إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا أما بعد..
في المجلس الماضي تحدثنا عن جملة من موضوعات سورة البقرة وكنا وصلنا إلى قول الله عز وجل:
( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة:٢١٤] وبيّنا أن هذه الآية وضّحت حقيقة عظيمة في هذا الدين وهي أن كل من آمن وامتلأ قلبه بالإيمان لابد أن يُمحَّص وأن يُعرض على الفتنة والابتلاء حتى يُختبر وحتى يُعرف من هو الثابت على دينه من المتزعزع كما بيّنت آيات أخرى كيف أن بعض الناس إذا ابتُلي في دينه ترك الدين وآثر سلامة الحياة على سلامة الآخرة.
ثم تعرضت السورة إلى الإنفاق هذا الإنفاق الذي يُتابعنا أو يُواصل معنا من أول السورة لما قال الله عز وجل (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) مازالت آيات الإنفاق تأتي مرة بعد أخرى حتى نصل إلى النهاية، في نهاية السورة تتحدث عن الإنفاق وفضله وضرب الأمثال له وتعظيم هذه الخصلة من خصال المؤمنين وبيان ما أعدّ الله لهم من الأجور بشكل لا يوجد له نظير في القرآن.
وفي هذه الآية سؤال: ماذا ينفقون؟
وهنا أعرضت الآية عن بيان ما يُنفقون إلى على من يُنفقون وهذا ما يُسمى عن العلماء بجواب الحكيم وهو أن يُسأل الإنسان سؤالا فيُجيب بغير ما سُئل عنه لأنه أَفيد للمسؤول مثل لما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم ما يلبس المُحرم؟ قال: لا يلبس المُحرِم القميص ولا السراويل ... الخ ما ذكر في الحديث فذكر مالا يُلبس لأنه محصور أما ما يُلبس ليس محصورا، يمكن أن تلبس ثوبا من القطن أو ثوبا من المصنوعات الحديثة أو من الصوف أو من أي شيء مما يعمله الناس ما لم يكن مُحرّما.
بعد ذلك عرّجت -أيضا- على موضوع مرّ بنا وهو موضوع القتال والجهاد في سبيل الله وكأن بين الإنفاق والقتال تلازما كلما ذُكر أحدهما ذُكر الآخر، ولعلكم لم يعزّب عن علمكم لما تحدثنا عن آيات الجهاد السابقة (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا) قال في نهايتها (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وهذا يدلنا على حاجة الجهاد إلى المال ولذلك ما ذُكر الجهاد بالمال في القرآن مع الجهاد بالنفس إلا قُدِّم الجهاد بالمال لماذا؟ لأن الجهاد يستطيعه أكثر الناس ولأن حاجة الجهاد إلى المال في كثير من الأحيان أشدّ من حاجة الجهاد إلى الأنفس، ونحن نرى إخواننا المسلمين في شتى بقاع الأرض الذين ابتلوا بمن يؤذيهم ويُقاتلهم فيقولون لإخوانهم أمِدوننا بالمال ونحن نكفيكم المؤنة لأننا نحن أعرف بعدونا وأعرف بأرضنا وأدرى بكيفية تلافي الوضع الذي عندنا.
هنا أيضا قال الله عز وجل (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) وبمناسبة ذكر هذا الأمر المتصل بالقتال ذكر شيئا مُتصلا به آخر وهو القتال في الأشهر الحُرُم وكان لهذا مناسبة أو كان لهذا سبب نزول وهي قصة عبد الله بن جحش وأصحابه الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم ليستطلعوا أمر أهل مكة وحصل قتال في الليلة الأولى من ليالي رجب فهنا شغَب المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هذا الذي يدّعي أنه على ملة إبراهيم ويدعي أنه يُعظِّم حُرمة الشهر الحرام هاهو الآن وأصحابه يقاتلون في الشهر الحرام، فالله عز وجل يذمُهم ويقول أنتم تقولون مثل هذا!! الله عز وجل يقول ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) القتال في الشهر الحرام كبير
(وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ) أي بالله عز وجل (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ ) إن كنتم تعتبون عليهم ما فعلوه وما حصل منهم عفوا أواضطرارا فإنكم فعلتم أشياء كثيرة أعظم وفعلتموها اختيارا ولازلتم مُصرين عليها.
/ ثم تحدث بعد ذلك عن فضل الهجرة والجهاد في سبيل الله بعد فضل الإيمان قال (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وفي هذه الآية لفتة جميلة جدا ينبغي أن نقف عندها وهي:
أن الذي يرجو رحمة الله فعلا هو الذي يعمل وليس هو الذي يتمنى ولا يعمل، فكثير من الناس يقول نرجو رحمة الله وهو لا يعمل شيئا ولا يقدم شيئا فيُقال له من كان يرجو لابد وأن يبذل كما يقول لك الفلاّح -مثلا- والله بذرنا الأرض وسقينا الماء ونرجو أن الله سبحانه وتعالى يبارك لنا في زرعنا هذا راجي، أما إنسان قاعد في بيته ويرجو أن تُنبت الأرض وأن ينزل عليه ذهب من السماء هذا ليس راجيا هذا مُتمني والأماني -كما يقول الناس- رؤوس أموال المفاليس ما فيها خير.
/ ثم انتقل الحديث عن بعض المسائل التي مرّت أو جرت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها هذه المسألة ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) وهذه المسألة وغيرها من المسائل قليلة في القرآن ولذلك ابن عباس امتدح الصحابة على أدبهم وعلى كونهم أمة عملية وأن مسائلهم في القرآن لا تعدوا اثني عشر سؤالا يسألونك .. يسألونك .. يسألونك كلها ما تعدو اثني عشر سؤالا، وهذا يدل على أنهم كانوا عاملين، كلما نزل خطاب من الله اشتغلوا بالعمل وتركوا ما سوى ذلك فإذا احتاجوا إلى السؤال واضطروا إليه سألوا رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم ومنه هذه القضية فقد كانوا يشكّون في أمر الخمر أنها لا تتناسب مع الدين، كيف يأتي الإنسان المسجد وهو مخمور!! كيف يقرأ القرآن وهو مخمور!! كيف يصوم وهو قد تسحّر بالخمر!! هذا لا يليق بحال المؤمن الصادق فكانوا يسألون رسول الله مرة بعد أخرى بيّن لنا يا رسول الله في الخمر بيانا شافيا.
ففي مكة جاء الذم اليسير قال الله عز وجل (وَمِنْ ثَمَرَات النَّخِيل وَالْأَعْنَاب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) [النحل:٦٧] فلما ذكر الرِّزق واستحسنه دلّ ذلك على أن السّكَر ليس حسنا، وكان ذما لطيفا يُناسب الحال التي نزلت فيها تلك الآية وهي في سورة النحل وهي آية مكية، أما الآن فجاء السؤال الواضح الذي تشوفت له نفوس الصحابة وجاء الجواب بهذه الطريقة ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا).
ثم جاءت المسألة الثانية (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ) ماذا ننفق من أموالنا؟ (قُلِ الْعَفْوَ) يعني ما طابت به أنفسكم.
ثم تأتي المسألة الثالثة (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ) ولاحظ اقتران الإنفاق باليتامى مما يدل على أن هناك صلة ولذلك نحن نجد كثيرا من موارد الإنفاق في القرآن تأتي ويُذكر فيها اليتامى قال الله عز وجل (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ) [النسا:٨] فاليتامى من مصادر العطاء بالنسبة لنا، كان السؤال أيضا تحرُّجا من أصحاب رسول الله لما نزل في أمر الأموال التشديد في أنه يجب عليهم الحيطة والاحتراز احترزوا من أموال الأيتام وصاروا يعزلون طعامهم عن طعامهم وشرابهم عن شرابهم ولباسهم عن لباسهم ومنامهم عن منامهم خشية أن يدخل عليهم وفي أجوافهم شيء من أموال اليتامى وخصوصا بعد سورة اﻷنعام (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ..) اﻵية [سورة اﻷنعام 152] هنا جاء التخفيف (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ) المهم أن يكون قصدكم اﻹصلاح وأن تسعوا لهم بما هو في صالحهم ولذلك قال ميسرا عليهم (وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) من خالط ليُفسد فالله عز وجل سيعاقبه ومن خالط ليُصلح فالله عز وجل سيجزيه خيرا على مخالطته ﻷنك لو تشتري طعام لليتيم لوحده ستكون كلفته عالية على اليتيم أليس كذلك؟ لكن لو اشتريت له ضمن الجماعة ستكون كلفته على اليتيم أقل، إذا فالخلطة هنا خير لليتيم من اﻻنفراد والوحدة ولذلك قال الله عز وجل (وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ) أي لشق عليكم فجعل أموال اليتيم حراما لا يحل لكم أن تخالطوهم ولا تشاركوهم في شيء من ذلك، وما يخفى عليكم أن في هذا مشقة لا يطيقه أحد.
/ ثم جاء الحديث عن النكاح وهذه أول آية تتحدث عن النكاح كأنها تقدُمة للحديث عن الطلاق والعدد واﻷنكحة والرضاع وما يتصل بها، فبدأ بنكاح له صلة بالعقائد ماهو هذا النكاح الذي له صلة بالعقائد قال (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ) اﻷصل في النكاح أن يكون مع المؤمنة لا المشركة قال (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) .
/ ثم بدأ يدخل في قضايا اﻷسرة وأحكام النساء وما يتصل بها بعد هذه المقدمة التي ارتبطت فيها النكاح بالاعتقاد فقال (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى) [سورة البقرة 222] ثم بين ما يحِل للإنسان وما يحرُم من أهله (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) [سورة البقرة 223] ثم ربط هذا بأمر اليمين فقال (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ) [سورة البقرة 224] لماذا؟
لقضية الحلِف الذي يكون من الرجل في ألاّ يأتي أهله وهو ما يُسمى عند العلماء باﻹيلاء فالله عز وجل يقول انتبهوا لليمين وﻷمرها (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ) ومعنى عرضة ﻷيمانكم: يعني لا تجعلوا الله عرضة بينكم وبين أن تفعلوا البر فيقول اﻹنسان والله ما أزور فلان، فيقال له: يا فلان اتقِ الله هذا ابن عمك وهذا قريبك وما يليق بك أن تحلف على قطع الرحم، فيقول خلاص قد حلفت أنا ما أستطيع أترك يميني، فنقول لا تجعل الله عرضة بينك وبين فعل البر، افعل البر وكفِّر عن يمينك قال الله عزوجل (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ)
[سورة البقرة 224 - 225] ماذا؟
(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) جاء لموضوع اﻹيلاء وهو: أن يحلف الرجل ألا يطأ امرأته مدة تربو على أربعة أشهر، فهنا إذا فعل ذلك -إذا مضت اﻷربعة أشهر- قيل له: إما أن تطأ ولا تضار هذه المرأة التي في عصمتك وإلا تُطلِّق، يُخيّره الحاكم بين أمرين وهنا يقول الله عز وجل (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ۖ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) طيب لما ذكر الطلاق ماذا تحدث عنه بعد ذلك؟
رأيتم الانسيابيه في الحديث يأتي بعضها آخذا برقاب بعض كأنها حلقات مُحكمات كل واحدة تفضي إلى اﻷخرى بشكل عجيب وانسياب يُشوِّق اﻷذهان لكن هذا لا يبدو للإنسان إلا عند التأمل، عندما تجعل هناك مُكبِّر تنظر للآيات بدقة وبتدبر ستجد أن اﻵيات مترابطة، وقد نصحتكم -يا إخواني- بأن تقرؤا ما كتبه الشيخ د. محمد عبدالله دراز في كتابه النبأ العظيم (١) فقد تحدث عن موضوعات هذه السورة بتسلسلها يجعلك تقول سبحان الله لا يمكن أن تكون السورة على نحو أفضل من هذا النحو الذي وضعت عليه في كيفية ترتيبها وارتباطها وتسلسل موضوعاتها.
/ ثم تحدث عن الطلاق وعدة المطلقة ثم بين عدد الطلقات التي يحل للإنسان أن يطلق فيه وفي أثناء ذلك تحدث عن الخُلع وهو إذا كانت المرأة لا تريد الزوج وتريد الفكاك منه فإنها يباح لها أن تفتدي من زوجها بمال، ثم عادت مرة أخرى لتبين حكم الطلقة الثالثة وأن اﻹنسان إذا طلّق الطلقة الثالثة فإن المرأة لا تحِل له حتى تنكِح زوجا غيره ثم يُطلِّقها ويشترط في ذلك النكاح أن يطأ الزوج الثاني، ولاحظوا كيف جاءت الطلقة الثالثة بعد ذكر أحكام الخُلع ليقول لك إن الخُلع لا يحتسب تطليقة ولذلك لو طلّق اﻹنسان طلقة ثم الطلقة الثانية ثم خالعت منه امرأته ثم بعد الخلع، بعد أن انفكت منه رجع إليها بعقد جديد على أنها زوجة جديدة يبقى عنده طلقة واحدة ولا يُحسب الخُلع طلقة عليه بدليل أنه قال (... فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) [سورة البقرة 229] هذا هو الخُلع ثم قال بعدها (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) [سورة البقرة 230].
/ ثم انتقل إلى آداب الطلاق إن طلقتم أمسكوا بمعروف أو سرِّحوا بمعروف وإيّاكم والضرار فإن هذا لا يليق بأهل اﻹيمان والتقوى الذين هم أهل هذه السورة -سورة البقرة- ولذلك يذكر (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا) [سورة البقرة 231] فتعبثوا بالطلاق وتؤذوا النساء وتستعملوا هذا الطلاق استعمالا سيئا.
ثم يذكِّر بأمر آخر إذا تم الطلاق وحصل وانقضت العدة ثم اشتاق الزوجان إلى أن يعودا فإنهما لا يعودا إلا بعقد جديد، هنا يأتي دور الولي فيقول الولي غضبا و نُفرة مما حصل من الزوج عندما طلّق ابنته أو موليته يقول أنا زوّجتك ثم استهنت بموليتي أو ابنتي فطلّقتها حتى انقضت عدتها ثم تأتي اﻵن لتطلبها مني مرة أخرى والله لن أعطيك إياها مرة أخرى، فالله عز وجل يقول (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) [سورة البقرة 232] لا تعضلوهن يعني لا تمنعوهن أن يرجعن إلى أزواجهن اﻷولين ولا تكونوا سببا في الحيلولة بينهن وبين من يرُدن من اﻷزواج فإن هذا الأمر ليس إليكم، لعل هذه الفرقة التي حصلت بينهم سببا في صلاح أحوالهم《وربما صحّت اﻷجسام بالعلل》.
فانظروا كيف وجّه المؤمنين هذا التوجيه الكريم من خلال أحكام الطلاق ويوأدبون ويُربَون، الزوج يُربى .. والزوجة تُربى .. والولي يُربى ويُقال للجميع اتقوا الله وهذه اﻷحكام شرعها الله عز وجل لفصل الخصومة ولبيان الحقّ لكن لا تنسوا الفضل بينكم ينبغي لكم مع الطلاق والمغاضبة والانفصال وما قد يترتب على الطلاق من قطيعة ونحوه ألاّ تقاطعوا وألا تنسوا الفضل وأن تتعاملوا باﻷخلاق الكريمة ولذلك قال (ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) حث جميل ورشيد رائع على التزام أحكام آداب الطلاق التي شرعت في القرآن.
وهنا أنبّه إلى فائدة لغوية متصلة بمفردات القرآن:
لاحظوا في اﻵية (31) بعد المئتين قال (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)
[سورة البقرة 231] وفي اﻵية التي بعدها قال (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) البلوغ اﻷول: بمعنى قاربن بلوغ أجلهن ﻷنه من الذي يُمسك أو يُسرِّح؟ الزوج، ولذلك إذا طلّقتم النساء فقاربن أن يبلغن أجلهن (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)، أما الثاني (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) أي انقضت عدتهن، فالبلوغ هذا يختلف عن البلوغ ذلك وهذا يُحدده السياق.
/ ثم انتقل بعد ذلك إلى بعض ما يترتب على الطلاق وهي قضية الحضانة والرضاع وما يتصل بها فقال (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ) [سورة البقرة 233] والنفقة أيضا فجاءنا اﻵن موضوع الرضاعة والحضانة والنفقة وما يتصل بها.
/ ثم انتقل بعد هذا بعد الطلاق والرضاع والحضانة والنفقة إلى الوفاة فقال (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ۖ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) ما معنى (بلغن أجلهن) ؟ أي انتهين من العدة (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)
[سورة البقرة 234] ولماذكر العدة ذكر حُكما يتصل بها وهو تشوف نفوس الخاطبين للمعتدة من وفاة فقال الله مُحذِّرا من أمر وهو ألا تُخطب المُعتدة فإنه لا يحِل ﻷحد أن يخطِب امرأة مُعتدة للوفاة ولكن لا مانع -رفقا بكم أيها المؤمنون- من التعريض مثل أن يقول الرجل للمرأة المعتدة "والله أنا أبحث عن زوجة وعسى الله يوفقني بشيء من ذلك" وإلا يقول "مثلك يرغب فيها الرجال" ونحو هذه العبارات التي تُوحي أنه يرغب في أن يكون زوجا لها بعد انقضاء عِدتها ولذلك قال (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ) يعني لا تكتبوا العقد أو تعقدوا إلا إذا بلغ الكتاب أجله (حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) [سورة البقرة 235].
/ ثم لمّا ذكر ذلك ذكر ما للمطلقات من الحقوق ومن أعظم حقوق المطلقات المهملة قضية المتعة التي هي -على الصحيح- وهو قول واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أنها واجبة لكل مطلقة وأن المرأة كمة تدخل عليك بمال أيضا لا تخرج منك إلا بمال فالمرأة تُجبر في الدخول بالمال وتجُبر في الخروج بمال أيضا وهذا من جميل مافي هذا الدين -سبحان الله- فالله عزوجل هنا يقول (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) إذا طلقت المرأة قبل أن تدخل بها وقبل أن تفرِض لها مهرا مُعينا -ما اتفقتم على أي مهر- فلا جناح عليك في ذلك الطلاق ولا عِدة عليها ولكن عليك أن تُمتعها قال الله (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ)
[سورة البقرة 236] ولم يُقدِّر هذا المتاع بل جعله مُفوّضا إلى إحسان الرجل.
/ ثم ذكر صنفا آخر وهي المرأة التي طلقت قبل الدخول وقد فرض لها مهر -حُدد لها مهر معين- تزوجها الرجل، عقد عليها على مهر مقداره عشرون ألفا فهنا يجب لها بنص القرآن نصف المهر قال (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً) أي قدّرتم لهن مهرا اتفقتم عليه (فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) تعفو المرأة عن هذا النصف الذي أوجبه الله لها (أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) وهو الزوج فيقول أنا فرضت لها عشرين والواجب لها اﻵن عشرة أنا أعطيها العشرين كاملة ﻷنها تستحق. قبِلتني وصار بيننا وبينهم كلام ورأيتها .. الخ ما هنالك فأنا أجبر خاطرها بأن أضع المال كله لها، وهذا ما يفعله إلا كرام الناس وخيارهم -نسأل الله أن يجعلنا من الكرام- الذين عند الضيق وعند الخلاف وعند الانفصال يكونون أكثر الناس اتساعا في أخلاقهم وحِلما وكرما فيجبُرون الخواطر ويجبُرون الكسير ولا يؤذون أحدا بلفظ ولا بمال ولا بفعل ولذلك قال الله عز وجل (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ) يا سلام، اﻵن نحن في آيات مُفاصلة وطلاق ومع ذلك نذكَّر بماذا؟ بموضوع التقوى، يا الله التقوى ليست في الصلاة، ليست في الصوم، ليست في الحج!! نعم .. في المعاملات المالية تقوى وفي العلاقات الزوجية تقوى، بل في الطلاق تقوى وهذا أمر يجب أن نتفطن له -يا إخواني- كثير من الناس يتقي الله في أن يصل إلى الصف الأول مع اﻷذان وألا يُسبق إلى الروضة، ويتقي الله في أن يصوم اﻹثنين والخميس وألاّ يراه ربه سبحانه وتعالى في يوم من أيام صيام النافلة وهو مُفطر حبا في أن يتقرب إلى الله لكن عندما تحدث مشكلة ما كأن التقوى لها دور في هذه المشكلة ولا يعرف كيف يتصرف فيها فهو يتصرف بمحض القوة الغضبية واﻹملاءات الشيطانية ومحض هوى النفس واختيارها وإرادتها، لا (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ) طيب (تعفو) من؟ تعفو أيها الرجل وتعفين أنتِ أيتها المرأة أقرب للتقوى (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ) لذلك لاحظوا منهج القرآن في تقرير أحكام الفقه أعظم وأجمل وأجلّ وأحسن من منهج الفقهاء في تقرير أحكام الفقه، طبعا الفقهاء مضطرون أنهم يختصرون اﻷحكام ويجعلونها في عبارات كأنها نُظم وقوانين، مضطرون لذلك من أجل يجمعوا اﻷحكام ولئلا يطول الفقه على اﻹنسان، لكن انظروا كيف نقرأ اﻷحكام في القرآن، أنت تقرأ اﻵن مادة أدبية وإلا مادة أخلاقية وسلوكية وإلا مادة فقهية وإلا مادة قضائية وإلا أحكام فصل منازاعات وفضّ خصومات كأنك في شرطة، سبحان الله يخلط هذا كله فيخرج إخراج بارع ورائع يشفي النفوس ويداوي القلوب ويصلح اﻷحوال تلتئم به كل ما يفسد من علاقات الناس، اقرؤا اﻵية -يا إخواني- (فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
[سورة البقرة 237].
/ في هذا الميدان المشحون بأحكام العلاقات الزوجية من نكاح وطلاق وعدة ورضاع وحضانة ونفقة وعدة وفاة وخطبة ومهور وكم للمطلقة من المتعة يأتي الحديث عن الصلاة يا ترى لماذا يأتي الحديث عن الصلاة؟
في هذا الميدان يحتاج اﻹنسان إلى الصلاة فالصلاة زادك من أجل أن تُحصِّل جرعة هائلة من التقوى تكون معك في وقت الانفصال وفي وقت الخصومة وفي وقت الطلاق ولذلك لا يستطيع أن يُمسك نفسه ويقوم على قلبه أحد مثل ذلك الرجل الذي يتعبد لله بالصلاة والمحافظة عليها، وإشارة أخرى وهي أن الذي شرع لك الصلاة هو الذي شرع لك هذه اﻷحكام فإيّاك أن تأخذ شيئا من الدِّين وتُهمل الباقي من الدين، لا .. عامل الله عزوجل بالتقوى في صلاتك وفي طلاقك، في اﻹثنين (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ (فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ۖ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)
[سورة البقرة 238 - 239].
يعود مرة أخرى إلى العدة ولكن فيه آية يذكر كثير من المفسرين أنها منسوخة وآخرون يخالفون في قضية النسخ في هذه اﻵية بالذات وهي قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ...) [سورة البقرة 240] فكانت العدة في أول اﻹسلام للمتوفى عنها زوجها أن تبقى في بيتها حولا كاملا ثم نُسخ ذلك باﻷربعة أشهر وعشرا. وهذا رأي جماعة كثيرة من أهل العلم.
وآخرون من أهل العلم يقولون لا ما نُسخ وإنما اﻷول هذا الذي كان موجودا لم يكن واجبا بدليل (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا) ماذا قال؟ (وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ...) فهي وصية من الله ثم جاء تحديد اﻷمر بأربعة أشهر وعشر، إذا فأنت أيتها المرأة الواجب عليك أن تعتدي أربعة أشهر وعشرا فإن زدتي إلى الحول فهذه وصية. فيرون أنه لا نسخ بين هذه اﻵية واﻵية التي قبلها. وبعض العلماء يرى أن اﻵية تلك قد نسخت هذه. وعلى كلٍ الواجب على المرأة باتفاق أن تعتد أربعة أشهر وعشرا -وهذا لا خلاف فيه- ولكن إذا زادت إلى نهاية السنة فهذا ليس بواجب عليها أيضا بالاتفاق. هل هو مستحب لها؟ هذا هو محل الخلاف.
/ ثم عاد يؤكد ما ذكرته لكم بأن المرأة ما تدخل إلا بمال ولا تخرج إلا بمال ماذا قال؟
ﻷن بعض الناس يقول إنما تجب المُتعة للمطلقة قبل الدخول إن كان قد فَرض لها فنصف المفروض وإن لم يفرض لها فعلى المُوسِع قدَره وعلى المُقتِر قدَره، نقول: لا، وحتى المطلقة بعد الدخول ﻷن الله قال (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)
[سورة البقرة 241] لاحظوا يا إخوان. وأيضا قال في سورة اﻷحزاب (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)
[سورة اﻷحزاب 28] وغيرها من اﻵيات الدالة على وجوب المُتعة للمرأة المطلقة.
/ ثم ذكرت أمرا يعتبر مُقدمة للجهاد ماهو هذا اﻷمر؟
لاشك أن الجهاد مظنة القتل والموت أليس كذلك؟ وهذه القضية راسخة في نفوس الناس علما بأن الشواهد والدلائل والحقائق تقول الموت لا يعرف جهاد وإلا قصر مشيد، يأتي لهذا الذي في القصر المشيد ويأتي لذلك الذي في ساح الوغى كلاهما يأتيهم على درجة واحدة. هذا هو الواقع وإلا كل يوم كم هي الجنائز التي نُصلي عليها كل يوم؟ هل هذا في حرب أو في ساحة وغى؟ أبدا .. هي دار مطمئنة آمنة فيها من اﻷرزاق واﻷمن ما الله به عليم. إذا الموت لا يعرف مكانا. خالد بن الوليد يقول عن نفسه "ما فيه موضع شبر من جسدي إلا فيه طعنة برمح أو رمية بسهم أو ضربة بسيف وها أنا أموت اليوم على فراشي كما يموت البعير أو كما يموت العَير فلا نامت أعين الجبناء" يعني أنا تعرضت للموت وطلبته في مظانِّه ودخلت مواقع ومعارك وأصابني مقدمات الموت حتى لو اجتمعت على أحد لقتلته ومع ذلك أنا أموت على فراشي. وهذا من حكمة الله ﻷن رسول الله ﷺ سمّاه سيف الله، وسيف الله ما ينبغي أن يُكسر لو قتل في أي معركة لكُسر فالله عز وجل اختار له أن يموت ميتة طبيعية ولا يموت في القتال ﻷنه سيف الله، ما ينبغي ﻷحد أن يكسر سيف الله المسلول على رقاب المشركين.
يا إخواني أنا أتعجب كثيرا من نظم هذا الكتاب العجيب أُحكمت آياته ثم فُصِّلت في كل موطن يريد أن يتحدث معنا في قضية يمهد لها تمهيد قد يطول قد يقصر، يأتي أحيانا إيماء بعيدا ويأتي أحيانا صراحة ووضوحا.
الآن يريد أن يتحدث عن الجهاد أليس كذلك لما ذكر الصلاة ماذا قال؟ (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا) إشارة إلى الصلاة في أرض الجهاد (فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا) في حال الخوف تصلي راجلا أو راكبا، إذا طاردك العدو صل وأنت تمشي وغير مستقبل القبلة تقول الله أكبر وأنت تلهث وتركع وأنت تلهث وتوميء إلى السجود لئلا يلحق بك العدو، لاحظتم هذه مقدمة.
ثم جاءت المقدمة الثانية وهي قضية الموت التي تحدثنا عنها (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ) [سورة البقرة 243] هؤلاء قوم نزل بهم الطاعون ففروا من ديارهم، يقال إن عددهم أربعة آلاف لما فروا من ديارهم الله عزوجل أماتهم أجمعين فماتوا عن بكرة أبيهم لم تبقى منهم نفس منفوسه فمرّ بهم نبي من اﻷنبياء فسأل الله أن يُحييهم فأحياهم قال الله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ) يفرون من الموت (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) [سورة الجمعة 8] يا إخواني شيء تفِر منه إذا فررت منه يُلاقيك إذا الفِرار منه سيقربك إليه هذا مفهوم اﻵية، مفهوم اﻵية أنك كلما فررت من الموت فإن الموت سيلُاقيك، إذا لو تُقلل الفرار من الموت سيخِفّ ملاقاة الموت لك. انتبه. موضوع الموت هذا -يا إخواني- ما له قاعدة يمكن يحكمها أحد إلا الله سبحانه وتعالى فهي بيد الله جل وعلا. ولذلك هؤلاء فروا من الموت فأماتهم الله أجمعين، مرّ بهم هذا النبي سأل الله عزوجل لهم فأحياهم الله أجمعين (فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) فيا أيها الناس إياكم أن تدعوا الجهاد في سبيل الله خوفا من الموت فإن الله إن أراد أن يأتيكم الموت أتاكم وأنتم في بيوتكم ودوركم.
وأذكر في هذه المناسبة قصة عجيبة حصلت ﻻمرأة في جدة عندها ابنان أحدهما رغِب في أن يشارك في الجهاد اﻷفغاني في الثمانينات أيام كان يقاتل اﻷفغان السوفيت وكانت تُمنح لهم تذاكر من الحكومة من أجل أن يُشارك المسلمون إخوانهم في ذلك القتال فذهب إلى والدته فقالت لا لعلك لا تذهب ..الخ تحُثّه على ألا يذهب فأصرّ عليها فوافقت له فذهب وكانت تخشى عليه أن يموت وقالت إذا يذهب واحد يبقى عندي الثاني إذا مات واحد يبقى الثاني فماذا حصل؟ الثاني كان في سيارته على الدائري فحصل له عطل في السيارة فنزل فجاءت سيارة وأخذته فمات والأول رجع من الجهاد لم يُصب بأذى. فقالت سبحان الله الذي كنت أدخره للحياة مات والذي كنت رجوت أن يموت أو توقعت أن يموت رجع حيا لم يصب بأذى.
ما هي القضية بحمايتك ولا بما تفعله هذا شيء بيد الله سبحانه وتعالى ولذلك قال بعدها لما ذكر هذا المثل أوقعه على أمة من اﻷمم من أهل اﻷرض وكان عددهم أربعة آلاف كما ورد في بعض الروايات والله أعلم بما كانوا عليه وعِدتهم.
قال (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) يعني ولا تخشوا الموت (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
[سورة البقرة 244].
ثم عاد إلى النفقة لماذا النفقة تقرن مع الجهاد؟
الجواب: الجهاد أحوج ما يكون إلى المال، لا قتال إلا بمال وحاجته إلى المال أشدّ من حاجته إلى الرجال ولذلك ذُكر الجهاد بالمال واﻷنفس في القرآن ست مرات منها قُدِّم فيها الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس وما قُدِّم الجهاد بالنفس إلا في قول الله عزوجل (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ.. ) [سورة التوبة 111] ﻷن اﻷنفس هي المقصودة بالشراء.
قال (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
[سورة البقرة 245] .
ثم على عادة القرآن في ربط اﻷمور بما حصل للأمم السابقة جاء اﻵن بقصة لبني إسرائيل في أمر الجهاد وهي عِظة ﻷمة محمد يا أمة محمد إن الله كتب عليكم القتال فإياكم أن تتلكؤا وإياكم أن تتباطؤا وإياكم أن تنكُصُوا فاﻷمر جد سينصر الله نبيه ولابد فإياكم أن تكونوا عبرة بل كونوا قدوة وجاء بقصة الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى (إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وكان بنو إسرائيل فيهم اﻷنبياء والملوك، أنبياء يسوسون الدين وملوك يسوسون الدنيا يعني ينظمون أمور الناس والملوك تحت سمع وبصر وإمرة اﻷنبياء ولذلك قالوا (ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فقال لهم هذا النبي (هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا) وهذه إشارة إلى الصحابة ﻷن الصحابة كانوا من شدة غيظهم من المشركين يتمنون أن يُفرض الجهاد فالله عز وجل يقول لهم احذروا .. احذروا أن يُفرض عليكم الجهاد فيحصل منكم ما حصل من بني إسرائيل عندما فُرِض عليهم انخذلوا وتباطؤا وتثاقلوا وتسربوا وفروا، لا.
(قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا) من الذين أُخرجوا؟ الصحابة أيضا أخرجوا وكانوا يتحرقون على أن يؤذن لهم بالقتال ولذلك قال في سورة النساء قال (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)
[سورة النساء 76] اسمعوا يا إخوان (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ۗ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا * أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ۗ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا)
[سورة النساء 77 - 78] هذا وقع للصحابة -آسف- لبعض الصحابة ومثلها في سورة الصفّ عندما قال بعض الصحابة وددنا لو أن الله أخبرنا بأحب اﻷعمال إليه حتى نقوم به فالله عزوجل يُحذرهم يقول (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)
[سورة الصف 1 - 3] ﻷنهم لما قيل لهم الجهاد هو أحب اﻷعمال إلى الله وقع في نفوس بعضهم فعاتبهم الله ( لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ) أمس تقولون ليت أن الله أخبرنا بما يحب حتى نعمله فأخبركم الله بما يحب (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) فلِم كرهتم ( لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) هذه اﻵيات -سبحان الله- عندما نربطها ببعضها نجد -سبحان الله- القرآن كله بعضه مع بعض والله لا يستقيم هذا القرآن بأن يكون هو سورة البقرة ولا سورة الصف ولا سورة اﻹخلاص بل لابد من اكتمال هذا المصحف بأكمله من أوله إلى آخره ونحمد الله سبحانه وتعالى على أن حفظه لما كاملا لم يطرأ عليه تبديل ولا نقص ولا زيادة ولا تغيير ولله الحمد والمنة.
هذه القصة -طبعا- فيها عِظات وعِبر لكن الهدف منها إرسال رسالة واضحة للمؤمنين وهي إياكم إذا فُرض عليكم الجهاد أن تنكُصوا وأن تنكلوا وأن تكونوا كبني إسرائيل عندما نكلوا.
ولاحظوا طالوت ماذا فعل، أجرى اختبارا ليقيس به ثباتهم قال (إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) [سورة البقرة 249] عرف بذلك من الذي يسمع ويطيع خلاص ارجعوا أنتم شربتم ارجعوا لا حاجة لي بكم الذي لم يثبت عند شربة ماء لن يثبت أمام سيلان الدماء، الذي لم يثبت عند شربة ماء لن يثبت عندما يرى فوران الدماء -انتبهوا لهذا يا إخواني- هذه قوية مهمة فالذي لا يسمع ويطيع في الرخاء لن يطيع في الشدة والبأساء.
والمهم حصل القتال وقاتل طالوت ومن معه، يقال إن عدة جند طالوت كعدة أهل بدر ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا وبهذا نعرف أن هذا المثل جاء ليطابق الواقع مئة في المئة وأن هذه القصة -والعلم عند الله- قد تكون نزلت مُبكرة قبل غزوة بدر لتكون عظة ولذلك قال الله (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ ) ما معنى "ف" ؟ ترتيب وتعقيب مباشرة جاء الجواب من الله (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)
[سورة البقرة 250 - 251] .
/ ثم انتقلت اﻵيات بعد ذلك إلى ذكر رسالة النبي ﷺ وأن الله فضّله على سائر الرسل وأن في الرسل الفاضل وفيهم من هو أقل لكن كلهم في غاية الفضل لكنهم مع فضلهم وعُلو مكانتهم ورفعة شأنهم يتفاضلون كما أن بقية اﻷشياء تتفاضل، المخلوقات كلها تتفاضل بل حتى العبادات تتفاضل وآيات القرآن تتفاضل، ستأتينا بعد قليل أعظم آية في القرآن وهي آية الكرسي، لكن فيها اﻹشارة -هذه اﻵية- إلى أن سُنة الصراع باقية وأن الجهاد حتمي وأنه ماض إلى يوم القيامة ولذلك قال الله عز وجل (..وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)
[سورة البقرة 253] أراد الله أن يكون القتل والقتال لتُمحّص الصفوف ويُعرف المؤمن الصادق ويكون ذلك سبب لصعود راية اﻹيمان ومعرفة آثار صفات الرب سبحانه وتعالى في عباده ومخلوقاته وهذه أشير إليها في قوله (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ).
/ عادت اﻵيات مرة أخرى لتمهّد لموضوع النفقة افتتحت آيات الجهاد باﻷمر باﻹنفاق واختتِمت باﻷمر باﻹنفاق (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
[سورة البقرة 254] .
/ ثم جاء التذكير بالتوحيد، هذه آية التوحيد العظمى في القرآن ما فيها شيء غير ذكر الله فيها خمسة أسماء لله وفيها أربعة وعشرون صفة للرب جل وعلا أحصاها شيخنا العلامة ابن عثيمين في رسالة له في تفسير آية الكرسي فجعلها أربعا وعشرين صفة مذكورة لله عزوجل في هذه اﻵية وما فيها شيء غير الله اقرؤا معي (اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) يقول بعض العلماء: هذه اﻵية في الشفاعة أبلغ من قوله (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ) قال هنا ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) طبعا ذُكر الكرسي هنا لنعلم سعة خلق الله، مخلوقات الله أنها شيء فاعل فالكرسي الذي هو موضع قدمي الرب قد وسِع السموات والأرض إذا ماهو حال هذا الكرسي عند العرش؟ كحلقة مُلقاة في فلاة، ماهو العرش؟ شيء عظيم لا يُقادَر قدره ولا ينبغي ﻷحد أن يتصور مقدار وعظمة وهيبة وفخامة وجلالة قدر هذا العرش يقول النبي ﷺ -اسمعوا هذا الحديث يا إخواني- عندما يتحدث نبينا عن ملك من حملة العرش فيقول عليه الصلاة والسلام (أُذِن لي أن أُحدِّث عن مَلَك من حملة العرش مابين عاتقه وشحمة أذنه خفقان الطير سبعمائة عام) طير يخفق يا إخواني في أقصى سرعة وهو يفعل هكذا بجناحيه سبعمائة سنة لا يقع على اﻷرض ولا على الشجر، هذه المنطقة سبعمائة سنة خفقان طير ولاحظوا عندما قال (مابين عاتقه وشحمة أذنه) يعني المسافة قصيرة هذه مداها سبعمائة سنة إذا كم طوله؟! كم عرضه؟! كم سُمكه؟! ماذا فوقه؟ ماذا تحته من مُلك الله؟ شيء مهول، عندما نتصور أن الكون هو هذه الكرة الأرضية وإلا هذه المجموعة الشمسية أو أن ما يملكه الله سبحانه وتعالى هو مابين السماء واﻷرض، هذا قصور وتقصير في تعظيم الرب (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) رأيتم ما يتحدث عنه الفلكيون من المجرات العظيمة الهائلة يقولون أنها ملايين المجرات وأنها لا يمكن معرفة المسافات بينها باﻷرقام العادية بل باﻷرقام الضوئية ولذلك ما يستطاع كتابة الرقم، الرقم ما يكتب بالطريقة العادية ولا يستطيع ذلك أحد وهذا يُعبِّرون به عما رأوه أو توقعوه واﻷمر أعظم من ذلك ولذلك هذه آية التعظيم، أعظم آية ولكونها آية التوحيد صارت عِصمة إذا اعتصمت بها حفظك الله من كل سوء، إذا وثِقت بها وبمعناها وامتلأ قلبك بما فيها من الإيمان واليقين صارت عِصمة لك ما يضُرك شيء بإذن الله كما ثبت في الحديث (إذا أمسيت فاقرأ آية ااكرسي فإنه لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربُك شيطان).
وأذكر بهذه المناسبة قصة ذكرها أحد المشايخ -سمعته بنفسي- يقول كنت أذهب للدعوة في البوادي فمررت برجل من أهل البادية فأشار إليّ فجئت عنده جلست عنده قال يا شيخ أنا لا أدري ماذا أفعل بذئب أو ذئاب تأتي تعدو على غنمي في كل ليلة يذهب مني واحدة أو اثنتان حاولت أن أحرس حاولت أني أبقى سهرت الليل تعبت ومع ذلك هذه الذئاب تفترس غنمي فأرشدني، قال له الشيخ: هل تحفظ آية الكرسي؟ قال: لا والله لا أعرف، قال: أنا أحفظك إياها استدعي أولادك على أساس يساعدونه في الحفظ فحفّظهُم آية الكرسي، حفظوها. قال فذهبت وبعد ستة أشهر مررت قريبا منه فلما رأى سيارتي أشار إلي فجئت إليه فقال: جزاك الله عني كل خير يا شيخ والله منذ حفظت آية الكرسي منك ما مر بي الذئب خلال الستة أشهر هذه إلا في ليلة لما استيقظت وجدت ذئب قد أخذ واحدة من الغنم فأكلها فتذكرت فإذا بي قد نسيت أن أقرأ آية الكرسي.أنا أحدثكم بهذه وأنا أعرف صاحبها وهو من الدعاة الثقات وقد وقعت له.
طبعا لسنا في مجال البحث في القصص التي تؤكد لنا هذا المعنى فهو الحمد لله مُتأكد في قلب كل مؤمن منا ولله الحمد. ولكن ينبغي لنا يا إخوان أن نثق وأن نعمل وأن نُوقِن بأن هذا حق، وهذا حق من حيث المعنى كأنك تقول يارب قد امتلأ قلبي من حبك والثقة بك والاتكال عليك فأنت الحيّ القيّوم الذي لا تأخذك سنة ولا نوم أتظنون بالله رب العالمين أن يُسلم هذا العبد الذي امتلأ قلبه بهذا المعنى فأسلَم قلبه لباريه ووثِق بالله أنه يُسلمه لعدوه كائنا من كان جني وإلا ساحر وإلا ثأر وإلا عين وإلا أيا من كان؟ لا والله لا يمكن ذلك أبدا، هذا من واجب حسن الظن بالله جل وعلا، والله ما يليق يا إخواني، والله لو وقع هذا ﻷحد من البشر مع رجل كبير من البشر لكان لؤما في حق ذلك الموثوق به أن يدع من وثِق به فلو جئت إلى إنسان وأنت خائف وهو إنسان أمير وإلا كبير فقلت أنا في جنابك فأنت رجل كريم شريف وسيد قبيلة وأنا أحتمي بك من هؤلاء الذين يريدون بي سوءا فقال لك أنت في جنابي هل يليق به أن يخفر ذمته وأن يكلك إلى أعدائك ويُسلمك إليهم؟ هل يليق به ذلك؟ لا والله. الله أجل وأعلا وأعظم ولا يمكن أن يمثّل بخلقه سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء ولله المثل الأعلى هل يمكن أن يُسلم عبده الذي توكل عليه واعتصم به ولجأ إليه وانطرح بين يديه أن يسلمه إلى عدوه؟ لا يمكن.
/ ثم تحدثت اﻵيات عن معاني عقدية متصلة بمعنى آية الكرسي (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
[سورة البقرة 256] ثم جاء بعدها (الله ولي الذين آمنوا ) فمن تمام ولايته لهم أن يحفظهم ويرعاهم ومن تمام ولايتهم لله عزوجل أن يستمسكوا بجانبه العظيم سبحانه وتعالى.
/ ثم ذكر أمرا آخر يتصل بأمر الربوبية لكن لمن يدعيها وهو مُبطل وهو النمرود -عليه من الله ما يستحق- فهذا النمرود كان يدعي اﻷلوهية وأنه يفعل ما يفعله الرب سبحانه وتعالى فإبراهيم حاجّه؟ هل المُحاجّة كانت من إبراهيم أصلا أو كانت من الملك؟ الظاهر أنها كانت من الملك ﻷنه قال (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ) ما قال حاجّه إبراهيم في ربه لا بل هو الذي حاج.
ويقول بعض المفسرين: إن إبراهيم لما أنقذه الله من النار صار له صيت وسمعة في البلد فغار منه الملك قال من هذا الذي حصل له هذا الشيء العظيم هاتوه لي فبدأ يناظره في أمر الربوبية والتوحيد فقال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميتقال أنا أحيي وأميت -وجاءالرجل هذا المسكينالطاغية المتجبر اﻷعمى البصيرة- جاء برجلين فقتل أحدهما وترك اﻵخر قال ها أنا أحييت أحدهما وأمتّ اﻵخر. طبعا هذه سخافة ما تنطلي على السُّذّج ولكن هكذا يفعلون ويصفق لهم المطبلون من حولهم -أوه نعم قد انتصر ملكنا على هذا الدعي ...- الخ ويقولون هذه ربوبية لاشك في ذلك ولا ريب فيه. هذه يقدر عليها كل واحد أنا آتي بشاتين أذبح واحدة وأترك اﻷخرى هل أنا أحيي وأميت، أحضر دجاجتين .. عصفورين .. نملتين أدعس على واحدة وأترك الثانية هل أكون بذلك أنا أحييت وأمت؟ غير صحيح. ولذلك إبراهيم لما رأى أنها سخافة وأن الدخول في هذا المُعترك ماهو إلا نوع من اللجاج الباطل قال بس "من فمك أَدِينك" ماشاء الله عليك كلما ذكرت لك شيئا من صفات الرب تسوي لنا مثال بس هذا ممتاز إن الله يأتي بالشمس من المشرق فنبغى يدك الكريمة اﻵن تمتد إلى الشمس أمام أعيننا كما فعلت قبل قليل وتحرك الشمس وتأتي بها من المغرب لا تريد أكثر من هذا، ماذا قال الله معبرا عن هذا المعنى، قال (فبهت) النمرود سوى هكذا ما يدري ماذا يفعل، من أين أتى إبراهيم، ولذلك سيد المُناظرين -كما يقول ابن القيم- هو إبراهيم عليه السلام أوتي في المناظرة حجة باهرة ومن أقرب الطرق. يا إخواني أنظروا مناظرة ثلاثة أسطر انتهت فيها مناظرة مع طاغوت من طواغيت اﻷرض. وبالمناسبة هذا الرجل يقال أنه مِمن ملكوا اﻷرض.
ستلاحظون أن في هذه السورة تذكير بأمر إحياء الله للموتى وأنه سبحانه وتعالى هو المتفرد بذلك.
سنكمل الحديث فيما تبقى إن شاء الله بعد اﻷذان.
أقول -يا إخواني- هذه السورة لما ذكرت أمر البعث واﻹحياء واﻹماتة ذكرت قصتين بعدها لهما صلة كبيرة جدا بأن الله سبحانه وتعالى هو القادر على اﻹحياء واﻹماتة دون أحد سواه ولذلك جاءت قصة عزير (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا) لم يقل هذا استبعادا فهو أجلّ وأعلى من ذلك ولكن تعجبا كيف يحيي هذه الله بعد موتها (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) يعني جعل له آية في نفسه (ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ) تريد الدليل
(فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ) لم يتغير، سبحان الله ماهي المواد الحافظة التي أضيفت إلى هذا الطعام والشراب حتى بقي مائة عام لم يتغير؟! إنها القدرة اﻹلهية لا شيء إلا الله وحده سبحانه وتعالى.
(وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ) التفت إلى الطعام جديد كأنما وُضع قبل قليل، التفت إلى الحمار وإذا به قد بلِي وانتثرت عظامه على اﻷرض.
ثم قال الله عزوجل (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا) يُقال إنه نظر إلى عظام نفسه ويقال إنه نظر إلى عظام الحمار -وهذا طبعا ظاهر- فبدأ يرى العظام وهي ترتفع ويأتي اللحم ويكسوها حتى نهق الحمار بين يديه -لا إله إلا الله- الطعام لم يتغير والحمار بلِي وبُعث بين يديه. ها رأيت كيف يحيي الله الموتى؟ رأى .. اطمأن وهو مطمئن قبل ذلك لكن كما قال إبراهيم في القصة التي تليها (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ) أنا مؤمن بذلك (وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) أريد الطمأنينة، أرى ذلك بأم عيني ولذلك قال الله عزوجل في سورة اﻷنعام قبل ورود المناظرة ماذا قال؟ قال (وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا) كانت مناظرته تتصل بأمر السماء واﻷرض فأراه الله سبحانه وتعالى هذه المخلوقات العجيبة وأطلعه عليها ليكون من الموقنين حتى يُناظِر بعِلم.
قال (قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا) أخذ أربعة من الطيور فذبحهن وقطّعهن وخلط ريشهن ولحمهن ودمهن وعظامهن وجميع أجزائهن بعضها ببعض ثم أخذ شيئا من هذا الخليط ووضعه على جبل وآخر على جبل آخر وثالث على جبل ثالث ورابع على جبل رابع ثم دعاهن، ما نوع هؤلاء الطيور؟ لا يهمنا، طيور وبس يعني دجاج ووز وبط ...الخ المهم أنها مجموعة من الطيور فدعاهن فبدأ يرى هذه الطيور تأتي بين يديه يأتي رأس الدجاجة ثم يأتي جناحها ويأتي جناح البطة إلى البطة وهذه الرجل تأتي تذهب إلى الوزة ولا تذهب إلى البطة وكلها بين يديه يرى سبحان الله كيف القدرة اﻹلهية الهائلة العظيمة تتم بشكل عجيب ولذلك قال (ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌا) العجيب في اﻷمر أنه بعث الموتى في سورة البقرة ورد في مواطن :
الموطن اﻷول: في قصة بني إسرائيل عندما قال الله عزوجل (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ).
القصة الثانية: قصة البقرة (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ) ضُرب القتيل بجزء من البقرة فقام وقال فلان قتلني ثم عاد ومات.
الثالثة: قصة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ).
الرابعة: قصة عزير (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ)
الخامسة: قصة إبراهيم.
من هذا المنطلق قال بعض المفسرين أن مقصود سورة البقرة واختيار اسم البقرة ﻹبراز هذا الموضوع وهو إحياء الموتى وقدرة الله عزوجل ولكن سنبين -إن شاء الله- إذا تحدثنا عن المقصود أن هذا ليس بظاهر وأن هذا أُوتي به ليُستثمر في الدلالة على قدرة الله خصوصا إذا علمنا أن سورة البقرة من أوائل السور التي نزلت في المدينة وكان الناس في المدينة بحاجة إلى تجلية هذا اﻷمر فلم يُكتفى بما ورد وذكر في السور المكية بدليل أنه ورد في هذه السورة تحدي قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا) هذا التحدي ذُكر في السور المكية لكنه جاء هنا في السور المدنية فقال (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) مما يدل على أن سورة البقرة كان نزولها مُبكرا وكان هناك في المدينة ثلاثة أصناف : المسلمون ظاهرا بما فيهم المنافقون والمشركون ظاهرا واليهود.هذه اﻷصناف الثلاثة كانت تسكن المدينة إذا هؤلاء المشركون يحتاجون إلى بيان وإيضاح ودعوة إذا لابد من تكرار أدلة البعث عليهم وقدرة الله على اﻹحياء بعد اﻹماتة وأن هذا اﻷمر كله خاضع لقدرة الله جل وعلا العلي القدير.
/ بعدما ذكر هذا انتقل إلى قضية اﻹنفاق التي بدأ يمهد لها من ثالث السورة واﻵن بدأ الميدان الفسيح للخوض في اﻹنفاق وتحبيبه في النفوس وضرب اﻷمثال له فيقول الله عزوجل (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ) ويطرأ على بالي إنه إذا كان الله عزوجل هو وحده القادر على أن يحيي النفوس بعد موتها فاعلموا أنه من أعظم ما تحيا به النفوس ويزداد به اﻹيمان ويكتمل به عقد الإحسان في التقرب للرحمن هو اﻹنفاق في سبيل الله وأعلا اﻹنفاق هو اﻹنفاق في الجهاد في سبيل الله عزوجل وكل ما ورد (في سبيل الله) اﻷصل أن يُصرف إلى الجهاد قال (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) .
/ثم عرّج على آداب اﻹنفاق وهي أن ينفق اﻹنسان مخلصا لله وأن يدع المنّ واﻷذى ( لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ) وبين أجرهم، ثم بين المقارنة بين من يقول المعروف ولا يتصدق ومن يتصدّق ويمُنّ ويؤذي (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ).
/ ثم ذكر ماهو أعظم من المنّ والأذى وهو أن يطلب الإنسان بها وجه الله عزوجل قال ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ثم ضرب له مثلا وضرب للمؤمنين أيضًا مثلا لسنا بحاجة إلى التمحيص في هذين المثلين.
/ ثم ضرب مثلا ثالثا لمن لم ينفعه ماله (أ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ) هذا مثل ضربه الله عزوجل لمن كان عنده مال فعمل فيه في معصية الله ثم مات فلم ينفعه ذلك المال الذي آتاه الله إياه مَثله كمثل رجل عنده جنة وفيها ما لذ وطاب لكنه كبر وله ذرية ضعفاء ما استطاعوا أن ينتفعوا أو يقوموا بأمر هذه الجنة فرأى هذه الجنة وهي تموت بين يديه لم ينتفع منها بشيء فتحسّر على ذلك أشد التحسّر فهذا مثل من أوتي مالا لم ينفقه في سبيل الله ولم يستعمله في طاعة الله سيأتي يوم القيامة أشدّ الناس حسرة كيف أنه كان باﻹمكان أن ينال الفردوس الأعلى من الجنة ثم صار هذا المال لم يُعطِه شيئا من الخير لترتفع درجته في اﻵخرة.
/ ثم ذكر الله عزوجل مِم ينفق اﻹنسان وهو أن ينفق من طيّب ما اكتسب.
/ ثم بين مداخل الشيطان للإنسان عند النفقة ( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ) ماهي الفحشاء؟ الفحشاء بإجماع المفسرين البخل ولا يمنع أن تكون عامة فتشمل غير البخل لكن البخل مراد قطعا وهو فحشاء وأي داء أدوى من البخل وقد كان النبي ﷺ يستعيذ بالله منه قال (وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) .
ثم قال (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ) قال العلماء: ما ينفق إلا إنسان أُوتي الحكمة ﻷنه يعلم أن الله عزوجل يُخلِف فالمُنفق حكيم وما فيه كريم إلا وهو حكيم. وقال (ووَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) وهذا فيه وعد من الله سبحانه وتعالى بالخَلَف ﻷنه إذا كان يعلم فإنه سيُعطي ويُجازي جل وعلا.
/ ثم بيّن التفاضل بين إبداء الصدقة وإخفائها قال (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ )
هنا أقف عند لفتة جميلة جدا في هذه اﻵية ذكرها ابن القيم -رحمه الله- وهي تستحق النظر والتوقف طويلا ويدلك هذا على أن الألفاظ في القرآن لم تأتِ هكذا من دون حكمة اسمعوا ماذا قال، قال: " (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) يعني من أبدى الصدقة وهو مخلص فنِعم ما فعل (وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ) طبعا فضّل اﻹخفاء على اﻹبداء ﻷنه أدعى إلى اﻹخلاص، لكن لما ذكر اﻹخفاء ذكر من تُخفى الصدقة عليه، من هم؟ الفقراء.
إذا ماذا نفهم من هذا؟ إذا كانت مشروعات عامة وأشياء ظاهرة فلا مانع من اﻹعلان مادام اﻹنسان مُخلصا لله عزوجل أما إذا كنت تتصدق على فقير فاﻷفضل بكل حال اﻹخفاء ﻷن هذا يتعلق بأمر حفظ كرامة هذا الفقير ولذلك لما ذكر اﻹخفاء ذكر المُتصدق عليه فيها قال (وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ) يعني إذا آتيتم الفقراء فأخفوا ﻷن في ذلك حفظا لماء وجهه وعدم كسر لكرامته .
وهذه قضية ينبغي لنا أن ننتبه لها يا إخوان ما تأتي تتصدق على الفقير علانية أمام الناس وإلا تحاول أن تفضحه بين الناس تقول يا ناس تصدقوا على هذا ﻷن هذا يُضر به ويؤثر عليه ويتمنى أن تبلعه اﻷرض قبل أن يأخذ درهما أو دينارا من أحد يتصدق عليه بل اﻷفضل أن يخفيها.
/ ثم ذكر الله عزوجل بعد ذلك فضل الصدقة وأنه ينبغي أن يتصدق على كل أحد (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ) وهذه نزلت في اليهود لما سأل أحد الصحابة هل يُتصدق عليهم؟ فبيّن أنه يُتصدق على كل أحد.
ثم ذكر أفضل من يتصدق عليهم وهم من حبسوا أنفسهم للجهاد ومثلهم طلاب العلم فهم أفضل من يُتصدق عليهم ﻷنهم يحمون بيضة الدين ويقومون بأمر اﻹسلام وأيضا هم في العادة ما تركوا العمل إلا ﻷجل أمر أهمّ وأعظم وإلا هم قادرون على الكسب والتجارة والضرب في اﻷرض ولكن آثروا أن يُسخروا أبدانهم ويُوقفوها لله عزوجل فهؤلاء الرجال هم خير من أنفقتم عليهم وأعطيتموهم أموالكم ولذلك قال الله (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) ولذلك قال النبي ﷺ (ليس المسكين الذي ترُدّه اللقمة ولا اللقمتان ولا التمرة ولا التمرتان ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يُغنيه ولا يُتفطن له فيُتصدق عليه) يعني كأن النبي ﷺ يحثنا على أن نعطي وأن نخُصّ بالصدقة أولئك الذين لا يُتفطن لهم هذا في المرتبة الأولى، المرتبة التي أعلى منها أولئك الذين لا يُتفطن لهم مِمن وقفوا أنفسهم على أمر فيه صلاح للإسلام والمسلمين كالمجاهدين في سبيل الله وطُلاب العلم وحُفّاظ القرآن ونحوهم مِمن سخّروا أنفسهم لخدمة هذا الدين.
/ ثم ختم آيات اﻹنفاق بشيء عجيب فقال (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ) فبدأ بالليل قبل النهار وبدأ بالسر قبل العلانية ليؤكد المعنى الذي بدأ به أول آيات اﻹنفاق وهي قوله (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) يطلبون ما عند الله، كذلك قوله (كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) السِّر .. السِّر في الصدقة ولذلك ذكر النبي ﷺ في السبعة الذين يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قال (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) حتى بلغ من إخفاء بعض السلف أنه يُدخل يده في كُمِّه جيبه أو في درع قميصه فيخرج ما وقعت عليه يده دون أن ينظر فيه يقول أُخفيه حتى من عيني لا أعلم ماهو هل هو درهم، دينار ديناران، مئة .. خمسمائة .. ألف، المهم يخرج ويضع طلبا لكمال اﻹخفاء لكي تكون النفوس متعلقة بالله سبحانه وتعالى متوجهة إلى الله لا يبقى فيها مطمع من وراء هذه الصدقة أو أن تُدِل على الله عزوجل من ورائها.
/ لما ذكر اﻹنفاق والتجارة مع الله ذكر قوما آخرون يُتاجرون بأموال الناس وبجهودهم وعرقهم وهم المرابون -نعوذ بالله من الخذلان ونسأل الله سبحانه وتعالى العافية - قال الله في سورة الروم (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ) ما ينمو عند الله (وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ) انظر كيف قارن بين الربا وبين الزكاة والصدقة.
وهنا (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) قال بعدها ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) ما يكاد يُذكر في القرآن اﻹنفاق أو يُذكر الربا إلا ويذكر معه اﻹنفاق هذا هو الربا اﻹسلامي هذا هو الربا الحقيقي الذي يُربي ويزيده ويباركه وينميه ويطهِّره ويحفظه لك في الدنيا وفي الآخرة.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يفقهنا في الدين وأن يعلمنا تأويل الكتاب وأن يجعلنا جميعا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصّته وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
لتحميل الملف الصوتي:
لتحميل الملف الصوتي:
--------------------------------
١- لتحميل الكتاب : http://rehabtanzyl.blogspot.com/2015/09/blog-post_80.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق