الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه وأزواجه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين أما بعد :
أقف معكم وقفات عُجلى مع سورة عظيمة - وكل سور القرآن عظيمة - مع سورة العاديات التي ما من مُصلي يمُنّ الله عليه بالتوفيق والسداد ويُلهمه اللطف والرأفة ويدخل المسجد إلا ويسمع هذه السورة في الأسبوع مرة أو مرتين .
يقسم الله تعالى - ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته - وليس للمخلوق الضعيف أن يقسم إلا بالله - جل وعلا - . يُقسم بمخلوق فيه من الآيات الباهرة والنعم الظاهرة ما هو ملوم للخلق الذين عاشوا مع تلك الدابة المعلومة وهي الخيل فيقول الله - عز وجل - : (وَالْعَادِيَاتِ) أي أقسم بالعاديات وهي التي تعدو عدوا بليغا قويا يصدر عنه " الضبح " وهو صوت نفسها في صدرها (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا) هذا الضبح صوت الحشرجة ، قوة النفس الذي يصدر في الخيل حينما تعدو سريعا فتتقدم على سائر الدواب التي تشاركها ، فلا البغل يدركها ولا الإبل يستطيع أن يلحقها فضلا عن الحمار أن يلحق بركبها .
/ (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا) " العاديات " الخيل تعدو بسرعة " ضبحا " تميزت لنا أنها هي الخيل لصوت يصدر من صدرها .
/ (فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا) " الموريات " بحوافرها تطأ الحجارة فتقدح الحجارة ، تخرج نار ، شرر من شدة هذه الحوافر سرعتها ، عدوها وقوة ضربها على الأرض تضرب بالحجارة فيضرب الشرر ، تخيل لو تضرب حجرين لتقدح بينها كذلك حافر الخيل يضرب بالحجارة فيخرج منه الشرر من سرعة وقوة ضربها لتلك الحجارة .
/ (فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا) تحمل الرجال فيُغيرون على الأعداء ، يهجمون عليهم (صبحا) أغلب الحروب والغارات تكون في الصباح ، لا تكون في الليل لأنه لا مصابيح لا قنابل ذكية ، لا جرائم أمريكية تدمر الكون وإنما هي حروب كانت تُعرف يُغيرون على الناس في الصباح , وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - الرؤوف الرحيم في هديه في القتال أنه لا يُباغت القوم فإذا طلع الفجر فإن سمع أذانا ترك وإن لم يسمع أذانا أغار على القوم (صبحا) في الصباح على الأمر الغالب .
/ (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا) حين يقدمن للمعركة وتكون هي شجاعة تحمل الراكب فتجعله في الوسط فتثير الغبار ، يثور الغبار في وسط المعركة .
/ (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا) حملت المحمول في وسط الجمع ، في وسط الجموع بكل شجاعة واستبسال . هذه الخيل التي تميزت بهذه الميزات : العدو السريع ، قوة الضرب في الأرض فتقدح الأرض شرار ، وتغير في الصباح ولا يهمها الراحة ، ثم تثير النقع وهو الغبار في وسط المعركة لا تأبه بمن يُجابهها أو يقابلها . هذه الأقسام المتتابعة عند قوم عرفوا الخيل ، عرفوا قوتها وعرفوا مكانتها ، وعرفوا بركتها ، يُقسم الله تعالى لهم بها .
س: ما المقسم عليه ؟
ج : (إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) المقسم عليه أنا وأنت ، ومعنى (كنود) : منوع للخير الذي عليه لربه فالله تعالى أنعم ، تفضل ، بسط في الرزق ، في العافية ، في الأمن ثم بعد ذلك أنا وأنت الواجب علينا تجاه هذا الرب الكريم نمنعه ، نحول بيننا وبين أنفسنا من أن تتمكن من تؤدي الواجب لله عليها ، (إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) جبلته لا تسمح بأداء ما عليه من حقوق سواء في حق الله - جل وعلا - ثم في حق والديه ثم في حق صحبته ، ثم في حق وطنه ، ثم في حق مجتمعه لا يؤدي الحق الذي عليه . يطالب بحقه لكن الحق الذي عليك "كنود" لا تبادر به لا توفيه - هذا على الغالب - .
/ (وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ) شهيد على أعماله ، لا يمكن أن تجحد أنت أنك لا تؤدي الحق الذي عليك ، تعال وانظر لحالك مع الصلاة هل إذا قال المؤذن " حي على الصلاة حي على الفلاح " أجبت الداعي وبادرت أم أنك تتبع الأقوال الشاذة والفتاوى الرخيصة من يخرج لك ويُبارد في تضليل عباد الله بالاستخفاف في أمر الصلاة وفي صلاة الجماعة وتقول هناك أقوال لأهل العلم دون السبر والغوص في حقيقة هذه الأقوال وتمييز حقها من باطلها في قضايا الشهوات ، في قضايا الشبهات ، في قضايا الانغماس في كثير من المحرمات .
أين حق الله عليك في المنع ؟ أين حق الله عليك في الإتيان بالواجبات التي أمرك الله بها ، حاسب نفسك وانت شهيد على ذلك، (إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ) لكن اسمع (أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ) خرجنا من قبورنا وثار علينا الغبار الذي كما كان نقعا توسطت به تلك الخيل كذلك نخرج يوم القيامة ولى رؤوسنا التراب .
/ (وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ) خرج المكنون ، الذي كان مخبواء خرج وبان وعُلم أننا لم نؤدِ الحق الذي أوجبه الله تعالى علينا .
/ (وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ) خبير بما استتر في الصدور وبما أكنناه ، ولماذا تأخرنا عن الواجب ولماذا أقدمنا على الحرام ، هل هناك ما يعوق ، هل هناك ما يؤدي أم أنه تزيين الهوى والنفس والشيطان .
نسأل الله تعالى أن يُعيننا على أنفسنا وأن يثبتنا وإياكم على الحق وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق