الأحد، 24 مارس 2024

حصاد تدبر الجزء السادس من الآية ( 148) من سورة النساء إلى الآية (81) من سورة المائدة.

 / (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)
 قال السعدي: "فإنه يجوز أن يدعو على من ظلمه ويتشكى منه ويجهر بالسوء لمن جهر له به من غير أن يكذب ولا يزيد على مظلمته، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه، ومع ذلك فعفوه وعدم مقابلته أولى كما قال تعالى (فمن عفا وأصلح فأجره على الله)

/ (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول)
 يريد الله أن يحمي آذان المجتمع من قول السوء والألفاظ الرديئة لأن الناس تتكلم بما تسمع، والنطق بالكلمة السيئة سيُرهق أجيالا قادمة لأن من يسمع سيردد ويلقي إلى غيره فينشر فينتشر السوء كالوباء، ويتحمل الوزر الذي نطق به أول مرة.

/ (وكان الله سميعا عليما)
 هذا التذييل مقصود به التحذير من التعدي في الجهر المأذون فيه، ووعد للمظلوم بأن الله تعالى يسمع شكواه ودعائه ويعلم ظلم ظالمه له.
* حجة المظلوم وإن لم يسمعها أحد فإن الله سمعها وقادر على الانتصار لها.

/ تأمل سر التعبير بقوله (لا يحب الله الجهر بالسوء) ولم يقل لا تجهروا بالسوء، ففي التلميح ما يغني عن التصريح، والمحب يهجر ما لا يحب حبيبه.

/ (أو تعفو عن سوء، فإن الله كان عفو ا قديرا)
 الجزاء من جنس العمل، فمن عفا عن الناس عفا الله.

/ (ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض)
 يقول اليهود نؤمن بالله وبموسى، ونكفر بعيسى ومحمد، والنصارى يقولون نؤمن بالله وبموسى وعيسى ونكفر بمحمد.

/ البلاء موكل بالمنطق (وقالوا قلوبنا غلف) أي لا تعي شيئا فنزل بهم بلاء (وجعلنا قلوبهم قاسية).

/ قال ابن عقيل: "يا من يجد في قلبه قسوة احذر أن تكون نقضت عهدا" (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية) 

/ (بل رفعه الله إليه)
 رد صريح وإنكار واضح لقتل عيسى عليه السلام، وإثبات رفعه إلى السماء بروحه وجسده، رفعه الله إليه وسينزل.
* بدأت قصة عيسى عليه السلام بمعجزة خرقت النواميس، فقد ولد من أم دون أب فإن صدقتم معجزة الميلاد، فكيف لا تصدقون معجزة الرفع إلى السماء!!

/ (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات) 
من شؤم الظلم أن يُزيل النعم فلا ترجع إلا باستغفار وتوبة.
* قال النبي عليه الصلاة والسلام (إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه)
*العصيان من أعظم أسباب الحرمان.

/ (ورسلا لم نقصصهم عليك) 
لا يكن همك أن تشتهر، فما دام الله راضيا عنك فهذه أعظم شهرة، حتى الرسل لم يضرهم أن أخفى الله أسماء بعضهم في كتابه.

/ كان أبو عبد الرحمن السلمي إذا أقرأ أحدا القرآن قال قد أخذت علم الله فليس أحد من اليوم أفضل منك إلا بعملك ثم يقرأ (أنزله بعلمه والملائكة يشهدون)

/ بقدر حظ قلبك من القرآن يكون نصيبه من الهداية والنور
 (وأنزلنا إليكم نورا مبينا)

/ (ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا)
خلافك مع غيرك يجب ألا يخرجك من دائرة العدل وقول الحق فيه. 
 * قال عبد الله بن رواحة لليهود والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم- ولأنتم أبغض إلي من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي لكم، وحبي إياه ألا أعدل عليكم، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض. 

/ (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)
الإثم هو: التجرؤ على معصية الله التي يأثم صاحبها. والعدوان هو: التعدي على الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم. فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه. 

/ (وما علمتم من الجوارح مكلبين)
قال ابن القيم من شرف العلم ألا يباح إلا صيد الكلب العالم، أي المدرب. حتى الكلاب تتمايز بينها بالعلم. 

/ (إذ همّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم) 
 كم من خطر أحدق بك وأنت عنه غافل حرسك الله منه دون أن تحس. 

 / أقرب العباد إلى الله أكثرهم صلاة، وهم الفائزون بمعية التأييد والنصرة (وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة)

/ (فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين) ومن أحبه الله أحبته الملائكة والناس أجمعون.  

/ (فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء)
 قال قتادة: "لما تركوا كتاب الله وعصوا رسله وضيعوا فرائضه، وعطلوا حدوده ألقى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، ولو أخذ القوم كتاب الله وأمره ما افترقوا ولا تباغضوا" * قال عبد الوهاب بن مسعود " قد ينسى العبد بعض العلم بالمعصية وتلا هذه الآية (فنسوا حظا مما ذكروا به) 

 / (قل فلم يعذبكم بذنوبكم)
قال بعض شيوخ الصوفية لبعض الفقهاء أين تجد في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه؟ فلم يرد عليه، فتلا الشيخ هذه الآية (قل فلم يعذبكم بذنوبكم) 

(قل فلم يعذبكم بذنوبكم)
لها شاهد في مسند أحمد عن أنس مر النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه وصبي في الطريق، فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ - أن يدوس عليه - فأقبلت تسعى وتقول ابني ابني، وسعت فأخذته، فقال القوم يا رسول الله ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار، فقال صلى الله عليه وسلم لا ، واللهُ ما يلقي حبيبه في النار. 

/ (قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب)
من خاف من الله بحق لم يخف من الخلق.  

/ (قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهم ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون)
المبادرة .. المبادرة، والهجوم خير وسيلة للدفاع. 
*  لم يلقَ نصح الرجلين استجابة من القوم، لكن القرآن خلّد ذكرهم بهذه الكلمات. 
* مقاييس النجاح عند ربك مختلفة. 

 / (فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) فراق الفجرة من أهم سمات البررة. 

/ (إنما يتقبل الله من المتقين) القبول لا يخضع لظاهر العمل بل لما وقر في قلبك من التقوى. 

/ (فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه)
شكرا أيها الغراب تعلمنا منك درسا من دروس الأخوة. 
* تعلم من كل من حولك حتى لو كان أقل منك، فقد تعلم ابن آدم من غراب كيف يدفن أخاه

/ (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة)
كل قربة تقرب من الله فهي وسيلة، فكل عمل صالح وكل اجتناب لمعصية هو وسيلة إلى الله. 
 الوسيلة: هي الوصلة التي توصل إلى طاعة الله ورضوانه ومحبته، وهل يتقرب إنسان إلى أي أحد يحبه إلا بما يعلم أنه يحبه فما بالنا بالتقرب إلى الله، وما يحبه سبحانه أوضحه في الحديث القدسي (وما تقرب إليه عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) 

 / ختم الله آية حد السرقة بقوله (والله عزيز حكيم) فهو عزيز في انتقامه من المفسدين، حكيم في تقديره الحدود حفظا لمصالح عباده.
*قال الأصمعي: " كنت أقرأ (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله غفور رحيم) وبجانبي أعرابي فقال: كلام من هذا؟ قلت كلام الله؟ قال ليس هذا كلام الله. فانتبهت فقرأت ( إن الله عزيز حكيم) فقال أصبت هذا كلام الله، فقلت أتقرأ القرآن؟ قال لا، قلت من أين علمت؟ قال: يا هذا عز فحكم فقطع ولو غفر ورحم لما قطع.
* أكل الحرام نقص في كل شيء، في الإيمان وفي الأبدان، يقول صاحب الظلال: "والردع عن ارتكاب الجريمة رحمة لمن تحدثه نفسه بها لأنه يكفه عنها، ورحمة بالجماعة كلها لأنه يوفر لها الطمأنينة، ولن يدعي أحد أنه أرحم بالناس من خالق الناس وإلا وفي قلبه عمى وفي روحه انطماس". 

/ (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه) 
الظلم عمل شرير مفسد، ولا يكفي أن يكف الظالم عن ظلمه ويقعد عنه، بل لا بد أن يعوضه بعمل إيجابي صالح، يصلح به ما أفسده. 

/ آية ينتفض لها القلب خوفا (أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم)
فالمدار في صلاحك أو فسادك بحسب قلبك. فراقب هذا القلب باستمرار. 

 / ما الحكمة في إرادة الله فتنة بعض خلقه؟ هم بدأوا زاغوا فأزاغهم (فلما زاغوا أزغ الله قلوبهم) وابتعدوا فأبعدهم، وانحرفوا فعاقبهم على انحرافهم ولا يظلم ربك أحدا. 

 / (سماعون للكذب) ذمّ الله سماع الكذب فما بالك بمن يردده وينشره. 

/ (سماعون للكذب أكالون للسحت) قال الحسن تلك الحكام تسمع كذبة وتأكل رشوة.
 *قال أبو حنيفة: "إذا ارتشى الحاكم إنعزل في الوقت وإن لم يعزل. 

 / (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)
قال ابن عباس: "من جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومن أقرّ به ولم يحكم فهو ظالم فاسد"
 
/ بعض الطاعات لا يوفق لها العبد بسبب ذنب سابق، فلا تظن أن شؤم الذنب انتهى بانتهائه (فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم) 

/ (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) (لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) (أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا) لكن الواقع شيء آخر، أي غربة يحياها المسلمون اليوم. 

/ (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) قال عبد الله بن عتبة: "ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو لا يشعر" 

 / (فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده) سيفتح الله بابا كنت تحسبه من شدة اليأس لم يُخلق بمفتاحه. 

س: ما الذي يجمع بين الفتح وأمر من عنده؟  
ج: يجمعهما المفاجأة وعدم توقع حدوثه 

/ تسارع المنافقين لإرضاء أعداء الأمة داء قديم ويتجدد عند كل أزمة (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) 

( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه)
سنة الله في خلقه إذا انتكس مؤمن واحد أن يأتي الله بقوم بدلا منه يحبهم ويحبونه، قال أبو يزيد البسطامي: "ليس العجب من حبي لك وأنا عبد فقير، بل إنما العجب من حبك لي وأنت ملك القدير. 

( ولا يخافون لومة لائم)
أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر قل الحق وإن كان مرا، قلت زدني، قال لا تخف في الله لومة لائم. 
 إن كنت تخشى اللوام فيما تقول أو تكتب على صفحتك، فتذكر أن الله مدح أحبابه بقوله (ولا يخافون لومة لائم) 

 / (ومن يرتد منكم عن دينه فسوف يأتِ الله بقوم يحبهم ويحبونه) 
لا يمكن لعبد أحب الله أن يرتد عن دينه (***) حب الله في قلوب من تحبون.

/ (يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين) من ذل ولان بين يدي إخوانه فاز بمحبة الله. 

 (يأتِ الله بقوم يحبهم ويحبونه)
قدم محبته لهم على محبتهم له، فلولا أنه أحبهم ما أحبوه، ولا وصلوا إلى طاعته ولا عرفوه. 

/ (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) 
الاستهزاء بالدين علامة قلة العقل ولو حمل صاحبه أعلى الشهادات. 

/ (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون)
قال الإمام القرطبي: "ودلت الآية على أن تارك النهي عن المنكر كمرتكبي المنكر، فالآية توبيخ للعلماء في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". 

/ (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت) 
مقاومة الرشوة والفساد المالي من أهم مهام المصلحين في كل عصر. 

/ (بل يداه مبسوطتان)
فكل من سأل الله ومد إليه يديه لم يردهما صفرا خائبتين. 

/ (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله)
اليهود دائما قادة إشعال الحروب والفتن بين الشعوب. 

/ (وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا )
إذا فُتن القلب عمي البصر وصُمت الآذان، وتخبطت الجوارح. 

/ (وحسبوا ألا تكون فتنة)
الفتنة تصيب دائما من لم يحسب حسابها، وأكثر من يظن أنه بعيد عن الفتنة هو أكثر الناس وقوعا فيها. 

 / دعا الله إلى التوبة من قال إن الله هو المسيح بن مريم، ومن قال إن الله ثالث ثلاثة، ومن قال يد الله مغلولة فقال (أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه) 

/ (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه)
قال أهل العلم: وليس من شرط الناهي عن المنكر أن يكون سليما من المعاصي، بل ينهى العصاة بعضهم بعضا.

/ المجتمع السلبي الذي يرى المنكر ولا ينكره هو مجتمع ملعون بنص القرآن (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل) ثم قال (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه)

/ المصلحون رحمة للأمة ووقاية لها من نزول لعنة الله، فالله حين لعن بني إسرائيل بيّن السبب فقال (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه) 

 / (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه)
من شأن المنكرات أن يبدأها واحد ثم يتبناها قلة، فإن لم يجدوا من يغير عليهم تزايدوا فانتشرت حتى تعم وينسى الناس كونها من المنكرات، فلا يهتدون إلى الإقلاع والتوبة منها فتصيبهم لعنة الله.  
————————————————————-
اقرأ المزيد...