الأحد، 17 أكتوبر 2010

القلــــب في القـــــرآن الكـــــريم


القلب من الناحية اللغوية هو : محل القوة العاقلة في الإنسان .
ـ والقلب له خاصية ذاتية العمل فهو من الأعضاء الوحيدة التي يمكن أن تعمل دون اتصال بالأعضاء الأخرى ، فإذا أخرجت قلب حيوان فإنه يظل ينبض لفترة .

أوصاف القلوب :
ـ القلب السليم وقد ورد هذا الوصف في سورة الصافات (إذ جاء ربه بقلب سليم )،سليم من الآفات الظاهرة والباطنة.

لماذا وصف في هذا الموضع بالسليم؟
الله سبحانه وتعالى اتخذ إبراهيم عليه السلام خليلا ، ولما رُزق بإسماعيل على كِبر فلعل القلب يُشغل بهذا المولود ،فيصبح القلب بدل أن كان منشغلا بالكلية بربه فإنه شُغل في جزء من هذا القلب بالمولود ، فالله أراد أن يُعلن أن إبراهيم لم ينشغل قلبه ولا بجزء منه بشيء آخر غير ذكر الله سبحانه وتعالى فسلمت فيه كل المواضع.
وعُبر بسليم دون صحيح لأن الصحة لا تمنع الانشغال ، فكثير من الناس القلوب سليمة لكنها منشغلة ، فهنا جمع بين الصحة والسلامة ، العلة الظاهرة والعلة والباطنة . وهذا المعنى يساويه تماما ما جاء في سورة الشعراء (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم )

ـ مالذي يشغل الإنسان في دنيا الناس؟
المال والبنون ، وإذا كان القلب منشغلا بالمال والبنين فالقلب هنا غير سليم .




ـ يستعمل القلب في فهم البشر على معنيين :

ـ القلب العضلي الموجود في القفص الصدري مائلا إلى الجانب الأيسر وهو الذي يعمل بصورة أساسية كمضخة تضخ الدم إلى جميع أجزاء الجسم .

ـ القلب المعنوي المتعلق بالعواطف والحب والكره والميل والنفور والإدراك والفهم والفقه ...الخ.

ويقول حامد الغزالي في كتابه الإحياء:
"لفظ القلب يطلق على معنيين :

إحداهما اللحم الصنوبري الشكل الموضع في الجانب الأيسر من الصدر وهو لحم مخصوص ـ وهو فعلا مخصوص لأنه مختلف عن العضلات وعن اللحم الموجود في أي مكان ـ وفي باطنه تجويف وفي ذلك التجويف دم أسود ، وهذا القلب موجود للبهائم كما هو موجود للإنسان .
والمعنى الثاني هو لطيفة ربانية روحية لها بهذا القلب الجسماني تعلق ولا تُدرك كنهها وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان وهي المخاطبة وهي المعاقبة وهي المعاتبة وهي المطالبة ولها تعلق بالقلب الجسماني لا يعلم كيفية هذا التعلق إلاالله".اهـ




ـ هل هذا التعلق يتغير بتغير القلب ؟ كما لو زرع لإنسان قلب إنسان آخر؟

لوحظ في كل من حصل لهم زراعة قلب تغير في بعض السلوك ، وهذا خاص بكل من يُزرع لهم أعضاء سواء كان كُلى أو بنكرياس أو غيره فهي غير خاصة بالقلب فقط .
ومن جهة أخرى فقد زُرع لرجل مسلم قلب رجل فلبيني غير مسلم ولم تتغير عقيدة هذا المسلم ، وهذا يؤكد أن القضية ليست قضية هذا القلب الصنوبري الذي يضخ ، ولكن هناك معنى آخر أكبر منه متعلق بهذا القلب .
وفي عمليات القلب المفتوح وزراعة القلب لم يحدث معها تغير في السلوكيات ولا الحب ولا العاطفة ولا العقيدة .

ـ القلب محل إدراك وترجمة الفرح والحزن بدليل أن الإنسان حين يفرح أو يحزن تتسارع ضربات قلبه، بل إنه قد يحصل للإنسان جلطة في الشريان التاجي إذا حزن حزنا شديدا ، وهذا يدل على أن القلب متعلق بالشعور يقينا .

والعلماء يوجدون تفسيرا ماديا لا يعتبر تفسيرا كافيا لأنه لابد أن هناك أشياء أخرى متداخلة ، فالعلماء في العلوم التجريبة يؤمنون فقط بما يرونه وبما يحسونه وهذا علميا خطأ لأن هناك أمور كثيرة خارجة عن إدراك البشر .
فهم يقولون أن هناك جهاز عصبي السمبساوي واللاسمبساوي إذا فرح الإنسان يحصل له نوع من التحفيز فيحصل عندي نوع من تسارع ضربات القلب ولكن عندما يحصل التهاب في العصب السمبساوي كحالات السكر مثلا وتصبح وظيفته ضعيفة جدا.

فهل الإنسان إذا حس بالشيء لايحس بالشعور في قلبه أيضا؟
طبعا الجواب أنه يحس ،إذا هناك شيئ غيرمفهوم ، وهذا دليل على أن القلب له وظيفة أكبر من الإدراك،وأن هناك أمور غير مفهومة حتى للأطباء.
فالقرآن حل هذا الإشكال بأن أعطى للقلب وظائف خارج وظيفة المضخة فليس هذا المقصود في القرآن .فالقلب أشمل وأعم من المفهوم المادي .

ـ القرآن حين خاطب العرب بقصة القلب لم يكن القصد الحديث عن القلب المادي الذي يضمه القلب ، لذلك يوجد فارق واضح بين ما يبحث عنه العلماء وما أكده القرآن وما أقره القرآن في الحقيقة ، فيوم أن خوطب العربي في الصحراء بلفظ القلب لم يكن منشغلا بكون القلب مضخة وما إلى ذلك ، وإنما كان منشغلا بأن القلب يحب ويكره ويبغض وله ميل ، فالقرآن حين خاطب العربي بالقلب ، خاطب الذي يعلم تماما أن الإيمان والكفر في القلب ، ونحن لا نستطيع أن نصور الإيمان حسي ولا الكفر حسي لكنه موجود في القلب ( إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) فبناء على هذا القرآن يتكلم عن القلب العاقل الواعي الذي يحمل المسؤولية الكاملة في إيمان الإنسان وكفره (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم )"كسبت" وهذا تعبير لا يوجد في غير القرآن
فالكسب قوة بدنية وعندما يعبر عن القلب بالكسب فهو قد نقل القلب نقله جديدة وأعطاه كل الإمكانيات لكسب ،

أي كسب؟
الإيمان والكفر والحب والكراهية ...الخ ، وبهذا فالقرآن يعبر عن إنفعالات القلب من خلال لفظ "كسبت" .

ـ حديث (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )فتعبيره بكلمة "كله" دليل على أن القلب ذاتي، فهو العضو الوحيد الذي يستقل بالذاتيه وهو الرئيس في توجيه الحركة .


ـ الفقه والعقل:
القرآن الكريم لم يستعمل كلمة "عقل" وإنما كلها جاءت بالفعل (يعقلون ، عقل ، وما يعقلها ) وهذا دليل على أن القضية المادية ملغية ، فالعقل أداء وظيفي والفعل هو الصيغة الوحيدة التي تدلل على العمل .

والفقه مرحلة متأنية بعد العقل فلولا العقل لما فقه ، فالفقيه الذي أعمل عقله واستخرج الحكمة ، وطالما أعمل العقل
(من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ) ويفقهه بعقل طبعا .

وقد قيل العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس لكن الخلاف في الكسب فهم يختلفون في درجة توظيفهم للعقل ، لذلك كان التعبير القرآني عن العقل بالفعل دون المصدر أو الاسم للدلالة على أن الإنسان مطالب بأن يوظف العقل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*من برنامج العلم والبيان في القرآن/قناة الرحمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق