د. أحمد بن محمد البريدي
المجلس الأول
(حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8)).
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
حياكم الله جميعاً في مجلس من مجالس التفسير ويتجدد اللقاء بكم اليوم بمشيئة الله تبارك وتعالى حيث سنفسر ثلاث سور من كتاب الله تبارك وتعالى وهي سورة الدخان وسورة الجاثية وسورة الأحقاف وسنقوم بتفسيرها في ستة مجالس إن شاء الله وكان الأصل أن يكون المجلس السابع والثامن سورة محمد كما هو معلن إلا أنه سبق تفسيرها في الأسبوع الماضي ولله الحمد والمنة. نبدأ الآن في تفسير سورة الدخان.
سورة الدخان سورة مكية، ومحورها يدور حول إيقاظ القلب لاستقبال حقيقة الإيمان حية نابضة وتثبيت هذه الحقيقة في القلوب.
أما المواضيع التي دارت عليها هذه السورة:
فقد بدأت بالحديث عن القرآن وإنزاله في الليلة المباركة
ثم تحدثت عن اللاعبين الشاكّين وأنذرتهم وحذرتهم
ثم تحدثت السورة عن مصرع فرعون وقومه في هوان بعد الاستعلاء والاستكبار
ثم تحدثت عن البعث والمكذبين به
ثم تحدثت عن يوم القيامة وأحوال الناس في ذلك اليوم حيث صورت مشهد المعذبين كما صورت مشهد المتنعمين
ثم ختمت السورة بالحديث عن القرآن كما بدأت الحديث عن القرآن.
سورة الدخان مكية قال ابن عطية: لا أعلم فيه خلاف.
وقال بعض أهل العلم: كلها مكية إلا قوله تعالى (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا) وسيأتي بمشيئة الله تبارك وتعالى سبب هذا الاستثناء أثناء التفسير.
افتتحت السورة بالأحرف المقطعة بقول الله تبارك وتعالى (حم) وهي ضمن منظومة تسمى "سور الحواميم" إشارة إلى افتتاح هذه السورة بقوله تعالى (حم) وقد قررنا سابقاً أن الأحرف المقطعة ليس لها معنى على الصحيح لكن لها مغزى وهو أن الله تحدى فصحاء العرب أن يأتوا بمثل هذا القرآن وهو المكون من مثل هذه الأحرف (الم)، (حم)، (ص)، (طسم) إلى آخره ولذلك لا يوجد سورة بُدئت بالأحرف المقطعة إلا وذكر بعدها القرآن إلا في أربع سور ذكر الحديث عن القرآن في أثنائها.
وقد افتتحت السور المقطعة بحرف واحد، وبحرفين، وبثلاثة وبأربعة وبخمسة، وهو أكثر ما افتتحت به سورة في الأحرف المقطعة.
افتتحت بحرف واحد مثل (ن)، (ق)، (ص)
وافتتحت بحرفين مثل (يس)، (حم)، (طه)
وافتتحت بثلاثة أحرف (الم)، (طسم) (الر)
وافتتحت بأربعة أحرف (المر)، (المص)
وافتتحت في خمسة أحرف وكانت على وجهين:
جمعت في كلمة واحدة كسورة مريم (كهيعص)
وفصلت هذه الأحرف بكلمتين كسورة الشورى (حم (1) عسق).
قال الله سبحانه وتعالى (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2))
هنا ذكر بعدها القرآن، سورة الدخان من السور التي ذكر بعدها مباشرة الحديث عن القرآن. (الْمُبِينِ) أي الواضح البين (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) الضمير يعود إلى الكتاب أي أنزلنا هذا الكتاب (فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) هنا لم تسمَّ هذه الليلة وإنما وصفت بأنها مباركة فما هي هذه الليلة؟ يفسرها قول الله سبحانه وتعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر:١]
أخبر الله عز وجل في هذه السورة أنه أنزله في ليلة وعندنا دليل آخر أنه نزل في شهر كامل وهو قول الله سبحانه وتعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة:١٨٥] وعندنا المعلوم المقطوع به وهو أن القرآن نزل في ثلاث وعشرين سنة ويدل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ) [الإسراء:١٠٦] فما الجمع بين هذه الأدلة؟ الدليل الذي يثبت أن القرآن نزل في ليلة، والدليل المُثبت أن القرآن نزل في شهر، والدليل المُثبت أن القرآن نزل مفرقاً ويشهد له الواقع حيث كان القرآن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم من بعثته إلى وفاته صلى الله عليه وسلم.
للعلماء في الجمع بين هذه الأدلة مسلكان:
المسلك الأول: التقدير وهو (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) أي ابتدأنا إنزاله ثم نزل مفرقاً ومنجماً هذا القول الأول.
المسلك الثاني: وهو رأي ابن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنه وعليه جمهور أهل العلم وهو أن القرآن قد خص بخاصة اختلف فيها عن بقية الكتب حيث نزل مرتين، المرة الأولى من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وعليه يحمل قول الله سبحانه وتعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ)، (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر:١] ، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة:١٨٥] حيث أن ليلة القدر من ليالي رمضان فيصح إطلاق نقول نزل في شهر رمضان وقد نزل في ليلة كما يقال ولد فلان في سنة كذا وإلا لا؟ هل هو ولد في السنة أو في يوم واحد من السنة؟ في يوم واحد.
ويشهد لهذا ما أخبر به ابن عباس في المرفوع حُكماً حيث أثبت ابن عباس رضي الله عنه حينما سئل عن هذه الآيات المختلفة فقال: أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة، النزول الثاني هو الوحي وهو من الله تبارك وتعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه تحمل أدلة التنزيل المفرّق.
وبهذا نجمع بين هذه الأدلة وحديث ابن عباس مرفوع حكمه وصححه جمع من أهل العلم وقلنا أنه مرفوع الحكم لأنه لا مجال للرأي فيه.
قال الله سبحانه وتعالى (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) هذا قسم، أقسم الله سبحانه وتعالى بكتابه، أين جواب القسم؟ (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) وقيل إن جواب القسم (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ)، و(المبين) يحتمل أنه فعل متعدي أي يُبين الهدى والشرع، ويحتمل أن يكون غير متعدي أي هو مبين في نفسه. الليلة المباركة قلنا أنها ليلة القدر كما هو مفسر في سورة القدر، وقال بعض أهل العلم: إنها ليلة النصف من شعبان وهو قول ضعيف قال ابن كثير عنه: "أبعد النجعة من قال أنها ليلة النصف من شعبان".
وقال ابن العربي: هذا القول باطل.
(إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) أي مُعلِّمين الناس ما ينفعهم ويضرهم شرعاً لتقوم حجة الله على عباده. (فِيهَا) الضمير يعود إلى ليلة القدر، (يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) أي يُفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر سنة كاملة وما يكون فيها من آجال وأرزاق قال ذلك غير واحد من السلف. (حَكِيمٍ) أي محكم لا يبدل ولا يغير ولهذا قال سبحانه (أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا) أي جميع ما يكون ويقدره الله سبحانه وتعالى فبأمر من عنده سبحانه.
(إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) أي إلى الناس رسولاً يتلو عليهم آيات مبينات، (مرسلين) فإن الحاجة كانت ماسة لبعث الرسل حينما تغيرت فطر الناس.
ثم قال الله سبحانه وتعالى (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أي أننا أرسلنا هؤلاء الرسل رحمة من الله سبحانه وتعالى بالناس يشهد لهذا قول الله سبحانه وتعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:١٠٧] فإن الله سبحانه وتعالى أيها الإخوة رحم هؤلاء الناس حينما أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم وأرسل إليهم الرسل فأخرجوهم من براثن الشرك إلى التوحيد، ويحتمل أن المرسل هنا الرحمة (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) رحمة يحتمل وإلا ما يحتمل؟ يحتمل والرسل. وكُني عن الرسل بالرحمة والمعنى واحد هل يختلف المعنى يا إخواني؟ (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) رسل رحمة أو (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) رحمة، وهذه الرحمة هم الرسل فالمعنى لا يختلف.
(إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) صفتان من صفات الله سبحانه وتعالى كثيراً ما يقرن الله بينهما وهما اسمان من أسماء الله وهما السميع والعليم ويؤخذ منهما صفة السمع والعلم.
(رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) أي الآمر والمُرسل هو رب السماوات والأرض وما بينهما سبحانه وتعالى، (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) أي إن كنتم متحققين فالذي أرسل الرسول الله سبحانه وتعالى، والرسول بلغ ودعا إلى إفراد الله سبحانه وتعالى للعبادة. ودائماً يا إخواني تأملوا أن السور المكية إنما تدور حول إفراد الله عز وجل بالعبادة وترك الشرك.
(لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ)
أي ربكم يا من نزل عليكم القرآن ورب آبائكم الأولين. هذه الآية كقوله سبحانه وتعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ) [الأعراف:١٥٨].
ثم قال سبحانه وتعالى (بَلْ هُمْ) من هم؟ الذين خاطبهم القرآن (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ) (بَلْ هُمْ)إضراب قبله نفي مقدر كأنه يقول ليس هؤلاء ممن يؤمن ولا ممن تنفعه وصاة (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) بأقوالهم وأفعالهم.
ثم قال الله سبحانه وتعالى متوعداً لهؤلاء (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) قد سميت السورة بسورة الدخان أخذاً من هذه الآية (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ)السلف رحمة الله عليهم اختلفوا في تفسير الدخان هنا ما المراد به؟
فقال ابن مسعود رضي الله عنه: أن الدخان هو ما أصاب قريش حينما دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلها عليهم سنين كسني يوسف فأخذهم الجوع أخذاً عظيماً حتى كان يخيل إليهم أنهم يرون دخاناً من الجوع.
وعلى هذا القول يكون الدخان قد مضى وحصل. وقد وافق ابن مسعود على هذا التفسير جمع من السلف كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم النخعي والضحاك وعطية العوفي وإليه مال ابن عطية رحمه الله حيث قال: وما يأتي من الآيات يقوي هذا التأويل كما هو رأي الشوكاني وهو اختيار إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمة الله عليه. قال ابن مسعود: "قد مضى خمسة الدخان والروم والقمر والبطشة واللزام". وهذا الحديث مُخرج في الصحيحين. هذا قول.
القول الثاني: أن الدخان لم يمضِ بعد، بل هو من أمارات الساعة وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، والدابة، وخروج يأجوج ومأجوج» إلخ الحديث. وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن صياد: «إني خبأت لك خبأً. قال: هو الدُخ. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اخسأ فلن تعدو قدرك. وقد خبأ له رسول الله صلى الله عليه وسلم (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ)» ابن صياد كان من الكهنة الذين كانوا يقرطمون في الكلام فقوله الدخ يقصد الدخان.
وهذا هو رأي ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، وقد وافقه جمع من الصحابة والتابعين وهو رأي ابن كثير رحمه الله وأن الدُخان لم يمضِ بعد، حيث قال ابن كثير: وما أوردناه من الأدلة -يقصد ما ذكرت لكم قبل قليل- فيه مُقنع، مما فيه مُقنع ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة مع أنه ظاهر القرآن. ما رأيكم يا إخواني أيهما أرجح؟ الثاني؟
ما هي إكمالة الآية؟ (يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) كيف نستدل على أن القول الأقرب أنه الثاني بهذه الآية؟ سياق الآيات يشعر بأن قوله تعالى (يَغْشَى النَّاسَ) وهذا غشيان حقيقي وإلا خيالي؟ حقيقي.
على القول الأول هل الدخان حقيقي وإلا خيالي؟ من شدة الجوع يخيل إليهم أنه دخان، ولذلك الأقرب -والله تبارك وتعالى أعلم- على أن الدخان من الآيات المنتظرة بدليل سياق الآيات التي تليها فإن الله سبحانه وتعالى قال (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) أي بيّن واضح يراه كل أحد وعلى ما فسره ابن مسعود إنما هو خيال وإلا لا؟ رأوه في أعينهم من شدة الجوع وهكذا قوله سبحانه وتعالى (يَغْشَى النَّاسَ) أي يغشاهم ويعمهم ثم قال (هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخا.
ابن عطية رحمه الله هو من أصحاب القول الأول، لما رأى أدلة القول الثاني قال: "ويحتمل أنه مرّ دخان ويأتي دخان آخر" هذا دائماً يلجأ إليه بعض أهل العلم لما يرى أن الأدلة متكافئة، وهنا عندنا -يا إخواني- الأدلة متكافئة فكلها في الصحيح والذي قال بها هم أعلام الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم.
قال الله سبحانه وتعالى (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) من القائل؟ الناس الذين غشاهم الدخان يقولون (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) أي يقول الكافرون إذا عاينوا عذاب الله وعقابه سائلين رفعه وكشفه عنهم كقوله تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا) [الأنعام:٢٧].
(إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا) لما دعوا في قوله (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) أجابهم الله بماذا؟ (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ) أي لو كشفنا العذاب لعدتم ويشهد لهذا جملة من الأدلة أي ولو كشفنا عنكم العذاب في الدنيا ورجعناكم إلى حالكم الأولى لعدتم كما قال سبحانه (وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [المؤمنون:٧٥]. (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ) يحتمل معنيين:
الأول: كشف العذاب بعد حصوله كما قال سبحانه (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ) [الأنعام:٢٨] أي أن العذاب حل بهم ثم أخبر أنه لو كشف عنهم هذا العذاب لعادوا إلى ما كانوا يعملون.
الاحتمال الثاني: هو تأخير العذاب قبل حصوله قال (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ) ما معناه؟ أي نؤخر العذاب قبل حصوله لعلكم تتوبون، يعني أن العذاب قد انعقدت أماراته ثم أخر عنهم إمهالاً لهم وهذه حصلت لمن يا إخواني؟ وقد تكلمنا عنها لما فسرنا سورة يونس فإن قوم يونس ما حلّ بهم العذاب وإنما انعقدت أماراته كما قال الله سبحانه وتعالى (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) أي أخرنا عنهم العذاب بعد انعقاد أسبابه. هذا الكشف يا إخواني على القول الأول ما هو؟ على القول الأول الذي قلنا أن الكشف هو ما أصاب المشركين ما هو هذا الكشف؟
الكشف هو: استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم حينما رفع عنهم الجوع فإنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لهم فكشف عنهم العذاب قريش ثم عادوا. هذا على تفسير أن الدخان هو ما أصاب مشركي قريش من الجوع.
طيب ما هو الكشف على القول الثاني والذي رجحناه؟ قلنا إن الدخان من أمارات الساعة قال العلماء: إن الكشف هو ما يكون بين الآية والآية الأخرى من الزمن فإنه يأتي الدخان نذير ثم تأتي علامة من علامات الساعة الأخرى هذا يسمى كشفاً. (إِنَّكُمْ عَائِدُونَ) أي إلى التكذيب والكفر.
قال الله سبحانه وتعالى (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى) ما هي البطشة الكبرى؟ القيامة، بدر. اختلف السلف رحمهم الله على قولين:
القول الأول: أن البطشة الكبرى أنها وقعة بدر حينما بطش الله عز وجل بالمشركين في وقعة بدر حيث قتل منهم من صناديدهم سبعين وأسر سبعين وهكذا فسره ابن مسعود. وقال بعض أهل العلم: أن البطشة الكبرى يوم القيامة.
أيهما أرجح يا إخواني؟
نعم يوم القيامة لماذا؟ أقول لكم يا إخواني دائماً هناك -في التفسير- تلازم بين الترجيح لا بد للمفسر أن ينتبه لها، (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى) الترجيح في هذه الآية مرتبط بتفسير الدخان، فالذي يرى أن الدخان هو ما أصاب المشركين من الجوع فالبطشة الكبرى هي وقعة بدر، ومن رأى أن الدخان من علامات الساعة هل يمكن أن يجعل البطشة الكبرى هي بدر؟ لأن البطشة الكبرى متأخرة بعد الدخان وإلا لا؟ لأنه يقول (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) إلى أن كشف الله عز وجل عنهم العذاب وأخبر أنهم عائدون ثم قال (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى) فلا بد إذا فسرت الدخان بأنه من أمارات الساعة لا بد أن تفسر البطشة الكبرى بأنها يوم القيامة قولاً واحداً، وإذا فسرت الدخان بأنه ما أصاب المشركين ما أصابهم من الجوع فإن البطشة الكبرى هي يحتمل أنها بدر، يعني يصح أن تقول البطشة الكبرى هي بدر ويصح أن تقول أنها يوم القيامة، لكن على القول الثاني والذي رجحناه هل يصح أن نفسر البطشة الكبرى بوقعة بدر؟ أبداً. وهذا يا إخواني لا بد أن تنتبهوا له في التفسير لأن هناك بعض الأقوال متلازمة لا يمكن أن ترجح في مكان وتخالفه في مكان آخر فالسياق واحد.
ولذلك ابن مسعود رضي الله عنه -تأكيداً لكلامي- فسر البطشة الكبرى ببدر وهو من أصحاب القول الأول ثم قال: "وأنا أقول هي يوم القيامة". أظنها واضحة يا إخواني وإلا لا؟ الحمد لله.
الصحيح أن سورة الدخان كلها مكية هذا الصحيح.
بهذا نكون قد انتهينا من المجلس الأول من مجالس تفسير هذه السورة، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المجلس الثاني
(وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ
(24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ
(27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)).
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
يقول الله سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) الضمير في (قَبْلَهُمْ) يعود إلى قريش، إلى الكفار الذين خاطبهم الله سبحانه وتعالى في أول هذه السورة لما كانوا في شك يلعبون وأنذرهم الله سبحانه وتعالى وأنذرهم شيئاً مستقبلا.
الآيات السابقة أنذرت المشركين الدخان وهو أمر مستقبل، أراد في هذه الآيات أن ينذرهم بشيء حل بأقوام قبلهم أُرْسِل إليهم رسول كما أرسل إليكم وكذبوه وحل بهم العذاب، فالله سبحانه وتعالى أنذرهم من جهتين:
بعذاب يستقبلهم إن هم كذبوا
وبما حل بأقوام قبلهم كذبوا رسولهم
فقال سبحانه (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ)، (فَتَنَّا) أي اختبرنا (قَوْمَ فِرْعَوْنَ) هم قبط مصر (وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) ما هي الفتنة هنا؟
اختلف العلماء رحمة الله عليهم بالمراد بالفتنة هنا.
فقال بعض المفسرين: أن الفتنة هنا هو الغرق (فَتَنَّا قَبْلَهُمْ) أي أغرقنا قبلهم، بيان لعذاب قوم فرعون. وعلى هذا القول ففي الكلام تقديم وتأخير والتقدير ولقد جاء آل فرعون رسول كريم وفتناهم أي أغرقناهم لأن الفتنة أو العذاب إنما تكون بعد مجيء الرسل لا قبله. واضح يا إخواني.
القول الثاني: أن المراد اختبرناهم بأن أمرناهم بالتوحيد وبالعبادة والمعنى عاملناهم معاملة المختبر ببعثة موسى إليهم فكذبوا فأُهلكوا وعلى هذا فلا تقديم ولا تأخير.
والأصل يا إخواني دائماً القاعدة أن لا يكون في الكلام تقديم ولا تأخير وأن يكون الكلام متسق هذا الأصل.
(كَرِيمٌ) أي حسن الخلق. وقيل: كريم على ربه. وقيل: شريف, وكلها صحيحة.
(أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ) أدُّوا مأخوذ من الأداء كأنه قال: أي ادفعوا إليّ وأعطوني ومكنوني. واختُلف في هذا المُؤدى فقال بعض المفسرين:
هم بنو إسرائيل (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ) أي بني إسرائيل. وإياهم أراد بقوله (عِبَادَ اللَّهِ) وهذا رأي ابن عطية.
القول الثاني: أن المُؤدى هو الطاعة والإيمان والأعمال، والمعنى اتبعوني إلى ما أدعوكم إليه من الحق يا عباد الله.
وقول الله سبحانه وتعالى (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) كقوله تعالى (فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) [طه:٤٧] وأمين: أي مأمون على ما أبلغكم به من عند الله سبحانه وتعالى.
ثم قال (وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ) أي لا تستكبروا على اتباع آياته والانقياد لحججه وبراهينه، (إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) أي بحجج بينة واضحة لا لبس فيها، والسلطان هو الحجة (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) استعاذ بالله عز وجل (أَنْ تَرْجُمُونِ)
من المستعيذ؟ موسى.
والمستعاذ منه؟ فرعون
والمستعاذ به؟ الله سبحانه وتعالى.
واستعاذ من ماذا؟ من الرجم. فما معنى الرجم؟
قال بعض أهل العلم: (تَرْجُمُونِ) أي ترجموني بالحجارة.
وقال بعض أهل التفسير: أي بالشتم.
فعلى التفسير الأول الرجم حسي والثاني معنوي. أيهما أرجح؟
كِلا القولين يعني أن موسى عليه السلام استعاذ أن يرجموه من الحجارة وأن يرجموه من السب والشتم لماذا؟ لكنه استعاذ من الله وهذا مَلْحَظ لَحَظَه ابن عطية رحمه الله حيث رجح أن الاستعاذة هنا من الرجم بالحجارة لأن السب والشتم كما قال الأخ العزيز أنه حصل حينما سبوه قال (إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)) [الشعراء] فسبهم وشتم موسى عليه السلام وأتباعه وبالتالي هل حصلت الاستعاذة؟ ما حصلت.
ولذلك قال ابن عطية: والراجح أنه الرجم بالحجارة لأن موسى أُعيذ منه ولم يعوذ من السب والشتم.
ثم قال سبحانه وتعالى (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) أي لا تتعرضون، إن لم تريدون أنتم الإيمان فلا تتعرضون لي ودعوا الأمر بيني وبينكم مسالمة إلى أن يقضي الله بيننا (فَاعْتَزِلُونِ) أي اعتزلوا إصابتي بأذى وهو تأكيد لقوله تعالى (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) لكن حينما كفر فرعون وتمادى في كفره دعا عليه موسى لأنه في هذه الآية يثبت أنه قال (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) يعني دعونِ وأدعكم، لكن لما لم يؤمنوا أثبتت آية أخرى أن موسى دعا عليهم فقال (رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) [يونس:٨٨] لكن لماذا دعا عليهم موسى عليه السلام أيها الإخوة مع أنه كان يطالب بالمسالمة والاعتزال؟ لأنهم لم يمتثلوا. هل فرعون امتثل دعوة موسى؟ لا وبالتالي موسى عليه السلام دعا عليهم ولذا قال هنا (فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) أي أنهم لم يعتزلوه وآذوه وكذبوا به وبالتالي دعا ربه (أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) فبعد دعوة موسى قال الله سبحانه وتعالى (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا) السريان بالليل إما لأجل الخوف كحال موسى، وإما الخوف على الدواب والأبدان من الحر، فإنه في السابق كانوا يمشون ليلاً من أجل الدواب والأجسام فيتخذون سريان الليل مصلحة في ذلك ولذلك أمر الله سبحانه وتعالى نبيه أن يسري ليلاً يخرج ليلاً حتى لا يتبعه فرعون (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) أي أن فرعون من استكباره وعتوه لن يدعوكم لن يقول والله هؤلاء إنما تركوني وتركوا لي مملكتي وذهبوا إلى مكان آخر سأدعهم سيتبعكم ويؤذيكم ويحاربكم وهذا من العلو والاستكبار في الأرض (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24)) هنا يا إخواني في الكلام تقدير وإلا لا؟ يثبته قصة موسى عليه السلام في سور أخرى أن موسى آتى وضرب البحر ثم سلك في البحر ثم خرج فأتت آية (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) وهذا بعد عبور موسى فهنا الآية أو القصة مختصرة لأن السورة قصيرة فكان القصد منها الإشارة لقريش (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) وذلك أن موسى عليه السلام لما جاوز هو وبنو إسرائيل البحر أراد أن يضربه بعصاه ليعود كما كان حتى لا يتبعه فرعون فيكون البحر حاجزاً بين موسى عليه السلام وبين فرعون، في المقاييس البشرية هذا غاية ما يتمنى موسى أن يكون البحر حاجزاً بينه وبين فرعون لكن الله أمره أن يترك البحر. ودائماً يا إخواني نحن نريد والله يفعل ما يريد (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:٢١٦] .
كثير -يا إخواني- من الأمور نظن أنها في مقاييسنا أنها في ظاهرها ليست بخير لكن الله سبحانه وتعالى .....، موسى عبد لله عز وجل لما قال (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) ومعنى رهواً أي كحاله ساكناً دعه. في المقاييس البشرية موسى عرف أن هناك جولات وجولات مع فرعون وأن هناك قتال وغير ذلك يعني أن الجولة لم تنتهي فهي في مقياس موسى عليه السلام أنه لم يأتي النصر لكن الله أراد شيئاً آخر (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) أي اتركه ساكناً على حاله هذا تفسير الرهو.
وقال بعضهم (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) كهيئته.
وقال مجاهد (رَهْوًا) أي طريقاً يابساً كما قال الله تعالى (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا) [طه:٧٧] وكلها تعود إلى معنى واحد، أي لا تضرب بعصاك البحر دع فرعون يسلك ما سلكت يا موسى (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) لكن البشارة أتت (إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) الله أكبر. يعني أردنا يا موسى بنصرك لا أن نجعل البحر حاجزاً بينك وبين فرعون بل أردنا محو فرعون وقومه من الوجود، اقتلاعهم ولذلك عذاب الله سبحانه وتعالى إذا حل (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:١٠٢] لو ضرب موسى البحر فإن فرعون باقي وإلا لا؟ وسيبقى مُقلقاً لموسى فإنه ربما يأتي بالسفن ويعبر إليه بعد يومين ثلاثة خمسة ويلاحق موسى لكن الله سبحانه وتعالى أمهل فرعون وكان يسوم قوم موسى سوء العذاب أمهله، أمهله، فأمهله، فلما أَخَذَهْ أَخَذَهُ أخذ عزيز مقتدر، أخذه وأنهاه من الوجود تماماً فمحا أثره ومآثر قومه وقوته وجنوده فكان نصراً مؤزراً.
أنا أتذكر يا إخواني هذا المشهد ونحن نرى ما يعنيه إخواننا في سوريا من هذا القتل البشع، قتل متعمد، قتل للأطفال، للنساء، للرجال، محاصرة، منع الطعام، قتل القتيل، جرح الجريح، قتل مطببوه ومسعفوه، حصار، يعني قمة في العلو والاستكبار أقول إمهال الله لهم لحكمة لا نعلمها لا نكره شيئاً يا إخواني، لا نكره ما يحصل نعم نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرفع عنهم ما بهم عاجلاً غير آجل، لكن يا إخواني الله سبحانه وتعالى هو الذي يدبر الأمور (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:١٠٢].
ثم قال الله سبحانه وتعالى واصفاً حالهم (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) الجنات: ما كان على ضفاف النيل على طول مصر.
والعيون قال بعض المفسرين: أنها الخلجان الخارجة من النيل شبهها بالعيون ويسميها إخواننا المصريين اليوم الترع يسميها الترعة فكأنه عبر بهذه الخلجان الخارجة والتي يستفيد منها أهل مصر فائدة عظيمة شبهها بالعيون.
وقال بعض المفسرين: بل كانت هناك عيون حقيقة ونضبت.
(كَمْ تَرَكُوا) الضمير يعود إلى فرعون وقومه (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)) والنَعمة -بالفتح-: غضارة العيش ولذاذة الحياة وهو التنعم، وأما النِعمة -بالكسر- فهو أعم من النَعمة، لأن النَعمة -بالفتح- من جملة النِعم -بالكسر-، ولذلك قد تكون بعض المصائب والآلام نِعمة لكن لا تسمى نَعمة. قال الله سبحانه وتعالى (وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ) فاكهين وفكهين من التَّفَكُّه. يلبسون ما أحبوا من الأموال ويحكمون البلاد، فسلِبوا ذلك كله في لحظة واحدة، في صبيحة واحدة، فارقوا الدنيا وصاروا إلى جهنم وبئس المصير، واستولى على بلادهم من؟ ذلكم المستضعفون (كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ) هنا غير مفسر من هم القوم كما قال الله سبحانه وتعالى (كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) [الشعراء:٥٩] وهذا يسمى تفسير القرآن بالقرآن. وقال الله في آية أخرى (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) [الأعراف:١٣٧].
ثم قال الله سبحانه وتعالى (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ) الضمير يعود إلى فرعون وقومه (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ) قال بعض أهل العلم: إن هناك إضمار والتقدير فما بكى عليهم أهل السماء والأرض كقوله تعالى (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف:٨٢] أي واسأل أهل القرية، أي لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء على فقدهم، ولا لهم في الأرض بقاع عبدوا الله فيها فهم ليسوا ممن يبكى عليهم.
وقال بعض أهل العلم: ليس هناك تقدير وأن المراد هنا بكاء السماء والارض بكاءً حقيقاً وأن السماء والأرض تبكي وفي بكائها ثلاث أوجه عند أهل العلم:
قال بعضهم: أنه المعروف من بكاء الحيوان.
والثاني: أنها حمرة في أطرافها.
والثالث: أنها أمارة تظهر فيها تدل على أسف وحزن.
قال القرطبي رحمه الله: "والقول الأول أظهر أنه بكاء خاص لها".
لعل أحد يقول: كيف تبكي السماء والأرض؟
نقول: فكما تسبح فإنها تبكي أليست (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء:٤٤] فالبكاء هنا يا إخواني (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ) أي ليس المراد أهل السماء والأرض وإنما بكاء السماء والأرض حقيقة يشهد لهذا -يا إخواني- ما رواه أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مسلم إلا وله بابان: باب يصعد فيه عمله، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات بكيا عليه» ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ).
ثم قال الله سبحانه وتعالى (وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) أي ممهلين
(وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ) أي أنقذهم الله عز وجل من ذلك العذاب الذي كان يهينهم من؟ فرعون، من قتل الرجال واستحيا النساء وغير ذلك.
(مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ) (إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا) أي مستكبراً جباراً عنيداً كقوله سبحانه وتعالى (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ) [القصص:٤]، وقوله (مِنَ الْمُسْرِفِينَ) أي مسرف في أمره، سخيف الرأي على نفسه.
ثم قال الله سبحانه وتعالى (وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) أي على عالمي زمانهم وإلا هذه الأمة أفضل الأمم (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران:١١٠] مثل ذلك قوله سبحانه (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ) [الأعراف:١٤٤] أي في ذلك الزمان، وقال عن مريم (وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران:٤٢] أي في زمانها.
(وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ) أي الحجج والبراهين وخوارق العادات وهو لفظ شامل جامع لجميع معجزات موسى عليه السلام التي ظهرت في قوم فرعون (وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ) أي ما فيه اختبار ظاهر جلياً لمن اهتدى، إذاً الله سبحانه وتعالى أغرق فرعون وأورث بني إسرائيل مُلك فرعون، أغرقه وجنده وأتباعه وبقي المُلك لموسى عليه السلام ولأتباعه ولذلك سمّاها وراثة وأورثناها بني إسرائيل من حيث كانت أشياء وصلت إلى آخرين بعد موت الأولين يعني الميراث ماذا يسمى؟ سمي ميراث لأنه يأتيك بعد موت آخرين. فسمى الله عز وجل هذه وراثة لأنها أتت بعد هلاك فرعون، أما الميراث في الشرع فقد ربطها الشرع بالنسب والقرابة.
ثم قال الله سبحانه وتعالى (إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ) عاد الضمير إلى من؟ إلى قوم قريش يقول مع هذا (إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36)) هل هذه حجة يا إخواني؟ هذه حجة باطلة، شبهة فاسدة، فإن المعاد متى وقته؟ هل أخبر الله عز وجل أن المعاد في حياتهم وفي دنياهم حتى يقولون أتوا بآبائنا إنما أخبر الله أن المعاد إنما يكون يوم القيامة وبذلك فدعوى طلبهم بالإتيان بآبائهم في دار الدنيا تمحل وصد عن الحق فقال الله سبحانه وتعالى منكراً لهم ومتوعداً (أَهُمْ خَيْرٌ) أي هؤلاء قومك يا محمد الذين يكذبون خير (أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) تُبَّع هذا يطلق على كل من مَلَكَ حمير، كل من ملك حمير يطلق عليه تُبَّع، كما أن من ملك مصر يسمى فرعون، وكذلك من ملك الفرس يسمى كسرى، والروم قيصر، فليس حمير هذا رجلاً واحداً، لكن هنا في هذه الآية أراد الله عز وجل شخصاً آخر هو تُبَّع الأوسط كما قال بعض المفسرين ذكروا أنه مُلِّكَ على قومه ثلاثمائة وستة وعشرين سنة، هذا الملك وإلا لا؟ ما هو عشر سنين وإلا خمسة عشر سنة، الذي يقتل شعبه من أجل أن يبقى خمس سنوات وإلا عشر سنوات، يقولون ولم يكن في حمير أطول مدة منه وتوفي قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بنحو سبعمائة عام. قال أبو عبيد: سُمِّي تُبَّعاً لأنه يتبع صاحبه أي كلما هلك منهم ملك تبعه ملك آخر. وقيل: سُمِّي تُبَّع لكثرة أتباعه.
قال كعب الأحبار: الله في هذه الآية ذم قوم تُبَّع ولم يذم تُبَّع لأنه كان رجلاً صالحاً.
(أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي من قبل قوم تُبَّع (أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) أي لا يظنون ذلك ولا يعتقدون ذلك. ولما أخبر عن قصة فرعون ربما يقولون فرعون هذا بعيد وإلا لا؟ أعطاهم شيئاً قريباً زمناً ومكاناً فاليمن قريب من قريش وإلا لا؟ اليمن أو حمير قريبة وكانت من رحلة الشتاء والصيف ويعرفونها.
ثم قال الله سبحانه وتعالى (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ)
قال ابن عطية: فيه إخبار، فيه تنبيه وتحذير أيها المكذبون أفيقوا من غفلتكم فإننا ما خلقنا هذه السماوات العظام ولا هذه الأرض لعباً وهزوا يشهد لذلك قوله سبحانه وتعالى (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) [ص:٢٧]، (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون:١١٦].
قال سبحانه (مَا خَلَقْنَاهُمَا) الضمير يعود إلى السماوات والأرض (إِلَّا بِالْحَقِّ) أي بالواجب المفضي إلى الخيرات، قال ابن القيم: "الحق هو الحِكَمْ والغايات المحمودة وهو أنواع كثيرة منها أن يُعرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله وآياته وأن يقود ذلك إلى أن يعبد ويشكر ويذكر ويطاع سبحانه وتعالى، ومنها أنه يأمر وينهى ويُشرع الشرائع، ومنها شهادة مخلوقاته كلها بأنه سبحانه وتعالى رب هذه الأشياء وهو الخالق لها وهو الملك سبحانه وتعالى وهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له".
وقال في موضع آخر (مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) فُسر الحق بالثواب والعقاب، وفُسر أي ما خلقناهما إلا من أجل أن نثيب المطيعين ونعاقب العاصين، وفُسر بالأمر والنهي أي نأمر وننهى لنرى من يعبد الله على حق. قال وهذا تفسير لبعض معناه (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ).
ثم قال سبحانه وتعالى (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) يوم الفصل هو يوم القيامة يفصل الله عز وجل فيه بين الخلائق ولذا سُمِّي يوم الفصل، فيعذب الكافرين ويثيب المؤمنين (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) أي يجمع الله عز وجل الأولين والآخرين على صعيد واحد (يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا) أي لا ينفع قريب قريبا كقوله سبحانه وتعالى (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ) [المؤمنون:١٠١] وكقوله سبحانه وتعالى (وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا) [المعارج:١٠] والمولى في هذه الآية يعم جميع الموالي من القرابات وموالي العتق وموالي الصدقة. (وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) أي لا ينصر القريب قريبه ولا يأتيه نصر من خارج.
(إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ) أي أن النافع في ذلك اليوم هو رحمة الله فحسب، إنه سبحانه أكد ذلك بقوله (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
ثم قال سبحانه (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ) يقول تعالى مخبراً عما يعذب به الكافرين الجاحدين (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)) وشجرة -يا إخواني- لو ترجعون إلى المصحف لوجدتم أن شجرة كتبت بالتاء المفتوحة، يقول ابن الأنباري: كل ما في كتاب الله من ذكر الشجرة فالوقف عليها بالهاء إلا حرفاً واحداً في سورة الدخان. الآن كل المصحف كتبت شجرة بالتاء المربوطة إلا سورة الدخان فقد كتبت وهذا علم يسمى عند العلماء "رسم المصحف" إذا وقفت مثل (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ)[الإسراء:٦٠] إذا وقفت على الشجرة تنطقها والشجره، (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ) إذا وقفت على شجرت ماذا تقول؟ إن شجرت لأنها كتبت بالتاء المفتوحة.
(طَعَامُ الْأَثِيمِ) أي أثيم في قوله وفعله وهو الكافر وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أنه أبو جهل والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، (كَالْمُهْلِ) المُهل ما ذاب من ذهب أو فضة أو حديد أو رصاص ونحوه والمعنى أن هذه الشجرة إذا طعمها الكافر في جهنم صارت في جوفه تفعل كما يفعل المُهل الساخن من الإحراق والفساد -نعوذ بالله-.
الله عز وجل -يا إخواني- قد جمع لأهل النار عذاب الخارج والداخل، لم يكتفِ الله عز وجل -نسأل الله أن يعيذنا من النار-. لم يكتفِ الله عز وجل بأن عذّب أهل النار بالنار فقط فأحرقتهم من خارجهم، وإنما تُحرقهم من خارجهم ويشربون الزقوم الماء (كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ) فجمع الله عز وجل لهم بين نار الداخل نار تحرقهم وتشوي وجوههم وأجسادهم ونار تحرق أجوافهم -نسأل الله العافية والسلامة نسأل الله أن يعيذنا من النار ووالدينا-. (كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)).
ثم قال الله سبحانه وتعالى (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ) أي خذوه فادفعوه (إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ) إلى وسطها، لا تضعونه في أطرافها بل يوضع في وسطها، (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ) النار هو في وسط النار ويصب النار على رأسه ويشرب المهل الذي يغلي في جوفه -نعوذ بالله من النار- كقوله سبحانه (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) [الحج:٢٠] -نسأل الله العافية-.
(خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48))
(مِنْ) تبعيضية، أي صبوا فوق رأسه بعض هذا النوع من العذاب. وقيل: بيانية أي عذاب هو الحميم. ثم قال الله (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) على وجه التهكم والسخرية، يا من كنت تظن أنك عزيز في منعة من هذا العذاب وأنك كريم على نفسك وكريم على قومك، قيلت له على سبيل التهكم والسخرية (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) أي لست بعزيز ولا كريم. ثم قال الله سبحانه وتعالى (إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) أي هذا ما كنتم فيه تشكون عندما قال الله عز وجل (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) هذا الذي كنتم تشكون فيه كقوله سبحانه وتعالى (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15)) [الطور] وهنا قال في هذه الآية (إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ). وبعد بيان حال الكافرين ذكر الله سبحانه وتعالى حال المتقين وهذا إن شاء الله عز وجل نبدأ به في الدرس القادم لانتهاء الوقت وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)}.
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
يقول الله تبارك وتعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ) من عادة القرآن أنه إذا ذكر أهل الشقاوة ذكر أهل السعادة، وإذا ذكر الأشقياء ذكر السعداء، وإذا ذكر الجنة ذكر النار، لأنه مثاني، وبهذا يتبين مناسبة هذه الآيات لما قبلها إذ ذكر الله سبحانه وتعالى قبل هذه الآيات حال الأشقياء ثم عطف بذكر السعداء فقال سبحانه (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) أي أهل التقوى، والتقوى: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
(فِي مَقَامٍ أَمِينٍ) أي في الآخرة وهو الجنة ذلك هو المقام الأمين، قال ابن القيم رحمه الله: "جمع الله لهم بين حسن المنزل وحصول الأمن فيه من كل مكروه واشتماله على الثمار وحُسن اللباس وكمال العشرة لمقابلة بعضهم بعضا وتمام اللذة بالحور العين ودعائهم بجمع أنواع الفاكهة مع أمنهم من انقطاعها ومضرتها وغائلتها وختام ذلك أعلمهم بأنهم لا يذوقون فيها هناك موتا". وهذا من كمال النعيم فإن اللذة مهما عظمت لا تكمل إلا بدوامها، فلذات الدنيا مهما تلذذ بها المتلذذ فهي ناقصة لذة ناقصة وذلك لانقطاعها إما بموت صاحبها وذهابه عنها أو بذهاب تلك اللذة وذلك النعيم عن صاحبها، أما الجنة فإنها دار النعيم المقيم الدائم (فِي مَقَامٍ أَمِينٍ) مقام موضع الإقامة والأمن، الأمن من كل سوء وآفة ومكروه. (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ) السندس هو: رفيع الحرير كالقمصان ونحوها، والإستبرق هو: ما فيه بريق ولمعان وما يلبس على أعالي القماش، وقال ابن عطية: "السندس رقيق الحرير، والإستبرق غليظه". (مُتَقَابِلِينَ) وذلك من كمال نعيمهم فلا يجلس أحد منهم وظهره إلى غيره.
ثم قال الله سبحانه وتعالى (كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) أي هذا العطاء مع ما قد منحناهم من الزوجات الحور العين الحسان اللاتي (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ) [الرحمن:٥٦]، (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:٥٨]، والحور: جمع حوراء وهي المرأة الشابة الحسنة الجميلة البيضاء شديدة سواد العين، وعِين: جمع عيناء وهي العظيمة العين من النساء. ولذا تمدح النساء بعظم عيونهن تشبه بالحور العين.
(يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ) مهما طلبوا من أنواع الفواكه فهي حاضرة ومع ذلك آمنين من غوائلها وآمنين من انقطاعها وآمنين من مضرتها.
ثم ختم الله هذا النعيم بقوله (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى) والاستثناء منقطع أي (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا) أي في الجنة الموت أبدا كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يؤتى بالموت في صورة كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار ثم يذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت»
(لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى) "إلا" هنا بمعنى لكن، أي لا يذوقون فيها الموت لكن الموتة الأولى التي ذاقوها فقط، وقيل: بمعنى سوى الموتة الأولى، وقيل: لا يذوقون فيها الموت بعد الموتة الأولى، وتقدير "إلا" "بعد" هو تقدير ابن جرير رحمه الله، و"سوى" هو رأي ابن عطية.
(فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ) يعني أن ما حصل لهم من هذا النعيم العظيم فضلاً من الله سبحانه وتعالى (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ولا شك، فهو أعظم الفوز أن يدخل الإنسان الجنة ويكرمه ربه سبحانه وتعالى ويتفضل عليه ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اعملوا وسددوا وقاربوا واعلموا أن أحدا لن يدخله عمله الجنة. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل».
ثم قال الله سبحانه (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ) الضمير يعود إلى القرآن المذكور في أول السورة
(حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ).
(فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ) أي أنزلناه سهلاً واضحاً بيّناً جلياً (بِلِسَانِكَ) ليس المقصود به الجارحة وإنما المراد به اللغة أي بلسانك الذي هو أفصح اللغات وأجلاها وأعلاها (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أي يتفهمون ويعملون.
وكما قلنا في بداية السورة أن هذه السورة قد افتتحت بذكر القرآن واختتمت بذكر القرآن. ثم قال الله سبحانه وتعالى (فَارْتَقِبْ) أي انتظر يا محمد (إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) أي فسيعملون لمن يكون النصر والظفر وعلو الكلمة في الدنيا والآخرة فإنها لك يا محمد ولإخوانك من النبيين والمرسلين ومن اتبعك من المؤمنين.
قال ابن الجوزي رحمه الله: وهذه الآية عند أكثر المفسرين منسوخة بآية السيف وليس بصحيح فإن كثيراً من المفسرين عمدوا إلى كل الآيات المكية التي فيها الانتظار والإمهال وصبر النبي صلى الله عليه وسلم ودعوة الله عز وجل لنبيه بالصبر ونسخوها بآية سورة التوبة التي تسمى آية السيف والصحيح عدم النسخ وجعلوا آية السيف سيفاً على أكثر من مئة وأربعة عشر آية كلها نسخوها بها والصحيح عدم النسخ وأن ذلك مرحلة من المراحل وتلك مرحلة أخرى ولذلك قرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن لو عادت غربة الإسلام كما كانت على وقت النبي صلى الله عليه وسلم فإننا نؤمر كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم في أول بعثته.
وبهذا نكون قد انتهينا من تفسير سورة الدخان وننتقل الآن للسورة التي تليها وهي سورة الجاثية.
----------------------------------
المصدر / ملتقى أهل التفسير (بتصرف يسير)
ثم قال الله سبحانه وتعالى (وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) أي ممهلين
(وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ) أي أنقذهم الله عز وجل من ذلك العذاب الذي كان يهينهم من؟ فرعون، من قتل الرجال واستحيا النساء وغير ذلك.
(مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ) (إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا) أي مستكبراً جباراً عنيداً كقوله سبحانه وتعالى (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ) [القصص:٤]، وقوله (مِنَ الْمُسْرِفِينَ) أي مسرف في أمره، سخيف الرأي على نفسه.
ثم قال الله سبحانه وتعالى (وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) أي على عالمي زمانهم وإلا هذه الأمة أفضل الأمم (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران:١١٠] مثل ذلك قوله سبحانه (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ) [الأعراف:١٤٤] أي في ذلك الزمان، وقال عن مريم (وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران:٤٢] أي في زمانها.
(وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ) أي الحجج والبراهين وخوارق العادات وهو لفظ شامل جامع لجميع معجزات موسى عليه السلام التي ظهرت في قوم فرعون (وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ) أي ما فيه اختبار ظاهر جلياً لمن اهتدى، إذاً الله سبحانه وتعالى أغرق فرعون وأورث بني إسرائيل مُلك فرعون، أغرقه وجنده وأتباعه وبقي المُلك لموسى عليه السلام ولأتباعه ولذلك سمّاها وراثة وأورثناها بني إسرائيل من حيث كانت أشياء وصلت إلى آخرين بعد موت الأولين يعني الميراث ماذا يسمى؟ سمي ميراث لأنه يأتيك بعد موت آخرين. فسمى الله عز وجل هذه وراثة لأنها أتت بعد هلاك فرعون، أما الميراث في الشرع فقد ربطها الشرع بالنسب والقرابة.
ثم قال الله سبحانه وتعالى (إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ) عاد الضمير إلى من؟ إلى قوم قريش يقول مع هذا (إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36)) هل هذه حجة يا إخواني؟ هذه حجة باطلة، شبهة فاسدة، فإن المعاد متى وقته؟ هل أخبر الله عز وجل أن المعاد في حياتهم وفي دنياهم حتى يقولون أتوا بآبائنا إنما أخبر الله أن المعاد إنما يكون يوم القيامة وبذلك فدعوى طلبهم بالإتيان بآبائهم في دار الدنيا تمحل وصد عن الحق فقال الله سبحانه وتعالى منكراً لهم ومتوعداً (أَهُمْ خَيْرٌ) أي هؤلاء قومك يا محمد الذين يكذبون خير (أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) تُبَّع هذا يطلق على كل من مَلَكَ حمير، كل من ملك حمير يطلق عليه تُبَّع، كما أن من ملك مصر يسمى فرعون، وكذلك من ملك الفرس يسمى كسرى، والروم قيصر، فليس حمير هذا رجلاً واحداً، لكن هنا في هذه الآية أراد الله عز وجل شخصاً آخر هو تُبَّع الأوسط كما قال بعض المفسرين ذكروا أنه مُلِّكَ على قومه ثلاثمائة وستة وعشرين سنة، هذا الملك وإلا لا؟ ما هو عشر سنين وإلا خمسة عشر سنة، الذي يقتل شعبه من أجل أن يبقى خمس سنوات وإلا عشر سنوات، يقولون ولم يكن في حمير أطول مدة منه وتوفي قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بنحو سبعمائة عام. قال أبو عبيد: سُمِّي تُبَّعاً لأنه يتبع صاحبه أي كلما هلك منهم ملك تبعه ملك آخر. وقيل: سُمِّي تُبَّع لكثرة أتباعه.
قال كعب الأحبار: الله في هذه الآية ذم قوم تُبَّع ولم يذم تُبَّع لأنه كان رجلاً صالحاً.
(أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي من قبل قوم تُبَّع (أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) أي لا يظنون ذلك ولا يعتقدون ذلك. ولما أخبر عن قصة فرعون ربما يقولون فرعون هذا بعيد وإلا لا؟ أعطاهم شيئاً قريباً زمناً ومكاناً فاليمن قريب من قريش وإلا لا؟ اليمن أو حمير قريبة وكانت من رحلة الشتاء والصيف ويعرفونها.
ثم قال الله سبحانه وتعالى (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ)
قال ابن عطية: فيه إخبار، فيه تنبيه وتحذير أيها المكذبون أفيقوا من غفلتكم فإننا ما خلقنا هذه السماوات العظام ولا هذه الأرض لعباً وهزوا يشهد لذلك قوله سبحانه وتعالى (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) [ص:٢٧]، (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون:١١٦].
قال سبحانه (مَا خَلَقْنَاهُمَا) الضمير يعود إلى السماوات والأرض (إِلَّا بِالْحَقِّ) أي بالواجب المفضي إلى الخيرات، قال ابن القيم: "الحق هو الحِكَمْ والغايات المحمودة وهو أنواع كثيرة منها أن يُعرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله وآياته وأن يقود ذلك إلى أن يعبد ويشكر ويذكر ويطاع سبحانه وتعالى، ومنها أنه يأمر وينهى ويُشرع الشرائع، ومنها شهادة مخلوقاته كلها بأنه سبحانه وتعالى رب هذه الأشياء وهو الخالق لها وهو الملك سبحانه وتعالى وهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له".
وقال في موضع آخر (مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) فُسر الحق بالثواب والعقاب، وفُسر أي ما خلقناهما إلا من أجل أن نثيب المطيعين ونعاقب العاصين، وفُسر بالأمر والنهي أي نأمر وننهى لنرى من يعبد الله على حق. قال وهذا تفسير لبعض معناه (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ).
ثم قال سبحانه وتعالى (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) يوم الفصل هو يوم القيامة يفصل الله عز وجل فيه بين الخلائق ولذا سُمِّي يوم الفصل، فيعذب الكافرين ويثيب المؤمنين (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) أي يجمع الله عز وجل الأولين والآخرين على صعيد واحد (يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا) أي لا ينفع قريب قريبا كقوله سبحانه وتعالى (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ) [المؤمنون:١٠١] وكقوله سبحانه وتعالى (وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا) [المعارج:١٠] والمولى في هذه الآية يعم جميع الموالي من القرابات وموالي العتق وموالي الصدقة. (وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) أي لا ينصر القريب قريبه ولا يأتيه نصر من خارج.
(إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ) أي أن النافع في ذلك اليوم هو رحمة الله فحسب، إنه سبحانه أكد ذلك بقوله (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
ثم قال سبحانه (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ) يقول تعالى مخبراً عما يعذب به الكافرين الجاحدين (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)) وشجرة -يا إخواني- لو ترجعون إلى المصحف لوجدتم أن شجرة كتبت بالتاء المفتوحة، يقول ابن الأنباري: كل ما في كتاب الله من ذكر الشجرة فالوقف عليها بالهاء إلا حرفاً واحداً في سورة الدخان. الآن كل المصحف كتبت شجرة بالتاء المربوطة إلا سورة الدخان فقد كتبت وهذا علم يسمى عند العلماء "رسم المصحف" إذا وقفت مثل (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ)[الإسراء:٦٠] إذا وقفت على الشجرة تنطقها والشجره، (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ) إذا وقفت على شجرت ماذا تقول؟ إن شجرت لأنها كتبت بالتاء المفتوحة.
(طَعَامُ الْأَثِيمِ) أي أثيم في قوله وفعله وهو الكافر وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أنه أبو جهل والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، (كَالْمُهْلِ) المُهل ما ذاب من ذهب أو فضة أو حديد أو رصاص ونحوه والمعنى أن هذه الشجرة إذا طعمها الكافر في جهنم صارت في جوفه تفعل كما يفعل المُهل الساخن من الإحراق والفساد -نعوذ بالله-.
الله عز وجل -يا إخواني- قد جمع لأهل النار عذاب الخارج والداخل، لم يكتفِ الله عز وجل -نسأل الله أن يعيذنا من النار-. لم يكتفِ الله عز وجل بأن عذّب أهل النار بالنار فقط فأحرقتهم من خارجهم، وإنما تُحرقهم من خارجهم ويشربون الزقوم الماء (كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ) فجمع الله عز وجل لهم بين نار الداخل نار تحرقهم وتشوي وجوههم وأجسادهم ونار تحرق أجوافهم -نسأل الله العافية والسلامة نسأل الله أن يعيذنا من النار ووالدينا-. (كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)).
ثم قال الله سبحانه وتعالى (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ) أي خذوه فادفعوه (إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ) إلى وسطها، لا تضعونه في أطرافها بل يوضع في وسطها، (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ) النار هو في وسط النار ويصب النار على رأسه ويشرب المهل الذي يغلي في جوفه -نعوذ بالله من النار- كقوله سبحانه (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) [الحج:٢٠] -نسأل الله العافية-.
(خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48))
(مِنْ) تبعيضية، أي صبوا فوق رأسه بعض هذا النوع من العذاب. وقيل: بيانية أي عذاب هو الحميم. ثم قال الله (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) على وجه التهكم والسخرية، يا من كنت تظن أنك عزيز في منعة من هذا العذاب وأنك كريم على نفسك وكريم على قومك، قيلت له على سبيل التهكم والسخرية (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) أي لست بعزيز ولا كريم. ثم قال الله سبحانه وتعالى (إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) أي هذا ما كنتم فيه تشكون عندما قال الله عز وجل (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) هذا الذي كنتم تشكون فيه كقوله سبحانه وتعالى (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15)) [الطور] وهنا قال في هذه الآية (إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ). وبعد بيان حال الكافرين ذكر الله سبحانه وتعالى حال المتقين وهذا إن شاء الله عز وجل نبدأ به في الدرس القادم لانتهاء الوقت وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)}.
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
يقول الله تبارك وتعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ) من عادة القرآن أنه إذا ذكر أهل الشقاوة ذكر أهل السعادة، وإذا ذكر الأشقياء ذكر السعداء، وإذا ذكر الجنة ذكر النار، لأنه مثاني، وبهذا يتبين مناسبة هذه الآيات لما قبلها إذ ذكر الله سبحانه وتعالى قبل هذه الآيات حال الأشقياء ثم عطف بذكر السعداء فقال سبحانه (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) أي أهل التقوى، والتقوى: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
(فِي مَقَامٍ أَمِينٍ) أي في الآخرة وهو الجنة ذلك هو المقام الأمين، قال ابن القيم رحمه الله: "جمع الله لهم بين حسن المنزل وحصول الأمن فيه من كل مكروه واشتماله على الثمار وحُسن اللباس وكمال العشرة لمقابلة بعضهم بعضا وتمام اللذة بالحور العين ودعائهم بجمع أنواع الفاكهة مع أمنهم من انقطاعها ومضرتها وغائلتها وختام ذلك أعلمهم بأنهم لا يذوقون فيها هناك موتا". وهذا من كمال النعيم فإن اللذة مهما عظمت لا تكمل إلا بدوامها، فلذات الدنيا مهما تلذذ بها المتلذذ فهي ناقصة لذة ناقصة وذلك لانقطاعها إما بموت صاحبها وذهابه عنها أو بذهاب تلك اللذة وذلك النعيم عن صاحبها، أما الجنة فإنها دار النعيم المقيم الدائم (فِي مَقَامٍ أَمِينٍ) مقام موضع الإقامة والأمن، الأمن من كل سوء وآفة ومكروه. (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ) السندس هو: رفيع الحرير كالقمصان ونحوها، والإستبرق هو: ما فيه بريق ولمعان وما يلبس على أعالي القماش، وقال ابن عطية: "السندس رقيق الحرير، والإستبرق غليظه". (مُتَقَابِلِينَ) وذلك من كمال نعيمهم فلا يجلس أحد منهم وظهره إلى غيره.
ثم قال الله سبحانه وتعالى (كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) أي هذا العطاء مع ما قد منحناهم من الزوجات الحور العين الحسان اللاتي (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ) [الرحمن:٥٦]، (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:٥٨]، والحور: جمع حوراء وهي المرأة الشابة الحسنة الجميلة البيضاء شديدة سواد العين، وعِين: جمع عيناء وهي العظيمة العين من النساء. ولذا تمدح النساء بعظم عيونهن تشبه بالحور العين.
(يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ) مهما طلبوا من أنواع الفواكه فهي حاضرة ومع ذلك آمنين من غوائلها وآمنين من انقطاعها وآمنين من مضرتها.
ثم ختم الله هذا النعيم بقوله (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى) والاستثناء منقطع أي (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا) أي في الجنة الموت أبدا كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يؤتى بالموت في صورة كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار ثم يذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت»
(لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى) "إلا" هنا بمعنى لكن، أي لا يذوقون فيها الموت لكن الموتة الأولى التي ذاقوها فقط، وقيل: بمعنى سوى الموتة الأولى، وقيل: لا يذوقون فيها الموت بعد الموتة الأولى، وتقدير "إلا" "بعد" هو تقدير ابن جرير رحمه الله، و"سوى" هو رأي ابن عطية.
(فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ) يعني أن ما حصل لهم من هذا النعيم العظيم فضلاً من الله سبحانه وتعالى (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ولا شك، فهو أعظم الفوز أن يدخل الإنسان الجنة ويكرمه ربه سبحانه وتعالى ويتفضل عليه ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اعملوا وسددوا وقاربوا واعلموا أن أحدا لن يدخله عمله الجنة. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل».
ثم قال الله سبحانه (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ) الضمير يعود إلى القرآن المذكور في أول السورة
(حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ).
(فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ) أي أنزلناه سهلاً واضحاً بيّناً جلياً (بِلِسَانِكَ) ليس المقصود به الجارحة وإنما المراد به اللغة أي بلسانك الذي هو أفصح اللغات وأجلاها وأعلاها (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أي يتفهمون ويعملون.
وكما قلنا في بداية السورة أن هذه السورة قد افتتحت بذكر القرآن واختتمت بذكر القرآن. ثم قال الله سبحانه وتعالى (فَارْتَقِبْ) أي انتظر يا محمد (إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) أي فسيعملون لمن يكون النصر والظفر وعلو الكلمة في الدنيا والآخرة فإنها لك يا محمد ولإخوانك من النبيين والمرسلين ومن اتبعك من المؤمنين.
قال ابن الجوزي رحمه الله: وهذه الآية عند أكثر المفسرين منسوخة بآية السيف وليس بصحيح فإن كثيراً من المفسرين عمدوا إلى كل الآيات المكية التي فيها الانتظار والإمهال وصبر النبي صلى الله عليه وسلم ودعوة الله عز وجل لنبيه بالصبر ونسخوها بآية سورة التوبة التي تسمى آية السيف والصحيح عدم النسخ وجعلوا آية السيف سيفاً على أكثر من مئة وأربعة عشر آية كلها نسخوها بها والصحيح عدم النسخ وأن ذلك مرحلة من المراحل وتلك مرحلة أخرى ولذلك قرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن لو عادت غربة الإسلام كما كانت على وقت النبي صلى الله عليه وسلم فإننا نؤمر كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم في أول بعثته.
وبهذا نكون قد انتهينا من تفسير سورة الدخان وننتقل الآن للسورة التي تليها وهي سورة الجاثية.
----------------------------------
المصدر / ملتقى أهل التفسير (بتصرف يسير)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق