المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات! السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته، كل عام وأنتم بخير، تقبل الله منا ومنكم وعيدكم مبارك، أهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم آيات الحج في القرآن مع ضيفنا فضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي إمام وخطيب مسجد قباء والذي نرحب فيه في هذه الحلقة، كل عام وأنتم بخير، تقبل الله منا ومنكم.
الشيخ: تقبل الله من الجميع، وحياكم الله شيخ سعد ، وأتقدم بالتهنئة لإخواني المسلمين والمسلمات في جميع أقطار الأرض، ونسأل الله أن يتقبل مني ومنكم.
المقدم: نحن اليوم في يوم الحج الأكبر كما هو معروف في قوله تعالى: (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ) [التوبة:3] فلماذا سمي يوم الحج الأكبر؟
الشيخ: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وبعد: الأظهر من أقوال العلماء أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر، أي: يوم العيد الأول، أي: يوم عيد الأضحى، أي يوم العاشر من شهر ذي الحجة، وقد مر معنا أن الأظهر أنه اليوم الذي كلم الله جل وعلا فيه موسى إذ قال الله تبارك وتعالى: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) [الأعراف:142] ، فعلى هذا يكون الله جل وعلا قد كلّم كليمه ونبيه وصفيه موسى بن عمران عليه السلام في يوم الحج الأكبر أي: العاشر من ذي الحجة.
وأهل العلم يقولون: إن فيه من أفعال الحج ما ليس في غيره، ولنبدأ في أن نستقصيها من باب ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الحج الأكبر؟ مر معنا -في لقاء الأمس- أنه عليه الصلاة والسلام خرج من مزدلفة وأفاض منها قبل شروق الشمس، وأنه في مسيره من عرفة إلى مزدلفة أردف أسامة بن زيد ، وفي مسيره عليه الصلاة والسلام من مزدلفة إلى منى أردف ابن عمه الفضل بن عباس رضوان الله تعالى عليه وعلى أبيه، وما زال يلبي حتى أتى جمرة العقبة، فلما أتى جمرة العقبة قطع تلبيته ورماها صلى الله عليه وسلم بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة.
عندما يقول الراوي: (رماها) فالرمي غير الوضع، فلو إن إنساناً وضعها في المرمى أو على الجسر ثم حركها بيده فهذا كله لا يسمى رمياً، فالرمي له طريقة معروفة، ترفع الذراع كاملة أو شبه كاملة ثم ترمى، والمقصود المرمى وهو الحوض، فلو لم تضرب في الشاخص فلا حرج، المهم أن تسقط في المرمى.
هذا أول أفعال الحج في يوم الحج الأكبر.
إذاً يبدأ الحاج برمي جمرة العقبة ولا يقف عندها.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم أتى المنحر - وهو مكان في منى آنذاك كان مخصصاً للنحر- فنحر هديه، وكان معه عليه الصلاة والسلام مائة ناقة، و علي رضي الله عنه خرج من اليمن حاجاً يقول في تلبيته : "أهللت بما أهلّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشركه فيها".
وقد نحر منها صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وستين بيده، وروى أحمد في المسند بسند صحيح (أنها تأتي على هيئات خمس أو ست، وكانت تتسابق أيهن يبدأ بها) وهذا من عظيم كرامته صلى الله عليه وسلم عند ربه.
فنحر ثلاثاً وستين بيده وترك لـعلي رضي الله عنه الباقي.
فلما نحر صلى الله عليه وسلم أتى بعد ذلك الحلاق فحلق رأسه، وقيل: إن الحلاق اسمه معمر جاء في بعض الروايات أنه معمر بن عبد الله ، وقد أمر أن يبدأ بالشق الأيمن، ثم قسم صلى الله عليه وسلم شعره بين الناس للتبرك؛ لأنه يجوز التبرك بشعر النبي عليه الصلاة والسلام، لكن لم يبق منه شيء.
ثم إنه أتى بيته صلى الله عليه وسلم فطيبته عائشة لحله قبل أن يطوف بالبيت، تحلل من إحرامه وطيبته عائشة لحله كما طيبته لإحرامه، والتطييب في الإحرام يكون في البدن لا في الثوب على الأظهر.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم أتى مكة فطاف بالبيت طواف الإفاضة المقصود بقول الله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج:29] وقد أجمع العلماء على أنه ركناً من أركان الحج لا يتم الحج إلا به.
وقد جاءت روايتان: رواية تقول: إنه صلى الظهر في مكة، ورواية تقول: إنه صلى الظهر في منى، وبعض العلماء يجمع بينهما فيقول: صلى الظهر في مكة ثم أعاد الصلاة في منى حتى يأتم به من لم يصل.
المقدم : صلى بالناس العيد؟
الشيخ : لا ، ليس على الحجاج صلاة عيد .
المقدم : أين كانت خطبته إذا؟
الشيخ : كانت خطبته في منى بعد عودته من الطواف.لكنه عليه الصلاة والسلام طاف طواف الإفاضة ثم اختلف هل صلى في مكة أو في منى - كما بيّنا - والأظهر أنه صلى الظهر في مكة ثم أعاد الصلاة في منى حتى يأتم به من لم يصل.
بهذا يكون صلى الله عليه وسلم قد أدى أعمالاً أربعة، هذه الأعمال الأربعة هي التي يظن أنها سبب في تسمية يوم العيد بيوم الحج الأكبر ، لأنه اجتمعت فيها هذه الأعمال.
ولم يسع صلى الله عليه وسلم مما يدل على أنه كان قارناً، وليس على القارن إلا سعي واحد، وكان عليه الصلاة والسلام قد سعى أول ما قدم؛ أي سعى بعد طواف القدوم.
والسعي يكون على المتمتع.
المقدم : خطبته في يوم النحر ؟
الشيخ : خطب في يوم النحر ، وخطب في يوم القرّ - أول أيام التشريق - قد تكون ضحى وهذا بعيد لأنه لا يوجد متسع من الوقت .
المقدم : ما المقصود بقولنا خطبة ؟
الشيخ : وقف في الناس وقوفا ولا تكون كخطبة الجمعة لأنها غير مقرونة بصلاة
السؤال: أيضاً في قوله تعالى: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) [البقرة:199]؟
الجواب: بعض العلماء يقولون: إن الآية فيها تقديم وتأخير.
والناس قيل: إن المقصود إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقيل: المقصود غلبة الناس، وذلك أن قريشاً كانت تأنف أن تخرج إلى الحل في يوم عرفة، فلما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عرفة ما كانت قريش تشك أنه لن يتجاوز مزدلفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرشي ؛ لكنه تجاوزها -أي مزدلفة - حتى أتى عرفة.
لكن الإشكال أن الله رتب فقال: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[البقرة:198-199]، فقالوا: إن الترتيب هنا فيه تقديم وتأخير وهذا قاله الطبري ، وبعض العلماء يقولون: (ثم) هنا ليست للترتيب وإنما بمعنى الواو ويحتجون على أن (ثم) تأتي بمعنى الواو بأن الله جل وعلا قال: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) [البلد:12-17]، ولا يستقيم أن تكون (ثم) هنا للترتيب لأنه مؤمن من قبل أن يفك الرقبة لكن قالوا: (ثم) هنا بمعنى الواو أي: وكان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة.
فجعلوا (ثم) في آية البلد بمعنى الواو، وكذلك هنا في سورة البقرة بمعنى الواو، وهذا أحد الأقوال في المسألة، ولولا الإجماع المنقول وإن كان لم يثبت بكثرة لقلنا إن الترتيب: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) [البقرة:199] أي: الإفاضة من مزدلفة إلى منى وهذا يجعل الآية على سياقها وعلى ترتيبها ولا يكون في ذلك حرج.
المقدم: في مثل هذه الآيات يأتي ربط الاستغفار والذكر بنهاية الأعمال:
(فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)
(ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
(فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ)
والاستغفار بعد الصلاة أيضاً؟
الجواب: الاستغفار يشعر العبد أن عمله كان فيه تقصير، الله يقول: (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) [سبأ:15] مع أنه قال(بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) حتى لا يُفهم أنهم خلو من الذنوب فقال (وَرَبٌّ غَفُورٌ) حتى يُعلم حاجتهم إلى ربهم، فعلى هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر بعد صلاته، وهذه أجل الأماكن وأشرفها وأعظمها وهي مشاعر عظيمة، والعبد فيها متلبس بالإحرام وهو في أوبة وتوبة وعبادة للملك الديان ومع ذلك يؤمر بالاستغفار لأن الاستغفار في ذاته عبادة، كما حكى الله عن نبيه صالح عليه السلام قال: (لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [النمل:46] .
السؤال: نرجو أن تربط بين قوله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) [البقرة:200] وفي آيات الحج لما ذكر الانتهاء قال: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج:29] هنا لا يُشعر بأنه نهاية مناسك، وهناك يشعر بنهاية مناسك؟
الجواب: قوله: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ) يقول جمهور العلماء إنها محمولة على المبيت في منى أيام التشريق، وأما قوله: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) فالتفث أشبه بما يتعلق بالبدن من طول الأظافر والشوارب ونحو ذلك من متعلقات البدن من طول السفر، وهم يقضون تفثهم إذا أحلوا من إحرامهم ويكون هذا في يوم النحر، فيقضون تفثهم ويحلقون رءوسهم ويقلمون أظافرهم ويطيبون. كما جاء في حديث عائشة لأن الطيب كانوا ممنوعين عنه ، (وليطّوفوا بالبيت العتيق) قلنا إنه طواف الإفاضة، قوله: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) هو الهدي والقرابين التي جاءوا بها.
وأما قول الله جل وعلا: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ) فإنه وإن أطلق إطلاقا عاما إلا أن جمهور المفسرين يرون أن المراد به الخاص وهو المبيت في منى أيام التشريق؛ لأن أيام التشريق أُنيطت جدا بذكر الله لقوله صلى الله عليه وسلم: (أيام منى أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل) فهنا يقول الله: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) وكانت تلك المحافل في الجاهلية مواطن للتعظيم والمدح وإنشاد الأشعار.
المقدم: نرجو الكلام على قول الله: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)[الحج:30] .
الشيخ: الله تبارك وتعالى يبين تعظيم حرمات الله، وتعظيم حرمات الله القاعدة فيه: أن كل حرمة تعظم كما عظمها النبي صلى الله عليه وسلم، ومن حرمات الله المشاعر المقدسة، وقد كان للقرشيين وأهل الأوثان جملة مواطن يذبحون فيها وأماكن يتعمدون الذبح فيها لأصنامهم، فلما شرعت الذبائح بيّن الله لهم أنه لا بد من الفرق بين ما اعتادوا في الجاهلية من الذبح للأصنام أو عند مكان صنم كان يُعظم، وأن العبادة لابد أن تكون بمنأ مكان عن ذلك وفي نفس الوقت لا تكون لأوثانهم إنما تكون لرب العزة، كما قال ربنا: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الحج:36] وهي آية في سورة الحج. وقوله:(لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) [الحج:37] العبرة بإخلاص القلب وإخلاص النية، لكن من تعظيم شعائر الله أن الإنسان يختار أغلاها ثمناً، يستسمنها ، النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أقرنين عليه الصلاة والسلام سمى الله وكبر على كل واحد منهما. والإنسان من تعظيم حرمات الله عز وجل - إذا كان ذا قدرة - أن هذه البُدن أو هذه الأضاحي سواء كانت بقرا لأن البُدن يُطلق على البقر والإبل - على الصحيح - ولا يُطلق على الغنم لكن الغنم سواء كانت كبشا أو معزا أو ضأنا أو خلافه بعمومها كل ذلك يجب على الإنسان أن يبحث عن أطيبها لحماً وأكثرها صحة وما أشبه ذلك مما يغلب على الظن أن فيه تعظيم لشعائر الله ، ولا يحسُن - في ظني ولا أجزم به - أن يُجادل الإنسان في السعر ، لكن يُجادل في قضية أنه يخشى أن يكون بها أذى أو مرض أو عيب فهذا من حقه بل يُستحسن لأنه يُراد بها التقرب إلى الله لكن في السعر لا يُجادل كثرة ولا يُماطل ، هذا من تعظيم حرمات الله .
المقدم : أصبحت الأضحية عند الناس أشبه ما تكون بالعادة، فما هو المراد بالتعظيم؟
الجواب: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا) ليست القضية في لحم أو دم لكن لابد أن يختلط هذا بنية قلبية يراد بها أنني أفعل هذا إجلالاً لله. والدليل : لو نفرض أن صالحاً أو فهداً أُهديت لهم ذبائح قبل صلاة الفجر من يوم العيد ووضعناها في ثلاجات فأهلي وأهلك في غنى عن اللحم، مع ذلك السنة العظيمة في حقنا -إن لم نقل بوجوب الأضحية - أن نضحي؛ لأنه ليست مسألة لحم ، ليس المقصود منها أن أبنائي جوعا أريد أن أطعمهم فإذا كانوا شبعى من اللحم لا حاجة للأضحية ، ليس هذا المقصود ، حتى لو تهرقها ولم يأكل منها أحد أصبحت أُضحية، إنما المقصود إهراق الدم إجلالاً لله، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (من ذبح قبل الصلاة فهي شاة لحم) ، والله جل وعلا نهى عن التبذير والإسراف، ولو كانت القضية قضية إطعام لا حاجة لأن نقول لرجل ذبح قبل الصلاة بساعة واحدة اذبح بعد الصلاة، لأن هذا تبذير. وأنت تلحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هناك أمور لا يباشرها بنفسه فقد كان هناك أحد لسواكه، وأحد يصب عليه الوضوء وأمثال ذلك، لكننا نلحظ في يوم النحر أنه يباشر صلى الله عليه وسلم ذبح أضحيته بنفسه. ولم يقل يا أسامة ، يا بلال ،يا ربيعة بن كعب ، يا عبد الله بن مسعود ، ممن كانوا حوله عليه الصلاة والسلام وإنما يُباشر ذبحها بنفسه ، هذا يجب أن يستحضره الإنسان ، ولهذا يذبح الإنسان أضحيته بنفسه، وإن كان لا يحسن الذبح يقف عليها، هذا أقرب إلى الله من شخص يحرر مستندات وأوراق ثم يبعث بها ويقول: هناك محتاجون، نحن لا نقول: لا تعط المحتاجين لكن هؤلاء المحتاجون يعطون من الصدقات العامة، فعندك عام كامل يمكن أن تبعث إليهم في أي وقت، أما أن تخصه بيوم النحر فلا، بل يوم النحر تذبح أضحية يراها أبناؤك فيحيون وينشؤون على ملة إبراهيم.
----------------------------------------------
التفريغ النصي من موقع إسلام ويب (بتصرف يسير)
المقدم: في مثل هذه الآيات يأتي ربط الاستغفار والذكر بنهاية الأعمال:
(فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)
(ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
(فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ)
والاستغفار بعد الصلاة أيضاً؟
الجواب: الاستغفار يشعر العبد أن عمله كان فيه تقصير، الله يقول: (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) [سبأ:15] مع أنه قال(بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) حتى لا يُفهم أنهم خلو من الذنوب فقال (وَرَبٌّ غَفُورٌ) حتى يُعلم حاجتهم إلى ربهم، فعلى هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر بعد صلاته، وهذه أجل الأماكن وأشرفها وأعظمها وهي مشاعر عظيمة، والعبد فيها متلبس بالإحرام وهو في أوبة وتوبة وعبادة للملك الديان ومع ذلك يؤمر بالاستغفار لأن الاستغفار في ذاته عبادة، كما حكى الله عن نبيه صالح عليه السلام قال: (لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [النمل:46] .
السؤال: نرجو أن تربط بين قوله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) [البقرة:200] وفي آيات الحج لما ذكر الانتهاء قال: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج:29] هنا لا يُشعر بأنه نهاية مناسك، وهناك يشعر بنهاية مناسك؟
الجواب: قوله: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ) يقول جمهور العلماء إنها محمولة على المبيت في منى أيام التشريق، وأما قوله: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) فالتفث أشبه بما يتعلق بالبدن من طول الأظافر والشوارب ونحو ذلك من متعلقات البدن من طول السفر، وهم يقضون تفثهم إذا أحلوا من إحرامهم ويكون هذا في يوم النحر، فيقضون تفثهم ويحلقون رءوسهم ويقلمون أظافرهم ويطيبون. كما جاء في حديث عائشة لأن الطيب كانوا ممنوعين عنه ، (وليطّوفوا بالبيت العتيق) قلنا إنه طواف الإفاضة، قوله: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) هو الهدي والقرابين التي جاءوا بها.
وأما قول الله جل وعلا: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ) فإنه وإن أطلق إطلاقا عاما إلا أن جمهور المفسرين يرون أن المراد به الخاص وهو المبيت في منى أيام التشريق؛ لأن أيام التشريق أُنيطت جدا بذكر الله لقوله صلى الله عليه وسلم: (أيام منى أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل) فهنا يقول الله: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) وكانت تلك المحافل في الجاهلية مواطن للتعظيم والمدح وإنشاد الأشعار.
المقدم: نرجو الكلام على قول الله: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)[الحج:30] .
الشيخ: الله تبارك وتعالى يبين تعظيم حرمات الله، وتعظيم حرمات الله القاعدة فيه: أن كل حرمة تعظم كما عظمها النبي صلى الله عليه وسلم، ومن حرمات الله المشاعر المقدسة، وقد كان للقرشيين وأهل الأوثان جملة مواطن يذبحون فيها وأماكن يتعمدون الذبح فيها لأصنامهم، فلما شرعت الذبائح بيّن الله لهم أنه لا بد من الفرق بين ما اعتادوا في الجاهلية من الذبح للأصنام أو عند مكان صنم كان يُعظم، وأن العبادة لابد أن تكون بمنأ مكان عن ذلك وفي نفس الوقت لا تكون لأوثانهم إنما تكون لرب العزة، كما قال ربنا: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الحج:36] وهي آية في سورة الحج. وقوله:(لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) [الحج:37] العبرة بإخلاص القلب وإخلاص النية، لكن من تعظيم شعائر الله أن الإنسان يختار أغلاها ثمناً، يستسمنها ، النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أقرنين عليه الصلاة والسلام سمى الله وكبر على كل واحد منهما. والإنسان من تعظيم حرمات الله عز وجل - إذا كان ذا قدرة - أن هذه البُدن أو هذه الأضاحي سواء كانت بقرا لأن البُدن يُطلق على البقر والإبل - على الصحيح - ولا يُطلق على الغنم لكن الغنم سواء كانت كبشا أو معزا أو ضأنا أو خلافه بعمومها كل ذلك يجب على الإنسان أن يبحث عن أطيبها لحماً وأكثرها صحة وما أشبه ذلك مما يغلب على الظن أن فيه تعظيم لشعائر الله ، ولا يحسُن - في ظني ولا أجزم به - أن يُجادل الإنسان في السعر ، لكن يُجادل في قضية أنه يخشى أن يكون بها أذى أو مرض أو عيب فهذا من حقه بل يُستحسن لأنه يُراد بها التقرب إلى الله لكن في السعر لا يُجادل كثرة ولا يُماطل ، هذا من تعظيم حرمات الله .
المقدم : أصبحت الأضحية عند الناس أشبه ما تكون بالعادة، فما هو المراد بالتعظيم؟
الجواب: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا) ليست القضية في لحم أو دم لكن لابد أن يختلط هذا بنية قلبية يراد بها أنني أفعل هذا إجلالاً لله. والدليل : لو نفرض أن صالحاً أو فهداً أُهديت لهم ذبائح قبل صلاة الفجر من يوم العيد ووضعناها في ثلاجات فأهلي وأهلك في غنى عن اللحم، مع ذلك السنة العظيمة في حقنا -إن لم نقل بوجوب الأضحية - أن نضحي؛ لأنه ليست مسألة لحم ، ليس المقصود منها أن أبنائي جوعا أريد أن أطعمهم فإذا كانوا شبعى من اللحم لا حاجة للأضحية ، ليس هذا المقصود ، حتى لو تهرقها ولم يأكل منها أحد أصبحت أُضحية، إنما المقصود إهراق الدم إجلالاً لله، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (من ذبح قبل الصلاة فهي شاة لحم) ، والله جل وعلا نهى عن التبذير والإسراف، ولو كانت القضية قضية إطعام لا حاجة لأن نقول لرجل ذبح قبل الصلاة بساعة واحدة اذبح بعد الصلاة، لأن هذا تبذير. وأنت تلحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هناك أمور لا يباشرها بنفسه فقد كان هناك أحد لسواكه، وأحد يصب عليه الوضوء وأمثال ذلك، لكننا نلحظ في يوم النحر أنه يباشر صلى الله عليه وسلم ذبح أضحيته بنفسه. ولم يقل يا أسامة ، يا بلال ،يا ربيعة بن كعب ، يا عبد الله بن مسعود ، ممن كانوا حوله عليه الصلاة والسلام وإنما يُباشر ذبحها بنفسه ، هذا يجب أن يستحضره الإنسان ، ولهذا يذبح الإنسان أضحيته بنفسه، وإن كان لا يحسن الذبح يقف عليها، هذا أقرب إلى الله من شخص يحرر مستندات وأوراق ثم يبعث بها ويقول: هناك محتاجون، نحن لا نقول: لا تعط المحتاجين لكن هؤلاء المحتاجون يعطون من الصدقات العامة، فعندك عام كامل يمكن أن تبعث إليهم في أي وقت، أما أن تخصه بيوم النحر فلا، بل يوم النحر تذبح أضحية يراها أبناؤك فيحيون وينشؤون على ملة إبراهيم.
----------------------------------------------
التفريغ النصي من موقع إسلام ويب (بتصرف يسير)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق