الحمد لله رب العالمين وصلى الله
وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا
ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات أما بعد: فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه
الله:
ن/ "قوله: (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام
واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها
قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت
عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله
ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) أي: واذكروا إذ قلتم لموسى
على وجه التملل لنِعم الله والاحتقار لها (لن نصبر على طعام واحد) أي جنس من
الطعام وإن كان كما تقدم أنواعا لكنها لا تتغير، (فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت
الأرض من بقلها) أي نباتها الذي ليس بشجر يقوم على ساقه، وقثائها
وهو الخيار، وفومها أي ثومها، والعدس والبصل معروف.
قال لهم موسى (أتستبدلون الذي هو أدنى) وهو
الأطعمة المذكورة (بالذي هو خير) وهو المنّ والسلوى فهذا غير لائق بكم، فإن هذه
الأطعمة التي طلبتم أي مصر هبطتموه وجدتموها، وأما طعامكم الذي منّ الله تعالى به
عليكم فهو خير الأطعمة وأشرفها فكيف تطلبون به بدلا؟! ولما كان الذي جرى منهم فيه أكبر دليل على
قلة صبرهم، واحتقارهم لأوامر الله تعالى ونِعمه، جازاهم من جنس عملهم فقال: (وضربت
عليهم الذلة) التي تشاهد على ظاهر أبدانهم، (والمسكنة) بقلوبهم، فلم تكن أنفسهم
عزيزة، ولا هممُهم همم عالية بل أنفسهم أنفس مهينة وهممهم أردى الهمم، (وباؤوا
بغضب من الله) أي لم تكن غنيمتهم التي رجعوا بها وفازوا إلا أن رجعوا بسخطه عليهم
فبئس الغنيمة غنيمتهم، وبئس الحالة حالتهم، (ذلك) أي الذي استحقوا به غضبه (بأنهم
كانوا يكفرون بآيات الله) أي الدالات على الحق الموضحة لهم، فلما كفروا بها عاقبهم
بغضبه عليهم وبما كانوا (يقتلون النبيين بغير الحق) وقوله (بغير الحق) زيادة شناعة
وإلا فمن المعلوم أن قتل النبيين لا يكون بحق لكن لئلا يُظن جهلهم وعدم علمهم،
(ذلك بما عصوا) بأن ارتكبوا معاصي الله، (وكانوا يعتدون) على عباد الله فإن
المعاصي يجر بعضها بعضا فالغفلة ينشأ عنها الذنب الصغير، ثم ينشأ عنه الذنب الكبير،
ثم ينشأ عنها أنواع البدع والكفر وغير ذلك فنسأل الله العافية من كل بلاء"
ت/ بسم
الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم
علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وأصلح لنا إلهنا شأننا كله ولا
تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أما بعد: قول الله جل وعلا (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر
على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها وقثائها وفومها
وعدسها وبصلها) لا يزال السياق في هذه الآيات في خطاب بني إسرائيل بدءا من قوله
سبحانه وتعالى (يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوفِ
بعهدكم)، وعرفنا أن قوله عز وجل (وإذ) في بداية كثير من الآيات التي مرت والتي ستأتي
أي: (واذكروا إذ)، واذكروا يا بني إسرائيل حين كذا وحين كذا، يذكرهم بأمور كانت من
أسلافهم، منها نِعم عظيمة أنعم الله عز وجل بها عليهم، ومنها ذكر أفعال شنيعة وأمور
قبيحة حصلت منهم، فالله عز وجل والى عليهم النعمة وكانوا يقابلون ذلك بالبطر
والمعصية والتكذيب والمخالفة وهنا في هذه الآية يقول سبحانه وتعالى (وإذ قلتم
يا موسى) أي: واذكروا يا بني إسرائيل حين قلتم أي: قال أسلافكم لأن الخطاب
موجه للموجودين في زمن النبي عليه الصلاة والسلام وهو تذكير بما كان من أسلافهم أوليهم،
(وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد) هذا قالوه بعد مِنة الله سبحانه وتعالى
عليهم بالمنّ والسلوى، قد تقدم ذكر ذلك أنزل الله سبحانه وتعالى عليهم المنّ
والسلوى، والمنّ طعام حلو، والسلوى طير شهي، فمنّ الله عز وجل عليهم بهذا الطعام
الطيب الحسن الذي يكفي في فضله ونفعه أنه اختيار الله لهم سبحانه وتعالى، لكن
القوم بطروا نعمة الله عز وجل وهذا الفضل وهذا الاختيار، بطروا نعمة الله عز وجل
وقالوا (لن نصبر على طعام واحد) يعنون بالطعام الواحد المنّ والسلوى، ومعنى (طعام
واحد) أي ثابت لا يتغير، أي كل يوم لا نأكل إلا هذا الطعام ليس هناك طعام آخر،
هذا معنى قولهم (لن نصبر على طعام واحد) يعني مجرد نوع واحد كل يوم نأكل منه هذا
ما يكفي، ولا نرغب في ذلك ولا نصبر على ذلك، وأصابنا منه الملل، (لن نصبر على طعام
واحد) قال الحسن البصري رحمه الله: " فبطروا ذلك ولم يصبروا عليه وذكروا
عيشهم الذي كانوا فيه القثاء والفوم والعدس...الخ". (قالوا لن نصبر على طعام
واحد) (فادعوا لنا) أي يا موسى (ربك يُخرج لنا مما تُنبت الأرض)، (مما تُنبت الأرض)
الذي كانوا يأكلونه قبل أن ينزل المنّ والسلوى، قالوا نريد شيء تنبته الأرض من
ماذا؟ من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها، البقل هي: البقول والخُضر
التي هي الزروع، أنواع البقول من الخضر المعروفة، والقثاء هو الخيار وما
كان بمعناه، والفوم قيل هو الثوم وقيل الحنطة وأنواع الحبوب التي تؤكل،
والعدس والبصل المعروفان، قالوا (مما تُنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها
وبصلها).
قال لهم موسى عليه السلام مقرعا وموبخا (أتستبدلون
الذي هو أدنى بالذي هو خير) (تستبدلون) تتركون الخير، الاستبدال فيه ترك وأخذ،
والباء تدخل على المتروك -كما عرفنا- (أتستبدلون الذي هو أدنى) يعني الأقل
قدرا، الأقل شأنا (بالذي هو خير) ويكفي في بيان أن هذا خير لهم أنه اختيار الله
لهم (بالذي هو خير) خير لكم أي: أنفع، حلو وطيب ونافع وتتركونه وتأخذون شيئا أدنى
منه وأقل شأنا منه، يقول ذلك مُقرعا ومُوبخا لهم (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو
خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم) الآن هم طلبوا من موسى عليه السلام أن يدعو
الله مثل ما مر معنا واضح (فادعوا لنا ربك) فهل في السياق أن موسى دعا لهم؟
لا ليس فيه، فيه أنه وبخهم في هذا الطلب وقال هذا طلب غير لائق تستبدلون الذي هو أدنى
بالذي هو خير، وهذا الذي تطلبونه موجود في كل الأمصار اذهبوا إلى مصر من الأمصار،
أي مدينة من مدن، أي بلد، هذه أشياء موجودة، هذا معنى الكلام.
قال (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير
اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم) الشيء الذي طلبتموه موجود، أي مصر من الأمصار، أي
مدينة من المدن، أي قرية من القرى، ادخلوا تجدون هذا في المزارع والأسواق متوافر، (اهبطوا
مصرا فإن لكم ما سألتم)
(مصرا) أيُراد بها البلد المعروف أو
يراد بها مصرا من الأمصار؟قولان لأئمة التفسير في معناها:
●لأنه
جائز أن يراد بقوله (مصرا) أي مصرا من الأمصار، (اهبطوا مصرا) أي من الأمصار
●وجائز أن يراد بمصر أي بعينها المعروفة. ويأتي
ذكرها باسمها في مواطن من القرآن (تبوءا لقومكما بمصر)، (ادخلوا مصر إن شاء الله
آمنين)، وتأتي - يعني في مواطن من القرآن- ويُراد مصر البلد المعروف، لكن هنا جائز
أن يكون المراد البلد المعروف، وجائز أن يُراد مصر من الأمصار، جاء عن ابن عباس
رضي الله عنهما: "وقال مصر مصرا أي مصر من الأمصار" المعنى ماذا؟ اهبطوا
مصرا اذهبوا إلى أي بلد، إلى أي مدينة، كل هذه الأشياء التي تطلبون موجودة، (اهبطوا
مصرا) أي بلد من البلدان (فإن لكم ما سألتم) أي: تجدون فيها هذا الذي تطلبونه، أي
بلد موجودة هذه الأشياء.
وجاء عن أبي العالية قال: "يعني بها مصر
فرعون" يقصد البلد المعروف، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "والحق
أن المراد مصرا من الأمصار كما روي عن ابن عباس وغيره" ويكون المعنى حينئذ
هذا الذي طلبتم ليس بأمر عزيز ادخلوا أي بلد من البلدان تجدونه، (اهبطوا مصرا) أي
بلد، هذا المعنى (اهبطوا مصرا) أي بلد تجدونه، وقال البغوي رحمه الله تعالى: "والأول
أصح" الأول مصرا، من الأمصار، ذكر القولين وذكر أول القولين مصر من الأمصار وقال:
"والأول أصح" قال: "لأنه لو أراده لم يصرفه" ما معنى لم يصرفه؟
الصرف التنوين لم يصرفه أي لم ينون، قال (مصرا) ويقوي هذا أنك إذا نظرت إلى ذكر
مصر -البلد المعروف- في القرآن في كل موارد ذكرها وجاءت في مواطن جاءت غير مصروفة لأنها
ممنوعة من الصرف قيل للعلمية والعجمة، اجتماع الأمرين العلمية والعجمة،
وقيل لاجتماع العلمية والتأنيث، لكن الآن لما لم يرد بلد معين انتفى ماذا
من الأمرين؟ العلمية، انتفت العلمية فلم يصبح متحققا فيه ما يمنعه من الصرف ولهذا
يقول البغوي "والأول أصح لأنه لو أراده لم يصرفه" يعني جاء منونا، جاء
منون (مصرًا) قال (اهبطوا مصرا) أي بلد من البلدان (فإن لكم ما سألتم) أي تجدون ما
شئتم، هذه الأشياء التي تطلبونها هي موجودة في كل في كل بلد، إذا موسى عليه السلام
لم يدعٌ، لما قالوا (ادع لنا ربك) لم يدعُ، وهذا الذي يطلبونه هو موجود، يقول لهم
موجود اذهبوا أي بلد تجدونه.
(وضربت عليهم الذلة والمسكنة) الذلة أذلهم الله، الذلة: الصغار، (ضربت عليهم الذلة) أي ضرب الله عليهم
الصغار، أذلهم سبحانه وتعالى، والمسكنة: الفاقة وفقر النفس، (ضربت عليهم الذلة
والمسكنة) فماذا كان العاقبة؟ كساهم الله ذلا وصغارا، هذا في الدنيا موصولا بذل الآخرة.
وعقوبتها عند الله سبحانه وتعالى (ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب) رجعوا
وانصرفوا مصحوبين بغضب من الله سبحانه وتعالى من أجل ماذا؟ الغضب، ذلك الإشارة
هنا للغضب (باءوا بغضب من الله) ذلك يعني الموجب لهذا الغضب السبب له (بأنهم
كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق) جمعوا بين الكفر بآيات الله
الواضحات البينات وما فيها من الحجج الظاهرات يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين
الذين جاءوا بهذه الآيات نورا وضياء للناس (يقتلون النبيين).
قوله (بغير حق) ليس هناك قتل لنبي بحق لكن هذا
القيد المراد به شناعة العمل وعظم قبح هذا الإجرام الذي كان منهم (ويقتلون
النبيين بغير الحق)
(ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) أيضا أمر
آخر وسبب آخر في هذا الغضب، (ذلك) الإشارة إلى الغضب، (بما عصوا) أي بعصيانهم
فعل المناهي والمحرمات، (وكانوا يعتدون) الاعتداء: مجاوزة الحدود المأذون
فيها، قال الشيخ رحمه الله تعالى في قوله (وإذ قلتم): "أي واذكروا إذ قلتم
ومعنى (إذ) أي حين، اسم بمعنى حين، (واذكروا إذ قلتم) أي حين قلتم لموسى
على وجه التململ لنِعم الله والاحتقار لها (لن نصبر على طعام واحد) أي جنس من
الطعام وإن كان كما تقدم أنواعا لكنها لا تتغير" المنّ والسلوى، المنّ
يعني قيل تحته معان هو منّة من الله، منّة وفضل من الله عز وجل، قال: "وإن
كان كما تقدم أنواع لكنها لا تتغير" هي تتكرر عليهم لكنها من أطيب الطعام
واختيار الله سبحانه وتعالى لهم.
قالوا (فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من
بقلها) أي نباتها الذي ليس بشجر يقوم على ساقه لأن النبات منه أشجار والذي يقال له
شجر ما يقوم على ساق، له ساق يقوم عليه، والنوع الآخر زروع لا تقوم
على ساق وإنما هي نباتات، (وقثائها) قال: "وهو الخيار" (وفومها) أي ثومها وقيل المراد بفومها الحنطة وعموم الحبوب التي
تؤكل القمح والشعير ونحو ذلك، قال: "والعدس والبصل المعروف"، قال لهم
موسى مقبحا: (أتستبدلون الذي هو أدنى) الأطعمة المذكورة التي تقدم ذكرها القثاء
والفوم، (بالذي هو خير) الذي هو المنّ والسلوى، فهذا غير لائق بكم فإن هذه الأطعمة
التي طلبتم أي مصر هبطتموه وجدتموها، (اهبطوا مصرا) أي أيَ مصر هبطتموه وجدتموها، أما
طعامكم الذي منّ الله به عليكم فهو خير الأطعمة وأشرفها فكيف تطلبون به بدلا؟! هذا
كله تقبيح لهذا الأمر ولما كان الذي جرى منهم فيه أكبر دليل على قلة صبرهم
واحتقارهم لأوامر الله ونِعمه جازاهم من جنس عملهم، وقاعدة الشريعة دائما في العقوبة
أنها من جنس العمل جزاء وفاقا، جازاهم من جنس عملهم فقال (وضربت عليهم الذلة) التي
تشاهد على ظاهر أبدانهم، والمسكنة بقلوبهم، الذلة الصغار، والمسكنة الفاقة -فقر
النفس- قال: "والمسكنة بقلوبهم فلم تكن أنفسهم عزيزة ولا لهم همم عالية بل أنفسهم
أنفس مهينة، وهممهم أردئ الهمم" (وباءوا بغضب من الله) أي لم تكن غنيمتهم
التي رجعوا بها وفازوا إلا أن رجعوا بسخطه عليهم فبئس الغنيمة غنيمتهم، وبئس الحالة
حالتهم". قال: "ذلك -أي الغضب الذي استحقوه- (بأنهم
كانوا يكفرون بآيات الله) أي الدالات على الحق الموضحة لهم فلما كفروا بها عاقبهم
بغضبه عليه، وأيضا بما كانوا يقتلون النبيين بغير الحق" قال الشيخ: "وقوله
(بغير الحق) زيادة شناعة وإلا فمن المعلوم أن قتل النبي لا يكون بحق لكن لئلا يُظن
جهلهم وعدم علمهم، لا، هم يقتلون عن علم" وكأن هذا المعنى عن علم وعن معرفة، وأنهم
أنبياء وأن لهم شأن، وأنهم رسل من الله يعلمون ويقتلون، هذا معنى (بغير حق) حتى
لا يُظن أنهم قتلوهم جهلا بمكانتهم أو بشأنهم أو منزلتهم.
قال: (بغير حق ذلك بما عصوا) بأن ارتكبوا معاصي
الله وكانوا يعتدون على عباد الله فإن المعاصي يجر بعضها بعضا، فالغفلة ينشأ عنها
الذنب الصغير، ثم ينشا عنها الذنب الكبير، ثم ينشأ عنها أنواع البدع والكفر وغير
ذلك، ولهذا قالوا: "المعصية بريد الكفر" وأن الواجب على العبد لا يستهين
بالمعصية لأن المعصية تنادي أختها تدعو إليها وهكذا، وكذلك البدعة لا يستهين
الإنسان ببدعة، البدعة تدعو إلى بدع والبدع تُوصل إلى الكفر، ولهذا ينبغي أن يكون
المرء حازم مع نفسه ولا ينساق مع المعاصي ولا ينساق مع البدع، قال: "فنسال
الله العافية من كل بلاء". نعم
ن/ قال
رحمه الله: "واعلم أن الخطاب في هذه الآيات لأمة بني إسرائيل الذين كانوا
موجودين وقت نزول القرآن، وهذه الأفعال المذكورة خوطبوا بها وهي فعل أسلافهم ونُسبت
لهم لفوائد عديدة".
ت/ الخطاب
بدءا من قوله (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف
بعهدكم) وما تبعتها من آيات إلى هذه الآية (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر) الخطاب كله
لبني اسرائيل وسيأتي أيضا تتمة لهذا الخطاب فينبه الشيخ رحمه الله أن هذا الخطاب
الذي لبني اسرائيل كان خطابا للموجودين في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، هل
الموجودون في زمن النبي عليه الصلاة والسلام هم الذين قالوا لن نصبر على طعام واحد
هل هم الذين حصل منهم الأشياء التي ذكرت قبل؟ حصلت ممن؟
من آبائهم -أسلافهم- فقد يسأل السائل: كيف
يخاطبون بهذا الخطاب وهو إنما حصل من آبائهم الأولين وأسلافهم ما الحكمة في ذلك؟
الشيخ وقف هنا وقفة جميلة جدا
ونافعة يبين وجه كون هؤلاء يخاطبون بهذه الاعمال يقال: قلتم، فعلتم، يخاطبهم
بهذه الأمور وهي حصلت من آبائهم الأولين وأسلافهم فما وجه ذلك؟ ما الحكمة؟
ذكر عدة أمور موضحة للحكمة من ذلك قال: "كان
خطابا للموجودين وقت نزول القرآن وهذه الأفعال المذكورة خوطبوا بها وهي من فعل أسلافهم
ونسبت إليهم، ما معنى نُسبت إليهم؟
قلتم، فعلتم، يخاطبون بها فما وجه هذا الخطاب؟
يذكر الشيخ عدة أمور توضح الحكمة من ذلك. نعم
ن/ قال
رحمه الله: "منها أنهم كانوا يتمدحون ويزكون أنفسهم ويزعمون فضلهم على محمد
صلى الله عليه وسلم ومن آمن به فبين الله تعالى من أحوال سلفهم التي قد تقررت
عندهم ما يبين به لكل واحد منهم أنهم ليسوا من أهل الصبر، ومكارم الأخلاق، ومعالي
الأعمال، فإذا كانت هذه حالة سلفهم، مع أن المظنة أنهم أولى وأرفع حالة ممن بعدهم،
فكيف الظن بالمخاطبين"
ت/ نعم،
يعني أن المخاطبين سيكونون شر من أولئك، وأسوء حالا من أولئك فالسياق الذي مرّ يدل
على أن الأولين لا صبر عندهم ولا عندهم مكارم أخلاق ولا عندهم معالي الأعمال فهذه
حال أسلافهم وهم يتمدحون بحالهم وحال أسلافهم فذُكروا بالحالة التي كان عليها
أسلافهم قال: "مع أن المظنة أنهم أولى -يعني الأسلاف- وأرفع حالة ممن بعدهم
فكيف الظن بالمخاطبين" ولا يأتي على الناس الزمان إلا والذي بعد شر منه فإذا
كانت هذه حال أسلاف فما الظن بحالهم، إذا كانت هذه حال أسلافهم وهم مع موسى عليه
السلام نبي الله يعظهم ويبين لهم فكيف بحال هؤلاء مع الانقطاع والبُعد. نعم
ن/ قال
رحمه الله: "ومنها أن نعمة الله تعالى على المتقدمين منهم نعمة واصلة إلى
المتأخرين، والنعمة على الآباء نعمة على الأبناء فخوطب بها لأنها نِعم تشملهم
وتعمهم".
ت/ نعم
يعني النعم الواصلة لآباءهم هي نعم لهم هي نعم لهم (نعمتي التي أنعمت عليكم) أنعم
بها على أبائهم هذه النعم الواصلة لآبائهم هي من إنعام الله عليهم أكرم آبائهم
بتلك النِعم. نعم.
ن/ قال
رحمه الله: "ومنها أن الخطاب لهم بأفعال غيرهم مما يدل على أن الأمة المجتمعة
على دين تتكافل وتتساعد على مصالحها حتى كأن مُتقدِمهم ومتأخِرهم في وقت واحد وكأن
الحادث من بعضهم حادث من الجميع".
ت/ نعم ولا سيما أنهم هم منتسبون
اليهم ويتمدحون بانتسابهم إليهم وهذا يؤكد المعنى الذي ذكر الشيخ رحمه الله تعالى أن
الأمة المجتمعة على دين تتكافل وتتساعد كان مُتقدمهم ومتأخرهم كأنهم في وقت واحد،
وكان الحادث من بعضهم حادث من جميعهم. نعم.
ن/ قال رحمه الله: "لأن ما يعمله بعضهم من الخير يعود بمصلحة الجميع، وما يعمله من الشر يعود بضرر الجميع، ومنها أن أفعالهم اكثرُها لم ينكروها والراضي بالمعصية شريك للعاصي... إلى غير ذلك من الحِكم التي لا يعلمها الا الله. ثم قال تعالى حاكما بين الفرق الكتابية (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.(
نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا
علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله، وهدانا إليه صراطا مستقيما. اللهم آت نفوسنا
تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها..
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله
إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه
أجمعين.. جزاكم الله خيرا
--------------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق