جئتكم اليوم بسورة عظيمة ، جدُ عظيمة من سور القرآن التي تحتاج إليها القلوب كثيراً قلوبنا أيها الأحبة بحاجة إلى شيء يُزلزلها بحاجة إلى شيء يُذكرها ، بحاجة إلى ما يُزيل ، بل ويكسر الرآن من حولها تقول لي لِمَ ؟! لأن قلوبنا قد قست من هذه الحياة المادية من حولنا .
ماهي السور التي تُزيل هذه القسوة ؟
ماهي السور التي تجعل ماء الوحي يتدفق من خلال أودية القلب ؟
من أمثالها سورة إبراهيم هذه السورة العظيمة مع سورة الرعد ، مع سورة الحِجر ، مع سورة ق ، مع سورة الجاثية ، سور من كتاب الله نزلت من أجل أن تهُزّ القلب فيبدأ يتذكر ويخشى الرب سبحانه وتعالى ولذلك نقول دائماً للأحبة ثلاث سور من القرآن : الرعد إبراهيم الحجر مقصودها واحد هي تتحدث عن الأنبياء وعن أقوام هؤلاء الأنبياء من لم يُؤمن بهم ، من أخذ يُحاج ، يعترض ، لا يستجيب لدعوتهم فنزلت سورة الرعد من أجل ماذا ؟! من أجل أن ترتعد هذه القلوب حينما يتكلم الرب متوعِداً سبحانه وتعالى .
ثم جاءت سورة إبراهيم ، سورة إبراهيم في الحُجج في البراهين.
ثم جاءت سورة الحِجر في بيان جزاء القوم الذين أعرضوا عن حُجج وبراهين الأنبياء في دعوتهم إلى أقوامهما.
نزلت سورة إبراهيم بين هذه وتلك ليقول الله -عز وجل- لنا في مطلعها ، واسمعوا عباد الله إلى الله حينما يتكلم بوحيه العظيم في هذه السورة فيقول سبحانه وتعالى (الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) -سبحان الله- لأي شيء أنزل الله القرآن؟ أنزله ليُخرجني أنا ، ليُخرك أنت ، ليُخرج الناس من أين إلى أين؟ (مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) من أخذ بالقرآن خرج من الظلمات إلى النور، من أعرض عن القرآن بقي يتخبط في الظلمات . جاءت سورة إبراهيم لبيان هذه الحقيقة في مطلعها ولذلك إذا كنت تستمع إلى هذه السورة وتسألني ما الذي أأخذ من هدى ونور سورة إبراهيم أقول لك إسمع إلى كلام ربك سبحانه وتعالى هو الآن يخبرك عن حقيقة ثم يُثبت هذه الحقيقة بالبراهين المنطقية بالحُجج العقلية بالآيات والوحي كلها تجتمع من أجل أن يؤمن الإنسان بأنه بهذا القرآن فقط يخرج من الظلمات إلى النور .
ما أعظمها والله من آيات كيف نقرأ سورة إبراهيم ونحيا بها هذا الذي نُريده ؟ ووالله ما أسهلها على كل عبدٍ موفق أن يُحيي قلبه بهذه الآيات العظيمات في سورة إبراهيم لو أٓنِّي أنا وإياك نقرأ أو نستمع إليها فيمر بنا قول الله -عز وجل- (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) هنا سؤال : هل واحد مِنا حينما قرأ هذا السؤال أجاب مباشرة في قلبه ، بلسانه قال أبداً لا شك بفاطر السماوات والأرض ، أم أنَّآ نمر عليها ونركض ركضاً نبحث عن الختم لآيات الكتاب من دون أن نتدبر وأن نُجيب على أسئلة الله في آياته العظيمة ، لا ، أبداً لا ينبغي هذا يجب أن نُجِيب ، أن نقف أن نتدبر .
ذكر لي بعض طُلاب العلم أن عندهم رجل كهل في آخر الأربعين من عمره يُحب أن يقرأ القرآن وأن يتدبر في آياته ، يقول بأن إمام المسجد كان يتعجب من هذا الرجل العامي كيف هو يعيش مع القرآن ويتلذذ بهذه التلاوة ، يقول فمرة من المرات قال لابد أن أُصلي النافلة خلفه ثم أجلس في مكاني حتى لا يشعر بي وأستمع إليه كيف يقرأ وكيف يتدبر في الآيات يقول فلمَّا انتهت الصلاة قام إمام المسجد فصلى ركعتين خلف الرجل ثم جلس في مكانه وبدأ الرجل يفتح المصحف ويقرأ قال فقرأ من أول سورة إبراهيم (الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) قال وهو يقرأ في آياتها حتى بلغ قول الله -عز وجل- (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) الرُسل تسأل هنا أفي الله شك فاطر السماوات والأرض ؟! قال فسكت -يقول الشاب إمام المسجد- قال فسكتُ أنا، كلي سكت أُشاهد ماذا يفعل هذا الرجل حينما يستمع إلى مثل هذه الآية، قال فسكتت ولم أتنفس خشية أن أُشغله أو أن يشعر بي ، قال فسكت ثم قال لا والله يارب ما فيك شِكه ؟ اللي عندنا بالعامية يعني ما فيك شك يقول ثم عاد يقرأ (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) قال فسكت ثم عاد مرة ثانية وقال لا والله يارب يكذبون لا والله ما فيك شكه يارب ، قال ثم عبر وبدأ يبكي وهو يُردد الآية ويجيب (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) يقول الرجل لا والله يارب ما فيك شكه ثم يعيد (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) ثم يجيب لا والله يارب ما فيك شكه ، يقول إمام المسجد : والله ما انتهى منها حتى دخل المؤذن ليؤذن لصلاة العشاء قال فلما شعر بالصوت قام فوضع المصحف أمامه ثم جلس واتكأ حتى لايشعر به أحد. سبحان الله .
دعني أحكي لك قصة شاب محب لسورة إبراهيم :
هذا واحد من الشباب أعرفه معرفة تامة اسمه خالد كان يحب سورة إبراهيم محبة شديدة جداً فجاء إليّ مرة وقال أنا عندي سفر إلى بلد بعيد وهذا البلد فيه من أنواع الفتن الشيء الكثير يعني هو من دول أوروبا الغربية وهكذا وفيها فتن كثيرة بالنسبة له وهو شاب قد أنعم الله على أُسرته يعني من أثرى أثرياء الدنيا فيقول لي أخشى أني أقع في شيء من الفِتن فماذا ترشدني؟ أيش الوصية التي توصيني بها ؟
قلت ياخالد كيف أنت وسورة إبراهيم؟ قال أحب سورة إبراهيم محبة شديدة جداً ، قلت جميل إذا خذ معك المصحف ودائماً كن قريباً من سورة إبراهيم جاء إليّ قبل السفر وأراني مصحف بحجمه الصغير قال ها الآن معي مصحف المدينة المنورة وضعه في جيبه هنا وقال الآن معي قلت يالله الله يحفظك ياخالد مع السلامة نراك على خير ذهب خالد يقول في مرة من المرات كُنا قد حُشرنا في فندق مع مجموعة من الناس ما أمدى أن أخرج أبداً من هذه المجموعة لظروف معينة قال فنزلوا بنا إلى صالة المسرح فبدأ رقص -يعني ديسكو وأشياء كثيرة جداً حصلت- يقول فخشيت على نفسي فتذكرت أن المصحف معي في جيبي فذهبت إلى إضاءة كانت قريبة من الجدار عادة في مثل هذه الصالات يكون هناك إضاءة صغيرة على الجدران قال يعني هم أطفأوا الأنوار القوية وبقيت هذه الأنوار الخفيفة ، قال فذهبت إلى واحدة منها وجلست تحتها ثم فتحت المصحف وأخذت أقرأ في سورة إبراهيم (الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) ) يقول والله مازلت أقرأ فيها حتى بلغت قول الله -عز وجل- (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) يقول فلما بلغت هذه الآية يعني كأن القلب توقف ، تأثر كثيراً بما يتوعد الله -عز وجل- به هنا يقول فانتبهت وإذ بهم يُشعلون الأنوار القوية إذ بالناس الذي يخرج منهم والذي يعني سقط وهو يشرب الخمر يقول فتنبهت إلى الساعة وإذ بي على هذه الحال أكثر من خمس ساعات وهو يقرأ في سورة إبراهيم فقط من أولها إلى الوجه الأخير منها ما إستطاع أن يرفع عينيه عنها ولا أن يُشغل قلبه بغيرها من شدة تأثره بها سبحان الله .لا إله إلا الله كانت الدنيا ترقص وموسيقى وأنواع من اللهو ونساء وأشياء ولكنه لمَّا دخل فيها أحيا قلبه بها.
يقول ختاماً يقول فبقي وجه واحد من سورة إبراهيم أخذت مصحفي وركضت إلى غرفتي يقول ثم بدأت أقرأ فيه حتى بلغت قول الله عز وجل (هَذَا بَلاغٌ لِّلنَّاسِ) هذا أي هذا القرآن بلاغ للناس (وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق