د/ ناصر بن محمد الماجد
تتمة المقطع الأول :[(وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِينَ (124) بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لْيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (129) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)]
السَّلام عليكم ورحمة الله و بركاته..
السَّلام عليكم ورحمة الله و بركاته..
بسم الله و الحمد لله والصَّلاة و السَّلام على رسول الله و على آله وصَحبه و من اهتدى بِهُداه و بعد :
فنستكمل الحديث حول سورة آل عمران، قد كُنَّا وقفنا في اللِّقاء السابق عند قول الله عزَّوجل (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )[1] وهذا المَقطع من السُّورة الكريمة، بدأَ الحديثُ فيه عن غزوة أُحد و عن مَا حصل فيها من أحداث، وعن ما وقع من بعض الصَّحابة من مُخالفةِ أمر النَّبي وما تَرتَبَ على ذَلك من هَزيمة للمؤمنين وأذىً أصابهم من عَدِّوهم، وبدأت الآيات الكريمة تُذكِّر النَّبي والصَّحابة مِن بعده بذلك الحَدَث، فيقول عزَّوجل (وإذغَدَوتَ مِن أَهلِكَ تُبَوِّئَ المُؤمنينَ) يعني اُذكر أيُّها النَّبي عَليه الصَّلاة والسَّلام،حِين غَدوتَ مِن أَهلك والغُدُّوُ الذَّهاب أوَّلُ النَّهار (وإذغَدَوتَ مِن أَهلِكَ تُبَوِّئَ المُؤمنينَ مقاعدَ للقِتَال ) بمعنى تُنزِل المُؤمنين مَواضِعهم، ومنازِلَهُم في القِتال (وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) وهذه من صِفَات القَائِد المُحنَّك للجَيش أن يكون عالما ًبأفراد جيشه، عالماً بمنازلهم، يُنزلهم مواضعهم التي تتناسب مع الخُطَّة التِّي أَعدَّها لِقتالِ عَدُّوه ومقابلته،ولذلك قال (تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ) عيَّنَ النَّبي صلى الله عليه و سلم لِكُلِّ فَردٍ من أفراد جُنده وجيشه مكانَهُ الذِّي يَستقِرُّ فيه، وكان أَكَّدَ على الرُّمَاة في جَبل أُحد أن لا يُغادروا، مَهما حَصَل حتى لو رأوا النَّبي والصَّحابة تخطَّفهُم الطِّير، أن لا يُغادروا و أن لا يَبرحوا مكانهم
وهذا التَّأكيد منه عليه الصَّلاة والسَّلام لِحكمةٍ لعلَّ الله عز َّوجل أَطلعه عليها بما سيقع من الصَّحابة بعدذلك . قال - عزَّوجل - بعد هذا (إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) أيّ اُذكر ( إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ ) يعني وَقَعَ الهَمُّ في قُلوبِ طَائفتين مِن المُؤمنين مِن صَحابة النَّبي ، من قبيلة بني سَلِمَة وبَني حَارثة ، فقد هَمَّتا بالفَشل يعني الجُبنَ والضَّعف و الرُّجُوعَ مع الذِّينَ رَجَعُوا من المُنافقين، فإنَّ المُنافقين رَجَعُوا مع رأسهم عبد الله بن أبي سلول وَخَذلُوا المُؤمنين في أَشَدِّ أوقاتهم حَاجَة، و هذا أوقع ضعفاً في بعض المُسلمين حتى هَمُّوا بِالرُّجوع والجُبنَ عن مُواجهة الأعداء و لذلك قال - عزَّوجل - ( أَن تَفْشَلاَ) يعنى أن تجبُن عن قتالهم ( وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا) ولكن الله هو وَلِيُّهُم يعني نَاصرهُم وَمُثَبتَّهُم . ونَعم فقد ثبتَّهُم الله عزَّوجل عَلى القِتَال، وعلى مُواجهة المُشركين ولهذا قال عزَّوجل ( وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) لأنَّ الإنسان مهما كان عنده من العَدَد، والقُوَّة والاستعداد فإنَّ أَهَمّ مَا عليه أن يكون ثباتُهُ و شجاعتُهُ فِي قَلبه، لأنَّ الجُـندي والمُقاتل يُهزَم أوَّل ما يُهزَم فِي نفسه، فإذا هُزِمَ في نفسه هُزِم في سَاحَة المعركة، ولِذَلك المُؤمن حينما يَنزل في ساحات الوَغى و ساحات الجِهاد عليه أن يربِط قلبه بالله - عز َّوجل-، ويُعلِّق ثقته به، ولِهذا قال ( وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) ثم قال عزّ َوجل (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ) يُذَّكِر الله النَّبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ والصَّحابة، بفضله عليهم ونصره لهم مع قِلَّتهم ، قِلَّة عددهم وضعف عَتادهم فقال ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ) يعني قليلٌ عددكم، قليل قُوَّتُكُم ومع هذا فقد نَصركم الله ـ عز َّوجل ـ .
و تأمَّلُوا الآية الكريمة خُتمت قالت ( فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ليُشير إلى أن التقوى سببٌ في تحصيل شكر الله ، و ليُشير أيضا ً إلى أنَّ التقوى سبب لِنصر الله عزَّوجل لعباده المؤمنين ، ثم قال بعد ذلك ( إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِينَ ) يقول الله عزَّوجل اُذكر أيُّها النَّبي وقت أن قلتَ للمُؤمنين تسألُهُم ألا يَكفيَكُم أن يُنزل الله عَليكم مَدَداً من السَّماء من الملائكة يبلُغ عدده ثلاثةُ آلاف، وهذا المدد الذِّي نَزَلَ للمُؤمنين في غزوة بدر كان تثبيتاً من الله عزوجل للمؤمنين، وقد نَزَلت المَلائكة تثبيتاً للمؤمنين مرةً بعد أُخرى، فأوَّلُ العَدد الذِّي نَزَل للمُؤمنين، قد بَلغ ألف مقاتل ، ثم بعد ذلك ثبَّت الله المؤمنين بنزول ثلاث آلاف مقاتل، بلغ بهم ثلاثة آلاف، ثم في الآية التي تليها بلغ بهم خمسة آلاف، فكان عدد المَلائكة الذِّين نَزلُوا للقِتال مع المُؤمنين في معركة بدر خمسةُ آلاف من الملائكة ، وهذا العدد الكبير من الملائكة حقَّقَ أمران :
أوَّلُهما : نصر المؤمنين و إعانتهم . والأمر الآخر : التثبيت لقلوبهم.
فإنَّ واحداً من المَلائكة يَستطيع أن يُهلِكَ أَهل مكَّة كُلِّها ولكن هذا العدد الكبير من المَلائكة فيه التَّثبيت النَّفسي لقلوب المؤمنين على قتال عَدِّوهم ، وهذا الاستفهام الوارد في الآية ( إذ تقولُ للمؤمنين ألن يَكفِيَكُم ) هذا الاستفهام فيه معنى التقرير يعني سَيَكفيكم أن يُمِدَّكُم الله عزَّوجل بِهَذا العَدد بثلاثة آلاف مِن الملائكة مُنزَلين يعني يَنزِلُونَ خُصُوصا ًمن أَجلِ نَصركم وتأَييدكم، وقد ثَبَتَ في روايات متعددة أنَّ الملائكة قد قاتلوا المُشركين حقيقة في معركة بدر حتى أنَّ الصَّحابة كانُوا يُميِّزون بين قتلاهُم، وقتلى الملائكة بل المشركون أنفسهم كانوا يَشعُرون بهذا، يشعرون بأنَّه قد شارك في المَعركة أُناسٌ لا يعرفونهم فهذه الآثار تَدُلُّ على أنَّ المَلائكة قد شَاركوا فعلا ًفي القِتال مع المُشركين في معركة بَدر على الصَّحيح من كلام أهل العلم وهو قول الجمهور، قول جمهور أهل العلم ، ثم قال عزَّوجل بعد هذا الاستفهام و هو من تَمام كلام النَّبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ ومن تمام الكَلام الذي حكاه الله عن نبيِّه (أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِينَ) بلى قد كَفَاكُم ذلك، ثم قال ـ عز َوجل ـ ( إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ ) إن تَصبروا على قتال عدِّوكم، و على أمر الله لكم، وتتَّقُوا الله بفعل أمره واجتنابِ نَهيه (وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ) فرُبِطَ المَدد من الله والنَّصر بـ " الصَّبر والتَّقوى " والحقيقة إذا تأمَّلنا الآيات الواردة في نصر الله ـ عزّ َوجل ـ للمؤمنين وجدنا شرط الصَّبر وشرط التقوى من أبرز الشُّروط التي يَستوجب بها المؤمنون نصر الله ـ عزّ َوجل ـ و تأييده وتَمكينه لِعباده ، وقول في الآية (بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) يعني لهم علامات ظاهرة، فالتَّسويم التَّعليم لهم علامات ظاهرة، فهذه العَلامات عليهم ظاهرة،وعلى خُيُولهم التِّي كانوا يركبُونها، وهذه علامات كانت تُميِّز المَلائكة ويُعرفُون بها.
و بعد أن أخبر الله ـ عزّ َوجل ـ بهذا المَدد العَظيم الذي نَزَلَ على المؤمنين قال ـ عز َّوجل ـ (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) يعني يَقولُ ـ عز َّوجل ـ إنَّ هذا المَدد وهذا العَـون الذِّي نَزَلَ عَليكُم ما جعله إلا بشرى فقط ، تستبشر به القُلوب وتهدأ به النفوس وتطمئن، وإلاَّ فالنَّصر حقيقة ً بيد الله ـ عزّ َوجل ـ ، هو الذِّي يَنصرُ من يشاء، وهذا ربط ٌ للقُلوب بِخَالقها ، وربط ٌ لها بالذِّي بيده النَّصر حقيقة ، بحيث أنَّ المؤمن لا يتعلق بالأسباب المادية ، نعم يعد ما استطاع من قوة من رباط الخيل و يأخُذ للحَرب أهبتها ويُعِدّ لها آلتها، ولكن لا يعتمد عليها، بل يُعلِّق رَجاءه بالله ـ عزّ َوجل ـ ، ولهذا قال (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ) الذي لا يغالبه أحد ( الْحَكِيمِ ) الذي يَضَعُ الأُمور مَواضعها .
/ ثم قال ـ عز َّوجل ـ ( لْيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ ) بَيَّن الله ـ عزّ َوجل ـ أنَّ هذا المَدد و هذا النَّصر منه لِيُحقِّق به أغراضا ًوحِكما ً : أوَّلها : قطع طرفاً من الذِّين كفروا ، يعني قَطع الطَّرف المقصود به هنا القتل لقتل جزء من الذين كفروا .
( أو يكبتهم) و هذا النتيجة الثانية و هي أن يكبتهم بأن يُذِلَّهم، ويغيظهم بهزيمة المؤمنين لهم فيرجعوا إلى قومهم وإلى أهلهم بالفشل الذَّريع.
/ قبل أن نغادر هذه الآيات التي تشير إلى غزوة بدر، أشير إلى أن قوله ( بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ) قد وقع فيه خلاف بين أهل العلم في معنى هذه الآية في قوله (ويأتوكم من فورهم ) هل الذين يأتون من فورهم يأتون من ساعتهم ومن حينهم- هل المقصود به الملائكة أم المشركون ؟ فإن قُلنا أنَّ المقصود به الملائكة فإنَّ المقصود بمعنى الآية يعني أن الملائكة ينزلون لكم هذه الساعة مباشرة، وعليه فيكون المراد بهذا النزول في أي معركة في معركة بدر و لا إشكال عندئذ، ولكن الإشكال أنَّ بعض المفسرين قال إن قول الله (وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ ) يعني ويأتيكم المشركون بِمَددهم من فورهم فإن بعض المشركين قد همَّ أن يُعين الكفار في في غزوة أحد، ولهذا وقع الخلاف بين أهل العلم في هذا المعنى هل هذا العدد وعد في معركة أحد أم في معركة بدر؟والذِّي يظهر من سياق الآيات الكريمة أنَّ هذا العَدد نازلٌ في معركة بدر و أن قوله ( وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ ) ، نعم يحتمل أن يكون ( ويأتوكم من فورهم ) يعني يأتي مدد المشركين من فَورهم، أو يحتمل أيضاً أن يكون يأتي مدد الملائكة سراعا ً، والآية تحتمل هذا و هذا من حيث المعنى ، فإن كان المعنى ( وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ ) يعني يأتي المشركون من فورهم ، فهذا إخبار من الله أن مددهم وإعانته تأتي مباشرة ، كأنك تقول إذا أتى لك العدو مُسرعاً فإنَّ نَصري و إعانتي لك تأتي أسرع منه ، هذا إذا جعلنا المقصود بالمجيء هنا مجيء الكفار، وإن كان المقصود به مجيء الملائكة فلا إشكال عندئذ.
ثُمَّ قال ـ عزَّ وجل ـ بعد ذلك، بعد أن ذكر هذا السِّياق المُتَّعلق بمعركة بدر، و هو في أثناء الكلام عن معركة أحد ،رجع السِّياق مرة أخرى إلى الكلام عن معركة أحد. فقال - عزّ َوجل - (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) ورد في سبب نزول هذه الآية : أنَّ النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ لمّا ناله ما ناله في معركة أحد وأصابه ما أصابه هو وأصحابه، دعا على رؤساء المشركين بالهَلاك ، فأنزل الله - عز وجل - عليه هذه الآيات وفيها يقول (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ) يعني ليس لك من أمر هؤلاء المشركين شيء إنَّما أنت مبلغ عن الله ، ليس لك من أمرهم شيء ، ، فإن الأمر كله لله ، فليس لك أيُّها النبي من أمرهم شيء أو من أمر التوبة عليهم أو من أمر عذابهم فإنهم ظالمون ، هذا أقرب ما ظهر لي تُحمَل عليه الآية الكريمة، وإلا فإنَّ المفسرين و قع بينهم خلاف طويل في معنى هذه الآية ، فإن بعضهم قال إنَّ هذه الآية تتعلَّق بمعركة أُحد، وبعضهم قال تتعلَّق بمعركة بدر، لو كانت تتعلق بمعركة بدر وقد أُطيل في هذا الموضع لأنَّها مسألة اختلف فيها المُفسرون اختلاف واسع إن كانت تتعلق بمعركة بدر فيكون السِّياق تابع لما قبله من الآيات في قوله (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ) (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ) إذا نَصر الله للمؤمنين يترتب عليه هذه الأمور الثلاثة :يقطع طرفاً من الكُفر يعني يقتلهم ، أو يكبِتَهم ، أو يتوب عليهم أو يُعذِّبهم ، فأصبحت هذه هي الاحتمالات التي تنتج عن نصر الله للمؤمنين إذا جعلنا الآية نازلة في معركة بدر، إن كانت نازلة في معركة أحد فإنَّ الآية التي سبقتها في معركة بدر، إذن قوله (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ) هذا استئناف للحَديث عن معركة أحد ولذلك قوله (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ) يُشكِل عليه على أيّ شيء يتعلَّق هذا الكلام ، ولِذلك قُدِّر مَحذوف أَنسب ما أرى أَنَّه يُقدَّر به أن يُقال ليس لك من أمره شيء، من أَمر هؤلاء المشركين ولماذا قلنا إنَّ هذه الآية : الصَّحيح أنَّها نَزلت في معركة أحد ؟ [2] بسبب نزول الوارد فيها فإنَّ في الصَّحيح الثابت أنَّ النبي صلى الله عليه و سلم همّ بالدُّعاء عليهم وفي بعضها أنه دَعا على رؤسائهم وكبرائهم فأنزل الله هذه الآيات لتبين أنه ليس لك أيها النبي من الأمر شيءو عندئذ سيكون التَّقدير الأنسب أن يقال ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ) أو من أمر التَّوبة عليهم، أو من أمر عذابهم شيء فإنَّ الأمر كله لله فإن شاء تاب عليهم ، وإن شاء عذَّبهم وهذا ما حصل فإن الله قد تاب على بعض المشركين فأسلموا، وحَسُن إسلامهم وأيضاً عذَّب بعضهم فقتله في هذه المعركة وفي بعدها و في معارك مختلفة التي جاءت بعدها ، كما في فتح مكة ثم قال عزَّوجل (وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) و هذا التَّعذيب لأحد الاحتمالات هو احتمال التَّوبة عليه لماذا ؟ لأن الله يغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء ، فإن شاء غفر لهم و إن شاء عذَّبهم ذلك لأنه عزوجل له ملك السماوات و الأرض.
/ ثم قال عزوجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )توجَّه الخِطاب إلى المؤمنين و يُنادَون بِنداء الإيمان الذِّي من لوازمه تصديق خبر الله و خبر رسوله و اتَّباع شرع النبي صلى الله عليه و سلم فقال لهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً) وهذه الآية نصٌ في تحريم أكل الرِّبا المُضاعف ولكنَّها كما ترون وردت في الرِّبا المضاعف (أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً ) ولذلك ذهب بعضُ أهل العلم إلى أنَّ هذه الآية من أوَّل الآيات التِّي نزلت في تحريم الرِّبا المُضاعف دون الرِّبا البسيط · وبعضهم قال إنَّ الآية ليست واردة في تحريم نوع من الربا و إنَّما تحكي الحال التِّي كان عليها المشركون فتُحرِّم عليهم أكل الربا حالُهُم في أكل الربا أنَّهم يأكلونه ماذا مضاعفة، فالآية في حقيقتها تُحرِّم أكل الربا ولكنها ذكرت المُضَاعَف لأنَّه هُو الحَال التي كان عليها المشركون، فنهى الله المؤمنين عن هذه المعاملات الربوية، وقال (وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وانظروا ذِكر التَّقوى بعد النَّهي عن أكل الرِّبا، لأنَّ أكل الربا يقوم على جَشَع النَّفس، ولأنَّ الإنسان لا يَبذُل ماله على سبيل القَرض إلا وهو يَرجو أن ينتفع بهذا المال ولأجل ذلك فيُرابي و إلا قد يقول الإنسان لماذا أُعطيه مالي الذي تعبت في جمعه و كسبه وأعطيه إياه قرضا ًدون أن أستفيد من ذلك ؟ فالذِّي يَعصِم الإنسان من ذلك حقيقة هو تقوى الله.ولهذا قال (وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) لأنَّ تقوى الله هي التي تُورِثُ الفَلاح ،والفلاح يكون بتحصيل خير الدنيا و خير الآخرة، و لكنَّنا هُنا نقف عند النَّهي عن أكل الربا و التَّعامل به في ثنايا الكلام عن غزوة أحد والفشل الذِّي أصاب المؤمنين في تلك المعركة وقد يتساءل المرء لماذا يذكر الله هذه المعاملة الربوية في هذا السياق و في هذه الأثناء ؟الحقيقة ذِكر هَذه المُعاملة المَالية الرِّبوية في ثنايا الكلام عن معركة أُحد وأسباب الهزيمة و الفشل فيها ليُشير إلى أن هذه المعاملات المُحرَّمة سواء كانت معاملات ربوية أو غيرها هي من أسباب الفشل من الأسباب التي تُوقع في الفشل ومن الأسباب التي تقود إلى الخذلان ، لأنه لازالت هناك معاملات ربوية باقية في ذلك الوقت قبل نزول التَّحريم، و لأجل هذا تأتي الآية لتُشير إلى أن هذه المعاملات الربوية سبب من أسباب الفشل ولذلك قال عزّ َوجل بعدها (وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) ليَدُلّ على أنَّ هذه المعاملات المُحرمة قد تنتهي بالإنسان إلى دخول النَّار والعياذ بالله، ثم قال (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وتحقيقُ طاعةُ الله وطاعة الرسول بامتثال أوامرهم واجتناب نواهيهم، ويَنتج عن ذلك كما أخبر عنه فقال (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) يعني رَجاء أن تحصل لكم الرحمة و أعظم الرحمة هي دخول الجنة .
/ ثم قال عزَّ وجل (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) قوله عز َّوجل (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ) هذه المغفرة جاءت مُنّكرة لتعظيمها فهي مغفرة عظيمة وهي مَعَ عِظَمها إلا أنَّها من الله عزَّوجل و كفى بكونها من الله أن تكون عظيمة، والمغفرة هي الستر والتغطية فيستر الله ذنوب عبده و لا يحاسبه عليها وهذا هو كَمال المغفرة أن تُستر عليك ذنبك و أن لا تُحاسب عليه ثم قال (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ) فإذا غفر الله لك ذنوبك فإنك بعد ذلك تكون من أهل الجنة ، وهذه الجنة يعني يكفي في وصفها أنَّ عرضها مثل عرض السماء و الأرض فما بالك بِطُولها! . هذه الجنَّة أُعِدَّت للمتقين أي : هُيِّئت أكمل ما تكون للمتقين الذين اتقوا الله - عز وجل - .
/ ثم قال بعد ذلك (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) يعني هؤلاء المُتقون منهم الذِّين يُنفقون في السَّراء و الضراء يعني في وقت السَّعة والخِصب ، ويُنفقون أيضا ً في الضَّراء في وقت الشِّدة والكرب و قِلَّة المال و قلة ذات اليد ، فهم في كل أحوالهم يُنفقون ليس في حال دون حال و لا في وقت دون وقت بل في كل أوقاتهم يُنفقون ، ثم قال عزَّوجل (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) وكَظم الغَيظ حَبسه ومنعه عن النَّفاذ ، يكون في القلب غضب فأنت إذا حَبست هذا الغضب ومنعته أن يخرج فقد كظَمت غيظك (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) و هذا التسلسل تسلسل منطقيّ فالإنسان يكون في قلبه غضب شديداً وبعد ذلك يتحوَّل إلى فعل فذكر الله من صفاتهم أولا أنَّهم يكظِمُون الغيط يعني يحبِسُون الغضب في قلوبهم، و بعد حبسه لا يُخرجونَه بل يَعفونَ عن النَّاس ثم قال (وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) من اتَّصف بهذه الصِّفات أنفق في السَّراء و الضَّراء، و سارَعَ إلى مغفرة من ربه، وكظم غيظه، وعفا عن النَّاس هذا الحقيقة قد بَلَغَ منزلة الإحسان و الله عزَّوجل يُحب المحسنين .
/ ثم قال بعد ذلك (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) قوله (الذِّين) يعني (وهم الذِّين) يعني من صِفاتهم الذِّين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم، قوله (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً) الفُحش هو: مجاوزة الحَدّ قولاً أو فعلاً يُطلَق على القول الذي جاوز حَدّه أنَّه فاحش وعلى الفعل أنَّه فاحش و غَلُبَ استعمال لفظ الفاحشة على الزنا ،وإلا هي تشمل كل أنواع المعاصي القولية و الفعلية التي يُجِاوِزُ بها الإنسان الحَدّ فَحُشَ الشَّيء يعنى عَظُم واتَّسع (أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ) وظُلم النَّفس بارتكاب المعاصي، وهُنا نَلحظ أنَّ لفظ الفاحشة ولفظ ظلم النفس متقارب أليست الفاحشة ظُلماً للنَّفس وأليس من ظُلم النَّفس فِعل الفَاحشة ، هذه ألفاظ تَرِد في القرآن الكريم كثيراً ، ألفاظ يتقارب معناها و يتباعُد لفظها ، عندنا لفظ الفاحشة و لفظ ظُلم النفس متباعدان من حيث اللفظ ولكن من حيث المعنى متقاربان ، و للمُفسِّرين طريقتان في بيانهما إذا اقترنتا، أما إذا افترقتا فكل منهم يُفَسَّر بمعنىً الآخر ، لهم في ذلك طريقتان : منهم من يقول إنَّهما بمعنىً واحد فالفاحشة هي الظُّلم، والظُّلم هو الفاحشة ، إذا لِماذا عُطِفتا و ذُكرتا ؟ قال من باب التَّأكيد من باب تأكيد الكلام مثل قول الشاعر :
فَألفى قَولَها كَذباً وَمَينا . والمَين هو الكذب هذه طريقة لبعض المفسرين.
و الطريقة الأخرى : أن يحملوا كل لفظ منهما على معنىً خاص مُناسب بِحسب السِّياق و هذا هُو الغَالب عند المفسرين أن يجعل لكل منهما معنىً خاص .
فقوله (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً ) قال بعض المُفسِّرين بمعنى : أنَّهم ارتكبوا كبيرة من الكبائر، لأنَّ الكَبائر هي الأَمر الفاحش،أوظلموا أنفسهم بِالمعاصي مادون الفواحش. ولماذا تُسَمَّى المَعاصي - الصَّغائر التي دون الكبائر- ظُلماً للنَّفس؟ لأنَّها تَنقُص من أجر الإنسان في الآخرة ومن حظه في الآخرة ، فهي تنقص من حَظِّه و لذلك سُمِّيَت ظُلماً. هَؤلاء المؤمنون إذا فعلوا فاحشة ً، وقعوا في كبائر، أو نَقصُوا حَظَّهم بفعل المعاصي فإنَّهم يَذكرون الله (ذَكَرُواْ اللّهَ) الذِّكر هُنا بَعض المُفسرين يقول : يذكرون الله - يتلفظُّون بذكر الله- ولكنَّ الحَقيقة أن ذكر الله هنا : أولا ً ذكره في القلب يعني أنَّ القلب يَستشعر مراقبة الله واطَّلاعه عليه فَيذكُرُه في قَلبه، عندئذ تكون الخشية تنبع من القلب، فإذا كانت الخشية في القَلب تجده دون شُعُور يُسارِع فيذكُر الله فيقول لا إله إلا الله أو يقول أستغفر الله و نحو ذلك ،لأنَّ القلب ذَكَر الله عزَّوجل فواطأه بالِّلسان،واستغفر الله ، فذكروا الله بقلوبهم وبألسنتهم (فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ ) طلبوا من الله أن يغفر ذنوبهم (وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ) لا أحد يغفر الذُّنوب حقيقة إلا الله جلَّ وعلا (وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) تأمَّلوا أيها الأخوة الإصرار يعني الاستمرار و الدوام على الشيء ، الله ما قال عن المؤمنين لم يَعصوا الله أو لم يرتكبوا المعاصي و إنما قال (وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) لأن الوقوع في الذنب هذا من طبيعة البشر أن يقع هذا المعصية لأنه مُركَّب من ضَعف ، من شهوات فيَضعُف ويقع في المعصية، لكن الشَّأن في المُؤمن أنَّه لا يُصِرّ و يَتذكَّر فَيرجع ويتوب و هذه هي صفة المؤمن, ولذلك أثنى الله عليهم قال ( وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) يعلمون أنَّ هذا ذنب، ويعلمون مقام الله و أنه مطلع عليهم. (أُوْلَئِكَ) المَوصوفون بهذه الصِّفَات ( جَزَاؤُهُم ) يعني ثوابهم ( مَّغْفِرَةٌ مِّن ) الله ( مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ) يعني من تَحت قُصُورِهم، وهذا أبلغ ما يكون في وصف القصور و جمالها أن الإنسان يكون في قصر مُرتفع و تحته البساتين التي تمشي فيها الأنهار ، هذا قمة اللَّذة والمُتعة في الدنيا فقد وعد الله عز و جل المؤمنين بها في الآخرة .
[1] آل عمران121
[2] في صحيح مسلم باب اسْتِحْبَابِ الْقُنُوتِ فِى جَمِيعِ الصَّلاَةِ إِذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ.حَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالاَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -- يَقُولُ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ صَلاَةِ الْفَجْرِ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَيُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ « سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ». ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ « اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ كَسِنِى يُوسُفَ اللَّهُمَّ الْعَنْ لِحْيَانَ وَرِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ». ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا أُنْزِلَ (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ).
----------------------
مصدر التفريغ / ملتقى أهل التفسير (يتصرف يسير)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق