الخميس، 16 فبراير 2012

تأملات في سورة الحشر (3) من قوله تعالى (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

د. خالد السبت



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فكنا نتحدث عن قوله - تبارك وتعالى - (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) ثم عقّب الله - جل جلاله - ذلك بقوله (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فلما أثنى على هؤلاء وذكرهم بهذه الصفات الحميدة وهي الإيثار جاء التعقيب بعده بقوله (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فدل ذلك على أن هذه الأوصاف التي ذكرهم الله عز وجل بها: (يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا) فنفوسهم لا تتطلع إلى ما يعطاه المهاجر من إخوانهم دونهم، فلا يحسدونهم ولا يتحاملون عليهم ، (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ) فهم فوق ذلك يعطون ما في أيديهم ويقدمون غيرهم على أنفسهم في الحظوظ الدنيوية ، فهذا لا يحصل ولا يتأتى إلا لمن وقاه الله - عز وجل - وخلصه من الشُح (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فالشُّح وصف ذميم، من أهل العلم من يقول بأنه أثر من آثار البخل ، فالبخل صفة نفسانية والشُّح أثره ، يتأثر عن هذه الصفة وينتج عنها القبض والإمساك .
ومنهم من يقول : البخيل هو من يبخل بما في يده ، والشحيح أعظم منه فهو يتطلع إلى ما في أيدي الناس ويطمع بما في أيديهم بل لربما ينزعج ويضيق صدره إذا رأى أحدا من الناس يتبرع ، يتصدق ، يُحسن إلى الآخرين يضيق وينقبض قلبه من ذلك (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى*عَبْدًا إِذَا صَلَّى*أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى*أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى) فهو لا يكتفي بإمساك ما في يده بل أيضا لا يريد من الآخرين أن يبذلوا وان يقدموا . ومن أهل العلم من يقول بأن الشُّح هو : بأن يترك الإنسان ما أوجب الله عليه من النفقات كالزكاة الواجبة ، فالذي يبذل ما وجب عليه في المال يكون قد تخلص من الشُح .
وعلى كل حال لاشك أن الشح أشد من البخل ، قال : فلان بخيل ، وفلان شحيح ، فالشحيح بخيل وزيادة ، فالبخل على درجات أو إن شئت أن تقول دركات لأنه في العد نازل ، كما أن الكرم درجات والبذل درجات والإحسان درجات فكذلك أيضا هذه الدنايا فالبخل دركات ، فمن دركاته الشّح وهو أشده ، شديد الحرص وشدة الحرص هذه تحمله على فعل ما لا يجمُل ولا يليق فيقطع الرحم ، مستعد أن يُهارش وأن يُصارع وأن يُعارك وأن يُقاتل على أتفه الأشياء ، لا يفوت حقا ، ولا يعفو عن قليل ولا كثير وإنما يُنقر حقه تنقيرا بل تمتد نفسه وتتطلع إلى ما عند غيره وتتشوف لحيازته ، هذا هو الشحيح ، فالله - جلّ جلاله - يقول (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ) نادى عليهم باسم الإشارة البعيد " أولئك " لرفعة منزلتهم وعظيم قدرهم ومقامهم (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وجاء باسم الإشارة للبعيد "أولئك" وضمير الفصل بين طرفي الكلام "أولئك" "المفلحون" ووضع بينهما "هم" مما يُشعر بالحصر ، كأنه لا مُفلح إلا هؤلاء ، هؤلاء هم المفلحون الفلاح الحقيقي الذي هو الفلاح الأعظم والأكبر .
وحقيقة الفلاح هي : إدراك المطلوب والنجاة من المرهوب ، وهو مطلب لكل الناس ، المؤمن والكافر ، لو فتشت ونظرت في مطالبهم في هذه الحياة الدنيا ، لماذا يسعون ، هو إما يحصّل الرغائب - الأشياء المرغوبة - أو يدفع المكاره । كل عمل الناس وكل سعي الناس للدنيا والآخرة يدور حول هذين الأمرين لكن كيف يتصورونها ، هذه مسألة ثانية ، الذي لا يؤمن بالله ولا باليوم الاخر يظن أن القضية تحصيل المال والشهوات والمتع ودفع الأمراض والأوصاب والعلل التي تُصيب الإنسان في هذه الحياة الدنيا والمشكلات وما شابه .
المؤمن : الفلاح الأكبر والأعظم هو : نيل رضا الله - عز وجل - والسعادة الأخروية والجنة والنجاة من النار . فهنا الله - جل جلاله - يقول (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) .
كيف علّق الفلاح بالخلاص من هذه الصفة الذميمة ؟
أشرت إلى هذا في بعض المناسبات في حديث - يبدو في تعليق على رياض الصالحين - قلت : بأن الإنسان إذا ابتُلي بالشُح يحصل له كل قبيح ومرذول من الأقوال والأفعال ، فالشح هذا يحمله على كثير من المشكلات والمشاجرات وقطيعة الرحم والإساءة إلى الجيران والمعارف ، إلى غير هذا . هو باب مفتوح للمشكلات تنتاشه من كل ناحية لأنه لا يفوت حظا من حظوظ نفسه ، هذا الإنسان الشحيح مستعد أن يُقاطع الجميع وأن يُفاصل لدريهمات قليلة ، ولهذا حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشُح وأخبر أنه سبب الهلاك لمن قبلنا وأنه أمرهم بالقطيعة فقطعوا أرحامهم ، فهو سبب للعداوات ، سبب لارتكاب الدنايا والمدنسات فيتلطخ عرضه ويتدنس لأن الإنسان حينما ينسفل وينحط ...، الدنيا أيها الأحبة مثل جيفة الكلب - أعزكم الله - إذا نزل الإنسان وهبط معها ، هناك أناس الدنيا هي أعظم مطالبهم فلربما تعاملت معه بمعاملة فلا تستطيع أن تستخرج حقك منه إلا بارتكاب أمور مدنسة للعِرض لا تليق أن ينزل الإنسان ويدخل مع هؤلاء في مهاترات وأشياء بسبب الشُحّ ، الشحيح لا يفوت هذا ، مستعد .
الشح هذا يجعل الإنسان يُطفف في المكاييل والموازين من أجل أن يربح قليلا خِلسة في بيعه وشرائه ، فالناس لا يحبون التعامل مع من يكتشفون أنه يخدعهم ولو كان بشيء قليل . هذا الإنسان يعمل عملا مشروعا في طريق أو في بناء أو في طلاء فيزيد في الأمتار ، إذا اكتشفت هذا فإن هذا الإنسان يُحتقر ويتدنس عِرضه في نفوس الناس ، لا يفعل ذلك صاحب نفس جزلة إنما يفعله أصحاب النفوس الضعيفة ، مالذي حمله على فعل هذا ؟ هو الشُحّ ، أكل المال الحرام .
عبدالله بن أُبيّ بن سلول - رئيس المنافقين - شحيح ، كان له جاريتان أسلمتا فأرغمهما على الزنا وفيه نزل قول الله - تبارك وتعالى - (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) فكان يُكرهها من أجل أن يُحصّل دراهم قليلة ، يتاجر بها الجواري ، فهذا يفعله من لا خلاق له . تجد الرجل - نسأل الله العافية - يُقحم بنته أن تعمل في مكان فيه رجال وتُخبره هذه البنت أن هؤلاء الرجال ينتاشونها ويبتزونها ويكلمونها ويطلبون منها أمورا مُدنسة ويُراودونها عن نفسها ويكتبون لها عن طريق الوسائل المعروفة وتُخبر أباها بهذا ويُصّر على أنها تعمل ، قد تكون هذه الوظيفة بثلاثة آلآف وتُخبره أنها مهددة بعرضها وهو يُصّر على هذا العمل ، المهم العمل ، العِرض ليس له أهمية ، هل يفعل هذا إنسان سوي ؟ أين الدين ؟ بل أين الرجولة ؟ أين الغيرة التي جعلها الله - عز وجل - حتى في الحيوانات ؟ فهذا الشُحّ هو الذي يحمل الإنسان على بذل كل ما عنده من مقومات من الدين والأخلاق والسُمعة ، ماله من رصيد في نفوس الناس أو غير ذلك ، كل هذا يُبذل من أجل تحصيل شيء قليل من عرض الدنيا (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فالذي يُوق شُح نفسه يترفع ، تُحلِّق عاليا ، لا ينزل مع النازلين ، يترفع عن المدنسات ، لا يأتي شيئا مما حرمه الله - عز وجل - لا يُقارف عملا ولو كان مباحا إذا كان هذا العمل مما يُخِلّ بالمروءات ولو كان يكتسب فيه ولهذا كره النبي - صلى الله عليه وسلم - كسب الحجّام وأخبر أنه خبيث ، وقل مثل هذا اليوم في أنواع المكاسب في المضاربات والمساهمات وغير ذلك مما يأكله كثيرون ولو كان محرما .
بعد ذلك قال الله تعالى لما ذكر المهاجرين وذكر الأنصار بأعظم الأوصاف قال (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا) " الذين جاؤوا من بعدهم " هل هم المهاجرون جاؤوا بعد الأنصار إلى المدينة لأنه قال (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ) ثم قال (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ) يعني المهاجرين جاؤوا بعد الأنصار ؟ هذا وإن قاله بعض اهل العلم إلا أنه بعيد ، كونهم يستغفرون للأنصار ، هل هذا هو المراد ؟ لا ، وإنما المقصود - والله تعالى اعلم - هم من أسلم من المهاجرين والنصار فصارت القسمة في أهل الإيمان ثلاثية : مهاجرون ، أنصار ، والذين جاؤوا من بعدهم .
ذكر الله صفة المهاجرين تركوا كل شيء ابتغاء ما عند الله - جل جلاله - وصدقهم الله بهذا وأثنى عليهم وأثبت إخلاصهم ، ثم ذكر الأنصار - رضي الله عنهم - بهذه الأوصاف الشريفة : يحبون من هاجر إليهم ، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ، ويؤثرون على أنفسهم ، بقيت الطائفة الثالثة وهم الذين جاؤوا من بعدهم ، جاؤوا بعد المهاجرين والأنصار ممن أسلم بعد ذلك سواء كانوا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا هجرة بعد فتح أو كانوا ممن جاء بعد ذلك بقرون إلى يومنا هذا ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فنحن اليوم ممن جاء من بعدهم فلسنا من المهاجرين ولا من الأنصار ، هؤلاء ما صفتهم ؟ (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا) فهم يستغفرون لهم ويدعون لهم ، ويدعون الله ألاّ يجعل في صدورهم غِلا لأولئك الذين سبقوهم بالإيمان . انظروا - أيها الأحبة - هذا الدعاء يدل على أنهم على منهاجهم وطريقتهم ، لو كانوا على غير طريقتهم ومنهاجهم لما استغفروا لهم ولما أحبوهم ولما أثنوا عليهم ، ولما دعوا لهم ، فدلّ على أنهم على نفس الطريق ، أنهم على منهاجهم وسنتهم وطريقتهم ودينهم ، هذا ما يدلّ عليه دعاء اللاحق للسابق فهم متبعون لهم .
كما أنه يتضمن تعليما من الله - جلّ جلاله - لنا ولمن جاء بعدهم أن يكون هذا خُلقه وهديه وحاله وعمله وديدنه مع أولئك الذين سبقوه بالإيمان ، يذكرهم بالخير ، يدعو لهم ، يسلم قلبه من الغلّ لهؤلاء "يَقُولُونَ" عبّر بالفعل المضارع ، والفعل المضارع يدل على التكرار ، فهذا شأنهم يكررون ذلك ، يدعون الله به حينا بعد حين (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) ولاحظ (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا) هذا الغِلّ للذين آمنوا وليس فقط للذين سبقوهم بالإيمان بل لكل المؤمنين ومن أولى هؤلاء الذين سبقوهم بالإيمان ، فوجود الغِلّ في قلب المسلم لإخوانه المسلمين هذا أمر لا يجوز . هذا الغِلّ كما قلت في مناسبات أخرى كالغُلّ في العُنق ، غِلّ الفلب كغُلّ العنق ، الرباط الذي يُجعل في العنق يُقاد به الإنسان هذا رباط يُربط به القلب - نسأل الله العافية - فيقوده إلى المعاطب ، وثقوا أيها الأحبة أن أول من يكتوي بنار الغِل هو صاحبه ، نار تضطرم في قلبه ، ذاك لربما في حال من الغفلة عنه واللهو وفي شأنه وفي حاله وفي عمله لا يدري عنه شيئا وهذا قلبه - نسأل الله العافية - كأنه في قدر يفور ، يغلي ولا تسأل عما يصيبه من الآلام ويشيب قبل أوانه ويحصل له من أعراض الشيخوخة والأمراض المستعصية بسبب هذا الضغط النفسي ، مكلوم . ومن كان في قلبه غِلّ ثقوا أنه لا يمكن أن يسعد ولا يأنس ، إذا تذكر هذا الإنسان الذي يتحامل عليه حتى ولو كان في أعظم لحظات الأنس بدأ القلب يتحرك ، مباشرة اشتعلت النار ، اضطرمت ، إذا كان يتهيأ للنوم وجلس يعيد شريط الذكريات وتذكر هذا من بين الذين تذكرهم ... ، بل تتنغص حياته كلها ويتنغص إذا كان ذلك الإنسان الذي يُبغضه في البلد معه . وما الحاجة لمثل هذا ؟ هذا يحتاج إلى دواء ، يحتاج إلى سلامة صدر ، يعرف الأمور التي يحصل بها سلامة الصدر ماهي ، وهي أمور كثيرة لعل الله أن يُيسر يكون هناك حديث خاص عن هذا الجانب .
سلامة الصدر تحتاج إلى عفو وصفح وتجاوز وإعراض وألاّ يرى لنفسه حقا على الآخرين بحيث إذا خرج حضرته يطلب من الآخرين أنهم دائما يقدمونه ويعظمونه ويكرمونه ويضعونه في صدر المجلس ويعطونه درعا ...الخ وإلا سيتحامل ، أعانهم الله عليه سيتخذ من هذا موقف ومن هذا موقف وهذا ما نوه باسمه وهذا ماذكره في كذا وهذا ما قام وسلم عليه ، سلّم عليه وهو جالس وهذا ما وضعه في صدر المجلس ، وهذا ما ذكره حين ذكر المشروع ... الخ حسبنا الله ونعم الوكيل ،تصفية حسابات . والناس لربما ما يخطر ببالهم هذا الكلام ويتصرفون بعفوية لكن هذا لا ، غِلّ على هذا وهذا وهذا ، أخته قالت في يوم من الأيام قالت كذا ، وهذا ما عزاه في الجنازة ، وهذا ما زاره حينما مرض قبل عشرين سنة ، وهذا ما يستاهل ، وهذا فيه . مالحاجة لمثل هذا ؟ لا تجعل لنفسك حقا على أحد ، ارتاح ، اعرف حقوق الناس واخرج إليهم بهذا القلب ومن أخطأ عليك التمس له العذر فإن لم تجد عذرا فتذكر قول الله - عز وجل - ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) فما الحاجة أن يجعل القلب صندوقا يُملأ بهذه المواد المُحرقة ، تُحرق القلب وتُحرق البدن ، تُحرق الروح والنفس ، الإنسان إذا امتلأ من الغيظ والغِلّ اسودّ وجهه ويظهر هذا فيه ولذلك تجد من كانت هذه سجيتهم وأخلاقهم يظهر ذلك في وجوههم إذا رأيته رأيت السواد ، إذا رأيته انقبضت ، اللهم حوالينا ولا علينا . وغذا رأيت الإنسان الذي يحمل مشاعر طيبة للمسلمين تستريح لرؤيته والجلوس معه ، بسماع أحاديثه ورؤية وجهه ونحو ذلك ، لكن صاحب الغلّ لا . فنسال الله العافية .
/ ( وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا ) أخذ من هذه الآية الإمام مالك رحمه الله أن من كان يُبغض أحدا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كالرافضة أو كان في قلبه عليهم غلّ أو على أحد منهم ، هذا ليس له حق في فيء المسلمين لأنه لازال الكلام هنا في قسمة الفيء ذكر المهاجرين وذكر الأنصار وذكر الذين جاءوا من بعدهم . وكان عمر - رضي الله عنه - يرى أن هذه الآية في الفيء والذين جاءوا من بعدهم لهم حظ ولهذا كان يقول إذا عشت ، إذا بقيت سيأتي هذا المال إلى راعي الغنم في جبل في صنعاء دون أن يسعى إليه ويُعطى للجميع على قدر بلائهم وسابقتهم ونفعهم في الإسلام ، يُعطى لكل واحد ، الصغير والكبير ، والرجل والمرأة ، الجميع يصلهم من بيت المال كل بحسب بلائه ونفعه ، وكان الصحابة - رضي الله عنهم - يقسمون المال بهذه الطريقة كل بحسب سابقته ، قرأ الإمام مالك لما ذكر هذا هذه الآية ( وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ ) وجاء عن عائشة - رضي الله عنها - " أُمروا أن يستغفروا لهم فسبّوهم " ثم قرأت هذه الآية . وابن أبي ليلى - من التابعين - يقول " كان الناس على ثلاثة منازل : المهاجرون الأولون ، والأنصار ، والذين اتبعوهم بإحسان وهم الذين جاءوا من بعدهم وأحسن ما يكون أن نكون بهذه المنزلة " هذا الكلام لابن أبي ليلى ولهذا قال بعضهم " كن شمسا فإن لم تستطع فكن قمرا فإن لم تستطع فكن كوكبا مضيئا فإن لم تستطع فكن كوكبا صغيرا ومن جهة النور لا تنقطع " معنى هذا الكلام : كن مهاجريا فإن قلت لا أجد - فلايمكن أن يكون أحد الآن من المهاجرين - فكن أنصاريا - ولا تستطيع الآن أن تكون من الأنصار - فإن لم تجد فاعمل كأعمالهم ، فغن لم تستطع فأحبهم واستغفر لهم كما أمرك الله - عز وجل - وقد قال مصعب بن أبي وقاص - رحمه الله - " الناس على ثلاثة منازل فمضت منزلتان - المهاجرون والأنصار - وبقيت منزلة فاحسن ما أنتم عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت " وهي ( وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ ) .
وقال علي بن الحسين - زين لعابدين - من التابعين لما جاءه رجل قال : يابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تقول في عثمان ؟ فقال له : يا أخي أنت ممن قال الله فيهم ( لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ ) قال : لا ، قال : فوالله لئن لم تكن من أهل هذه الآية فأنت من قوم قال الله فيهم ( وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ ) قال : لا ، قال : فوالله لئن لم تكن من أهل هذه الآية - الثالثة - لتخرجن من الإسلام . أي : إن لم تكن ممن ( وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ ) فما بقي إلا المنافقون . فالمؤمنون على هذه الطوائف الثلاث . كذلك أيضا جاء عنه - علي بن الحسين - أن نفرا من أهل العراق جاءوا إليه فسبوا أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - ثم عثمان - رضي الله عنه - فاكثروا ، فقال لهم : أمن المهاجرين الأولين أنتم ؟ قالوا : لا ، قال : أفمن الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم ؟ قالوا : لا ، فقال : قد تبرأتم من الفريقين وأنا أشهد أنكم لستم ممن قال الله فيهم ( وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا) قوموا فعل الله بكم ... ، أخرجهم من مجلسه. على كل حال هذه الآية تدل على وجوب محبة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا من الأصول المقررة عند أهل السنة والجماعة والكلام في هذه المسألة كثير ، يجب أن نتولاهم وأن نحبهم وأن نستغفر لهم وأن نقتدي بهم وأن نقدمهم على غيرهم - رضي الله عنهم وأرضاهم - . هذا عقّبه الله - عز وجل - بقوله ( رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) في كثير من الأدعية في القرآن " ربنا " ودعاء الأنبياء في الغالب سواء بصيغة المفرد أو بصيغة الجمع وسر ذلك - والله تعالى أعلم -
أن العطاء والمنع والتدبير والتصريف والرزق والهداية وكل ذلك هو من معاني الربوبية فالرب هو الرازق ، المُعطي ، الهادي ، فيحسُن إذا دعا أن يقول " ربي " .
وقوله ( رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) جمع بين الرأفة والرحمة ، الرأفة : رحمة رقيقة أي هي رحمة لكنها أخصّ من مطلق الرحمة ، رحمة رقيقة . (رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) وهذا يدل على أن التخلص من الغلّ يحتاج إلى جُهد ومجاهدة ودعاء واستعانة بالله - عز وجل - وأن من لطف الله به ورحمه فإنه يُخلصه من الغل .
هذه المعاني ألا نعتبر بها ونحن نسمعها في كتاب الله - عز وجل - فالمرحوم هو الذي خُلّص من هذا العذاب في الدنيا قبل الآخرة ، ولهذا لما ذكر الله - عز وجل - نعيم أهل الجنة قال ( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ) لو كانت الجنة فيها غِلّ لتنغص وتكدر النعيم الذي فيها ، أليس كذلك ؟ لكن يُنزع ذلك وتُهذب تلك النفوس ويرتفع ما بها . الصحابة - رضي الله عنهم - مع ما وقع بينهم بسبب اجتهادات اجتهدوها طلبا للحق وقع بينهم قتال - رضي الله عنهم - ومع ذلك علي - رضي الله عنه - كان يقول " أرجو أن أكون أنا وطلحة وعثمان ممن قال الله فيهم ( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ) فأسأل الله - عز وجل - أن يُطهّر قلوبنا وأن يجعلنا ممن اتبعهم بإحسان ولا يجعل في قلوبنا غلا للذين ءامنوا إنه رؤوف رحيم .
/ أما بعد : فأواصل التعليق على هذه الآيات من سورة الحشر التي يذكر الله - عز وجل - فيها خبر هؤلاء اليهود من بني النضير وما جرى لهم مع إخوانهم من المنافقين فالله - تبارك وتعالى - بعد أن ذكر ما تبِع هذه الغزوة من أحكام الفيء وذكر طوائف المؤمنين الثلاث وهم : المهاجرون والأنصار الذين تبوّؤوا الدار والإيمان ، والذين جاءوا من بعدهم وما لهم من أوصاف جميلة حيث إنهم يدعون لمن سبقهم بالإيمان ولا يجدون في قلوبهم غِلا لإخوانهم من المؤمنين ، ثم عجّب الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - من حال المنافقين ، فهؤلاء طائفة ليسوا من أهل الإيمان . لما ذكر الطوائف الثلاث وقلنا إما أن يكون الإنسان من المهاجرين وهذه قد فاتت ، أو من الأنصار وهذه قد فاتت ، فما بقي إلا أن يكون من ( وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ ) الآية .

ثم ذكر هذه الطائفة الرابعة وهي الأسوأ من الطوائف وهم أهل النفاق :
(أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) ما شأن هؤلاء من المنافقين بأولئك اليهود ؟
هؤلاء - المنافقون - من حيث العرق والجنس من العرب ، وهؤلاء - اليهود - ليسوا من العرب . ومن حيث الدين هؤلاء على الوثنية في الباطن والشرك وفي الظاهر مع المسلمين وأولئك أهل كتاب ، فما هو الجامع المشترك ؟ ولهذا كان ذلك عجيبا ، الله - جلّ جلاله - يُعجّب نبيه - صلى الله عليه وسلم - من فعل هؤلاء المنافقين حيث وقفوا مع اليهود ووعدوهم بالنصر بل قالوا (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ) فهذه اللام تدل على قسم محذوف مقدر " والله لئن أخرجتم لنخرجن معكم "
(وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ) (وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا) لا نسمع فيكم عذل عاذل ولا لوم لائم إنما المصير متحد ، الدم نشترك فيه معكم ، والإخراج نشترك فيه معكم والهدم نشترك فيه معكم ، نتحد معكم في المصير والعاقبة والنهاية على أي شيء ، وانظر إلى قول الله - تبارك وتعالى - ( يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ) هذه الأخوة ما نوعها وما حالها ؟ هذه أخوة في الكفر فهم يتأخون وهم إخوان لأنهم يشتركون في الكفر بالله - عز وجل - ومعاداة أهل الإيمان ، فإذا كان العدو هم أهل الإيمان فهؤلاء إخوة يتفقون ويتواطؤن ويتآمرون فهم بهذه المثابة وهذا أمر يثير العجب .
هؤلاء مجموعة من اليهود كعبد الله بن أبيّ وأصحابه ويُذكر من أصحابه هؤلاء رفاعة بن تابوت وعبد الله بن نبتل وأوس بن قيضي ووديعة بن أبي قوتل وسويد وداعس وغير هؤلاء .
فعبد الله بن أُبيّ أمرهم أن يثبتوا وألاّ يخرجوا وألاّ يستجيبوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -وألاّ يتركوا ديارهم وأموالهم وكانوا في البداية قد مالوا إلى التسليم ولكنه قوى قلوبهم ووعدهم بأن يستعين بحلفائه ، وعدهم بنحو أربعة آلآف مقاتل ، وأربعة آلآف مقاتل في ذلك الوقت يعتبر جيش كبير ، فتحصنوا واستعدوا للقتال ووضعوا المتاريس وحصّنوا الطرق ورجعوا عما كانوا عزموا عليه من التسليم للنبي - صلى الله عليه وسلم - فحاصرهم - عليه الصلاة والسلام - وجعلوا ينتظرون المدد. ولما بعثوا - كما يذكر اهل السير - إلى عبد الله بن أُبيّ من يُذكّره بوعده وجده يتعشى فقال : سأبعث إلى حلفائي ولم يفعل .
/ (يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ) عبّر بالمضارع عن أمر مضى لاستحضار الصورة كأنك تُشاهدها (يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ) واللام للتبليغ ، ( يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ) لسنا بحاجة إلى أن ننبه إلى أن أهل الكتاب كفار والنصوص على هذا متظافرة
ولكننا ابتُلينا في هذا الزمن بقوم لا خلاق لهم يُجادلون في كُفر أهل الكتاب ويزعمون أنهم يصيرون إلى الجنة ، ويغضب الواحد منهم ويغار على هؤلاء إذا قيل هؤلاء الكفار يقول قل أهل الكتاب لا تستعمل لفظة كفار أصلا ، قل الآخر لا تقل كافر ، فالله المستعان .
على كل حال يقول : ( لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) لأن هذه المقولة لم تصدر عن صدق وإنما قالوا ذلك ، وعدوهم بهذا الوعد ولكنهم أجبن من أن يفوا به ، وهذا يقوله علاّم الغيوب الذي يعلم ما تكنه الصدور وهو الذي خلق هذه النفوس ويعلم ما تنطوي عليه فيُخبرنا عن هذه الحقائق بل يُخبرنا عما لم يكن وأنه لو كان كيف يكون فقال الله - تبارك وتعالى ( لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ ) وهذا الذي حصل ( وَلَئِن قُوتِلُوا لا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنصَرُونَ ) أي ينهزمون .
/ ثم قال ( لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ) أي أنتم أشد مرهوبية في صدورهم من الله ، ويمكن أن يكون ذكر الصدور هنا فيه إشارة إلى معنى الخفاء وذلك أن هذه الرهبة أمر كامن في صدورهم قد لا يظهر لأهل الإيمان ، يخفونه في صدورهم ولكن الله - عز وجل - كشفه وبيّنه ، فأنتم أشدّ خوفا في صدور هؤلاء المنافقين من الله لماذا ؟ ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لّا يَفْقَهُونَ ) لأنهم لا يعرفون الله حقيقة المعرفة لوعرفوه معرفة لائقة بجلاله وعظمته لخافوه وتعاظم هذا الخوف منه - جلّ جلاله - في قلوبهم وهان المخلوق في أعينهم ، لكن هؤلاء لا فقه لهم ولذلك لاحظ أنه عبّر هنا بالفقه ( لّا يَفْقَهُونَ ) لم يقل " لا يعلمون " والفرق بين العلم والفقه ظاهر وهو أن الفقه يُقال للأشياء التي من شأنها أن تخفى ، لاتقول والله أنا فقهت أن الشمس طالعة ، تقول علمت أن الشمس طالعة ، علمت أن زيدا قد تزوج لا تقول فقهت أن زيدا قد تزوج إنما يكون الفقه للأمور التي من شأنها أن تخفى ، الأشياء الدقيقة . فمثل هذا هؤلاء راعوا المشاهد ، هم يرون جيشا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وغفلوا عن المغيّب وهو قوة الله وعظمته وجلاله مما لا يُشاهدونه بأبصارهم مشاهدة مباشرة إنما يُشاهدون آثاره ، مثل هؤلاء تكون قلوبهم عامرة بالغفلة والجهالة ، وتكون معرضة عن ربها وخالقها ومعبودها لا تنظر إلا إلى الأشياء الظاهرة فيتعاظم المخلوق في أعينهم فتجد عندهم رهبة شديدة من المخلوقين ، لا يخافون من الله ولا يُراعون حدوده ولا يقفون عند أوامره ، وإنما دائما يلاحظون الخلق ، لأن المقاييس عندهم مقاييس مادية ، ينظر كم عدد الرجال ، كم عدد الدبابات ، كم عدد الطائرات ، كم عدد كذا ، فيتعاظم هذا المخلوق في نفسه ( لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لّا يَفْقَهُونَ ) فلو كانوا يفقهون لعظموا الله وخافوه وهان عندهم شأن الخلق .
/ ثم قال - ولازال الحديث عن المنافقين - ( لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ) ظاهر السياق أن هذه في المنافقين لأن الحديث عن المنافقين فلشدة رهبتهم صاروا بهذه المثابة لا يجرؤون على المواجهة ولذلك لا يُعرف في التاريخ أن المنافقين وقفوا في جيش يُحاربون المسلمين ، بل هم أذلّ واخزى ، الكفار الذين عندهم إرادة جازمة وعندهم اعتزاز بمبادئهم الباطلة وقفوا وماتوا دونها ، اشتركوا في غزوات ومعارك تلو معارك ، أما أهل النفاق فهم مع من غلب ، دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، انتصر في بدر ، قال عبد الله بن اُبيّ لأصحابه : أرى هذا الأمر قد توجّه فادخلوا فيه سرا ، فدخلوا يكيدون له وإذا سئلوا عن شيء حلفوا ( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) ولهذا سبق في التعليق على آيات الأحزاب قول الله - تبارك وتعالى - ( وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا ) وفي القراءة الأخرى "لأتوها" ( وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيرًا ) ذكرنا هناك أن قول من قال أن المقصود بها الكفر فهم مع الغالب دائما .
/ قال ( لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ ) إذا فُسر (لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا ) أي مجتمعين كجيش كما هو شأن الجيوش التي تحارب أو جيوش متخالفة أو نحو ذلك (لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا ) فهنا يكون الاستثناء منقطع بمعنى " لكن " ( لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ ) يعني لكن في قرى محصنة لأنهم لا يستطيعون المواجهة فهم يُقاتلون في بيوتهم ، من داخل البيوت ، من الحصون ، بالرمي من بعيد دون مواجهة للرجال يُقاتلونهم كما تُقاتل الجيوش ، ويحتمل أن يكون قوله - تبارك وتعالى - ( لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا ) بمعنى كلهم ، يعني اليهود والمنافقين لما وعدوا اليهود بالنصر والمدد قال الله - عز وجل -
( لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ ) فهم جبناء ولذلك لم يحصل في كل الغزوات أن اليهود وقفوا في جيش سواء بانفرادهم أو مع المنافقين مع أن هذه الآيات تتحدث عن المنافقين لكن قوله ( لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا ) يحتمل أن يكون أراد به اليهود مع المنافقين على هذا المعنى فيكون الاستثناء متصلا يعني ( لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا ) لا يشتركون في قتال إلا في قرى محصنة ، لكن هذا قد يكون فيه شيء من البُعد لأن الله ذكر أنهم لا ينصرونهم إلا إذا قال قائل المقصود به في هذه الغزوة لا ينصرونهم ( وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنصَرُونَ ) المهم قال ( لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا ) لأنه قد يكون في بعض الصور على هذا المعنى أن يُحاصر بلد وفيها منافقون ويهود فيشتركون معهم فهم لا يستطيعوا أن يُقاتلوا على كل حال معا إلا بهذه الصفة وعلى هذا يكون الاستثناء حقيقي ( إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ ) فيها قلاع وأسوار ( أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ )
وفي القراءة الأخرى المتواترة ( أو من وراء جدار ) والأولى هي قراءة الجمهور ( أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ ) والمعنى واحد .
ثم ذكر صفة أخرى من صفاتهم قال ( بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ) افتُتحت هذه الجملة بذكر البأس (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ) للاهتمام بالإخبار عنه بأنه بينهم بهذه الصفة .
ما معنى هذه الجملة (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ) ؟
/ من أهل العلم من قال (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ) أي أن عداوتهم فيما بينهم شديدة ، هم يجتمعون لحربكم ويتعاضدون ويتآمرون ولكن بينهم من الشر والخلاف ما الله به عليم يعني المنافقين واليهود أو - إذا قلنا أن الحديث لازال عن المنافقين - فيكون بأسهم بينهم شديد يعني نفس المنافقين لأن المنافق ليس من طُلاب الآخرة ولا يمكن أن يتنازل عن حق ، ولا يمكن أن يتأدب ولا يتخلق بأخلاق وإنما يُهارش ويُقاتل على أتفه الأشياء ، يُقاتل يعني مع شخص ليس قتال مواجهة مع المسلمين (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ) قلوبهم متفرقة متشتتة . ويحتمل أن يكون ذلك مع اليهود (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ ) بينهم خلافات ومشكلات ولكنهم يجتمعون للتآمر عليكم .
/ وبعضهم يقول : (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ) يعني بالكلام والوعيد ، يعني تسمع جعجعة من هؤلاء المنافقين لا حقيقة لها ، إذا جاءت الحقيقة فهي كما يُقال مثل انتفاشة الهِر - أعزكم الله - التي تنتهي ببول ،كلام كبير ما تحته شيء (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ ) هكذا قال بعض أهل العلم ، بالوعيد وبالتهديد .
/ وبعضهم يقول : لا يتفقون على أمر واحد وهذا يرجع إلى القول الأول .
/ وبعضهم يقول : إذا لم يلقوا عدوا نسبوا إلى أنفسهم البطولات وهكذا إذا نتهت المعركة كل واحد يُضيف إلى نفسه أنه فعل وتبدأ تظهر البطولات الكاذبة المزيفة لما ينتهي البأس أو حينما لا يكون قتال كالهر يحكي انتفاضة أو انتفاشة الأسد ، يُضيفون لأنفسهم فتجد أحدهم لربما يتحدث عن نفسه أنه يستطيع أن يُقاتل عشرة معا أو أنه يذكر أشياء مفبركة وكاذبة لا حقيقة لها ، أنه لقي رجلا فطعنه طعنة قطعته نصفين ، أو ضربه بالسيف فقطعه أربع قطع . فالشاهد أنه يُضيف إلى نفسه بطولات وأشياء وهمية وأشياء كاذبة لكن إذا جاء الجدّ كما قال الله - عز وجل - (رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) ففي حال السلامة والعافية تسمع أشياء تتبخر إذا جاء الجدّ .
وعلى كل حال الذي يظهر - والله أعلم - أن المراد بقوله (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ) أنه إخبار من الله - عز وجل - بأن قلوبهم تنطوي على التفرق والاختلاف وبينهم من العداوات والإحن والمشكلات ما لا يُقادر قدره ، وهذه حقيقة أخبر الله - عز وجل - بها عن هؤلاء الأعداء ، فينبغي على أهل الإيمان أن يدركوا ذلك ، وألاّ يرهبوا حينما يرون هؤلاء الأعداء يجتمعون عليهم فهم بينهم من الشر ما الله به عليم ، كما أنه ينبغي أن يُستغل ذلك في تفكيك تلك القوى وتمزيقها وتفريقها لأنها جاهزة .
/ ثم قال (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) هم في الظاهر - وهكذا الأعداء - انظروا ما ذكره الله - عز وجل - في خبر موسى والسحرة في سورة طه لما قال لهم موسى - عليه الصلاة والسلام - تلك الكلمة الصادقة ( وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ) هذه الكلمة أثرت فيهم ، حصل تشقق في الصف ، تصدّع ( فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ ) بدا يدب بينهم الاختلاف لكن (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى ) من أجل ألاّ يطّلع موسى - صلى الله عليه وسلم - على ذلك فيتقوى جانبه ( وَأَسَرُّوا النَّجْوَى ) ثم ظهروا بشعار واحد اتفقوا عليه وعبارة يقولونها ( قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى*فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى) اتفقوا على فبركة واحدة ،كلمة واحدة ، جملة واحدة يرددون إن هذان لساحران .. الخ كما حاول المشركون أن يتفقوا في شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمر ومقولة متحدة وهكذا الأعداء يحاولون أن يتفقوا بوصم المسلمين مثلا بالإرهابيين وأنفقوا المليارات على نشر هذه الدعاية الكاذبة ، ووصم الإسلام بهذا ولكن الله - عز وجل - يُبطل كيدهم ، ولهذا تجد بعض كبار هؤلاء يُصرِّح ويقول : لا يمكن أن يُتغلب على الإسلام ولو اجتمعت جيوش الدول الغربية كلها لأن هذا الإسلام يتجدد ، خلال ألف وأربعمائة سنة لا زال يتجدد . وهذا صحيح وشيء مُشاهد .
فالشاهد أن الله - عز وجل - قال (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) بعضهم يقول : هذه في اليهود والمنافقين ، وبعضهم يقول : في المنافقين لأن السياق في المنافقين ، وبعضهم يقول : في المشركين وأهل الكتاب لكن ينبغي أن يكون المراد بالمشركين هنا أن يعُمّ المنافقين لأنهم مشركون في الباطن والحديث عن المنافقين فلا يمكن أن ينتزع ذكرهم من هذا السياق .
ثم علل ذلك لماذا تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ؟
لماذا بأسهم بينهم شديد ؟ قال ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لّا يَعْقِلُونَ ) لاحظ هناك قال (لّا يَفْقَهُونَ) وكذلك لما ذكر الله - عز وجل - ( وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) لما قال عبدالله بن أبيّ ( لا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا) لا تتبرعوا لا تدفعوا من أجل أن يبحثوا عن بلد آخر ينتقلون إليها ( لا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) هذا أمر يحتاج إلى فقه . ولما ذكر العزة ، لما قال عبد الله بن أبيّ ( لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ) قال الله - عز وجل - ردا عليهم ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ) فالعزة ظاهرة ، يرون جيوش المسلمين تُشرق وتُغرّب ، والانتصارات ، أما كون خزائن السموات والأرض هي لله - عز وجل - هذا يحتاج إلى فقه ، فالمحجوب قلبه عن الله - عز وجل - لا يُدرك هذا المعنى فهو يُمسك ما في يده ولهذا قال الله - عز وجل - في سورة المنافقين في سورة براءة في هذا الباب ( وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ) فهو إذا أنفق وهو كاره يعتبر هذا مغرم ، يعني مقطوع من قلبه أنه ذهب بلا رجعة ولا عوض ، لا يؤمن بالعِوض في الآخرة ، مغرم ( وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ) فالشاهد : هنا قال (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لّا يَعْقِلُونَ) ذكر العقل هنا لأن معرفة مآل التشتت والتنازع يدركه كل أحد ، والله - عز وجل - يقول ( وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ) فعبّر بالفاء التي تدل على التعقيب المباشر وتدل على التعليل وتدل على ترتيب ما بعدها على ما قبلها ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) التنازع سبب للضعف والفشل ولا يخفى ذلك على العقلاء .
/ ثم قال الله - عز وجل - ( كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) يعني مثل المنافقين ، وبعضهم يقول مثل هؤلاء اليهود من بني النضير وما جرى لهم ، وبعضهم يقول مثل المنافقين مع اليهود من بني النضير لأنهم اشتركوا في هذه القضية وحصل لهم في النهاية والمآل هذه الهزيمة الساحقة كمثل أولئك الذين كانوا من قبلهم قال ( قريبا )
فما الذي كان قريبا لهم ؟
/ بعض العلماء يقول : هم بنو قينقاع من اليهود ، أُخرجوا .
/ وبعضهم يقول هذه الآيات نزلت بعد النضير إذا فهذا خطاب لليهود الذين بقوا والنضير خرجوا فهذا خطاب يعِظ الله - عز وجل - به من بقي فبنوا النضير قبل قريظة . وهذا لا يخلو من بُعد ( كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) يعني النضير .
/ وبعضهم يقول : هذه في قريش وما وقع لهم في بدر ( كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) الهزيمة التي حصلت للمشركين في بدر .
/ وبعضهم يقول : هو عام في كل من انتقم الله منه قبل هذه الوقعة لكن ليس في كل الأمم وإنما عما قريب لأن الله قال ( قريبا ) وهذا الذي اختاره كبير المفسرين أبو جعفر ابن جرير - رحمه الله - .
( ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ ) يعني جزاء كفرهم ، يعني نالهم عقاب الله على كفرهم به ، وأصل الوبال هو : وخامة المرعى ، المرعى المستلذ الذي تطرب له الماشية وتُقبل عليه لخضرته وحُسنه ونحو ذلك قد يحوي على نباتات سامة فترتع فيه هذه المواشي من إبل وغيرها فيقتلها ، فيُقال كلأ وبيل ومرعى وبيل ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( وإن مما أنبت الربيع ليقتل حبطا أو يُلِم ) " يقتل حبطا " الحبط : ينتفخ بطن الدابة إذا أكلت كثيرا ثم بعد ذلك تموت . ولهذا بعض النساء تدعوا أحيانا على طفلها بهذا وهي لا تعرف معناه لكن هذا معنى ذلك . فالشاهد : هنا الله تبارك وتعالى يقول ( كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ ) أي عاقبة كفرهم ، فهؤلاء ذاقوا عاقبة شأنهم وما دبروه وبيتوه وذلك بإقدامهم على نقض العهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهؤلاء من أهل النفاق حيث أعانوهم ووعدوهم وتآمروا معهم ولهم عذاب أليم في الآخرة .
هذا ما يتعلق بوقعة النضير من سورة الحشر وإنما علّقت على هذه الآيات للمناسبة التي نعيشها فيما يتصل بحال إخواننا في فلسطين والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق