الثلاثاء، 8 فبراير 2011

من خصائص يوسف - عليه السلام -

أولاً : النسب الشريف الذي هو فيه ولذلك صح عنه - صلى الله عليه وسلم- كما في البخاري وغيره أنه سُئل عن الكريم فقال - صلى الله عليه وسلم- : ( إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله ) وهذه الأربع لم تجتمع لنبي ، لا يوجد نبي فيما نعلم هو نبي وأبوه نبي وجده نبي وجد أبيه نبي إلا يوسف ، أو على القول الآخر أن أسباط إخوة يوسف كانوا أنبياء وهذا قال به بعض العلماء لكنه بعيد نحن لا نرجح أن إخوة يوسف كانوا أنبياء إنما تابوا فتاب الله عليهم لكن لم يكونوا أنبياء هذا بعيد وإن قال به جمعٌ من العلماء لكن هذا الأمر خصّ الله به يوسف في أنه نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله وهذا شرفٌ عظيم وموئلٌ كريم أفاء الله به على هذا العبد الصالح -عليه الصلاة والسلام- ثبتت في القرآن نبوته ورسالته .

/ أما نبوته : فالقصة نفسها ، وقول الله - عز وجل - في سورة الأنعام { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا } ذكر فيها يوسف ثم قال - عز وجل - : { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ } فهذا نص على نبوته .

/ وثبت أنه رسول بنص القرآن : في آية واحدة { وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً } فهذا قاله الله - عز وجل - على لسان مؤمن آل فرعون في سورة غافر فهذا ثابت في القرآن أنه رسول وثابت في القرآن أنه نبي.




ثانيا : أن الله - جل وعلا - منّ عليه بالخلقة الحسنة ، وجمال خِلقته ذكره الله وجاءت به السنة ، نص الله جل وعلا به حكايةً عن النساء اللواتي دعتهن امرأة العزيز فإن الله قال : { وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } ولما نقل الله كلامهن عن يوسف قال أنهن قلن { حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } والمقصود من إيراد العبارة أن النسوة لم يختلفن في جماله فلم تقل امرأة أنه جميل وامرأة قالت أجمل وامرأة قالت مَلك وإنما جميع النسوة اتفقن على جماله ، وهذا أمر أفاءه الله - عز وجل - عليه ، والله - جل وعلا- يخلق ما يشاء .

وجاءت به السنة ، فنبينا - صلى الله عليه وسلم - لما عُرج به إلى سدرة المنتهى قابل في السماء الثالثة أخاه يوسف فجاء في الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " فإذا برجل أوتي شطر الحسن قلت مَن هذا ؟ قال هذا أخوك يوسف فرحب به قائلاً أهلاً بالأخ الصالح والنبي الصالح " فأعطاه الله - جل وعلا - خِلقة لم يعطها فيما نعلم أحداً من خلقه ، ثم لما نُبئ -عليه الصلاة والسلام- غلب نور النبوة على جماله فأصبح النساء لا يتحرشن به ولذلك امرأة العزيز تجرأت عليه قبل أن يُنبأ .



ثالثا : القدرة على تأويل الرؤيا وهذه حكاها الله عن يعقوب وقال إن يعقوب قال لابنه { وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ } فيعلمك من تأويل الأحاديث معناها القدرة على تعبير الرؤيا وهذا وإن جاء مجمل في أول السورة جاء مفصلا في الملِك الذي رأى السبع البقرات ففسرها يوسف -عليه الصلاة والسلام- ،وفسر للذين كانا معه في السجن رؤياهما ولهذا قلنا أن من مزاياه - عليه السلام - ومما اصطفاه الله به أنه أعطاه الله القدرة على أن يُعبر الرؤيا .



رابعا : رزقه الله جل وعلا الرزانة وهذه من أعظم المطالب للوصول إلى الأشياء العالية الأمور العظيمة العالية لا يمكن أن يرزقها رجلٌ عَجِل لكن العجلة نفسها تختلف ، هناك إنسان عَجِل في أمور بسيطة لكنه رزين في الأمور العظيمة ، وهناك إنسان رزين في الأمور اليسيرة التي لا تضر العجلة فيها وعَجل في الأمور العظيمة ، والمؤمن ينبغي أن يكون بالعكس أن يكون رزين في الاثنتين معاً ، لكن العجلة في الأمور الخفيفة لا تضر لكن أهم شيء في الأمور التي تبنى على سياسات الدول وقيادة الناس وإمامة المحاريب في المساجد والصعود على المنبر تحتاج إلى رجل رزين .

ومن أعظم الدلالة على أن يوسف رزين أنه -عليه الصلاة والسلام- لما جاءه الملك وقال ائتوني به وأرسل له الرسول { قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ } أبى أن يخرج { فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ الَّلاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ } .
ولما جاءه إخوته عرفهم قال الله تعالى { فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } ومع ذلك رغم شوقه لأبيه وشوقه لأمه -على القول أنها كانت حيه أو إلى خالته إن كانت أمه غير حيه- إلى شوقه إلى أن يظهر حقيقته ، إلى أن يُبين فَوزه ما تكلم إلا بعد سنين ، قال أنا يوسف وهذا أخي ، حتى يصل إلى ما يريد خطوة خطوة مع أنه مفترض لو كان غيره لقال من أول مرة أنا أخوكم أين أبي، لكنه رُزق الرزانة । فلا يمكن أن يصل إنسان إلى مستوى الحل والعقد في الأمة إلا إذا كان رزيناً لأن العَجِل هذا يهلك الناس ويهلك الخلق معه .



خامسا : أنه -عليه الصلاة والسلام- رُزق الأدب ، والأدب عنده تمثل في ناحيتين :
/ في وفاءه لمن أحسن إليه وهو عزيز مصر حين كان أحد أسباب امتناعه عن الفاحشة وفاءه لمن أحسن مثواه । والأدب مع من كان له حق عليك من أعظم ما ينبغي أن يبنى عليه الناس عموما ،ويبنى عليه طالب العلم خصوصاً فكل من أحسن إليك إما علمياً أو مالياً أو بعفوٍ أو ما شابه ذلك، له عليك يد ينبغي أن تُحسن إكرامه وأن تُجله إجلالاً غير مبالغ فيه لكن حفظ الإنسان للمعروف من أعظم دلائل على حسن معدنه .

/ وفي عفوه عمن أساء إليه حين عفا عن إخوته قال { لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } فلم يمُنّ ولم يُذكِّر بمعروفه ، وعندما أراد أن يخبر - عليه السلام - عن مِنن الله - تبارك وتعالى- عليه قال كما حكا الله تعالى عنه { وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ } مع أنه ذهب إلى السجن باختياره { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ } ولم يذكر الجب الذي ألقاه فيه إخوته لم يذكره أبداً لأنه قد عفا فلا حاجة لأن يذكرهم بأنه عفا عنهم { وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ } ولم يأتي بقضية الجب بتاتاً حتى لا يجرح مشاعر إخوانه ثم قال { مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ } ولم يقل إخواني تسلطوا عليّ نسبها إلى الشيطان { مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي } فجعل الأمر كأنه مشترك بسبب الشيطان بينه وبين إخوته ، وتأدب مع إخوانه رغم ظلم إخوته له وهذا من أخلاق العظماء من الرجال ولا شك أن يوسف - عليه السلام - كان واحداً منهم ، هذا من أدبه - عليه السلام - مما خصه الله جل وعلا به.



سادسا : خصّه الله تبارك وتعالى : بشكر ربه وهذا ظاهر في القصة كلها خاصة في آخرها { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } كله إقرار لله بفضله وإحسانه عليه .هذا الشكر ذكره الله - جل وعلا- عموماً في القرآن .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تأملات في سورة يوسف للشيخ صالح المغامسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق