*الشيخ صالح المغامسي
قال تعالى (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)
بالغداة : أول النهار ، يسألون الله التوفيق في أن يعبدوه كما أمر .
والعشيّ : آخر النهار ، يستغفرون الله من التقصير في عبادتهم التي مضت .
فحياتهم ما بين سؤال الله التوفيق في أن يعبدوه وما بين استغفار الله - جل وعلا - فيما قصروا فيه . والعاقل يتأمل السنة المبينة للقرآن ويعلم أن المرء ما حمل على ظهره شيء أعظم من ذنبه فيسعى في كل عمل يغلب على ظنه أنه تُمحى به الذنوب ، قال الإمام البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح أن رجلا جاء إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : يابن عم رسول الله إني خطبت امرأة فأبت أن تنكحني ، ثم خطبها غيري فرضيت فأدركتني الغيرة فقتلتها فهل من توبة ؟ قال ابن عباس : أمك حية ؟ قال : لا ، قال ابن عباس : تب إلى الله وأكثر من الاستغفار وتقرب إلى الله بكل عمل صالح ماستطعت . وذهب الرجل . فلما خرج ابن عباس تبعه عطاء بن يسار أحد طلابه قال : يا اين عم رسول الله لِمَ سألته عن حياة أمه ؟ قال ابن عياس : والله لا أعلم عملا صالحا أقرب إلى الله من برّ الوالدة .
فقه المسألة : ثمة أمور يسيرة تغيب عن الناس مع علمهم بالتقصير وأنهم يتحملون من الذنوب ما يحتملون لكن يغيب عنهم أن الله فتح أبواب التوبة وشرع لعباده أن يتوبوا إليه . في مثل هذه الأحاديث بيان ، إظهار لما تُمحى به الذنوب فهو واحد من عشرات الأحاديث المظهرة لكيفية أن يسعى الإنسان في محو ذنبه ، قال - صلى الله عليه وسلم لمعاذ : (ألا أدلك على أبواب الخير الصوم جُنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفي الماء النار ، وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}) قال ربنا هنا (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) . كل تقصير في عبادة الله سببه الأول الإقلال من ذكر الله ، والله يقول (أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) ومن علِم أنه سيلقى الله لا محالة أكثر من ذكره ، وفي الخبر الصحيح (لا يزال لسانك رطبا بذكر الله ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق