الجمعة، 13 يناير 2012

الحلقـــ العاشرة ـــــة/ كيف نجعل سورة الإسراء حياة



لعلكم تتذكرون أيام غزة ، نصرها الله وفرج أسرها وأعز الله أمة الإسلام وأعز المسلمين. هذه الأيام التي مرت عانينا جميعا وما نرى من أحوال إخواننا كيف كان اليهود يتعاملون معهم ، كيف كانوا يقتلونهم ، كيف كانوا يُحاصروهم ، كيف كانوا يقتلون الطفل الصغير ويسفكون الدم بكل برود ولا إحساس بأي فعل ، كل ذلك مما قصّه اله -عزّ وجل- من حال بني إسرائيل- في تعاملهم مع أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أين قصّ ذلك ؟ قصّه في سورة الإسراء ، في سورة بني إسرائيل . إن سورة الإسراء اسمها المشهور عند أهل العلم ليس هو هذا الإسم -الإسراء- وإنما المشهور جدا عند السلف وعند أغلب المفسرين من الأئمة المحققين هو أن اسمها سورة بني إسرائيل ، بل ثبت عند الترمذي وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أسماها بسورة بني إسرائيل وكان يقرأها -صلى الله عليه وسلم- في كل ليلة -يعني في أغلب الليالي- لماذا؟ لأنها تهيؤه -صلوات ربي وسلامه عليه- كيف يتعامل مع تلك الأمة ، الأمة التي عندها كتاب .
 انتقل -صلوات ربي وسلامه عليه- من أمة جاهلة ليس عندها علم ، من قريش ومكة وما حولها إلى أمة أخرى عندها من العِلم ، عندها من الوحي ، عندها من المعرفة بما يريده الله -عزّ وجل- من العباد فجاءت سورة بني إسرائيل لتُعلمنا كيف نتعامل مع أولئك القوم ، كيف يكون موقف الواحد منا حينما يريد أن يتعامل مع نصراني ، يريد أن يتعامل مع يهودي ، حينما يريد أن يتعامل مع امة النصارى ، كيف نتعامل مع الغرب ، كيف نتعامل مع أمريكا ، كيف نتعامل مع الاتحاد الأوروبي ، كيف نتعامل مع من كان يدين بكتاب أنزله الله -عزّ وجل- إليه ، هؤلاء يُسمون بأهل الكتاب ، وهذه السورة نزلت من أجل بيان كيف نتعامل نحن يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- مع أهل الكتاب ، لقد نزلت سورة بني إسرائيل في أواخر الفترة المكية ، قبل أن يُهاجر -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة بسنتين أو بسنة ونصف ، تقول : لِمَ هذا ؟ أقول لك : حتى إذا ذهب -صلى الله عليه وسلم- هناك في المدينة يعرف كيف يتعامل مع أولئك القوم ، وهنا أقولها -وأنا أتألم على ما أقول- إن كثيرا من الناس يُسافر شرقا وغربا ، يسافر إلى الصين ، يسافر إلى استراليا ، يسافر إلى أوروبا ، يسافر إلى أفريقيا ، يسافر إلى أمريكا الشمالية ، الجنوبية ، من دون أن يستعد لأولئك القوم الذين سيسافر إليهم دون أن يتعلم كيف يحاورهم ، كيف يأخذ ويُعطي معهم ، أخي : الله أنزل على نبيه -صلى الله عليه وسلم- وهو من هو ليُعلّمه كيف يتعامل مع اليهود ، كيف يُحاورهم ، كيف يكون هو وإياهم في مكان واحد . إذا كان هو -صلى الله عليه وسلم- احتاج أن يُعلم فكيف بنا نحن إذا أردنا أن نعيش مع قوم آخرين يختلفون عنا .
/ من أصعب ما يكون في حياتنا أن نجعل سورة الإسراء -سورة بني إسرائيل - حياة ، تقول لي لماذا؟ لأنها سورة تتكلم عن كيف تكون مواقفنا مع اليهود ، مع النصارى . نحن نعم نبغض اليهود بغضا شديدا ونعرف ظلمهم ، ونعرف ما الذي جنوه علينا وعلى أحبابنا ، وعلى أخواتنا ، النصارى ماذا فعلوا في كثير من بلاد المسلمين ولكن مع ذلك تاتي سورة بني إسرائيل لتعلمنا كيف نتعامل مع الناس كلهم ، أنت تقرأ الآن في سورة الإسراء وتستمع إلى الله -عزّ وجل- وهو يقول لنا فيها (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) هذه آية عامة مع كل أحد ، مع المسلم ، مع الكافر ، والله -عزّ وجل- يأمرنا بالإحسان لمن لم يعتدِ علينا وينتهك حرماتنا ، من لم يكن كذلك هو بنفسه فعندئذ لا ينبغي لنا نحن المسلمين أن نتعامل  معه إلا بالحُسنى تقول هذا يهودي ، هل هذا اليهودي هو الذي اعتدى علينا ، هل هذا اليهودي هو الذي ظلمنا ، هو الذي قتلنا ؟ إن كان نعم فتعامل معه بالمثل ويجوز لك ذلك ، إن كان لا ، لا يجوز لك أن تعتدي عليه ، لا يجوز لك أن تظلمه لأجل فقط أنه يهودي فإن ذلك لا يجوز ، ولذلك أدبنا ربنا هنا ، يقول (وَقُل لِّعِبَادِي) عباد الله المؤمنين كيف يفعلون ، كيف يقولون ، (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) لم يقل يقولوا الحسنى وإنما قال (يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) تنتقي أحسن الكلام ، تريد مثلا أن تُنادي ابنك بإمكانك أن تقول : تعال يا عبد الرحمن ، بإمكانك أن تقول له : تعال يا ولدي ، أحسن وسيفرح ، بإمكانك أن تقول : تعال يا حبة قلبي ، يفرح أكثر وأكثر ، فأي التي يأمرنا الله -عزّ وجل- بها ؟ هي الأخيرة ، فإذا كان هناك أحسن فتُنادي بأفضل الأسماء وأحسنها وأجملها ، والكُل يفرح بهذا . حينما تنادي زوجتك بأجمل ما تحب هي من النداء فعندئذ سترى أثر هذا النداء ، عندما تُناديك هي بأحب الأسماء إليك ، كلنا نحب من يُنادينا بأجمل الأسماء ، بأحبها إلينا ، صغيرا ، كبيرا ، أيا كان ، ولذلك لما كان الأمر بهذه الصورة يعني كل واحد منا يُخاطب بهذا الأسلوب جاءت الآية بهذا العموم  (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)  لماذا ؟ حتى لا يدخل الشيطان هنا فينزغ بيننا .
/ كيف نحيا بسورة الإسراء ؟ 
العجيب في هذه السورة وهي سورة بني إسرائيل -كما ذكرت لك- أنه لم يتكرر اسم القرآن في أي سورة من القرآن أكثر منه في الإسراء ، لماذا ؟ لأننا لا نستطيع أن نتعامل مع بني إسرائيل حتى نعود إلى هذا القرآن ويكون هو الحكم والفيصل بيننا ، وأعجب من هذا أن ختام سورة الإسراء كيف جاء تأمل معي ، نقرأ الآن في سورة الإسراء أو نستمع إليها ، الله -عزّ وجل- هو يتكلم بها فيقول (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) بالحق أنزل القرآن (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) استمع إلى هذا الوصف العجيب ، العظيم في القرآن (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً) سبحان الله!! تُختم سورة الإسراء بهذا ، نعم ، لماذا ؟ لأنه لن ننجح  ولن ننتصر ولن نوافق العدل في تعاملنا مع أمة أهل الكتاب إلا بالرجوع إلى القرآن ، رجوعا كيف يكون ؟ اسمع ماذا يريد الله -عزّ وجل- منك يقول -سبحانه وتعالى- (قُلْ آمِنُواْ بِهِ) آمنوا بالقرآن ، حكّموا القرآن ، ارجعوا إلى القرآن أو لا تؤمنوا (قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ  إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ) ماذا يفعلون ؟ (يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ) حين يُتلى القرآن بآياته العظيمة ، آياته العجيبة بما فيه فعندئذ (يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ) وكيف يخرون للأذقان ؟ قال الله -عزّ وجل- (يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا *وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً) لما يخرّ الواحد منهم يخِرُّ لذقنه هكذا كأنما سقط على الأرض سقوطا من كثرة ما حلّ به من خشوعه مع آيات ربه سقط على الذقن هذا ، سقط على الأرض ، يخرون سُجدا ثم تحدثت الألسنة ويقولون (وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً*وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ) خرت الأجساد ، سبّحت الألسن ، دمعت الأعيُن ،   (وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا)     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق