د. محمد بن عبد العزيز الخضيري
إن الحمد لله ..نحمده ونستعينه ونستغفره ..ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ..من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ..وأشهد ألاّ إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيرا ,, أمــابعـــد :
فهذا المجلس هو الرابع من مجالس تفسير سورة النساء في الدورة المباركة دورة الأترجة في جامع الخليج في مدينة بريدة في اليوم الثالث من شهر الله المحرم من عام 32 بعد الأربعمئة وألف من الهجرة النبوية الشريفة , وقد وصلنا إلى قول الله ّ - عزّ وجل - (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)
نستمع إلى بعض الآيات ثم بإذن الله - عزوجل - نواصل في تفسير هذه الآيات ..ونسأل الله أن يهدينا بها ..
أعوذ بالله منالشيطان الرجيم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا (31) وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) } [1]
يقول الله عز وجل في مطلع هذا المقطع (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) قوله : "لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ" ..أي أموال بعضكم ,وسمّى أموال المسلمين أموال لنا لما بين المسلمين من اللُحمة والرحمة ,وقد قال الله في أول السورة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) فنحن في الأصل شيء واحد وعلينا وعلى الواحد منّا أن يرعى مال أخيه كما يرعى مال نفسه , وقد حرّمه الله عليه .
ويصلح أن يكون معنى الآية أيضاً (لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) أموال أنفسكم ,أن يأكل الإنسان ماله بالباطل بالسرف والتبذير ووضع المال في غير محلّه الذي شرعه الله ـ عزّ وجل ـ قال ( إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) يعني إلّا أن يكون أكل المال عن طريق التجارة , (وإلّا) هُنا من باب الاستثناء المنقطع , لكن أن تكون تجارةعن تراضٍ منكم ,ولما قال (عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) عرفنا أنه يلزم في التجارة أن يكون شيئاً معلوماً لأن غيرالمعلوم لا يحصل به الرضا ,وأن يكون شيئاً مقدوراً على تسليمه , فلا يبيع الإنسان طيراً في الهواء ولا سمكاً في الماء ,لأن غير المقدور على تسليمه لا يحصل به الرضا .. كما أنه عرفنا أن البيع والإجارة وجميع أنواع التجارة تصح بأي لفظ دلّت عليه على اختلاف ألسن الناس ,لأن الله اشترط التراضي والناس يتراضون بأي عبارة دلّت على المقصود , فإذا قال بعتك ..قال أعطيتك هذا بخمسين ريال , فكلمة أعطيتك لا تدل على العطاء المعروف عند أهل الفقه ,ولكن أعطيتك هذا بمعنى بعت لأنه قال بخمسين ريال .
/ قال (عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ) نهى الله الناس أن يقتلوا أنفسهم بالانتحار بأي لون من ألوان الانتحار ..سواء بالتردّي من عالٍ أو بقتل النفس بالحديدة أو بالسم أو أي سبيل من سبل الانتحار المعروفة عند الناس - نسأل الله العافية والسلامة - , وأيضاً قال كثير من المفسّرين لا يقتل بعضكم بعضا جعل البعض في محل النفس مثل ما قال في سورة الحجرات (وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ) [2] كيف يلمز الإنسان نفسه ؟؟! المقصود لا يلمز أحدنا أخاه , لأنك إذا لمزت أخاك فقد لمزت نفسك و (مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ) [3] وهذا من أبلغ ما يكون في الدلالة على ما يوجد بين المؤمنين من الحقوق ,أنه جعل أخاك بمحل نفسك ,إذاً فعليك أن ترعى حرمة أخيك كما ترعى حرمة نفسك (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) [4] (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) ولذلك حرّم عليكم أن تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل بالربا/ بالرشوة/ بالسرقة /بالنهب /بقطع الطريق /بغير ذلك من الأسباب والوسائل المحرمة (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) وكذلك حرم عليكم أن تقتلوا أنفسكم وأن توردوها المهالك إلّا في شيء يشرعه الله لتحقيق مصلحة أعلى من مصلحة حفظ النفس وهي مصلحة حفظ الدين , كما شرع الله الجهاد في سبيل الله .
/ (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا) أي أكل الأموال بالباطل وقتل الأنفس بغير حق (عُدْوَانًا وَظُلْمًا) أي متعدياً وظالماً بفعله (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ) ونكَّر النار هُنا للتهويل والتعظيم ناراً وأي نار , مثل ما تقول رأيت عمارة .. يعني أي عمارة تلك العمارة , ورأيت روضة أي روضة تلك الروضة, عندما تنكّرها تريد بذلك التهويل والتعظيم , قال (وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) أي إيصلاء النار والإدخال فيها يسير على الله ,لا تظنّوا أن ذلك عسير عليّ , فليس شيء على الله إذا أراده بعسير .
/ ثم قال الله - جلّ وعلا - (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) الذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر ..والكبائر تنقسم إلى قسمين :
موبقات أو أكبرالكبائر / وما دون ذلك ..
فعلى المسلم أن يجتنب هذه الكبائر ويتعاهدها , ولن يجتنبها ويتعاهد تجنّبها إلّا بأن يتعلّم , وقد كتب العلماء في أبواب الكبائر وتعدادها كتباً , من أفضلها ما كتبه الإمام الذهبي في كتابه المعروف "الكبائر" وكذلك ما كتبه ابن حجر الهيثمي في كتابه "الزواجرعن اقتراف الكبائر" وعدَّ أكثر من أربعمائة وخمسين كبيرة .
ما هي الكبيرة ؟؟!
الكبيرة : كل ذنب تُوعِّد عليه أو فيه حد في الدنيا , أو وعيد في الآخرة , أو نفي الإيمان أو ترتيب لعنة أو غضب عليه . كل ذنب جاء في الكتاب والسنة قد لُعن صاحبه أو رُتّب عليه حد , أو ترتّب عليه نفي الإيمان ,أوالغضب أو اللعنة فهو من الكبائر، وما سوى ذلك فليس من الكبائر , ومع ذلك العلماء يقولون "لا صغيرة مع إصرار , ولا كبيرة مع استغفار" . قال الله تعالى (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) يدخل في الكبائر أيضاً ترك الفرائض ، فهناك كبائر أصلية مثل الشــرك والسحــروقذف المحصنات الغافلات المؤمنات والسرقة وغير ذلك , وهناك كبائر تكون بسبب ترك الإنسان لما أوجب الله عليه من الفرائض كترك الصلوات الخمس ، ترك الصيام ، ترك الحجّ مع القدرة عليه ..إلخ .
(إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا) من اجتنب الكبائرفإن الله قد وعده وعداً كريماً من عنده وهو أنه يكفّر عنه سيئاته ويُدخله مُدخلاً كريما , الصغائر تُمحى عنه, ويدخله مدخلاً كريماً وهو الجنة , ولذلك قال ابن عباس وقال ابن مسعود أن هذه الآية من أعظم الآيات بُشرى للمؤمنين , وهي مما يزيد حفاوة الإنسان بهذه السورة العظيمة سورة النساء .
/ قال (وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ) السورة من أولها تتحدث عن الحقوق بين الرجال والنساء, وظاهر من الآيات أن الله فضّل الرجال بأشياء . هذا التفضيل ماهو موقفنا منه ؟؟!
أم سلمة ـ رضي الله تعالى عنها - قالت : يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزو ,ولنا نصف الميراث - يعني هذا شيء فضّلهم الله به علينا -, فماذا لنا نحن ؟؟ قال : فأنزل الله (وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ)هذه تفضيلات إلهية ,الله ـ عز وجل ـ بحكمته فضّل بها بعضكم على بعض, ولا يعني أن الله إذا فضّل بها بعضكم على بعض في الدنيا أن ذلك سبباً لتفضيلهم في الآخرة , فالعبرة في التفضيل هو تفضيل الآخرة , ولكن حكمة الله اقتضت أن يكون فينا فاضل ومفضول , مفضّل ومفضّل عليه , ولا تستقيم الحياة إلّا بهذا . تصوروا لو كان الرجل والمرأة سيّان , سواء في كل شيء , في الحقوق والواجبات وإدارة الحياة ...هل تستقيم الحياة .؟!! ما تستقيم .. الآن لو كان عندنا شركة وقال كل واحد من أفراد الشركة : أنا ما أرضى أحد يأمرني وأنا لي من الحقوق والواجبات مثل ما لأي عضو في الشركة , وأنا أميرنفسي في هذه الشركة , ولا آذن لأحد أن يأمر علي . تستقيم أمور الشركة ؟؟! عمرها ما استقامت
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم * ***** ولا سراة إذا جهّالهم سادوا
(وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ) هذا في نزول الآية ..
وأيضاً يدخل في الآية أن ترى إنساناً فُضّل عليك بمال / بصحة / بوطن / بلسان / بأي نعمة من النعم , فإنه لا يجوز لك أن تتمنى ذلك الشيء الذي فضّل به عليك هذا الإنسان , قد تقول : سبحان الله إذن أنا ما أتمنى شيئاً غير الحال الذي أنا عليها ..نقول : لا ,لا تتمنى عين ما عند فلان ,تقول : يا ريت زوجة فلان زوجتي , يا ليت ولد هذا ولدي .. لا تتمنى ما .. أو لم يقل لا تتمنوا مثلما ,أتمنى مثل ، قل :أتمنى من الله أن يعطيني مثل ما أعطى فلان , وأتمنى من الله أن يعطيني من العلم و الفهم لكتاب الله وسنة رسول الله مثل فلان , مثل لا بأس بها ,لكن أن تمنّى أن يُنزع ذلك منه ويكون لك هذا هو عين الحسد الذي حرّمه الله , يا أخي سلِ الله من فضله فالله واسع عليم ، لماذا تُضيّق نفسك وعقلك ونظرك على هذه النعمة الموجودة عند فلان ,الله عنده فضل لا يُحد وعنده خير لا يُعد , ما تستطيع أنت ولا أنا ولا أحد يعُد ماعند الله , ليش يضيق نظرك تريد هذا الإبل / هذه الزوجة / هذا المال / هذا البستان / هذه السيّارة / (وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا), ولم ينهَ أن نتمنى مثل ما فضّل الله به بعضنا على بعض .
/ قال ( لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ) وهذا يدل على أنَّ الآية نزلت في المفاضلة بين الرجال والنساء , فيقال للمرأة تستطيعين أن تدركي الجنة والفردوس الأعلى من الجنة ولو كنتي في الدنيا أقل فضلا من الرجل , فإن أعمال الآخرة لم يحصل بها التفاضل, كل واحد بجهده, ولذلك سيدات نساء العالمين لا يلحقهنَّ كثير من العالمين مريم وآسيا وفاطمة وخديجة .. لكن الدنيا لا ,أمرها آخر .. مبنية على حكم إلهية وتشريعات ربّانية وابتلاء واختبار وفتنة .
/ قال الله عز وجل (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ) نقول هُنا من رأى غيره في نعمة فليسأل الله من فضله وعليه بالعمل و ليدع الأماني , ما تتمنى وتجلس طول نهارك تنظر ماذا عند فلان وماذا عند فلانة ,لا ..اسأل الله من فضله , كل ما رأيت خيراً عند أحد ونعمة عند إنسان فاسأل الله من فضله .
(إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) سبحانه!! وهذا عموم لا يُخفى , فهوعالم بكل شيء ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون , كما قال الله (وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ) هم لن يُردّوا ومع ذلك علم الله بسعة علمه أنهم لو رجعواإلى الدنيا بعد موتهم لعادوا إلى العمل الذي كانوا فيه .
/ قال الله - جل وعلا - (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ) أي لكل منكم أيها الناس جعلنا موالي "ورثة" , المولى هو: النصير والمعين والقريب الذي يلي أمرك ,أي لكل واحد جعلنا ورثة , (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ) جعلنا له ورثةً مما ترك ، من هم هؤلاء الموالي ؟؟ الوالدان والأقربون ، فكأن كلمة الوالدان والأقربون بدل من قوله (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ) كأنها تفسير لها ,كأنها تفسير لقوله موالي ، وأكثر الناس يقولون (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ) أي ورثة مما يرثونه مما ترك الوالدان والأقربون , أويرثونه ، يرثون الإنسان مما تركه الوالدان والأقربون , فلكل واحد منا ورثة يرثون منه ما تركه سواء كانوا والديه وأقربيه ,أو ما تركه الوالدان والأقربون له , ما تركها لوالدان والأقربون لك سيأتي من بعدك أناس يرثونك كما ورثت أنت من قبلك . وهذا يعني أنّ مال الإنسان لا يذهب إلى بيت المال ولا يُقسم على الصدقات و مصالح المسلمين , وإنما يكون لمواليه وهم ورثته وأقربوه .
/ قال (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) كان في أول الإسلام هناك التحالف أو التآخي بالحلف واليمين , يتحالف فلان على أن كل واحد منهما يكون أخاً للآخر ,الدم الدم .. والهدم الهدم ,وعلى أن أرثك وترثني , ويعقدان على ذلك أيمانهما ,قال الله (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ) وفي قراءة [عاقدت أيمانكم ] يعني عقدتم اليمين معهم ( فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) إن كنتم تعاقدتم على الإرث فآتوهم نصيبهم يعني فيجب أن يُعطوا نصيبهم من الإرث, وكان هذا في أول الإسلام ثم نُسخ بأنه لا يكون الإرث إلّا للقرابة كما قال الله (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ..) إلخ .
وبعض الناس قال هذه الآية نزلت بعد آيات المواريث فالله قال وإن نُسخت المواريث في حق من عاقدت أيمانكم فإن حقهم في النصرة وما سواها باقي . يعني من عاقدتموه وتحالفتم أنتم وإياه على أن يكون بينكم التناصر والتوارث والتآخي آتوهم نصيبهم في كل شيء إلّا في الميراث فإن الله قد بيّن أن المواريث ما تكون إلّا للأقربين الوالدين والأقربين . قال الله (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)
/ ثم قال الله (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) بيّن الله من هو صاحب القوامة ، من هو المدير في الأسرة والقيّم في البيت ، هل هو الرجل أوالمرأة ؟؟ , فوضّح بما لا يدع مجالاً أن القوامة بأيدي الرجال , وسبّب لذلك وبيّن العِلّة فيه ولم يتركه هكذا ,لأنه سيأتي قوم يقولون لماذا فُضّل الرجال على النساء في أن تكون القوامة بأيديهم دون النساء؟ قال الله (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) فالرجال فُضّلوا بقوة الأبدان وفُضّلوا أيضاً بقوة العقول وهذا معلوم يا إخواني ولذلك جعل الله - عزوجل - شهادة امرأتين بشهادة رجل (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء) , ولم يرضَ شهادة المرأتين إلّا بأن يكون معهم أيضاً رجل لما جُبلت عليه المرأة من النسيان ولما جُبلت عليه من التردد ولما جُبلت عليه من قلّة القوة والبيان في الخصومة (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) [5] هذا من الضعف الذي جعله الله مكوناً في المرأة .. وهذا الضعف هو أحد الأسباب التي تجعل حياتها بالرجل لائقة ومناسبة ,لأنها لو كانت قوية ما رضي أحدهما بالآخر ,لكن هي تركن إليه وتأوي إليه , وهو يسكن إليها ,لاحظ هذا التزاوج والتناسب والتشاكل بين المرأة وبين الرجل . فكل واحد منهما يُكمّل الآخر ..ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (إنما النساء شقائق الرجال) [6] بعض الناس يقول شقائق الرجال يعني هم وإيّاهم رؤوسهم سواء ، لا ,شقيقة يعني الجزء المكمّل , معنى ذلك عندها أعمال وأعباء لا يقوم بها الرجل , وعند الرجل أعمال وأعباء لا تقوم بها المرأة , ولو كان كل واحد يقوم بأعباء الآخر ماصار لوجود الآخر أصلاً فائدة , صار وجوده مثل عدمه , وهذا الأن ما ينادي به (الجندريون ) [7] الجندر الآن مذهب عالمي يراد تصديقه على الأمة الإسلامية خصوصاً مفاده لا فرق بين المرأة والرجل , والله يقول (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى) [8] ولو ما قاله الله لكان الواقع والعقل والفطرة تقتضي ذلك .. يا أخي اجلس مع أطفال صغار في البيت .. صغار ذكور وإناث , انظرماذا تفعل الإناث مع الذكور؟!! فطرة لا أحد قال لهم الرجال قوّامون ..وهل أنتم حافظين سورة النساء , أو إنتبهي يا بنت !! بنت صغيرة عمرها سنة ونصف وطفل صغير عمره سنة ونصف ذكر , انظر كيف يفعلان !! تجد إن البنت تتبع الولد ..تجد أن الولد يسيطرعلى البنت, ( بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) هذا التفضيل خِلقي , ولا يُقصد به كما يفهم أو يريد أن يفهمنا بعض الكُتّاب الّذين ليس لهم من العلم ولا من الخبرة إلّا أنّهم مُكِّنوامن الكتابة بما أوتوا من القدرة على حمل القلم فقط , فليس لهم من المؤهلات إلّا كونهم يستطيعون نظم الحروف .. وإلّا لا علم ولا دين ولا خُلق ولا شيء يصح به أن يكونوا كُتّاباً يفيضون بفكرهم على الأمة. ماذا يريدون أنيقولوا لنا ؟؟ يريدون أنيقولوا الرجل والمرأة سواء .. يجب أن يكونوا سواء في كل شيء وهم يكذبون , لأن المرأة الأن إذا خرجت تعمل عمل الرجل والرجل قطعاً لن يعمل عمل المرأة لن يحمل ولنيُرضع ولن يلد ولن ، إذن صارت المرأة ويش ؟؟ أعباءها وعملها أكثر من الرجل , إذاكنتم تنادون بالمساواة الحقيقية ..فاصدقوا ، قولوا يجب على الرجل أن يكون له حظ من تربية الأولاد وحملهم وإرضاعهم أو ولادتهم و، مثل ما لكم أيها النساء , أما أن تقول للمرأة اعملي كل شيء في البيت ثم يجب عليك أن تخرجي لتشاركي الرجل في عمله أيضاً!! لذلك المرأة حقيقةً مظلومة . وأنا رأيت في الدول الغربية شيئاً عجيباً ..رأيت الأكثر من يسلم منا لغربيين هم النساء ,فإذا كانت النساء مظلومات في الإسلام فلماذا تُسلم المرأة ؟!! أول ما تعلم المرأة عن حقها في الإسلام تقول أنا أريد أن أسلم , هذا هو الدين الذي سيحفظني ,ابحثوا لي عن زوج مسلم دخلنا المجرفوجدنا أن 90 % من عدد المسلمين هم من النساء ,والله الذي لا إله غيره 90 %. لماذا ؟؟ لأنها لما تسمع بأن المرأة لها حق وحظ وأن الرجل يحفظها ويرعاها وينفق عليها ويقوم بحمايتها ورعايتها , وأنها تقتصر على أعباءها التي خلقها الله لها وفطرها عليها ترضى بذلك وتعلم أن هذا هو الذي لا يصح غيره وقد جرّبت .
/ قال الله (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) أي وبسبب إنفاقهم من أموالهم , فهم أصحاب الكسب والإنفاق , فجعل الله لهم فضلاً بإنفاقهم , وهذا يدل على أن المنفق له فضل على المنفق عليه . وهل الإنفاق الإنفاق على الزوجة فقط أو الإنفاق على الزوجة وغيرها في أبواب الصدقات والزكوات وسائر التبرعات ؟؟ يشمل هذا وهذا .
/ قال الله (فَالصَّالِحَاتُ) يعني فالنساء الصالحات .. من هن ؟ قال (قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) هذه صفة الصالحة في القرآن من جمعت هذين الوصفين "قانتة وحافظة للغيب" ,أما قانتة فالمقصود بها القنوت هو: دوام الطاعة في أصل اللغة ومعناه هنا يعني مُديمات لطاعة الله ولطاعة أزواجهم , وما ترفرف السعادة في البيت إلّا عندما تكون المرأة قد عرفت قدرها وحقها وحظّها وأذعنت لزوجها وأطاعت بعلها ,عند ذلك تستدر عطفه فيحنو عليها ويعطف عليها , فتكون السكن و الحميمية والدفء والرحمة والمودّة بينهما على أتمّها . أمّا إذا نشزت وأبت جاء الشقاق وجاءت الفرقة وحصل الاختلاف , وحصل التبرّم من كل طرف من الآخر, فقانتات يعني مُديمات للطاعة ، طاعة الله وطاعة الزوج . لما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الدنيا متاع قال : (وخير متاعها المرأة الصالحة) [9] ثم وصف المرأة الصالحة فقال :(التي إذا نظر إليها سرّته وإذا أمرها أطاعته وإذاغاب عنها حفظته في نفسها وماله) قال هنا (حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ).
/ (وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) أنظر..هذا يبين معنى "قانتات " لما قال قانتات عرفنا أنه ليس المقصود طائعات لله ،لا ، طائعات لله ولأزواجهن في طاعة الله , بيّن هُنا ضد الطاعة وهو النشوز . والنشوز هو: الارتفاع , يقال هذا نشز من الأرض أي مرتفع منه , فمعنى ناشز: ارتفعت على زوجها خلاص , صار يأمرها فتترفّع عن الإستجابة لأمره ولا تذل له .
/ (وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ) هذه المرتبة الأولى, يعني يجب عليكم أيها الأزواج أن تعظوهن ,وهنا تأتي فائدة المرأة المتدينة التي تخاف الله , فإن الرجل إذاوعظها وذكّرها بالله وتلا عليها آية من كتاب الله وحديثاً من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذعنت وذلّت وعادت إلى الطاعة مرة أخرى . عِظها ، سواءً تعظها بنفسك.. إذا ما تعرف هات لها شريط ,إذا ما تعرف أعطها كتاب , إذا ما تعرف قل لإمام المسجد أو لصديقك أو لأخيك أو لأخيها ،عِظها ."فعظوهن" ولم يقل فليعظها زوجها ما يدل على العموم .
/ (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) من أشد الأشياء على المرأة أن تُهجر, فإذا وعظها الزوج فلم تنتفع ولم تستجب انتقل إلى"الدواء الثاني " (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) هجرها في المضجع يعني أن يولّيها دبره فلا يستقبلها بوجهه ,وقال بعضهم أن يبيت في مكان آخر يعني في فراش آخر ليس معه ,وهذه مرتبة عالية في الهجران , الأوْلى أن يقتصر الإنسان على الهجران في الفراش بأن يوليها ظهره إذا نشزت فإن هذا شديد جدّاً على المرأة.
/ قال (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) هذا عندما لا يُجدي الوعظ ولا يُجدي الهجر فيضربها الإنسان , وقد فسّر السلف معنى الضرب بأن المقصود به ما يشُعر المرأة بعدم رضى الرجل بهاوبتصرّفاتها , فالمقصود منه هو أن يضربها ضرباً تشعر معه عدم رضاه , الضرب باليد أو بشيء معه من رداء أو نحوه دون أن يجرح ودون أن يكسر لأن هذا ليس ضرباً شرعياً .
/ قال الله (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ) وهذا يؤكد لنا معنى قانتات مطيعات (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) يعني متى أطاعت المرأة زوجها لم يحلّ له أن يعتدي عليها ولا أن يُقصّر في حقها . (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) عليّاً : له العلو بأنواعه علوالذات وهذا الذي يثبته أهل السنة قاطبة وأجمع عليه الصحابة والتابعون ,قال ابن القيّم ثبت العلو للباري بأكثر من خمسة آلآف دليل من كتاب الله وسنة رسوله , أنت تأتي في القرءان "نزّل من القرءان" نزّل ما معناها ؟ إذن هو في العلو ,(أأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء) [10] إلى آخره من الآيات والأحاديث الواردة في هذا الباب , فعلو الذات ثابت عند أهل السنة ومجمع عليه . ولذلك قال النبي للجارية :أين الله ؟؟ قالت : في السماء . وأشارت بأصبعها , قال: أعتقها فإنها مؤمنة ).[11] وعلو القدر وهذا مجمع عليه بين الطوائف كلها أهل السنة وغيرهم , وعلو القهر وهو أن الله قاهر لعباده (وهو القاهر فوق عباده) .
"كَبِيرًا" أي لا أحد أكبر منه , ولاحظوا كيف ختم الآية بقوله (عَلِيًّا كَبِيرًا) ليُبيّن أنك أيها الزوج وإن كنت أكبر وأعلى من المرأة فإن ذلك لا يعني لك أن تتسلّط عليها فتظلمها . تذكّرأن هناك من هو أعلى وأكبر منك .
/ قال الله (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) استمر الشقاق..وَعَظَها ,هجرهافي المضجع , ضربها , ما ازدادت إلّا إصراراً على النشوز وترك الطاعة , هُنا قال الله (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا) ينبغي أن يُبعث حكم من أهله وحكم من أهلها (إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) لما قال حكماً عرفنا أن هذا الحكم عنده علم وعنده فهم , ويعرف الزوج ويعرف الزوجة , لأنه لو لم يكن كذلك ما سُمّي حكماً, لكان قال الله فابعثوا رجلا من أهله ورجلا من أهلها ، لماذا يقول حكم ؟؟ عنده حكمة ، عنده علم وعنده معرفة بالزوجين ,ومعرفة في أصول التفريق وأصول الجمع , وهل يمكن الجمع في هذه الحالة أو التفريق , قال (إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا) ولما قال حكم دلّ على أن حُكمه نافذ وأنه لا يحتاج إلى قضاء القاضي لا في الجمع ولا في التفريق . يعني لو اجتمع الحكمان ودرسوا المشكلة تماماً من كل أوجهها ورأوا أن أفضل شيء بالنسبة لهذين الزوجين أن يُفرّق بينهما ففرّقا , ينفذ تفريقهما ؟؟! ينفذ ..لأن الله سمّاهما حكمين ولم يسميهما رجلين , فدلّ على أن حكمهما نافذ وهذا على الصحيح من أقوال أهل العلم والله أعلم .
/ قال الله (إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) إن أرادا الإصلاح وسعيا إليه بقصد وجهد فإن الله يوفق بينهما , والتوفيق قد يكون بالجمع وقد يكون بالتفريق ,ولكن أن يصلا إلى الحل المناسب إن الله كان عليّاً كبيرا وإلّا غفوراً رحيما .. لا هذه ولا هذه (عَلِيمًا خَبِيرًا) يعلم الأسباب التي تصلح بها الأحوال فيشرع لكم ما يناسبها , ولذلك قال (فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا) وهذا يناسبه علم الله وخبرته والخبرة معناها الدقة في معرفة الأمور , ولذلك يقال فلان خبير بمعنى يعرف الأشياء الدقيقة , وهذا شيء دقيق من دقائق الحياة الزوجية وما يصلحها .
قال الله (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ) هذه آية الحقوق العشرة ذكرالله فيها عشـرة حقـوق :
* قال (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا) هذا أول حق : أن نعبدالله ولا نشرك به شيئاً , وقوله "شيئاً" نكرة في سياق النهي فتعم كل شيء , يعني فلا يجوز للإنسان أن يشرك بالله ,لا شركا خفيّاً ولا جليّاً , لا صغيراً ولا كبيراً , كل الشرك محرم بل هو أكبر الكبائر .
* قال (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) لم يقل وبالوالدين عناية ، إحساناً , أمر بالإحسان مع الوالدين , لماذا؟؟! لأن الحق الذي للوالدين لا يمكن للإنسان أن يقوم به ,فأفضل شيء توصله إلى الوالدين أن تُحسن في حقهما , قال (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) لاحظ أن الله أمرنا بالإحسان , وما نهانا عن العقوق وحده , لو نهانا عن العقوق وحده فقلت أنا لم أصنع لوالديّ سوءً هل تنجو من العذاب يوم القيامة ؟؟! لا تنجو لماذا ؟؟ لأن الله أمرك بالإحسان والأمر بالإحسان يعني إنك ما تُسيء إليهما ولا تتركهما من غير إحسان , لو تركتهما من غير إحسان كنت مسيئاً ومذنباً محاسباً عند الله (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا).
(وَبِذِي الْقُرْبَى) قرابتك ..وهم كل أقاربك من جهة أبيك ومن جهة أمك ,وأبناءك وأبناء أبناءك , وكل هؤلاء يسمّون قرابة , أيضاً يجب لهم الإحسان والقيام بهذا الحق وهو حق القرابة .
(وَالْيَتَامَى) اليتيم هو : من مات أبوه قبل البلوغ .
(وَالْمَسَاكِينِ) المسكين هو : من لا يجد كفايته , سواء كان فقيراً وهو أشد من المسكين ,أو مسكيناً وهو الذي لا يجد كفايته وسُمي مسكيناً لما يكون في قلبه وعلى وجهه من المسكنة والذل بسبب قلة ذات يده .
(وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى) يعني الجار الذي من قرابتك .
(وَالْجَارِ الْجُنُبِ) أي الجار الذي ليس من أقاربك , جُنب يعني بعيد , قال (فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ) [12] يعني عن بُعد , ولذلك بعض الناس يزعل من كلمة فلان أجنبي , وما فيها زعل , أجنبي يعني بعيد هذا المقصود , فابن عمي, ابن عم المرأة أجنبي عنها ولذلك يحل له أن يتزوجها , لكن أخوها ليس أجنبياً عنها , واضح هذا المعنى , ابن العم أجنبي .
* قال (وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ) الصاحب بالجنب هو : كل من كانت بينك وبينه صحبة في عمل, في سفر , في حضر , حتى الذي يركب معك في الطيارة لمدة ساعة صار له عليك حق , لو قال لك : يا أخي لو سمحت أنا رايح دورة المياه ..أمسك متاعي .. يجب عليك أن تمسك متاعه ، حق من الله ليس منك . اسمعوا هذه انتبهوا لها . كذلك في العمل زملائك في العمل هؤلاء كلهم من الصاحب بالجنب , ويدخل فيه الزوجة ، هي الصاحب بالجنب بل هي أولى الأصحاب بالجنب لأنها تدوم وتطول عشرتها لك وصحبتها لك . *قال (وَابْنِ السَّبِيلِ) هو المسافر المنقطع ، سمّي أبناً للطريق لملازمته للطريق .
(وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) يعني عبيدك سواءً كانوا ذكوراً أو إناثاً , ويدخل فيه أيضاً ما ملكه الإنسان من البهائم يجب عليه أن يُحسن إليها ,كما قال النبي في المرأة التي دخلت النار في هرّة : (حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) . [13]
(إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) من هو المختال ومن هو الفخور ؟؟
المختال : الذي يختال بفعله , يتبختر بفعله وهيئته وشكله ومشيته .
والفخور : الذي يفتخر على الناس بلسانه .
ثم فسّره فقال (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) هذه يظهرأنها في اليهود , ومن سار على شاكلتهم , فإنهم أهل بخل وهو مفسّر لقوله (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) من هم المختالين الفخورين ؟؟ قسمان :
القسم الأول : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ) فهم يبخلون ولا يكتفون بذلك بل يأمرون الناس بالبخل , إذا أراد أحد أن يتصدّق يقول : انتبه !! ترى هذه أشياء ما تدري ماذا يحدث وراءها , وترى هذه أشياء الله أعلم بحالها ,وترى الناس ضعفت أمانتهم ,إن كان عندك شيء ترى أولادك أحق من غيرهم وما يزال بك يُبخّلك حتى تبخل وتمسك المال بيدك , فيذهب منك تموت وتتركه لمن لايحمدك .
( وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) يكتمون ماعندهم من أموال فلا يصرّحون بها .. ها كيفك يا فلان ؟ بشّر أمورك زينة ؟ يقول : مسكين يا أخي ..والله إني في عذاب وشقاء ..وها الدنيا ما أحد مرتاح فيها ,.. فيشعرك بأنه فقير ليس عنده شيء من مال , وأيضاً ( وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) ماآتاهم الله من الوحي و العلم يكتمونه فلا يعلّمونه الناس (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) .
الصنف الثاني من المختال الفخور : الذي ينفق لكن على وجه الرياء والفخر والخُيلاء وطلب المدح والثناءمن الناس (وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ) لكن (رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ ) وهذه لعلها في المشركين , وهذان الصنفان كانا موجودين في عهد النبي اليهود البخلاء , والمشركين الّذين كانوا ينفقون لكنَّ النفقة كانت على وجه المفاخرة والممادحة والرياء .
/ (وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قَرِينًا) من كان له الشيطان صاحباً وملازماً فساء صاحباً ذلك القرين والملازم .
/ قال الله (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) أي شيء عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر , ماذا يضرّهم .. ماذا ينقص منهم !!! هل ستذهب زوجاتهم ،أولادهم ؟ هل ستذهب دورهم وأوطانهم ؟ هل سيخسروا شيئاً من سمعتهم عندما يقولون نحن لن نؤمن بالله ولا باليوم الآخر , (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ) ولاحظوا كيف يذكّرهم بأن الرزق من عند الله - عز وجل - (وَكَانَ اللَّهُ بِهِم عَلِيمًا ) هذا تهديد لهم بأنهم إذا لم ينفقوا فإن الله يعلم أحوالهم فيعذّبهم ويعاقبهم , والعلم إذا خُتمت به الآيات إما أن يدل على أن الله يجازيك بالحسن ,أو أن الله سيحصي سيئاتك فيجازيك عليها , ولا يخفى عليه من سيئاتك شيء .
/ قال الله (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) هذه من الآيات التي ذكرها ابن مسعود في فضيلة سورة النساء , الله (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) سبحانه !! فيرى المؤمن اطمئن أعملت من صالح فإنك ستراه (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ), وأنت أيها الكافرأو المنافق أو المسيء أو العاصي ما عملت من ذرات سيئاتك ستراه أيضاً إن الله لا يظلمك بأن ينقصك من حسناتك ولا يظلمك بأن يزيد في سيئاتك.
(وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا ) ومن فضله في مقابل كونه لا ينقصك من حسناتك ولا يزيد في سيئاتك من فضله وكرمه أنك إذا عملت حسنة ضاعفها لك عشرة أضعاف إلى سبعين ضعف إلى سبعمائة ضعف , جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بناقة مخطومة أي عليها خطام فقال : يا رسول الله هذه في سبيل الله ..فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - (إن لك بها في الجنة سبعمئة ناقة مخطومة) انظر إلى الفضل !!
عند من تجدون هذا الفضل يا إخوان !! والله لا يوجد عند أحد من الخلق إلّا عند الله . (وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا) نكّره ليبين عظمه وسعته ,وعظّمه فقال (عَظِيمًا) لا يقادر قدره ,وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أهل الجنة لهم فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت , واسمع الثالثة ولا خطرعلى قلب بشر،اجتمعوا أيها البشر كلكم ، كلكم من أولكم إلى آخركم وتخيّلوا حتى يبلغ خيالكم ما لا يمكن لأحد أن يصل إليه ,ثم اعلم أن كل هذا الخيال وكل تلك الأماني دون الذي أعدّ الله لك في الجنة!! .
/ قال (يَوْمَئِذٍ) أي في يوم القيامة (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ) لمّا يرون عدل الله وإحصاءه لسيئاتهم (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ) أي تبتلعهم الأرض فتُسوّى عليهم فلا يُرى لهم أثر , وذلك عندما يروا البهائم يُقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء .
/ قال الله (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) هذه الآية لما تلاها ابن مسعود من سورة النساء للنبي - صلى الله عليه وسلم - وصل إلى هذه الآية قال له النبي - صلى الله ليه وسلم - (حسبك ,قال فالتفت إلى رسول الله فإذا عيناه تدرفان) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذُكّر بمقام مهيب ومفرح ..مهيب من جهة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سيقف ذلك الموقف المهيب العظيم ليشهد وليُدلي بشهادته على أمته وعلى من قبله بالبلاغ ..ومُفرح أنه موقف كرامة للنبي - صلى الله عليه وسلم - .
قال (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) أي في ذلك اليوم لا يكتمون الله حديثا بل ينطقون بكل صغيرة وكبيرة مما عملوا .. فإن قلت : قد جاء في الآيات أنهم يقولون (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) [14] فقد كتموا ..يقال نعم ..يكتمون أولاً عندما يرون رحمة الله يكتمون , يظنون أن هذا سينطلي على الله فعند ذلك يختم الله على أفواههم فتنطق جوارحهم فيقولون لجوارحهم : (تبّاً لكُنَّ وسحقا فعنكن كنا ندافع) [15] فعند ذلك يقولون كل شيء.
/ قال (وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) وحديثا نكرة في سياق النفي فتدل على العموم يعني لا يكتمون أي حديث حصل منهم وأي منكر فعلوه .
بهذا نأتي إلى نهاية هذا المجلس الرابع من مجالس التفسير ، نسأل الله أن يتقبّل منا ومنكم . اللهم اجعلنا جميعاً من أهل القرآن الّذين هم أهل الله وخاصّته ..وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ....
لتحميل المقطع الصوتي ---------------------------------------
[1] سورة النساء 32
[2] الحجرات 11
[3] صحيح مسلم باب باب تَرَاحُمِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَعَاضُدِهِمْ.
[4]اخرجه البخاري بَاب مِنْ الْإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ومسلم في باب باب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مِنْ خِصَالِ الإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لأَخِيهِ الْمُسْلِمِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ.
[5] الزخرف18
[6] سنن أبي داود باب فِى الرَّجُلِ يَجِدُ الْبِلَّةَ فِى مَنَامِهِ.
[7] بحث أعده:د/ حسن بن محمد علي شبالة رئيس قسم الدراسات الإسلامية جامعة إب جاء في خلاصته ((الجندر) مصطلح غربي ظهر أخبراً، ثم تحول إلى دعوة نشطة في البلاد الغربية، ومنها أنتقل إلى العالم الإسلامي، ويطلق عليه الجندريون العرب: (النوع الاجتماعي) والمقصود به الدعوة إلى مساواة الرجل بالمرأة.ورغم سذاجة الفكرة وغياب العقلانية والوعي فيها وافتقادها للموضوعية وبعدها عن واقع الإنسان واهتماماته المعاصرة وهمومه الفعلية... إلا أنها وجدت رواجاً حتى في المجتمع الإسلامي)
[8]آل عمران36
[9] صحيح مسلم باب خَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ
[10] سورة الملك ىية 16
[11] صحيح مسلم باب تَحْرِيمِ الْكَلاَمِ فِى الصَّلاَةِ وَنَسْخِ مَا كَانَ مِنْ إِبَاحَتِهِ.
[12] القصص 11
[13] صحيح البخاري باب فضل سقي الماء وصحيح مسلم باب تَحْرِيمِ قَتْلِ الْهِرَّةِ.
[14] الأنعام 23
[15] في صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -- فَضَحِكَ فَقَالَ « هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ ». قَالَ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ يَقُولُ يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِى مِنَ الظُّلْمِ قَالَ يَقُولُ بَلَى. قَالَ فَيَقُولُ فَإِنِّى لاَ أُجِيزُ عَلَى نَفْسِى إِلاَّ شَاهِدًا مِنِّى قَالَ فَيَقُولُ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا - قَالَ - فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ فَيُقَالُ لأَرْكَانِهِ انْطِقِى. قَالَ فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ - قَالَ - ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلاَمِ - قَالَ - فَيَقُولُ بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا. فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ ».
/ مصدر التفريغ / ملتقى أهل التفسير (بتصرف يسير)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق