* أ. نجلاء السبيل
{ يا بُنيَّ أَقِمِ الصَّلاة }..
الصلاة هي عمود الدين وإذا سقط العامود سقط ما بُني عليه . قال صلى الله عليه وسلم : [ رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة ..] [1] . هي رأس العبادات كلها بعد الشهادتين ، ومما يدل على عظم شأنها وثقل وزنها أن الله عزوجل لم يفرضها في الأرض بواسطة جبريل وإنما فرضها بدون واسطة ليلة الإسراء فوق سبع سماوات. هي آخر وصية وصى بها النبي أمته، كما روت ذلك أم سلمة - رضي الله عنها - أنها قالت : " كان من آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة .. الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل نبي الله يجلجلها في صدره وما يفيضُ بها لسانه " [2] . يرفع الله به الدرجات ويحُط بها الخطايا ويُكفر السيئات .. قال صلى الله عليه وسلم: [ إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى الصلوات الخمس تحاتت خطاياه كما تحاتَّ هذا الورق ، وكان معه غصناً يابساً فهزَّه حتى تحاتَّ ورقهُ ] [3] . وقال صلى الله عليه وسلم: [ مثل الصلوات الخمس كمثل نهرٍ غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات ] [4] . وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ مامن عبدٍ يسجد لله سجدة إلا كتب الله له بها حسنة ومحا عنه بها سيئة ورفع له بها درجة فاستكثروا من السجود ] [5] .
والنصوص التي وردت في الصلاة وعظيم أجرها كثيرة جداً ، وليس الهدف تتبعها وإحصاءها ؛ وإنما المقصود الدلالة على فضلها وأنها النور والصلة والحبل الممدود بين العبد وربه إذا صلحت صلح سائر عمله، وإذا فسدت فسد سائر عمله ، وكان لما بعدها أضيع . وكثيرٌ منَّا قلَّ حظه من هذا النور لأننا أصبحنا مؤدين للصلاة ولسنا مُقيمين لها !! وكل الأوامر التي جاءت في القرآن جاء الأمر فيها بالإقامة : { وأقيموا الصلاة }. والإقامة أمرٌ زائد عن مجرد أداء الصلاة كحركات جسد ليس فيها إقبال ولا إقامة ، مجرد ركوع وسجود وتنتهي . النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ خمس صلوات افترضهنَّ الله من أحسن وضوءهنَّ وصلاهنَّ لوقتهنَّ وأتمَّ ركوعهن ، وسجودهن ، وخشوعهن ، كان له على الله عهدٌ أن يغفر له ] [6] .
وأحـوال النـاس في الصلاة تتفاوت ، وقد قسمها ابن القيم إلى خمس مراتب [7] :
1- المُفرط
2- المُضيِّع
3- المُجـاهــد
4- المُستحيي
5- المشاهد
/ المُفرط : وهو الذي انتقصَ من وضوئها ومواقيتها وأركانها. أي أن النقص بدأ عنده من بداية الأمر ، ليس مهماً عنده أن يُسبغ الوضوء أو لا يسبغه ، أن يُصلي في أول الوقت أو آخره أو بعد خروجه وقيامه من نومه ، ليس مهماً أن يُتم ركوعاً أو سجوداً ويتأنى ويطمئن بل ينقر الصلاة نقراً ويسرقها سرقة ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: [ أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته ] [8] . فهذا >>> معاقب ، وقد قال الشُراح من كان هذا حاله مع صلاته فليذهب ويبحث له عن قلب فليس له قلب.
/ المُضيّع : من يحافظ على مواقيتها ووضوئها وأركانها الظاهرة لكنه ضيّع مجاهدة نفسه. أي : ضيّع قلبه.. فتح باب قلبه للشيطان وذهب مع الوساوس والهواجس والأفكار ، وهذا ما يُسمى بالتفات القلب ، قال صلى الله عليه وسلم: [ لا يزال الله مقبلاً على العبد في صلاته مالم يلتفت فإذا صرفَ وجهه انصرف عنه ] [9] . هذا الالتفات هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة الإنسان والشيطان جاثم على قلب ابن آدم واضعٌ خَطمه عليه فإن ذكر الله خنسَ وإن نسي التقم قلبه" [10] . وهو شرود القلب وانشغاله وانصرافه وضياع الخشوع ، والخشوع هو لُب الصلاة وركنها وروحها التي تسري فيها ، قال تعالى : { قــــَد أَفْلَحَ المُؤمِنُون^ الَّذِينَ هُـــم فِي صَلاتِهم خَاشِعُون }. قال صلى الله عليه وسلم : [ ما من مسلم يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقوم في صلاته فيعلم ما يقول إلا انفتل وهو كيوم ولدته أمه ] [11] . فهذا>>> محاسب ، ليس له من صلاته إلا ما عقِلَ منها . إن أتمّها كُتبت له تامة.. وإن أنقصها كتبت له ناقصة ، وإن الرجل لينصرف وما كُتب لهُ إلا عشر صلاته، تُسعها ، ثُمنها ، سبعها ، سدسها ، خُمسها ، رُبعها ، ثلثها ، نصفها . وكما قال سلمان الفارسي : " إن الصلاة مكيال فمن وفى وفىّ الله له ، ومن طفف فقد علمتم ما قال الله في المطففين " [12] .
/ المُجاهد : من حافظ على حدودها وأركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس والهواجس والأفكار ، فهو مشغول بمجاهدة عدوه. أي أنه حارس يقظ إذا دخلَ صلاته علِمَ أن الصلاة محل امتحان يمتحن الله فيه العباد وأن صلاته هي رأس ماله ، وبمقدار ما ينقص منها ينقص حظُه من النور والتكفير والتطهير ، وبركات وثمرات هذه الصلاة. فيحزم أمره ويحبس قلبه ويخاف على صلاته لئلا يسرق الشيطان منها شيئاً فهو في صلاة وجهاد. فهذا >>>مُثاب ، قام بالواجب الذي عليه وهو واجب المجاهدة لكنه ليس في المراتب العالية.. المستحيي: من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها وأركانها وهمُه مصروف إلى إقامتها كما ينبغي " وهذه تسمى مرتبة المراقبة". بمعنى إذا دخل في صلاته يستشعر أن الله ينظر إليه ويراقبه ويستمع لقراءته فيستحيي أن ينظر الله لقلبه فيجده ملتفتاً أو منشغلاً بغيره. قلبه حاضر ، جوارحه حاضرة ، وهذا من أعلى درجات الخشوع في الصلاة ، ومن مراتب الإحسان فيها. [ فإن لم تكن تراه فإنه يراك ].
/ المشاهد : من إذا قام إلى صلاته وكأنه يشاهد الله بين عينيه [ أن تعبد الله كأنك تراه ] ، مستغرقٌ قلبهُ مع الله وقد اضمحلت تلك الوساوس والخطرات وقرت عينُه بالله وتلذذ بصلاته وذاق طعم [ أرحنا بها يا بلال ] ، [وجعلت قرة عيني في الصلاة ]. فهذا >>>هو العبد المصطفى الذي أخلصه الله إليه ، واصطفى الله عمله له ، فلا تعلم نفسٌ ما ادخر له . - نسأل الله من فضله -
----------------------------------
[1] الترمذي (5/11).
[2] مسند الإمام أحمد – صححه الألباني (7/238) إرواء الغليل.
[3] صحيح الترغيب (1/268).
[4] رواه مسلم (1/463).
[5] رواه ابن ماجة باسنادٍ صحيح.
[6] صحيح الترغيب (1/284).
[7] كتاب الوابل الصيب ـ بشيء من التصرف ـ.
[8] صحيح الترمذي (1/345).
[9] صحيح الترغيب (1/360).
[10] مسند أبي علي.
[11] صحيح الترغيب (1/293).
[12] رسالة الذل والانكسار لابن رجب.
*إحدى منسوبات جمعية تحفيظ القرآن بمحافظة جدة
وجدت نفسي في رحاب العلم ووجدتني بسعاده تملأ قلبي وتسعد نفسي
ردحذفهاهنا تريضت فاسال الله أن ينفعك أستاذه نجلا وأن ينفعنا بك وجزيتي خيراً