الخميس، 22 ديسمبر 2011

قوله تعالى (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

 مما يكون يوم القيامة الميزان ، وأهل السنة يقولون -سلك الله بنا وبكم سبيلهم- يقولون أنه ميزان حقيقي له كفتان وله لسان ، والله جل وعلا يقول : (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ) والله يقول هنا (وَالْوَزْن يَوْمئِذٍ الْحَقّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينه فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) والقصد بكلمة الحق : أن لا جور فيه ولا ظلم ولا بخس ولا رهق ، ميزان حق يكفي أن الله جل وعلا قائم عليه وهو تبارك وتعالى أعدل الحاكمين ، وأحكم العادلين .
على هذا اختلف العلماء ما الذي يوزن ؟ مع اتفاقهم جملة -أهل السنة- على أنه يوجد ميزان له كفتان لكن اختلفوا في الذي يوزن على أقوال أشهرها :
/ القول الأول : أن الذي يوزن: العمل نفسه، والذين قالوا بهذا القول احتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان) فموضع الشاهد: أنه قال : أن (الحمد لله) تملأ الميزان .
/ القول الثاني : أن الذي يوزن هو: صحائف العمل وهؤلاء احتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي بسند صحيح (إن الله سيخلص رجلاً من أمتي يوم القيامة على رؤوس الخلائق ينشر له تسعة وتسعون سجلاً، كل سجل مد البصر فيقول له ربه : أتنكر مما رأيت شيئاً ؟ فيقول: لا يا رب! فيقول الله - جل وعلا - له : أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول : لا يا رب! فيقول الله : إن لك عندنا بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، فيقول: يا رب! وما تغني هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة ، قال صلى الله عليه وسلم: فطاشت السجلات، ورجحت البطاقة) وفي زيادة عند الترمذي (ولا يثقل مع اسم الله شيء)
فهذه أدلة من قال: إن الذي يوزن: صحائف العمل.
/ القول الثالث : إنه يوزن صاحب العمل، وهؤلاء احتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (يؤتى بالرجل السمين يوم القيامة -المقصود: الكافر- فلا يزن عند الله جناح بعوضة، ثم قرأ عليه الصلاة والسلام (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) [الكهف:105]) هذه أحد أدلة من قال: إن الذي يوزن: صاحب العمل، واحتجوا كذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ضحك الصحابة من رجل عبد الله بن مسعود قال صلى الله عليه وسلم: (أتعجبون من دقة ساقيه، فلهما أثقل في الميزان من جبل أحد) أي: رجلا عبد الله بن مسعود أثقل في الميزان من جبل أحد .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى جمعاً بين الأدلة : ولا يبعد أن يوزن هذا تارة وهذا تارة وهذا تارة، والأظهر -والله تعالى أعلم- أنه يوزن العمل وصاحبه وصحائف الأعمال جمعاً بين الأحاديث، وجمعاً بين الآثار، وهذا هو الذي تستقيم به الآيات والله تعالى أعلم.

(وَالْوَزْن يَوْمئِذٍ الْحَقّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينه فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)  والذي يعنينا هنا كخطاب قرآني أن يُعنى الإنسان بأعماله الصالحة وأن يسعى فيما يثقل به الميزان ومن أعظم ما يثقل به الميزان حسن الخلق ، الذي تتعامل به مع الناس، قال عليه الصلاة والسلام :" الدين معاملة " ولم يكن صلوات الله عليه وسلامه عليه فظا وغليظا في خطابه وليس الدين مجرد ركعات تؤدى في المساجد وإن كانت الصلاة في الذروة الأعلى من الدين ، ولكن الدين جملة معاملة مع إخوانك المؤمنين ، مع والديك مع أبنائك .. مع زوجاتك .. مع جيرانك .. مع عامة المسلين تحب لهم ما تحب لنفسك .. تؤثرهم على نفسك .. تقبل اعتذارهم وتقبل عثراتهم .. وتقدم الصورة المثلى لما أمر الله به في كتابه وما أمر به رسولهم صلى الله عليه وسلم كما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : كان خلقه القرآن ، أي أنه يطبق القرآن صلوات الله وسلامه عليه ومن الخطأ العظيم الذي نقع فيه أن نعتقد أن اتصالنا بالدين وقف على أشهر معينة كرمضان أو مساكن معينة كالمساجد وإنما يعبد الله جل وعلا بكل لسان وفي كل مكان ، وأخوة الإسلام تفرض علينا مطالب شتى في تعاملنا ، نكون بها إن شاء الله عباد الله إخوانا كما أمر نبينا صلى الله عليه وسلم
----------------------------
تأملات قرآنية للشيخ / صالح المغامسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق