الاثنين، 16 يناير 2012

الحلقـــــ 12ــــة / كيف نجعل سورة الحج حياة




الحديث معكم اليوم يتعلق بكيف نجعل سورة الحجّ حياة
 هذه السورة حين نتأمل في اسمها نلحظ أن الله أسماها الحجّ ، وهذا الاسم متفق عليه بين أهل العلم ، الحجّ هو: قصد إلى معظم ليس مطلق القصد ولكنه قصد إلى معظم ، فهنا الله سبحانه وتعالى يريد أن يُبيّن لنا في سورة الحجّ كيف نقصده ، كيف نسير إليه - جل وعلا - في هذه الحياة الدنيا . كل واحد منا يطمع أن يسير إلى الله لكن هذا المسير لابد ألاّ يكون بحسب هواه وإنما يكون بحسب ما يختاره الله - عز وجل - له.
  جاءت سورة الحجّ لتكون علامات ، إشارات ، أنت في طريق سريع تسير ستجد أنه يقول لك باقي على مكة المكرمة 500 كيلو ، باقي 400 كيلو ، تأخذ يمين من هذا المخرج ، تأخذ يسار ، هذه العلامات والأمارات هي التي جعلها الله - عز وجل - مضمون سورة الحجّ فجاءت هذه السورة ليقول الله - عز وجل - في مطلعها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ*يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) ، والله أحبتي لو أننا جلسنا قليلا مع أنفسنا وحاولنا أن نتفكر في هذه الآيات العظيمات لخشعت القلوب وذرفت الدموع ، وتأملنا فيما يتوعد الله - عز وجل - به الناس ، هنا سورة الحجّ تريد أن تسير إلى الله لا طريق لك في مسيرك إلى الله إلا أن تجعل الخوف هو الذي يملك قلبك حينما تريد أن تقول أو تريد أن تعمل . بعض الناس يقول لماذا تُكثرون من ذكر النار والتخويف بيوم القيامة ؟ سبحان الله ، من الذي ملأ ما بين دفتي هذا المصحف بوعيد شديد ، بتحديد وتحذير بالغ جدا إلا الله - سبحانه وتعالى - عندئذ حينما يقول الله لك في أول سورة الحج علامات كما ذكرت لك يقول لك  (يَا أَيُّهَا النَّاسُ  اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) هنا الله هو الذي جعل هذا الأسلوب ليُعالج القلوب بوعيده سبحانه وتعالى فلا تقل لماذا النار ، ولماذا التخويف والتهديد ، لن نسير إلى الله إلا بالتخويف والتهديد ، ولا تُبعد قلبك عن هذا ، القلب بحاجة أن يخاف ، بحاجة أن يخشى ، وقد قالوا قديما "فإنما العلم الخشية" ولذلك من أراد أن يعبد الله حق عبادته لابد له أن يستعمل أمثال هذه الآيات في سورة الحجّ .
تعال هنا وانظر إلى قول الله - عز وجل -  (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ )  تذهل كل مرضعة عما أرضعت، لو أن شاة لن تُحاسب تُرضع صغيرها سترمي به يمينا أو شمالا خوفا من يوم القيامة - سبحان الله - فرقت من ماذا ؟ خافت من أي شيء ؟ ليس عليها حساب خافت من الأهوال التي رأت ، مما تسمع بأذنها ، مما تشاهد بعينها فقال الله  (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) ثم قال ( وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا) سبحان الله ، البعوضة - أخي المبارك - تطير في الهواء في بطنها شيء من البيض لما جاء يوم القيامة وضعت هذا البيض من بطنها فرقا من يوم القيامة ، الهرة ، البعير ، الشاة ، كل أولئك وضعوا مافي بطونهم خوفا وفرقا من يوم القيامة فقولوا لي بربكم ما حالنا نحن في ذلك اليوم العظيم .
/ من أعظم العلامات التي جعلها الله لمن يسير إليه سبحانه وتعالى أن يؤمن بقضاء الله وقدره ، فإذا شعرت في نفسك أنك كلما حصل لك شيء في هذه الحياة أنك ترجع إلى الله وتؤمن أن الله إنما قضى لك ما فيه خير لك في الدنيا وخير لك في الآخرة ، آمنت بالقضاء والقدر عندئذ أبشر ، بعض الناس لما تصيبه مصيبة ، أبدا مطمئن تماما ولله الحمد والمنّة ، وبعض الناس تصيبه المصيبة فيبدأ يضطرب حتى أنني سمعت مرة واحدة من الأخوات لما أُصيبت بمصيبة مرض كانت تقول : أنا ما ذا فعلت في لله ؟ وماذا بيني وبين ربي ؟ ، ما هذا الكلام !! ، بينما تجد في المقابل من الصابرين ، المطمئنين ، الموقنين بقضاء الله وحكمته شيء عجب . دائما لا أنسى تلك الخالة ، كبيرة في السن - رحمها الله رحمة واسعة - كنت أدخل عليها أسلم ومعها كيسة فأفتح الكيسة وأبتسم في وجهها وأقول لها يا خالة لماذا كل هذه الأدوية ؟ إن كانت أربعين أو خمسين لا أدري سبعين دواء أنواع وأشكال فأقول لها يا خالة معقول أنك تأكلين كل هذه الأدوية؟ قالت : والله كلما ذهبت للطبيب هذا يقول فيك سكر ويعطيني أدوية وهذا يقول فيك ضغط ويعطيني أدوية ، وهذا يقول ظهرك ويعطيني أدوية .... الخ فجمعتها في هذا الكيس وأحاول أن آكل منها ما أستطيع . فكنت أنظر إلى وجهها والله لا أرى إلا السرور والانبساط وحمد الله على لسانها ، الحمد لله ، الشكر لله ، نحن في نعمة ، نحن في خير ، أفضل من غيرنا ، الله يوزعنا شكر نعمه . سبحان الله ، لمَ ؟ هذه علامة على هداية الله لعبده ، سورة الحجّ هي علامات ، طُرق ، هدايات ، فمن كان كذلك فليعلم أن الله - عز وجل - هداه إلى خير طريق يسير عليه في هذه الحياة الدنيا ، ولذلك كان من لوازم ما ذكره الله - سبحانه وتعالى - في سورة الحجّ أن قال - جلّ وعلا - (مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء) هذه الآية في النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي في عموم الناس أي في الإثنين معا ، من كان يظن أن الله لن ينصر نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة ( فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) ، وفي الشخص نفسه من كان يظن أن الله - عز وجل - لن ينصره في أموره ولن يكون معه ، يظن بالله ظن السوء(فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء) أي يعلق حبل في السماء ثم يشنق نفسه ويطلق الأرض من تحت قدميه ويختنق ، هذا الذي له ، لا يمكن أن يفعل إلا ذلك لأنه إن لم يؤمن بقضاء الله وقدره فنهاية أمره إلى شقاء في الدنيا وشقاء في الآخرة ، خسر الدنيا و خسر الآخرة في آن واحد ، فكان من أعظم العلامات التي دلت عليه هذه السورة العظيمة أن نرضى بقضاء الله وقدره .
 / يشتكي كثير من الناس يقول : أنا أريد أن أعبد الله ,وأسير إليه ولكني لا أستطيع ، أضعف ، أريد أن أُطيع فأجد نفسي أعصي ، أريد أن أُوحد فأجد نفسي أرائي وأشرك ؟ نقول له يا أيها الأخ المبارك لن تستطيع أن تعبد الله - كما أشارة سورة الحجّ في آخرها إلى ذلك - إلا إذا عرفت قدر الله ، ولذلك قال في ختامها (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) يقول سبحانه لي ولك ، يقول (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) فإذا أردت أن تعبد الله فلابد أن تغرس في قلبك أولا محبة الله ومعرفة قدر الله ، فإذا عرفت ذلك أمكنك أن تعبد الله حقا .
 بعض الناس في رمضان يريد أن يصلي التراويح في خشوع وذل وخضوع فإذا وقف عشر دقائق بدأ يسرح في الدنيا ، يريد أن يقرأ القرآن وأن يتدبر في آياته فما أن يقرأ وجها واحدا يبدأ يتثاوب ، يملّ ويكسل ، لماذا ؟ لأنه هنا يعبد من لم يعرفه حق المعرفة ، لو عرف الله لعبده حقا من دون أن يكسل أو من دون أن يغفل لأنه هنا يعرف هو يريد أن يصل إلى من ، هو يُعظم من ، وهو يعبد من ، ولذلك جاء التنبيه حينما قال الله (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) تقول كيف أعرف الله وأقدره حق قدره ؟
أُنظر إلى ختام سورة الحجّ كيف أن الله - عز وجل - (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) جاهدوا في دين الله ، في طاعة الله حق الاجتهاد ، يحتاج الإنسان منا إلى صبر وهو يجاهد نفسه وهواه ومعاصيه ، نعم سيجد هناك صعوبة ، سيجد كلفة ، أن النفس تُنازعه ، الأصحاب يُنادونه ليلهو معهم في شيء محرم هناك ... وهناك ... ، الدنيا لابد لها مما يفتن ويجعل الإنسان يعيش في دائرة الغفلة ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (حفت الجنة بالمكاره) لابد من هذا فكيف أنجو ؟ بقول الله - عز وجل - (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) ولكن لا يصل هذا الاجتهاد إلى أن يكون هناك حرج على الإنسان فقال ربنا - سبحانه وتعالى - لنا مبينا لهذا الدين السمح ، لهذا الدين الحنيف أن قال ربنا هنا في آخر هذه الآيات(وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) .
/ أخي - سلمك الله - الله يريد منك أن تُجاهد لكن لا يريد منك أن تُوقع نفسك في الحرج فمتى ما وجدت في طريقك إلى الله حرجا في أي مسألة من المسائل فاعلم أن دين الله ليس هنا ، هذه أمارة من أوضح وأجلى علامات سورة الحجّ التي - كما ذكرت لك - إنما هي منارات نهتدي بها إذا أردنا أن نصل إلى ربنا جلّ وعلا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق