/ قال تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) قيل للخيار : وسط ؛ لسلامة الوسط مما يسارع إلى الأطراف من الخلل والفساد ؛ وسالك الوسط من الطريق محفوظ من الانحراف إلى غير طريق . 260 .
/ قال تعالى : ( وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ )
ووجه دخول التصديق ـ بالملائكة ـ في حقيقة الإيمان : أن الله وسطهم في إبلاغ الوحي للأنبياء ، وذكر ذلك في الكتاب ، وتحدث الأنبياء عنهم بما لا يدع في النفس شبهة في أن الملَك مخلوق ذو حياة ونطق عقلي . فمن لم يؤمن بهذا النوع من المخلوقات على الوجه الذي وصفه الكتاب العزيز ، فقد أنكر الوحي ، وحُرم من إيمان يبنى عليه سيرة يصل بها إلى أمن وسعادة . ص313.
/ قال تعالى : ( وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ)قوله تعالى : ( وَابْنَ السَّبِيلِ ) هو المسافر المنقطع عن ماله . وسمي ابن السبيل ؛ أي : الطريق ؛ لأنه يظهر للناس من جانبها . وفي هذا تنبيه على أن المسلمين ـ وإن اختلفت أوطانهم ـ ينبغي أن يكونوا في التعاطف والتعاون على مرافق الحياة كأسرة واحدة . ص314 .
/ ذكر ـ الله في خصال البر مواساة الخلق إذ قال : ( وَآتَى الْمَالَ ) ، فدل على أنه لا بر إلا لمن يكون رحيم القلب ، سريع العطف على ذوي الحاجات ما استطاع ، عطف على ذلك خصلة أخرى ترجع إلى التزامه القيام بما يأمره الله به من حسن الطاعة ، فقال تعالى : ( وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ) . ص315 .
/ قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ) صُدّرت الآية بخطاب : ( الذين آمنوا ) تقوية لداعية إنفاذ حكم القصاص ، فكأنه يقول : إن معكم من الإيمان ما يمنعكم من التهاون بإقامة هذا الواجب ؛ فإن المؤمن الصادق يحرص على أن يسد الأبواب في وجه كل فتنة تحل عرا الألفة والمودة بين الأفراد والجماعات ، وتلقي بحبل الأمن في اضطراب واختلال .
والقرآن الكريم يوجه الخطاب في عقوبات الجنايات كالقصاص إلى الأمة على أن يقيمها الرئيس الأعلى ، أو من ينوب عنه . وتوجيه الخطاب إلى الأمة يُشعرها بأن عليها جانباً من التبعة إذا أهمل أولو الأمر هذه العقوبات ، أو لم يقيموها على حق ، ويشعرهم بأنهم مطالبون بعمل ما يساعد الحكام على وضع العقوبات في حدود العدل ؛ كتسليم الجاني ، وأداء الشهادة عليه في صراحة وأمانة . ص319
/ قال بعد آية القصاص : ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ) .
سمي القاتل أخاً لولي المقتول ؛ تذكيراً بالأخوة البشرية والدينية حتى يهز عطف كل واحد منهما إلى الآخر ، فيقع العفو ، والاتباع بالمعروف ، والأداء بإحسان . ص321 .
/ نقل عن العرب ما يدل على أنهم تحدثوا عن حكمة القصاص من قبل ، وأبلغ كلمة عبروا بها عن هذا المعنى قولهم : ( القتل أنفى للقتل ) ، ولكن لورود الحكمة في القرآن فضل من ناحية حسن البيان الذي يسارع بها إلى أقصى القلوب ، ويجعلها مثلاً سائراً يجري على الألسنة ، ويتقلب في الأندية ؛ حتى يعظم أثرها في حياة المؤمنين ، وإذا شئت أن تزداد خبرة بفضل بلاغة القرآن ، وسمو مرتبته في حسن البيان على مرتبة ما نطق به بلغاء البشر ، فانظر إلى هذه الجملة : ( فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ) ، وإلى قولهم ( القتل أنفى للقتل ) ، وأقم بينهما وزناً بالقسط ، فإنك تجد من نفحات الإعجاز ما ينبهك لأن تشهد الفرق بين كلام الخالق وكلام المخلوق . ومن فضل الآية : أنها جعلت سبب الحياة القصاص ، وهو القتل عقوبة على وجه التماثل ، أما العبارة العربية ، فقد جعلت سبب الحياة القتل ، ومن القتل ما يكون ظلماً ، فيكون سبباً للفناء لا للحياة . وتصحيح هذه العبارة أن يقال : القتل قصاصاً أنفى للقتل ظلماً . والآية جاءت خالية من التكرار اللفظي ، فعبرت عن القتل الذي هو سبب الحياة بالقصاص ، والعبارة العربية كرر فيها لفظ القتل ، فمسها بهذا التكرار من الثقل ما سلمت منه الآية .
ومن الفروق الدقيقة بينهما : أن الآية جعلت القصاص سبباً للحياة التي تتوجه إليها الرغبة مباشرة ، والعبارة العربية جعلت القتل سبباً لنفي القتل الذي تترتب عليه الحياة . ص322 .
/ قال تعالى : ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ ).خص النداء بأولي الألباب ، مع أن الخطاب بحكمة القصاص شامل لهم ولغيرهم ؛ لأنهم الذين يتدبرون عواقب الأمور ، ويعرفون قيمة الحياة ، ويقدرون حكم التشريع قدرها . وفي هذا النداء تنبيه على أن من ينكرون مصحلة القصاص ، وأثره النافع في تثبيت دعائم الأمن ، يعيشون بين الناس بعقول غير سليمة . 332 .
/ قال تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) .
عدل عن الخطاب فلم يقل : حقاً عليكم ، ووضع للمتقين موضع ضمير الخطاب ؛ تأكيداً للأمر بالوصية ؛ إذ يشعر أن القيام بالوصية ، والمحافظة عليها من شعائر المتقين ، فمن أهملها ، فقد رضي لنفسه الحرمان من الدخول في صفوفهم ، وفاته أن يحشر يوم القيامة في وفدهم . ص326 .
/ قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) .
حكمة التذكير بأن الصيام قد فرض على الأمم السابقة : تخفيف وقعه على النفوس ؛ حيث إن الصائم يكف نفسه عن كثير من الشهوات التي اعتاد التمتع بها ، فإذا قيل له : إن هذه العبارة قد فرضت على أمم من قبلنا ، وأَفْهَم السياق أنهم لم يهملوها ، خف عليه أمرها ، وأقبل على أدائها بنفس مطمئنة . ص334 .
/ قال تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ )
ولم يصدر الجواب بقُل ، أو فقل ؛ كما وقع في أجوبة مسائلهم الواردة في آيات أخرى ، نحو : ( ويسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً ) ، بل تولى جوابهم بنفسه ؛ إشعار بفرط قربه منهم ، وحضوره مع كل سائل ؛ بحيث لا تتوقف إجابته على وجود واسطة بينه وبين السائلين من ذوي الحاجات . ص344 .
/ قال تعالى : ( فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ )ابتغوا : اطلبوا ( ما كتب الله ) : ما قضى به وقسمه ، وأقرب ما يفسر به : الولد . وهذا مشعر بأن النكاح شرع ليبتغى به النسل ، حتى يتحقق ما يريده الله من بقاء النوع الإنساني . ص346 .
/ قال تعالى : ( وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) .
لا غرابة في أن يعنى القرآن الكريم في سياسته الرشيدة بالتحذير من جريمة الرشوة ؛ فإنها المعول الذي يهدم صرح العدل من أساسه ، وبها تفقد مجالس القضاء حرمتها ، ولا يبقى للجالسين على كراسيها كرامة . وللرشوة شَبَه بالسرقة ؛ لأنها تؤخذ من يد مالكها خفية . وشبه بالغصب ؛ لأنها تؤخذ منه تحت سلطان القضاء . ص350 .
/ قال تعالى : ( فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ) .
العدوان في أصل اللغة : الاعتداء والظلم الذي هو من ا لأفعال المحرمة ، كما قال تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) ، وهو بهذا المعنى لا يجوز ارتكابه مع أحد ، ولو كان ظالماً ، ولكن الآية قالت : ( فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ) فظاهرها إباحة الاعتداء على الظالمين .
وتزاح هذه الشبهة من طريق فهم الآية أنها جرت على ما يجري في كلام البلغاء من تسمية جزاء الظلم والاعتداء : ظلماً واعتداء ؛ لاتحادهما ، أو تشابههما في الصورة . ص358 .
/ قال تعالى : ( فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )
ومن واجب دعاة الإصلاح : أن يراقبوا أحوال من يزورون قبور الصالحين ، حتى إذا أحسوا من زائرٍ المبالغة في تعظيم صاحب القبر ؛ كالانحناء أمامه في هيئة الراكع أو الساجد ، نبهوه برفق ، وأنقذوه من الوقوع في اعتقاد أن الولي يملك لنفسه أو لغيره نفعاً أو ضراً ، وأعادوه إلى ما يوافق التوحيد الخالص ؛ من أن النفع والضر من طريق غيبي إنما هو بيد ا لله الذي بيده ملكوت كل شي . ص366 .
---------------------------------
فوائد قرءانية من موسوعة الأعمال الكاملة للشيخ محمد الخضر حسين
/ ملتقى أهل التفسير
/ قال تعالى : ( وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ )
ووجه دخول التصديق ـ بالملائكة ـ في حقيقة الإيمان : أن الله وسطهم في إبلاغ الوحي للأنبياء ، وذكر ذلك في الكتاب ، وتحدث الأنبياء عنهم بما لا يدع في النفس شبهة في أن الملَك مخلوق ذو حياة ونطق عقلي . فمن لم يؤمن بهذا النوع من المخلوقات على الوجه الذي وصفه الكتاب العزيز ، فقد أنكر الوحي ، وحُرم من إيمان يبنى عليه سيرة يصل بها إلى أمن وسعادة . ص313.
/ قال تعالى : ( وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ)قوله تعالى : ( وَابْنَ السَّبِيلِ ) هو المسافر المنقطع عن ماله . وسمي ابن السبيل ؛ أي : الطريق ؛ لأنه يظهر للناس من جانبها . وفي هذا تنبيه على أن المسلمين ـ وإن اختلفت أوطانهم ـ ينبغي أن يكونوا في التعاطف والتعاون على مرافق الحياة كأسرة واحدة . ص314 .
/ ذكر ـ الله في خصال البر مواساة الخلق إذ قال : ( وَآتَى الْمَالَ ) ، فدل على أنه لا بر إلا لمن يكون رحيم القلب ، سريع العطف على ذوي الحاجات ما استطاع ، عطف على ذلك خصلة أخرى ترجع إلى التزامه القيام بما يأمره الله به من حسن الطاعة ، فقال تعالى : ( وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ) . ص315 .
/ قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ) صُدّرت الآية بخطاب : ( الذين آمنوا ) تقوية لداعية إنفاذ حكم القصاص ، فكأنه يقول : إن معكم من الإيمان ما يمنعكم من التهاون بإقامة هذا الواجب ؛ فإن المؤمن الصادق يحرص على أن يسد الأبواب في وجه كل فتنة تحل عرا الألفة والمودة بين الأفراد والجماعات ، وتلقي بحبل الأمن في اضطراب واختلال .
والقرآن الكريم يوجه الخطاب في عقوبات الجنايات كالقصاص إلى الأمة على أن يقيمها الرئيس الأعلى ، أو من ينوب عنه . وتوجيه الخطاب إلى الأمة يُشعرها بأن عليها جانباً من التبعة إذا أهمل أولو الأمر هذه العقوبات ، أو لم يقيموها على حق ، ويشعرهم بأنهم مطالبون بعمل ما يساعد الحكام على وضع العقوبات في حدود العدل ؛ كتسليم الجاني ، وأداء الشهادة عليه في صراحة وأمانة . ص319
/ قال بعد آية القصاص : ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ) .
سمي القاتل أخاً لولي المقتول ؛ تذكيراً بالأخوة البشرية والدينية حتى يهز عطف كل واحد منهما إلى الآخر ، فيقع العفو ، والاتباع بالمعروف ، والأداء بإحسان . ص321 .
/ نقل عن العرب ما يدل على أنهم تحدثوا عن حكمة القصاص من قبل ، وأبلغ كلمة عبروا بها عن هذا المعنى قولهم : ( القتل أنفى للقتل ) ، ولكن لورود الحكمة في القرآن فضل من ناحية حسن البيان الذي يسارع بها إلى أقصى القلوب ، ويجعلها مثلاً سائراً يجري على الألسنة ، ويتقلب في الأندية ؛ حتى يعظم أثرها في حياة المؤمنين ، وإذا شئت أن تزداد خبرة بفضل بلاغة القرآن ، وسمو مرتبته في حسن البيان على مرتبة ما نطق به بلغاء البشر ، فانظر إلى هذه الجملة : ( فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ) ، وإلى قولهم ( القتل أنفى للقتل ) ، وأقم بينهما وزناً بالقسط ، فإنك تجد من نفحات الإعجاز ما ينبهك لأن تشهد الفرق بين كلام الخالق وكلام المخلوق . ومن فضل الآية : أنها جعلت سبب الحياة القصاص ، وهو القتل عقوبة على وجه التماثل ، أما العبارة العربية ، فقد جعلت سبب الحياة القتل ، ومن القتل ما يكون ظلماً ، فيكون سبباً للفناء لا للحياة . وتصحيح هذه العبارة أن يقال : القتل قصاصاً أنفى للقتل ظلماً . والآية جاءت خالية من التكرار اللفظي ، فعبرت عن القتل الذي هو سبب الحياة بالقصاص ، والعبارة العربية كرر فيها لفظ القتل ، فمسها بهذا التكرار من الثقل ما سلمت منه الآية .
ومن الفروق الدقيقة بينهما : أن الآية جعلت القصاص سبباً للحياة التي تتوجه إليها الرغبة مباشرة ، والعبارة العربية جعلت القتل سبباً لنفي القتل الذي تترتب عليه الحياة . ص322 .
/ قال تعالى : ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ ).خص النداء بأولي الألباب ، مع أن الخطاب بحكمة القصاص شامل لهم ولغيرهم ؛ لأنهم الذين يتدبرون عواقب الأمور ، ويعرفون قيمة الحياة ، ويقدرون حكم التشريع قدرها . وفي هذا النداء تنبيه على أن من ينكرون مصحلة القصاص ، وأثره النافع في تثبيت دعائم الأمن ، يعيشون بين الناس بعقول غير سليمة . 332 .
/ قال تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) .
عدل عن الخطاب فلم يقل : حقاً عليكم ، ووضع للمتقين موضع ضمير الخطاب ؛ تأكيداً للأمر بالوصية ؛ إذ يشعر أن القيام بالوصية ، والمحافظة عليها من شعائر المتقين ، فمن أهملها ، فقد رضي لنفسه الحرمان من الدخول في صفوفهم ، وفاته أن يحشر يوم القيامة في وفدهم . ص326 .
/ قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) .
حكمة التذكير بأن الصيام قد فرض على الأمم السابقة : تخفيف وقعه على النفوس ؛ حيث إن الصائم يكف نفسه عن كثير من الشهوات التي اعتاد التمتع بها ، فإذا قيل له : إن هذه العبارة قد فرضت على أمم من قبلنا ، وأَفْهَم السياق أنهم لم يهملوها ، خف عليه أمرها ، وأقبل على أدائها بنفس مطمئنة . ص334 .
/ قال تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ )
ولم يصدر الجواب بقُل ، أو فقل ؛ كما وقع في أجوبة مسائلهم الواردة في آيات أخرى ، نحو : ( ويسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً ) ، بل تولى جوابهم بنفسه ؛ إشعار بفرط قربه منهم ، وحضوره مع كل سائل ؛ بحيث لا تتوقف إجابته على وجود واسطة بينه وبين السائلين من ذوي الحاجات . ص344 .
/ قال تعالى : ( فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ )ابتغوا : اطلبوا ( ما كتب الله ) : ما قضى به وقسمه ، وأقرب ما يفسر به : الولد . وهذا مشعر بأن النكاح شرع ليبتغى به النسل ، حتى يتحقق ما يريده الله من بقاء النوع الإنساني . ص346 .
/ قال تعالى : ( وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) .
لا غرابة في أن يعنى القرآن الكريم في سياسته الرشيدة بالتحذير من جريمة الرشوة ؛ فإنها المعول الذي يهدم صرح العدل من أساسه ، وبها تفقد مجالس القضاء حرمتها ، ولا يبقى للجالسين على كراسيها كرامة . وللرشوة شَبَه بالسرقة ؛ لأنها تؤخذ من يد مالكها خفية . وشبه بالغصب ؛ لأنها تؤخذ منه تحت سلطان القضاء . ص350 .
/ قال تعالى : ( فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ) .
العدوان في أصل اللغة : الاعتداء والظلم الذي هو من ا لأفعال المحرمة ، كما قال تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) ، وهو بهذا المعنى لا يجوز ارتكابه مع أحد ، ولو كان ظالماً ، ولكن الآية قالت : ( فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ) فظاهرها إباحة الاعتداء على الظالمين .
وتزاح هذه الشبهة من طريق فهم الآية أنها جرت على ما يجري في كلام البلغاء من تسمية جزاء الظلم والاعتداء : ظلماً واعتداء ؛ لاتحادهما ، أو تشابههما في الصورة . ص358 .
/ قال تعالى : ( فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )
ومن واجب دعاة الإصلاح : أن يراقبوا أحوال من يزورون قبور الصالحين ، حتى إذا أحسوا من زائرٍ المبالغة في تعظيم صاحب القبر ؛ كالانحناء أمامه في هيئة الراكع أو الساجد ، نبهوه برفق ، وأنقذوه من الوقوع في اعتقاد أن الولي يملك لنفسه أو لغيره نفعاً أو ضراً ، وأعادوه إلى ما يوافق التوحيد الخالص ؛ من أن النفع والضر من طريق غيبي إنما هو بيد ا لله الذي بيده ملكوت كل شي . ص366 .
---------------------------------
فوائد قرءانية من موسوعة الأعمال الكاملة للشيخ محمد الخضر حسين
/ ملتقى أهل التفسير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق