- الأخ الشقيق ، وتطلق الأخ لغير الشقيق الإخوة لأب .
- وتطلق بمعنى الرجلين من قبيلة واحدة قال ربنا (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا) وقال (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا) فهو أخوهم في النسب العام .
- ويقال جاءت كلمة أخ في الاسناد إلى النسبة الإنسانية عموما قال الله - جل وعلا - (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ) ولوط لم يكن يوما قط من القوم الذين بعث فيهم لأنه كان أصلا قريبا ابن أخ لإبراهيم عليه السلام فهاجر إلى سدوم وهو ليس منها البتة بالإجماع ، فعلى هذا الأخوة هنا الأخوة الإنسانية .
- وجاءت كلمة أخ في القرآن بمعنى الشريك والمخالط قال الله - جل وعلا - في (ص) (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً ) أي شريكي بدليل أن الله قال بعدها (وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) .
- وجاءت كلمة أخ بمعنى الشبيه سواء كان في الهيئة أو كان في المعتقد قال الله - جل وعلا - في الأعراف ( كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا) ليست أختها في النسب ولكن أختها في المعتقد أي تشابهت قلوبهم فأسماهم الله - جل وعلا - أنهم أخوة .
هنا على بابها ، على أصلها (وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) فجعله يسوس بني إسرائيل نيابة عنه لما ذهب موسى لميقات ربه ، قال - أصدق القائلين - (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا) زمانا ومكانا عند جبل الطور وكلمه ربه فمّن الله على هذا العبد والنبي الصالح موسى بن عمران بأن الله كلمه ، وهذا فضل من الله يؤتيه من يشاء من عباده ، ولا ريب أنه موئل كريم ومنزل شريف وعطية عظمى قال الله (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) قال ربنا هنا (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) فشعر موسى بلذة مناجاة رب العالمين جل جلاله وقد شعر بها من قبل لأن هذا التكليم تكليم ثان وليس تكليم أولا . التكليم الأول وقع عندما كان موسى عائدا من أرض مدين إلى أرض مصر فكلمه الله (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) كل ذلك وموسى يسمع فوقع في قلبه عظمة مناجاة الله ، فلما ابتدره الله بالكلام وسأله (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى) أراد أن المقام يطول والحديث يستمر والفرحة لا تنقطع فأخذ يطيل في الجواب (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي) ثم غلبه الأدب فتوقف وقال (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) رغم أن الله لم يسأله لِمَ هذه العصا وكان الجواب يكتفى بأن يقال ما تلك بيمينك ؟ يقول : عصاي لكنه أراد أن يبقى على هذا الشرف فتنازعه في قلبه أمران : البقاء على الشرف أو الأدب مع رب العالمين - جل جلاله - .
/ قال الله - جل وعلا - هاهنا في الموقف الثاني (وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) فلما رأى - عليه الصلاة والسلام - شرف الكلام مع الله - تبارك وتعالى - طمع في شيء أعظم وفي منزلة أكرم وفي مقام أعلى - وحُق له - (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) فبعد مقام التكليم طلب مقام الرؤيا فقال له رب العالمين (لَن تَرَانِي) و"لن" هذه وفق قواعد اللغة تعني النفي في المستقبل وتمسك بها المعتزلة على أنه - جل وعلا - لا يُرى لا في الدنيا ولا في الآخرة .
قلنا دائما النصوص الشرعية لا يمكن أن يُقبل أن يردها أحد ، يقدم النص الشرعي على كل شيء
والاجتهاد في محل النص ** كتارك العين لأجل القص
عاجلا أفسر البيت ثم أنت طبقه على الحدث سيظهر لك الأمر جليا .
لو أن قوما ما ذهبوا في نزهة ثم وهم في نزهتهم فقدوا صبيا لهم فتباكى النساء فسمع الرجال فأخذ الرجال يبحثون عن الصبي فوجدوا آثار أقدامه تتجه مثلا نحو الشرق فذهب الرجال خمس أو ست من الرجال يبحثون عنه يتتبعون الأثر وبينما هم ماضون يبحثون عن الصبي وفق آثاره إذ نادى مناد من النساء وجدنا الصبي ، الصبي عاد ، لم يعد ضائعا . فالرجال عادوا لأن الذي يبحثون عنه وجد فقال أحدهم ليس معقول أنه عاد إن آثاره جهة الشرق كيف عاد من الغرب ؟ فنقول له إن الصبي عاد هذا هو الصبي أمامك ، قال : لا العبرة بالأثر ، نبحث عنه بالأثر . فيحاولون إفهامه تبحث عن من ، هاهو بين يديك قال لا أنا لي في الأثر والأثر جهة الشرق سأذهب جهة الشرق . هذا معنى قولهم : "والاجتهاد في محل النص كتارك العين" - عين الإنسان - يعني نفسه ، ذاته "كتارك العين لأجل القص" يقص الأثر ويترك العين .
المعتزلة في هذه المسألة نفس الأمر . الله يقول (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) والنبي - صلى الله عليه وسلم يقول (إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته) ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في صحيح مسلم في حديث صهيب - رضي الله تعالى عنه وأرضاه - (ألا أعطيكم أفضل من هذا فيكشف الحجاب فيرون وجه ربهم - تبارك وتعالى - فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم هو أعظم ولا أجل من رؤية وجه الله) ، والله يقول في حق أهل الكفر (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ) فإذا حُجب أهل الإيمان عن رؤية الله وحُجب الكافرون عن رؤية الله فما الفرق بين أهل الإيمان وأهل الكفر ، مالفرق في الثواب والعقاب بين أهل الإيمان وأهل الكفر لكن لما قال الله عن أهل الكفر إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون عقلا ونقلا فهمنا إن من أعظم وأجل العطايا رؤية وجه الله .
كل هذه النصوص الظاهرة جعلها المعتزلة خلف ظهرهم وتمسكوا بـ"لن" هذه وقالوا إن "لن" هنا تفيد التأبيد ، مع إن "لن" هنا لا تفيد التأبيد حتى بنص القرآن فإن الله - تبارك وتعالى - قال عن اليهود (وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا) أي الموت ، فلا يمكن أن يحمل هذا كله ويترك من أجل فهم سقيم من أفهام المعتزلة .
هذا إطناب في الوقفة الثانية من الجزء التاسع أردنا به تحرير المسألة علميا ونسأل الله أن يمن علينا وعليكم بلذة النظر إلى وجهه العظيم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق