■ #مسائل_التفسير
س: ماذا تفيد اللام في {لتكون} في قول الله جلَّ ذكره: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَٰرِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِۦ لَوْلَآ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ}؟■ الجواب: اللام في قول الله تعالى: {لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِين} فيها ثلاثة أوجه في التفسير:
أحدها: أن تكون اللام للعاقبة، أي ربط الله على قلبها ليؤول حالها إلى أن تكون من المؤمنين.
والثاني: التعليل القدري، أي: ربط الله على قلبها تقديراً منه جلّ وعلا لتكون من المؤمنين.
وهذا المعنى كما في قول الله تعالى: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}، وقوله تعالى: {ولو شاء ربّك ما فعلوه فذرهم وما يفترون . ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون} فكل هذه اللامات لتعليلات قدرية.
والثالث: التعليل الشرعي، أي: ربط الله على قلبها لأجل أن تصدّق بوعده تعالى فتكون من المؤمنين، وهذا المعنى كما في قول الله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} ، وقوله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله}، وقوله تعالى: {أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون}.
●وهذه المعاني تجتمع ولا تتنافر، ويصحّ حمل الآية عليها جميعاً.
ومن أهل اللغة من يرجع لام العاقبة في القرآن إلى معنى التعليل مطلقاً، بل منهم من أنكر هذا المعنى، وهو قول يُحكى عن بعض البصريين، ومنهم من يفرّق بينها وبين لام العاقبة.
● فعلى سبيل المثال:
● العلماء الذين يمثلون للام العاقبة بقول الله عز وجل: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} قالوا: لا يمكن أن نحمل اللام هنا على معنى التعليل؛ لأنَّ آل فرعون لم يلتقطوا موسى ليكون لهم عدواً وحزناً، وإنما التقطوه لأسباب أُخَر، واستَبْقاه فرعون يرجو أن ينفعه أو يتخذه ولداً؛ فلذلك قالوا هذه اللام لام العاقبة.
●والذين يرجعون المعنى إلى لام التعليل يقولون: إنّ الله عز وجل قدّر أن يلتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وحزناً، فمعنى التعليل في تقدير الله تعالى ظاهر، وهو ما وقع الإخبار عنه؛ وهو تعليل قدري.
والتحقيق أنّ هذا الموضع من المواضع التي تختلف فيها الاعتبارات؛ فإنّه إذا نُظر إلى حالِ فرعون وسبب فعله فمعنى العاقبة صحيح لا يُنكر، وإذا نظر إلى تقدير الله عز وجلّ وقضائه فإنَّ معنى التعليل صحيح.
●وحروف المعاني قد تحتمل أكثر من معنى في الموضع الواحد كما اجتمع في باء البسملة معنى الابتداء، والاستعانة، والتبرك، والمصاحبة، وقد يفسّر الحرف بمعنى على وجه من وجوه التفسير، ويفسّر بمعنى آخر على وجه آخر، ويكثر ذلك في الآيات التي تتعدد فيها القراءات؛ كما في قول الله تعالى: {وجعلوا لله أنداداً ليضلوا عن سبيله} فمن قرأ بضم الياء {ليُضلوا} فاللام للتعليل باعتبار فعلهم، ومن قرأ بفتح الياء [ ليَضلّوا ] فاللام للعاقبة.
والخلاصة: أن اللام في قول الله تعالى: {لَوْلاَ أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِين} قابلة لأن تحمل على المعاني الثلاث:
● فإذا نظر إلى تقدير الله عز وجل؛ فإن الربط علة قدرية لتكون من المؤمنين.
● وإذا نظر إلى كون الربطّ منّة عليها تستوجب الشكر والإيمان؛ فيصح أن تحمل اللام على معنى التعليل الشرعي.
● وإذا نظر إلى ما آل إليه أمرها؛ فإنّ الله عز وجل ربط على قلبها لتكون من المؤمنين فتكون اللام لام العاقبة.
_____________________
■عبد العزيز بن داخل المطيري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق