وقضى به أمير المؤمنين عثمان فقد جاءه رجل - زوج - يخبره أن امرأته وضعت حملا - مولودا - لستة أشهر ، فلما أخبر عثمان قال : عليّ بالمرأة فهمّ أن يرجمها ظنا منه أنه لا حمل في ستة أشهر على ما هو معتاد أن الحمل تسعة أشهر ولم يكن الناس يومئذ قد فطنوا إلى فقه الآية والمرأة كانت من جهينة وهي خارجة من الدار فاستدعاها عثمان ، أخذت أختها تبكي شفقة عليها ففهمت أن أختها تظن بها سوءا فقالت - لأنها واثقة مما تصنع - قالت : ما يبكيكِ ؟ والله ما التبس بي رجل غيره - أي زوجها - وهي واثقة من براءتها وإن كانت لا تعلم كيف ولدت لستة أشهر فغدت إلى عثمان فعلِم علي - رضي الله عنه - بالخبر فلما أُخبر علي بالخبر قال : ليس عليك لها سبيل . يعني لا يمكن أن يُقام عليها رجم ثم بيّن قال : إن الله - جل وعلا - يقول (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا) ويقول (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) فإذا أخرجنا مدة الرضاعة وهي عامان أربعة وعشرون شهرا بقي من الثلاثين - المذكورة في الاحقاف - ستة أشهر فقال عثمان - رضي الله عنه وعن علي - قال لعلي ما فطنتُ لهذا من قبل . ثم أضحت أمرا سائغا إلى اليوم ولم يزده الطب الحديث إلا تاكيدا . والمقصود : أن الفهم لكلام الله يختلف من شخص إلى آخر ولا يمكن اغلاق هذا الباب. وبعض الناس زمن علي - رضي الله عنه وأرضاه - كان يرى أن لآل البيت عصمة ، والحق ألاّ عصمة لهم فجاء إلى علي - رضي الله عنه وأرضاه - يريد أن يستفزه وينشده كلمة تؤكد هذا المنحى فقال : هل خصّكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء ؟ - يريد آل البيت - فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ثم استدرك - رضي الله عنه - قال : "إلا فهما يؤتيه الله من يشاء في كتابه" ففهم العلماء أن هذا القرآن العظيم معجزة مفتوحة ، كتاب مقروء إلى أن يرفعه الله والأفهام تختلف في الاستنباط منه ، لكن لابد من آلة علمية وعطاء رباني حتى يستنبط الإنسان منه ، ولا يمكن أن تُشغل الأعمار وتفنى في شيء أعظم من كلام الله - جلّ وعلا -.
/ قال ربنا هنا (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) ويمكن أن نقول جمعا بين هذه الآية والآثار الأُخر : أن الحديث عنها عن ثلاثة أحوال :
- حالة أشُدّ
- حالة استواء
- حالة إعذار
فأما حالة الأشُدّ فهي أن يصل المرء إلى ثلاثة وثلاثين عاما هذا هو الأشُدّ لأن الله قال - وقوله الحق - (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ) ثم قال (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) والواو عاطفة والعطف يقتضي المغايرة قطعاً ، فليست الأربعون هي الأشدّ إنما الأشُدّ مرحلة قبل والأربعون استواء من قرائن أُخر . فنقول : إن الأشُدّ ثلاث وثلاثون سنة والأربعون هي مرحلة الاستواء ، ونقول إن مرحلة الإعذار هي الستين فمن بلّغه الله - جل وعلا - وعمّره إلى الستين فقد أعذر الله - جل وعلا - إليه .
/ قال ربنا هنا (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) العلماء يقولون معناها : وفقني ، ألهمني . وهذا معنى صحيح لكن أحبّ إلينا أن يُقال :عندما يقال لأحد ما ليس لديه وازع أي مانع فيصبح قول الله -  جل وعلآ - (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ) أي أمنعني من كل شيء أُشغل به إلا شكر نعمتك ، أمنعني عن أي شيء يصرفني عن شُكر نعمتك ، ويمكن أن تكون كما حرر أهل العلم ربي وفقني والهمني .
(رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ) وهذا دعاء الصالحين ، والعلماء يقولون : يتأكد هذا الدعاء في حق كل من بلغ الأربعين .
/ (قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) هذا من شفقته على بنيه . لكن يبقى سؤال قبل أن نتجاوز الآية : لمَ يتاكد هذا الدعاء والبِرّ في الأربعين ؟
قال أهل العلم : لأن المرء إذا بلغ الأربعين - غالبا - يكون له زوجة وأولاد حتى لا يُصرف عن والديه أُخبر هنا أن حق الوالدين يبقى بل يبقى حتى بعد مماتهما فكيف يصرفك عنه زوجة وأولاد ، وهذا لا يعني بالضرورة أن تضيع زوجتك وأولادك لكن يبقى حق الوالدين عظيم وحق الوالدة أعظم - كما سيأتي - .
/ قال ربنا (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) فالإنسان كما منّ الله عليه إن كان من الموفقين في بره بوالديه يرغب إلى الله ويعلم أن القلوب بيد الله فيجأر إلى الله يسأله أن يبُره أولاده ويرزق صلاح الذرية ويُرزق برهم وهذا كله من الخير العظيم لأن المرء إذا كتب الله له الجنة لا يتمنى أحدا غير الأنبياء معه أولى من الأنبياء من ذريته ولهذا قال الله تطمينا لأوليائه (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) .
  / قال هنا (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قال الله بعدها (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا) هنا يأتي إشكال ولا يمكن لقارئ القرآن ألاّ يرى إشكالا في هذه الآية .
 الإشكال يتضح في التالي :  قال الله - جل وعلا - لنبيه موسى كما في سورة الأعراف لما أنزل عليه التوراة قال (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا) "يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا" أي أن في التوراة حسن وأحسن ، مثلا : قتل فيوجد دية ويوجد عفو ويوجد قصاص وكلها جائزة لكن أيها احسن ؟ العفو ثم الدية ثم القصاص وإن كان كلها جائز وهذا يستقيم ، لكن هنا لا يستقيم لأن لو قلنا بالترك فمعناه أن الله يقبل منا الأحسن ويرد علينا الحسن وهذا لا يقول به عاقل (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) فتخريج الآية - على الصحيح - (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا) أولئك عائده للحديث عن السابقين فيصبح أن التوبة والتوحيد وبر الوالدين أحسن ما يمكن أن يصنعه بنو أدم فيصبح (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا) أحسن ما عملوا هذه صفة لما سبق بيانه من أعمالهم الصالحة ولا علاقة لها بغير ذلك من الأعمال فسمى الله - جل وعلا - تلكم الأعمال السالفة الذكر في الآية الأولى سماها من أحسن العمل ، ومما يدل على هذا المنحى ما جاء في السُنن بسند صحيح من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - جاء إليه رجل وهو في حلقته قال يا ابن عم رسول الله أنني أحببت أمرآة فخطبتها فرفضتني ثم خطبها غيري فقبلته فأدركني حنق عليها فقتلتها فهل لي من توبة ؟ فقال له ابن عباس : ألك والدة ؟ قال لا ، يعني أمي ليست حية ، قال يا ابن أخي تب إلى الله وأكثر من الأعمال الصالحة ، ثم خرج الرجل من الحلقة فجاء عطاء - أحد تلاميذ ابن عباس - فقال يا ابن عم رسول الله أراك سألت الرجل عن أمه ، فقال ابن عباس : " والله لا أعلم عملاً أحب إلى الله من بر الوالدة " فهذا الشاهد في الحديث : يد لل على المنحى في التفسير عن معنى قول الله - جل وعلا - (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا).
/ ثم قال الله (وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ) فربنا علم ضعفنا وعجزنا وتقصيرنا وخطيانا وما قال أنهم لا يخطئون  قال (وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ) والمعنى أن لهم سيئات قطعاً ، لكن الله - جل وعلا -  بعفوه ورحمته وكرمه تجاوز عنا (وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ) .
/ ثم قال أصدق القائلين (وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) في القرأن وعد ووعيد :
- فأما ما وعد الله به فكائن لا محالة
 - وأما الوعيد فينقسم إلى قسمين :
وعيد الله - جل وعلا - للكفار فهذا لأنهم يخلدون في النار ولأنهم لا يدخلون الجنة فهذا حتماً سيقع كقول الله (مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) فهذا واقع ،  وأما وعيد الله لعصاة المؤمنين فهذا داخل تحت المشيئة لعموم قوله - جل ذكره - (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) .
 / قال ربنا (وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) متى كانوا يوعدون ؟
كانوا يوعدونه في الدنيا على ألسنة الرسل وفي طيات الكتب المنزلة وأخذته هذه الأمة وعداً في القرآن وعن رسولها صلوات الله عليه ، والعلماء يقولون : إن هذه الآية كذلك تنصرف إلى الصديق أبي بكر - رضي الله عنه وأرضاه - في أنه أولى الناس في أن تجري عليه ما في هذه الآية ، وأبو بكر - رضي الله تعالى عنه وأرضاه - السابق الأول إلى الاسلام من الرجال  وقد منّ الله عليه بأن آمن أبوه وآمنت أمه وآمن من تحت يده من الآزواج و آمن أولاده وهذه خصيصة لم تعطَ أحد من الصحابة .
الحقنا الله بكم وبه في الصالحين ومتعنا الله وإياكم متاعهم والحمد لله رب العالمين .
--------------------------------------
*التفريغ من جهد الأخت رائحة المطر (بتصرف)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق