الاثنين، 1 أكتوبر 2012

من الدرس العاشر : الأصل الثانى وهو معرفة دين الإسلام بالأدلة (3/2)

وهذا التفريق بين الإسلام والإيمان استُدِل له بآيات من القرآن الكريم منها:
 قوله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات:14] وهذه الآية للسلف في تفسيرها قولان مشهوران:
 القول الأول: أن الإسلام المثبَت لهم هو مرتبة الإسلام ، وأنهم لم يبلغوا مرتبة الإيمان. القول الثاني: أن الإسلام المثبَت لهم هو الإسلام الظاهر الذي لا يقتضي أن يكون صاحبه مسلماً حقاً في الباطن ، وذلك كما يحكم لأهل النفاق بالإسلام الظاهر ، وإن كانوا كفاراً في الباطن؛ لأن التعامل مع الناس هو على ما يظهر منهم ؛ فمن أظهر الإسلام قبِلنا منه ظاهره ووكلنا سريرته إلى الله ، فيعامل معاملة المسلمين ما لم يتبين لنا بحجة قاطعة ارتداده عن دين الإسلام.
 القول الأول: هو قول الزهري وإبراهيم النخعي وأحمد بن حنبل واختاره ابن جرير وابن تيمية وابن كثير وابن رجب.
 والقول الثاني: هو قول مجاهد والشافعي والبخاري ومحمد بن نصر المروزي وأبي المظفر السمعاني والبغوي والشنقيطي واستدلوا بقوله تعالى: (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) قالوا : فهؤلاء لم يدخل الإيمان في قلوبهم بنص القرآن ، ومن لم يدخل الإيمان في قلبه فليس بمسلم على الحقيقة، وإنما إسلامه بلسانه دون قلبه.
 وأصحاب القول الأول يقولون إن الإيمان المنفي عنهم هو ما تقتضيه مرتبة الإيمان ، فهم لم يعرفوا حقيقة الإيمان وإنما أسلموا على جهل فيثبت لهم حكم الإسلام ،(وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) أي لم تباشر حقيقة الإيمان قلوبكم.
 وابن القيم قال بالقول الأول في بدائع الفوائد، وقال بالقول الثاني في إعلام الموقعين. والتحقيق أن دلالة الآية تَسَعُ القولين، فإذا أريد بنفي الإيمان في قوله تعالى: (لَمْ تُؤْمِنُوا) نفي أصل الإيمان الذي يَثبت به حكم الإسلام ؛ فهؤلاء كفار في الباطن ، مسلمون في الظاهر، فيكون حكمهم حكم المنافقين، وقد يتوب الله على من يشاء منهم ويهديه للإيمان. وإذا أريد بنفي الإيمان نفي القدر الواجب من الإيمان الذي مدح الله به المؤمنين وسماهم به مؤمنين؛ فهذا لا يستلزم نفي أصل الإيمان والخروج من دين الإسلام، فيثبت لهم حكم الإسلام، وينفى عنهم وصف الإيمان الذي يطلق على من أتى بالقدر الواجب منه.
 وهذا كما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي قال: ((والله لا يؤمن! والله لا يؤمن! والله لا يؤمن!)) قيل: من يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يأمن جاره بوائقه)). فهذا نفى عنه حقيقة الإيمان والقدر الواجب منه الذي مدح الله به المؤمنين وسماهم به، ولا يقتضي أن من فعل ذلك فهو خارج عن دين الإسلام. والذي يوضح هذا الأمر أن قول (أَسْلَمْنَا) قد يقوله الصادق والكاذب؛ فإذا قاله الكاذب فهو منافق مدَّعٍ للإسلام مخادع للذين آمنوا، يُظهر الإسلام ويبطن الكفر. وإذا قاله الصادق فهو مسلم ظاهراً وباطناً، ومعه أصل الإيمان. ولهذا قال الله تعالى: (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) فعلّق وصف الإيمان بالصدق؛ فمن صدق منهم فهو من أهل الصنف الأول، ومن لم يصدق منهم فهو من أهل الصنف الثاني، وهذا يبيّن جواز أن يكون فيمن نزلت فيهم هذه الآيات من هو من أصحاب الصنف والأول، ومنهم من هو من أصحاب الصنف الثاني، وشملت هذه الآيات الصنفين كليهما.
 وهذا مثال بديع لحسن بيان القرآن الكريم، ودلالته على المعاني العظيمة بألفاظ وجيزة. والمقصود أن الآية على القول الأول في تفسيرها فيها دلالة على التفريق بين مرتبة الإسلام ومرتبة الإيمان. قال محمد بن نصر المروزي: "نقول إن الرجل قد يسمى مسلما على وجهين:
 أحدهما: أن يخضع لله بالإيمان والطاعة تدينا بذلك يريد الله بإخلاص نية.
 والجهة الأخرى: أن يخضع ويستسلم للرسول وللمؤمنين خوفا من القتل والسبي؛ فيقال قد أسلم أي خضع خوفا وتقية، ولم يسلم لله، وليس هذا بالإسلام الذي اصطفاه الله وارتضاه الذي هو الإيمان الذي دعا الله العباد إليه".
 وكذلك قوله تعالى: (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [الذاريات: 35-36] نجَّى الله جميع المؤمنين من العذاب كما قال تعالى: (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). وقوله : (فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)  دليل على أنه لم يكن في قرى قوم لوط إلا بيت واحد على الإسلام، وهو بيت لوط . وأهل لوط كلهم مؤمنون إلا امرأته كانت كافرة بنص القرآن كما في قوله تعالى: (ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط) ، لكن اختلف أهل العلم: هل كانت مسلمة في الظاهر أو كانت على دين قومها ظاهراً وباطنا على قولين:
 القول الأول: أنها كانت على دين قومها، وإنما كانت خيانتها أنها تدل قومها الذين يعملون السوء على أضياف لوط، وهذه خيانة له.
 القول الثاني: أنها كانت تظهر الإسلام وتبطن الكفر.
 والقول الأول أصح وأشهر وهو المأثور عن ابن عباس وسعيد بن جبير.
 فإن قيل: كيف يبقيها في ذمته وهي كافرة؟
 قيل: إن ذلك كان جائزاً في شريعتهم، كما كان جائزاً في أول الإسلام ثم نسخ. وسواء أكانت امرأة لوط مسلمة في الظاهر أم غير مسلمة في الظاهر؛ فإن ذلك لا ينقض الحكم على البيت بأنه بيت إسلام،كما أن وجود بعض الكفار في بلاد الإسلام لا يجعلها بلاد كفر. ومقصود الآية أن قرى قوم لوط لم يكن فيها بيت على الإسلام إلا بيت لوط .
 وهذه الآية فيها لطيفة وهي أن المؤمنين موعودون بالنجاة ، والمسلم غير المؤمن ليس له عهد بالسلامة من العذاب والنجاة منه؛ فقد يعذب بمعاصيه في الدنيا وقد يعذب في قبره وقد يعذب في النار ، لكنه لا يخلد فيها. وهذا نظيره ما ورد في قصة أصحاب السبت فإن الله تعالى أنجى المؤمنين الذين ينهون عن السوء وسكت عن الساكتين عن إنكار المنكر وأخذ الذين ظلموا بعذاب بئيس، فتبين أن أصحاب الكبائر من المسلمين ليس لهم عهد أمان من العذاب كما جعل الله ذلك لأهل الإيمان؛ فقد يُعذَّبون، وقد يعفو الله عنهم بفضله وكرمه، وهذا يبين لك الفرق العظيم بين مرتبة الإسلام ومرتبة الإيمان. فالمؤمن له عهد أمان بأن لا يعذبه الله ولا يخذله، وأنه لا يخاف ولا يحزن، ولا يضل ولا يشقى، وقد تكفل الله له بالهداية والنجاة والنصر والرفعة . وهو في أمان من نقمة الله تعالى وسخطه، وفي أمان من عذاب الآخرة كما قال الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) .
 وفي هذا القدر كفاية في بيان الفرق بين مرتبة الإسلام ومرتبة الإيمان.
------------------------------------------------------------------------
 المصدر: http://www.tafsir.net/vb/tafsir29650/#ixzz26nk6uQ00

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق