د. عويض العطوي
.... اليوم -أيها الإخوة الكرام- وكما سمعنا أمس في الآيات التي تحدثنا عنها الله سبحانه وتعالى قال (ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:١٨٣] ثم قال سبحانه وتعالى (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ) وقلنا إن ذِكر رمضان هذه العبادة التي فيها تكليف ومشقة في أول وصفٍ لها بالأيام فيها تسهيل وتخفيف في فرضها على المُكلفين .
.... اليوم -أيها الإخوة الكرام- وكما سمعنا أمس في الآيات التي تحدثنا عنها الله سبحانه وتعالى قال (ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:١٨٣] ثم قال سبحانه وتعالى (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ) وقلنا إن ذِكر رمضان هذه العبادة التي فيها تكليف ومشقة في أول وصفٍ لها بالأيام فيها تسهيل وتخفيف في فرضها على المُكلفين .
الأمر الثاني أنه وصفها بـ (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ) والمعدودات -كما ذكرنا- تدل على القِلة والجمع الذي جاءت به يدل على القِلة فكل ذلك فيه تهوين وتسهيل خصوصا إذا عرفنا وسمعنا وعلِمنا أن الله عز وجل قال في أثناء الآيات التي تحدث فيها عن الصيام (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) وهذا دين الله كله مبني على اليُسر .
ثم قال سبحانه وتعالى (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) هذا على القول بأن هذه الآية كانت قبل فرض الصيام وكان على الاختيار بين الصوم وعدم الصوم أو على القول الآخر في قوله (يُطِيقُونَهُ) والمقصود لا يُطيقونه أو أنهم يصومونه بشدة ومشقة فهنا ذكر الله سبحانه وتعالى الأسباب التي يُفطِر الإنسان معها وهي قوله تعالى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ) وقوله (مِنْكُمْ)
لا تعني أن هذا الحُكم خاصّ بالمُخاطبين أي وقت نزول القرآن بل إنها عامّة لكل المُخاطبين وإنما قال (مِنْكُمْ) لنوع عناية بهؤلاء المُخاطبين ورِفقا بهم وإجلالا لهم .
(فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ) قالوا : وجُلّ أعذار ترك الصيام لا تخرج عن هذين السببين -غالبا- إما مرض وإما سفر
فلِم قُدِّم المرض على السفر (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا)؟ قالوا: لأن ترك الصيام بسبب المرض أكثر والمشقة بسبب المرض أعظم بل إن الناس وكثير من الناس يتركون السفر في رمضان حتى لا يُفطِروا، لكن المرض لا تملِكه فهو يأتيك ويأتي الإنسان ولذلك قُدِم هذا العُذر لأنه أعظم وأكثر مشقة.
/ (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا) فلما جاء إلى السفر ما قال "مسافرا" أي ما قال سبحانه وتعالى (فمن كان منكم مريضا أو مسافرا) بل قال (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ) لأن كلمة "مُسافرا" لوحدها قد تدل على من سينوي السفر أو من أتى من سفر فإن الذي يأتي من سفر وعليه وعثاء السفر لو سألت عنه أو تحدثت معه أو سألت من حوله قال مسافر أي كان مسافرا، أي باعتبار ما كان، وحتى الإنسان إذا كان يريد أن يُسافر وأكدّ سفره فإنه يُعدّ في حكم المسافر لكن أحكام الصيام لا تنطبِق عليه ولذلك الله قال (أَوْ عَلَى سَفَرٍ) يعني متمكن من السفر، يعني بدأ بالسفر.
/ ثم قال سبحانه (أَوْ عَلَى سَفَرٍ) -أيضا- للدلالة على حالته في المسير وحالته لو أقام في حال سفره فإنه لا يُعدّ مُقيما بل يُعدّ على سفر لو ارتاح أو بقي فترة من الزمن ثم واصل مسيره أو سفره. هذا هو شيء من السِّر في الاختلاف بين هذين اللفظين في هذا المقام.
/ (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) هنا حذف أي فأفطر، إذا كان مريض أو مسافر فأفطر، "فأفطر" هذه ليست موجودة في النصّ لكنها معلومة، وكل ما يمكن أن يُعلَم ويُفهم فالأولى حذفه ولا يُذكر الشيء إلا لسبب معين يُذكر من أجله. ولهذا من أعظم مِيز القرآن الإيجاز والاختصار، ومن أعظم ما أُتيه النبي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلِم، عليه الصلاة والسلام قال (إني أُتيت جوامع الكلِم) أي المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة. فهذا نوع من أنواع الإيجاز والاختصار وهو: الحذف، أي فأفطر قال (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) أي أيام مفتوحة، هذا من التسهيل والتيسير. زيادة على هذه الأسباب التي جعلت الإنسان يُفطِر المجال أمامه طويل وواسع حتى يقضي هذه الأيام التي عليه (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).
/ (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ) -كما ذكرنا- قيل: (يُطِيقُونَهُ) أي يصومونه بمشقة شديدة وعُسر، وبعضهم قال: الذين لا يُطيقونه، وبعضهم قال: الذي (يُطِيقُونَهُ) يعني يستطيعون صومه بلا مشقة. كل ذلك قال به أهل التفسير .
(فِدْيَةٌ) ما هذه الفدية؟ ( طَعَامُ).
لماذا الطعام خصوصا؟ لماذ ذُكر الطعام على وجه الخصوص؟ وكثيرا ما يُذكر الطعام في الكفارات. أحيانا يُذكر معه الكِساء وأحيانا لا يُذكر معه.
لو تأملت علاقة الطعام بالصيام الشيء الذي يجعل الإنسان يُحِسُّ بالآخرين وجوعهم وعطشهم وما هم فيه عندما يصوم، فقد يكون الإنسان في رفاهية وخير إلى غير ذلك لكنه عندما يصوم ويشعر بشدة الجوع -خصوصا- إذا تعِب فإنه يعلم ما يُعانيه الناس الذين لا يجدون شيئا يأكلونه. ولعلكم ترون في الصور بعض أحوال المسلمين لم يبقَ منهم إلا الجلد والعظم، لا يجدون شيئا يأكلونه ولا نبعد فقد يكونوا حولنا من أقربائنا أو من الناس الذين يسعون في العفاف ولا يُظهِرون أنفسهم من لا يجد القدر الكافي للمعيشة الكريمة فلننتبه لهم.
والطعام من أعظم ما يُصرف فيه المال ولذلك الله سبحانه وتعالى ذكره في أكثر من موضع (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) [الإنسان:٨] حتى قال بعض أهل التفسير : إن كل ما ذُكر من الطعام يُراد به المال وإنما يُعبّر بالطعام عن المال لأن أعظم مصارف المال هي الطعام. لهذا يأتي الأكل معه كما في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى) [النساء:١٠] "يأكلون" المال لا يؤكل يعني ما هناك أحد يأكل ريالات أو دنانير أو ذهب لكن لأن الأكل هو أولى مصارف المال ولو كان الإنسان في جسده أو ملابسه فيها اتساخ وكان جائعا لقدم الطعام على كل شيء آخر فإذا شبِع التفت إلى الرغبات الأخرى لذلك كانت هذه الفدية مناسبة لحال من ترك الصيام.
(فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) وفي قراءة "مساكين" وعلى كلا القراءتين معنى:
- فأما على قراءة الإفراد فالمقصود مسكين لكل يوم
- وأما مساكين أي عن عدد الأيام التي يُفطِر فيها الإنسان.
(فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ) ما معنى (تَطَوَّعَ خَيْراً) ؟
ذكر ابن جرير الطبري -شيخ المفسرين- كلاما طويلا، هل هذا المقصود به فقط الصيام أو ما سبق من آيات؟
فرجح -رحمه الله تعالى- أنه شامل لكل أنواع الخير وضرب لذلك أمثلة فمن ذلك:
قال (فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ) أي من تطوّع مع الصيام -يعني حتى لو ما أفطر- ثم أطعم فهذا يدخل في هذه الآية.
يعني بعضهم الآن لا يُفكِّر في الإطعام -أصلا- إلا إذا وجب عليه بسبب تركه للصيام، لا يا أخي، الله عز وحل يقول (فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ) تطوّع..صُم وأطعِم أيضا واعمل خيرات أخرى وافعل ما تستطيع ، خذها هذه الليلة من هذه الآية افعل ما تستطيع في شهر الصيام ، ولا عجب أن يكون الناس في رمضان أنشط منهم في غير رمضان ولا يصلح أن نلوم الناس بعد رمضان أنتم ما تعرفون الله إلا في رمضان، هذا أمر طبيعي بل هذا الذي هيأه الله لنا، بل هذا الذي كان النبي يفعله عليه الصلاة والسلام (كان أجود الناس) لكن في رمضان كان وضعه مختلف صلى الله عليه وسلم، وكان يقرأ القرآن ويُعارضه فيه جبريل لكن في رمضان كان الوضع مختلف، فطبعي جدا أن يكون الناس في رمضانةأنشط منهم في غيره، هذا أمر الله عز وجل هيأه لنا وأعطانا إياه فلنحمد الله سبحانه وتعالى عليه .
يعني بعضهم الآن لا يُفكِّر في الإطعام -أصلا- إلا إذا وجب عليه بسبب تركه للصيام، لا يا أخي، الله عز وحل يقول (فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ) تطوّع..صُم وأطعِم أيضا واعمل خيرات أخرى وافعل ما تستطيع ، خذها هذه الليلة من هذه الآية افعل ما تستطيع في شهر الصيام ، ولا عجب أن يكون الناس في رمضان أنشط منهم في غير رمضان ولا يصلح أن نلوم الناس بعد رمضان أنتم ما تعرفون الله إلا في رمضان، هذا أمر طبيعي بل هذا الذي هيأه الله لنا، بل هذا الذي كان النبي يفعله عليه الصلاة والسلام (كان أجود الناس) لكن في رمضان كان وضعه مختلف صلى الله عليه وسلم، وكان يقرأ القرآن ويُعارضه فيه جبريل لكن في رمضان كان الوضع مختلف، فطبعي جدا أن يكون الناس في رمضانةأنشط منهم في غيره، هذا أمر الله عز وجل هيأه لنا وأعطانا إياه فلنحمد الله سبحانه وتعالى عليه .
وأما لماذا ذُكر الشهر مع رمضان مع أن رمضان معروف
لماذا ذُكرت معه كلمة "شهر"؟ ولماذا أُضيفت إليه مع أنه علم؟
هذا ما سنذكره في الجلسة القادمة إن شاء الله. هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
----------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق