الثلاثاء، 1 مايو 2012

تفسير سورة التكاثر / الشيخ : عثمان الخميس







 

هذه السورة على قول أكثر أهل العلم مكية ، وقال بعض أهل العلم مدنية .
و "ألهاكم" من الإلهاء وهو الإنساء أي أنساكم .
" التكاثر" : قيل تكاثر الأموال أو الأولاد أو التفاخر بشكل عام بالآباء والأجداد وذكروا أن سبب نزول هذه السورة أنه كان تفاخر بين بني عبد مناف وبني سهل ، وقيل بين ألأنصار ، وقيل : بين اليهود وصاروا يتفاخرون على بعض ، إما قلنا أنهما حيان من اليهود أو حيان من الأنصار أو حيان من قريش ، صاروا يتفاخرون حتى وصل بهم الفخر أنهم ذهبوا إلى المقابر وقال : هذا أبي فلان وهذا جدنا فلان وهذا منا فلان ، افتخروا حتى بالأموات قالوا : ولذلك قال : حتى زرتم المقابر أي تفاخروا بالأحياء فلم يكفيهم حتى تفاخروا بالأموات .
والقول الثاني : وهو الأشهر والذي عليه جماهير أهل العلم أن (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ*حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) أي حتى متم . أي أن الإنسان انشغل بهذه الدنيا واشغلته عن الآخرة حتى زار المقبرة ميتا . وهذا هو المشهور والذي عليه أكثر أهل العلم والأمر كما قال الله تبارك وتعالى (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ) فهذا هو التكاثر وهو التكثر من هذه الدنيا الزائلة وهذه دعوة للزهد بهذه الدنيا .
(أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ*حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) أي شُغلتم بهذه الدنيا ولم تنتبهوا حتى وصلتم إلى المقابر ، ظل الإنسان في هذه الدنيا في غفلة وتكثير عدد أولاده وتمتعه بهذه الدنيا حتى زار القبر - والعياذ بالله - أي زيارة ميت .
 وقال بعضهم أن أعرابيا سمع رجلا يقرأ هذه السورة (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ*حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) قال : بُعثوا ورب الكعبة فإن الزائر لابد له أن يرتحل . طالما أنه سمى الذهاب إلى المقبرة و الدفن فيها زيارة ، الزيارة لها حدّ ، طالت قصُرت لها حدّ ، وستنتهي هذه الزيارة ، ولذلك استدل الأعرابي على البعث قال : بُعثوا ورب الكعبة فإن الزائر لابد له أن يرتحل .
وهذا فيه إثيات عذاب القبر ونعيمه كما قال أهل العلم أنه يثبت من هذا أن الإنسان يُحاسب في قبره وإما أن يُعذب وإما أن يُنعّم كما في قوله - سبحانه وتعالى - (كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) كما سيأتينا إن شاء الله .
(حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) قال أهل العلم لم تُذكر المقبرة باسمها إلا في هذه السورة .
قال (كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ*ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) "كلا" للإضراب عما مضى وهي كلمة زجر ، (ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) قال بعض أهل العلم تكرار للتأكيد ، وقال بعض أهل العلم : لا ليس هناك تكرار وإنما (كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) الأولى شيء و (كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) الثانية شيء آخر .
(كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) الأولى أي عند حضور سكرات الموت ، الإنسان في هذه اللحظات يعلم أشياء لا يعلمها غيره ، يرى ملائكة الموت عندما تأتيه سواء كان صالحا أو طالحا .
(ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) هذا إذا دخل إلى قبره .
 ولماذا قالوا بهذا القول ؟ قال : لأربعة أمور :
/ أنه في كلام العرب إذا تكررت الجملة مرتين تباعا فاحتمال أن الثانية تؤكد الأولى ، واحتمال أن الثانية غير الأولى يسمونه " تأسيس " أي كلام جديد فقالوا : التأسيس مُقدم على التأكيد .
/ أنه جاء بكلمة "ثم" إذا بينهما تراخي ، بين هذه وبين تلك وقت ، فهذه عند حضور الموت والثانية في قبره .
/ قالوا : هذا مطابق للواقع لأن الذي يعلمه عند موته غير الذي يعلمه وهو في قبره .
/ والرابع : أن هذا هو المشهور عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال (كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) عند سكرات الموت (ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) قال هذا عند قبره .
(كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) هناك علم اليقين ، وهناك عين اليقين ، وهناك حق اليقين، قالوا :
أما علم اليقين : فهو لشدة إيمان الإنسان يكون الشيء عنده علم اليقين ومنها قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن الإحسان قال (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) هذا علم اليقين .
- عين اليقين : هي المشاهدة الحسية بالعين
- حق اليقين هي : المخالطة والملامسة .
وقد جعل أهل العلم لذلك مثالا قال : لو أن إنسانا قيل له : هل توجد كعبة ؟ قال : نعم أنا أؤمن بوجود الكعبة أنا إذا صليت أتوجه إليها وهي في هذه الجهة وأنا أعلمها علم اليقين . هذا علم اليقين . فإذا ذهب إلى مكة - شرفها الله - ورأى الكعبة قال : أنا أراها عين اليقين فإذا لمسها أو دخل داخلها فهذا حق اليقين .
(كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) هنا أهل العلم على قولين :
/ القول الأول وهو الأشهر : أنه لابد من الوقف هنا فالبعض يقرؤها (كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ*لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) و (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) ليست جوابا للشرط هنا أبدا وإنما الجواب محذوف (كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) لما ألهتكم الدنيا ، وليس الجواب (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) ، تكون (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) هنا مقسم به محذوف أي والله لتبعثن ، والله لترون الجحيم وذلك لأن رؤية الجحيم ليست متعلقة بعلم اليقين ، فلو أن أحدا قال أنه لا يؤمن بيوم الآخرة فهل لا يرى الجحيم ؟ يرى الجحيم فليس رؤية الجحيم متعلقة بعلم اليقين .
وهذا عليه أكثر اهل العلم انه لابد من الوقف هنا وخاصة انها رأس آية . وهذا الذي عليه أكثر المفسرين أن استئناف هنا .
/ القول الثاني : بعض أهل العلم يرى أنه (كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ*لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) أي رؤية قلبية ، أي لو كان الإنسان يعلم علم اليقين كأنه يرى النار الآن فيخاف ويتقي .
ولكن الأول هو الأشهر والذي عليه جماهير المفسرين .
" الجحيم" اسم من أسماء النار - أعذنا الله وإياكم منها- .
قال (ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ) انتقل من علم اليقين إلى عين اليقين ، قالوا ومن ذلك قول إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - قال (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) قالوا : أراد أن ينتقل من علم اليقين إلى عين اليقين . فإبراهيم كان مؤمنا - صلوات الله وسلامه عليه - ولكن أراد أن يرى بعينه - صلى الله عليه وسلم - .
(ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) من الذي يُسأل الكافر أو المسلم ؟
الصحيح : الكافر والمسلم لأن نعيم الدنيا ليس خاصا بالكافر (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) أي مشاركة للكفار (خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .
فزينة الدنيا نحن نتنعم والكفار يتنعمون بها فالجميع سيُسأل ، ولكن المؤمن يُسأل سؤال غير الكافر لأن المؤمن شكر الله على هذه النعمة واستعملها فيما يرضيه على تقصير أما الكافرأنكر هذه النعمة واستعملها فيما يُغضب الله تبارك وتعالى فاختلف الأمر لكن الجميع سيُسأل والدليل على هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوما من بيته فرأى أبا بكر وعمر فقال : ما أخرجكما هذه الساعة ؟ فقالا : الجوع يا رسول الله ، فقال - صلى الله عليه وسلم - والله ما أخرجني إلا الذي أخرجكما فانطلقوا إلى بيت رجل من الأنصار فلم يجدوه موجودا وكانت امرأته موجودة فلما علمت بمقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر فرحت فقالت أهلا وسهلا بمن جاءنا وذكرت عن زوجها أنه سيأتي قريبا ، ذهب يستعذب لهم الماء - يأتيهم بالماء - فدخل النبي وأبو بكر وعمر البيت وانتظروه ، فلما جاء الرجل أخبرته أن الأضياف عنده رسول الله وأبو بكر وعمر فقال : والله ماعلمت على وجه الأرض أكرم ضيف من عندي ، ثم ذهب إلى نخلة عنده فجاء بعذق فيه رُطب وبسر وتمر فقدمه بين أيديهم ووضع لهم الماء ثم أخذ المدية فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - إياك والحلوب ، فخرج الرجل وذبح ثم قدم لهم الشاة فأكل النبي وأبو بكر وعمر وشبعوا وشربوا الماء - رووا - ثم التفت إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم فقال : (والله لتُسألن عن هذا النعيم).
انظروا ماذا نأكل نحن الآن ؟
وماذا نختار من الأطعمة وغير ذلك من الأمور
 هذا النعيم الذي نحن فيه من أعظمه نعمة الإيمان ، نعمة الصحة ، نعمة الأمان ، نعمة البصر ، نعمة السمع ، نعمة المشي ، نعمة الكلام ، نعمة المال ، نعم لا تُعد ولا تحصى كما قال ربنا (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا) فنعم الله لا تُعدّ ولا تُحصى .
 نسأل الله أن يديمها علينا وعليكم وأن يجعلنا من الشاكرين لهذه النِعم ، وبالشكر تدوم والله - تبارك وتعالى - يقول (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق