🎧 لسماع الدرس من موقع الشيخ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات أما بعد: فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في قوله تعالى (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين* واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون)
ن/ "ثم كرر على بني إسرائيل التذكير بنعمته وعظا لهم وتحذيرا وحثا، وخوّفهم بيوم القيامة الذي لا تجزي فيه أي لا تغني نفس ولو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء والصالحين عن نفس ولو كانت من العشيرة الأقربين شيئا لا كبيرا ولا صغيرا، وإنما ينفع الإنسان عمله الذي قدمه، (ولا يقبل منها) أي النفس (شفاعة) لأحد بدون إذن الله تعالى ورضاه عن المشفوع له، ولا يرضى من العمل إلا ما أُريد به وجهه، وكان على السبيل والسنة.
(ولا يؤخذ منها عدل) أي فداء ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من عذاب الله ولا يقبل منهم ذلك، (ولا هم ينصرون) أي يدفعوا عنهم المكروه، فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه، فقوله (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) هذا في تحصيل المنافع، (ولا هم ينصرون) هذا في دفع المضار، فهذا النفي للأمر المستقبل به النافع (ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل) هذا نفي للنفع الذي يُطلب ممن يملِكه بعوض كالعدل، أو بغيره كالشفاعة فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع، وأن يعلقه بالله تعالى الذي يجلب المنافع ويدفع المضار فيعبده وحده لا شريك له، ويستعينه على عبادته"
ت/ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأصلح لنا إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أما بعد: فلا نزال مع هذا السياق المشتمل على وصايا الله جل وعلا لبني اسرائيل، قد تقدم قول الله عز وجل (يا بني إسرائيل) ثم أعيد هذا النداء (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) والتكرار فيه التذكير والتأكيد، التذكير بالنعم الكثيرة التي أنعم الله بها عليهم، والتأكيد عليهم أن يعوا هذا الذي يذكرهم الله سبحانه وتعالى به، متذكرين فضل الله جل وعلا عليهم وإنعامَه عليهم بالنعم المتعددات، قال: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) (نعمتي) مفرد مضاف يراد به الجمع، فالمراد النِعم التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها عليهم ولهذا هنا أجمل قال (نعمتي) ذكر النعمة إجمالا وسيأتي التفصيل بدءا من قوله (وإذ نجيناكم من آل فرعون) ولهذا سيأتي في آيات عديدة ذكر الله عز وجل لنعم يذكرهم الله سبحانه وتعالى بها بُدأت بقوله (وإذ نجيناكم من آل فرعون)، هذا الآن قوله (وإذا نجيناكم) بدأٌ بالتفصيل، هنا إجمال للنعمة قال (نعمتي التي أنعمت عليكم) هذا إجمال ثم بدأ التفصيل من قوله (وإذ نجيناكم من آل فرعون) ولهذا ستجد يمر معنا في السياق أنواع من النعم يعددها (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد) إلى آخر الآية وهكذا تجد يأتي تعداد للنعم هنا أجمل وبعده ماذا؟ فصّل.
قال (يا بني إسرائيل) عرفنا ما في قوله (يا بني اسرائيل) من حفز النفوس، نفوس هؤلاء وتذكيرهم بانتسابهم لهذا النبي الصالح عليه السلام يعقوب.
(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين) هذا تخصيص بعد تعميم (نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين) هذا من جملة النعم، التفضيل هو من جملة النعم (وأني فضلتكم على العالمين) فضّل مَن؟ بني إسرائيل على العالمين، أي عالَم؟ العالم كله؟ (وأني فضلتكم على العالمين) أي عالم الزمان الذي كان فيه من يُعنون بهذا الخطاب، لأن هذا تذكير للموجودين في زمن النبي عليه الصلاة والسلام بماذا؟ بالنعم التي أنعم بها على من؟ على آبائهم وأجدادهم (جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين) الحديث عن ماذا؟ عن النعم التي أنعم بها على آبائهم وأجدادهم، يوضح لك أن هذا هو المقصود الآية التي تأتي (وإذ نجيناكم من آل فرعون) الذين في عهد النبي عليه الصلاة والسلام هل رأوا فرعون؟ إذن، لما يقول (وإذ نجيناكم من آل فرعون) هذا المعني به مَن؟ يذكرهم بنعمة الله على آبائهم وأجدادهم.
قال: (وأني فضلتكم على العالمين) أي عالم زمانهم، هذا هو المقصود، والمراد تفضيل آبائهم في زمن موسى وبعده، قبل أن يكون تغيير، قبل أن يكون منهم التغيير والتبديل، فتكون (ال) في قوله (العالمين) ما نوعها؟ نعم، العهد، (العالمين) (ال) هنا للعهد، يوضحه السياق قال أبو العالية رحمه الله في قوله (أني فضلتكم على العالمين) "أي بما أُعطُوا من المُلك والرسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزمان، فإن لكل زمان عالَما" وروي نحو قوله عن غير واحد من أئمة السلف، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "ويجب الحمل على هذا" ما المراد؟ حمل المعنى في قوله (على العالمين) على هذا الذي ذكره أبو العالية وغيره من أئمة السلف من حيث أن المراد بالعالمين عالم ذاك الزمان، قال: "ويجب الحمل على هذا لأن هذه الأمة -أمة محمد عليه الصلاة والسلام- لأن هذه الأمة أفضل منهم لقوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس) ولقوله صلى الله عليه وسلم (إنكم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله)، قال الحافظ ابن كثير: "والأحاديث في هذا كثيرة". إذا قوله (وأني فضلتكم على العالمين) أي عالم ذلك الزمن، لا يتناول ما قبله ولا يتناول أيضا ما بعده، فالمقصود به ذلك الزمان فضّلهم بأن جعل فيهم أنبياء وجعلهم ملوكا وآتاهم في زمانهم ما لم يؤت أحدا من العالمين في زمانهم.
قال (وأني فضلتكم على العالمين) هذا الآن باب من أبواب الترغيب تذكير بالنعمة.
قال: (واتقوا يوما) هذا تهديد وتخويف
(واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) (اتقوا يوما) المقصود بذلك اليوم يوم القيامة، والمقصود باتقاء ذلك اليوم اتقاء ما فيه من أهوال وشدائد وأمور عظيمة فظيعة.
(اتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) أي لا تغني نفس عن نفس مهما كانت القرابة ومهما كانت المحبة ومهما كانت الصلة مثل قوله: (واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا) مهما كانت الصلة (يوم يفر من أخيه* وأمه وأبيه* وصاحبته وبنيه) فلا تجزي نفس عن نفس شيئا.
(نفس عن نفس شيئا) هذه ثلاث نكرات في سياق النفي فتفيد العموم، (لا تجزي نفس) أي مهما كانت ومهما كان جاهها، مهما كانت مكانتها، مهما علت منزلتها، (عن نفس) أيضا مهما كانت قرابتها، مهما كانت صلتها، مهما كانت المحبة لها والعطف عليها، (عن نفس شيئا) أي ولو قليل، (شيئا) ولو نفعا قليلا، ولو شيئا يسيرا ما يحصل ذلك، مثل الآية التي في آخر الانفطار (يوم لا تملك) مثلها (يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله)، (لا تملك) مثلها (لا تجزي) (لا تغني) (نفس عن نفس شيئا).
(واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) آخر ما نزل على نبينا عليه الصلاة والسلام (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) أي يوم القيامة اتقوا ذلك اليوم بالاستعداد وإصلاح العمل، وإقامة النفس على طاعة الله مثلها (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد غد) (غد) يوم القيامة.
(واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) لما ذكّرهم النعمة في الآية التي قبلها عطف بالتحذير من حلول النقمة والعقوبة.
(اتقوا) أي تجنبوا الأمور التي تنالون بها العقوبة في ذلك اليوم، تجنبوها، اتقوا ذلك اليوم الذي ستقفون فيه بين يدي الله عز وجل، يأمر في القرآن بتقواه، ويأمر بتقوى النار، (وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة)، وأيضا اتقاء اليوم الآخر اتقاء ما فيه من الأهوال والعقوبات، والتقوى هي: أن يجعل المرء بين ما يخشاه ويخافه وقاية تقيه وذلك بفعل الأوامر واجتناب النواهي.
(واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة) (ولا يقبل منها شفاعة) وهذا فيه أن من مات كافرا لا تنفعه شفاعة الشافعين، ولا تقبل فيه شفاعة، فقوله (ولا يقبل منها شفاعة) أي في الكافرين، ومنه قوله (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) مهما كان جاه الشافع، ومهما كانت قرابة المشفوع له ومنزلته ما تنفعهم شفاعة الشافعين، وقد ثبت في صحيح البخاري عن نبينا عليه الصلاة والسلام أن ابراهيم الخليل اتخذه الله خليلا، وجاهُه عند الله عز وجل جاه عظيم، قال: (يلقى إبراهيم الخليل أباه يوم القيامة فيقول له ألم أقل لك لا تعصني؟ ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول: الآن لا أعصيك، فيقول إبراهيم سائلا رب العالمين سبحانه ألم تعدني ألا تخزني يوم يبعثون؟ وأي خزي أعظم من أبي الأبعد؟ أن يكون من أهل النار، وأن يدخل النار فيقول الله عز وجل: يا إبراهيم إني حرمت الجنة على الكافرين) -هذا شاهد الآن- هذا شاهد لـ لا يقبل شفاعة لكافر، الكافرون لا تنفعهم شفاعة الشافعين، قال: (ثم يقال لإبراهيم أنظر فينظر فإذا والده تحول إلى صورة ذيخ -ذكر الضباع- فأُخذ بقوائمه وألقي في النار).
(ولا يُقبل منها شفاعة) فيه قراءة (ولا تُقبل منها شفاعة) قراءة عشرية (ولا تقبل منها شفاعة) الشفاعة هذه اللفظة هي بمعنى شفع، الشفاعة هي الشفع مثل الموعظة هي الوعظ، الشفاعة هي الشفع، فلما يكون اللفظ جاء مرة بالتذكير ومرة بالتأنيث يكن مرت لوحظ المعنى، ومرة لوحظ اللفظ. فمثلا قوله في قراءة (لا تُقبل منها شفاعة) لوحظ اللفظ (شفاعة)، وفي هذه القراءة (لا يُقبل منها شفاعة) لوحظ المعنى الذي هو الشفع مثل ما جاء في قوله سبحانه وتعالى (فمن جاءه موعظة) مع قوله (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة) مرة قال (جاءكم) ومرة قال (جاءتكم)، في موضع لوحظ المعنى وعظ، وفي موضع لوحظ اللفظ موعظة، وكله من الفصيح في اللغة.
قال: (ولا يقبل منها شفاعة) أي شفاعة في مَن؟ في الكافر، أما عصاة الموحدين تنفعهم شفاعة الشافعين وفي هذا أحاديث، ولهذا النفع المنفي يختص بمن لا يرضى الله قوله وعمله الذي هو الكافر، الذي لا يرضى الله سبحانه وتعالى قوله وعمله، والله لا يرضى إلا عن أهل التوحيد ولهذا ما تنفع الشفاع إلا لمن كان موحدا.
(ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل) العدل ما هو؟ الفدية. العدل هو الفدية (لا يؤخذ منها عدل) يعني لا يؤخذ منها فدية وسميت الفدية عدلا لأنه مثل المفتدى أو المفدي لما يقدم فدية عِدل أي مثل شيء يفتدي به مثل قوله سبحانه وتعالى (وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها) ما معنى تعدل كل عدل؟ تفدي بكل فدية. هذا معنى أن تعدل كل عدل، أي تقدم كل فدية مهما عظُمت فإنه لا يُقبل منها، مثل قوله تعالى (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به) هذا مثل (وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها) لو ملء الأرض قدمه ذهبا ليفتدي به من عذاب يوم القيامة لم يُتقبل منه.
قال (ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون) (ولا هم ينصرون) أي لا يجدون من ينصرهم ليتخلصوا من العقاب لا هم فيهم قوة وقدرة في أنفسهم ينتصرون ينصرون أنفسهم، ولا يجدون ناصرا ومعينا مثل قوله (فماله من قوة ولا ناصر).
قال الشيخ رحمه الله: "ثم كرر سبحانه وتعالى على بني إسرائيل التذكير بنعمته وعظا لهم، وتحذيرا وحثا" في قوله (يا بني إسرائيل) مع أنه تقدمت (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم وإياي فارهبون) ثم قال (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) وسيأتي أيضا في آخر السياق (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين) فالتكرار هنا للتأكيد والتذكير بعظم النِعم التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها عليهم.
قال: "ثم كرر على بني إسرائيل التذكير بنعمته وعظا لهم، وتحذيرا وحثا وخوفهم بيوم القيامة الذي لا تجزي فيه – أي في ذلك اليوم أي لا تغني- نفس ولو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء والصالحين" نفس يعني مهما عظُمت مكانتها، مع مهما علت منزلتها، مهما كان جاهها، (عن نفس) ولو كانت من الأقربين من العشيرة، ولو كان ولد الإنسان أو والده، لا يجزي والد عن ولده ولا مولود يجزي عن والده شيئا، (شيئا) لا كبيرا ولا صغيرا وإنما ينفع الإنسان عمله الذي قدمه.
(ولا يقبل منها) أي النفس (شفاعة) لأحد بدون إذن الله ورضا الله عن المشفوع له، ولا يرضى من العمل إلا ما أريد به وجهه سبحانه وتعالى، وكان على السبيل والسنة، هذان شرطا قبول العمل الإخلاص للمعبود والمتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام.
(ولا يؤخذ منها عدل) أي فداء ولو افتدت بملء الأرض ذهبا لتنجوا من العذاب، أي فداء (ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض جميعا ومثله معه) لافتدوا به من عذاب يوم القيامة ولا يقبل منهم ذلك، وهذا جاء فيه آيات عديدة في كتاب الله عز وجل.
(ولا هم يُنصرون) أي يُدفع عنهم المكروه، فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه لا يحصل إطلاقا. فقوله: (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) هذا في تحصيل المنافع، (ولا هم ينصرون) هذا في دفع المضار. فهذا النفي للأمر، المستقبل به النافع.
قال: "(ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل) هذا نفي للنفع الذى يطلب ممن يملكه بعوض كالعدل، أو بغيره كالشفاعة" العِدل الفداء، أو بغيره كالشفاعة. قال: "فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه عن التعلق بالمخلوقين لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع" وهذا السياق مما يبين لنا عظم شأن التوحيد، وأن لا يعلق المرء قلبه إلا بالله، مثل ما قال علي رضي الله: "لا يخاف عبد إلا ذنبه، ولا يرجو إلا ربه" قال: "لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من نفع، وأن يعلقه بالله الذي يجلب المنافع ويدفع المضار فيعبده وحده لا شريك له، ويستعين على عبادته" قوله فيما سبق (وهم لا ينصرون) هذا في دفع المضار فهذا النفي للأمر المستقبل به النفع في نسخة " بالمستقل به" لعل الذي بعده يوضح لما قال "هذا النفي للنفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض" ففيه نفع بعوض ونفع مستقل به، كأنها هي اللفظة الأقرب للسياق، والله تعالى أعلم.
وأختم هذا المجلس بفائدة نافعة لطيفة رأيتها في تفسير بن جُزَيء لهذه الآية (يا بني إسرائيل) فائدة لطيفة ونافعة:
يقول رحمه الله: (يا بني اسرائيل) لما قدم دعوة الناس عموما وذكر مبدأهم دعا بني إسرائيل خصوصا" الناس عموما أين؟ (يا أيها الناس اعبدوا ربكم)
" لما قدم دعوة الناس عموما دعا بني اسرائيل خصوصا وهم اليهود وجرى الكلام معهم من هنا" - من قول (يا بني إسرائيل) إلى ماذا؟ قال: "إلى حزب سيقول السفهاء" كله يتعلق بخطاب لبني إسرائيل إلى حزب (سيقول السفهاء) فتارة دعاهم بالملاطفة وذكر الإنعام عليهم وعلى آبائهم، وتارة بالتخويف، وتارة بإقامة الحجة، وتوبيخهم على سوء أعمالهم، وذِكر العقوبات التي عاقبهم بها".
ثم انظر هذا التلخيص الآتي اللطيف قال: "فذكر من النعم عليهم عشرة أشياء من النِعم : وإذ نجيناكم من آل فرعون، وإذ فرقنا بكم البحر، بعثناكم من بعد موتكم، وظللنا عليكم الغمام، وأنزلنا عليكم المنّ والسلوى، ثم عفونا عنكم، فتاب عليكم، نغفر لكم خطاياكم، أتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا"
قال: "وذكر من سوء أفعالهم عشرة أشياء -كلها في السياقات الآتية- وذكر من سوء أفعالهم عشرة أشياء: قولهم سمعنا وعصينا، واتخذتم العجل، وقالوا أرنا الله جهرة، وبدل الذين ظلموا، ولن نصبر على طعام واحد، ويحرفونه. وتوليتم من بعد ذلك، وقست قلوبكم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق.
قال: "وذكر من عقوبتهم عشرة أشياء: ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله، ويعطوا الجزية، واقتلوا أنفسكم، وكونوا قردة، وأنزلنا عليهم رجزا من السماء، وأخذتكم الصاعقة، وجعلنا قلوبهم قاسية، وحرمنا عليهم طيبات أحلت لهم. وهذا كله جزاء لآبائهم المتقدمين".
هذا ونسأل الله الكريم أن ينفعنا أجمعين بما علمنا، وأن يزيدنا علما وتوفيقا، وأن يصلح لنا شأننا كله، وأن يهدينا إليه صراط مستقيما.. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق