{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ }، المقصود بالقتال هنا الجهاد في سبيل الله خصوصًا، فالله سبحانه وتعالى قد أوجبه على المسلمين وهو كرهٌ لهم، وصدق الله سبحانه وتعالى فإنه كُره ، كثيرٌ منا يكره ذلك، يكرهونه لما فيه من القتال ولما فيه من الدماء ولما فيه من الخسائر، وتُلاحظون اليوم كيف يُحارب الجهاد في سبيل الله في العالم، وهو من دلالة هذه الآية أنه كُره للمسلمين ولغير المسلمين ، لكن الله سبحانه وتعالى كتبه علينا كما كتب علينا قبل قليل الصلاة، وكتب علينا الصيام، وكتب علينا القصاص، كتب علينا القتال، ولذلك الذي يُريد أن يُفرق بينها فإنه يُفرق بين المتماثلات، ما هو تأخذ اللي يعجبك وتترك اللي ما يعجبك، كما كان يصنع بنو إسرائيل {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}، فالله سبحانه وتعالى يقول: أنه قد فُرض عليكم – أيها المؤمنون – القتال في سبيل الله وهو مكروهٌ للنفس بطبعها لما فيه من بذل المال والأرواح.
الخميس، 10 سبتمبر 2020
الإلمام بآيات الأحكام || الحلقة (23) - الآيات (215 : 217) من سورة البقرة
/ قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }[البقرة:215].
هذه الآية وردت في صدقة التطوع، عندما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم : أين نضع أموالنا يا رسول الله؟ فنزلت هذه الآية: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }، فهي وردت في مصارف صدقة التطوع، فواجب على الرجل الغني أن ينفق على أبويه المحتاجين ويصلحهما بقدر حالهم ..الخ.
/ قوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }[البقرة:216-217].
ثم قال: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}
من فوائد هذه الآية: هو أن القتال والجهاد في سبيل الله مكتوبٌ على المسلمين، لكن يختلف باختلاف أحوالهم، فإن كان الإسلام ظاهرًا فهو فرضٌ على الكفاية، وإن كان جهاد دفعٍ فإنه فرضٌ على الجميع، كلٌ يُقاتل بما يستطيع ويدفع بما يستطيع.
/ الآية التي بعدها في قوله سبحانه وتعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ }..الخ الآية.
السؤال هنا عن حكم القتال في الأشهر الحُرم. ما هي الأشهر الحرم؟ هي أربعة أشهر معروفة - كما يقول العلماء - واحدٌ فرد وثلاثة سرد وهي ذي القعدة وذي الحجة ومحرم هذه وراء بعض ورجب، ورجب أيضًا هو من الأشهر التي يحرم فيها القتال، وهذه الأشهر -بالمناسبة- كانت مُحرم القتال فيها حتى من أيام الجاهلية، يتعارف العرب فيها على أنه لا يجوز فيها القتال، وهم أصلًا يعيشون فيما بينهم على الحرب، لكن في هذه الأشهر يضعون فيها السلاح ويهدؤن فيها. ولم يكن أحد - انظروا من تعظيم الجاهلية لهذه الأشهر لم يكن أحد يحمل فيها السلاح على أحد، حتى لو لقي أحدهم قاتل أبيه في هذه الأشهر ما يستطيع أنه يقتله من تعظيمهم لهذه الأشهر، لكن كانوا يتلاعبون في هذه الأشهر بشيء يُسمونه النسيء خاصة الثلاثة اللي وراء بعض ذي القعدة وذي الحجة ومحرم لأنها طويلة ثلاثة أشهر يعني تسعين يوم ما يُقاتلون فيها؟ صعبة ، فكانوا يحتالون وكان هناك قبيلة من قبائل العرب متخصصة في ما يُسمونه بالنسيء. يأتون إلى أحدهم وهو شيخ القبيلة ويقولون: طلبناك أنك تقدم شهر، تؤخر شهر لكي نتصرف، يريدون أن يغزوا وينهبوا ويقتلوا في هذا الشهر، فيقول: طيب ، أنا سأقدم شهر صفر هذه السنة وأؤخر محرم، قالوا: بيض الله وجهك. فهذا هو معنى النسيء يلعبون في الأشهر، يقول: خلاص السنة هذه ذي القعدة وذي الحجة وبعدين بقدم صفر وأؤخر محرم. ولذلك عبثوا في الأشهر خلطوها ما عادوا العرب عرفوا وين محرم من صفر، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم وحجّ في السنة العاشرة، فلما حج النبي صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة قال: «يا معشر المسلمين إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض»، يعني رجعت الأشهر زي ما كانت بعد اللعب اللي حصل من قبائل العرب، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى في سورة التوبة: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}. فالفكرة هذه فكرة الأشهر الحرم، الله سبحانه وتعالى يقول هنا: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَام} عن جنس الشهر الحرام يعني ، وهي أربعة أشهر {قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ}، ولاحظوا هذا -أيها الأخوة- من الأحكام التي جاء الإسلام بتأكيدها، كانت موجودة عند العرب قبل الإسلام وجاء الإسلام بتأكيدها، مما يدل – أيها الأخوة – على أن الإسلام دين سلام حقيقي ويُقر مثل هذه المبادئ التي تُرسي السلام والأمن، لكن من رفع السلاح وحال بين المسلمين وبين الدعوة فليس له إلا القتال.
قال: {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ .. } إلخ الآية.
الحكم الرئيسي في هذه الآية : أن قتال المشركين في الأشهر الحرم مُباح إذا ابتدؤا هم بالقتال ، فقط هذا الحكم الرئيسي في هذه الآية، وأكثر المفسرين على أن هذه الآية منسوخة، نعم نقول: أنه يحرُم القتال في الأشهر الحرم إلا إذا ابتدأ المشركون بالقتال فإنه يجوز القتال في الأشهر الحرم. لكن المفسرون يقولون: هذه الآية نُسخت بآية السيف التي في سورة التوبة، قال الله سبحانه وتعالى : {فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ}. س: يعني إذا قاتلونا في أي وقت من الأوقات سواءً في الشهر الحرام أو في غيره فإنهم يُقاتلون؟ الشيخ: نعم. نُسخت بآية السيف وأيضا بهذه الآية نفسها في آخرها، يعني الله سبحانه وتعالى يقول هنا: {قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، أليس كذلك؟ يعني قوله: {قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ}، يعني أنه محرم ولا يجوز لكن إذا ابتدؤكم بالقتال فإنه يجوز قتالهم، هذا هو معنى قول العلماء. ولذلك مصطلح النسخ وموضوع النسخ – أيها الأخوة – موضوع طويل، يعني إذا قلت لكم: أن مصطلح النسخ عند المتقدمين يُطلق على التخصيص وعلى الاستثناء، وعلى تقييد المطلق، ثم استقر عند المتأخرين في رفع الحكم المتقدم بحكمٍ متأخرٍ عنه فأصبح النسخ عند المتأخرين مصطلح خاص، ولكنه عند المتقدمين أوسع، فمعنى قولهم: كانت منسوخة بالمصطلح القديم، وإلا في الآية نفسها ما يدل على أنه يجوز أن يُقاتل المشركون في الشهر الحرام إذا ابتدؤنا بالقتال، لأنه في الآية التي قبلها أجاز لنا أن نُقاتلهم في الحرم نفسه إذا ابتدؤنا بالقتال.
---------------------------------------------
الشكر موصول لمن قام بالتفريغ (بتصرف يسير)
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق