الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011

تفسير سورة آل عمران من الآية (92- 120) من دورة الأترجة


د/ ناصر بن محمد الماجد



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بسم الله، والحمد لله، والصَّلاةوالسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد : اللهم علِّمنا ماينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، واجعل ما علمتنا حُجَّة لنا لاعلينا، وشاهداً لنا لاعلينا وبعد:
فمع بَدئ هذا الدرس العلمي أُحَيِّيكُم، وأسأل الله عزَّوجل أن يرزقناالعلم النافع ، والعمل الصالح، وأن يَسلكَ بنا سبيل الذِّين أنعمَ عَليهم من النَّبيين،والصِّديقين، والشُّهداء، والصَّالحين، وحَسُن أولئك رفيقاً.كما أننَّي أَوَدُّ شُكرالقَائمِين عَلى هذا البرنامج، وأسأل الله - عزوجل - أن يبارك فيهم، وأن ينفع بهم،وأن يضاعف لهم الأجر والمثوبة. ثم إنَّ هذا الدَّرس سيبدأ من الجُـزء الرابع، ونبدأهبتلاوة كريمة لآياته:

المَقطَعَ الأوّل:(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَإِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ (108) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ (109) كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (112) لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116) مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنتُمْ أُولاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120).[1]

بسم الله الرحمن الرحيم هذا الجزء بدأ بقوله :
(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّاتُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيم)
وقد سَبَقَهُ قول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌفَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ) ثم جاءت هذه الآية بعد أن أخبر عَزَّوجل أنَّ الكُفَّار مهما فَدَوا به، وقَدَّمُوهُ من أجل أن يتَّـقُواعذابَ النَّار فإنه لن يُتقبل منهم حتى لو قَدَّمُوا مِلىءَ الأرض ذهبًا، ثم تَجيءُ الآيات بعد هذه ليقول عزَّوجل ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) كما أنَّ المُشركين لا يُتقبَّلُ منهم أيَّ شيء في مُقَابلهم، فإنَّ أهل الإيمان يَتقبَّل الله منهم،ويُبيِّن لهم عزَّوجل ما الذِّي ينفقونه، وما الذِّي يَبذلونه من أموالهم حتى يَبلُغُوا مَنازِل أهل البِرّ، وحتى يَبلغوا درجتهم وثوابهم .
وأَوَّدُ الإشارة ونحن نستعرض هذه الآيات الكريمة، إلى أنَّه بحكم الوقت، والزمان، والمكان، اعتباراً فيما نتناوله من هذه الآيات دِراسةً، ونظرًا، وبحثاً، فالوقتُ حاكمٌ لنا -كما تعلمون- ولذلك سيكون بيانُنَا لغريب الآياتِ الكَريمة، ثم بيان المَعنى العام للآية الكريمة، والوُقوف على أبرز فَوائِدها،وحِكَمِهَا، وأَحكَامِها بحسب ما يَتَّسِعُ به الوقت، ويفتح الله عزّوجلّ به .
/ قول الله - عز وجل - (لَنْ تَنَالُواالْبِرَّ) ذكر أهل العلم في معناه قولان:
والمراد بالبِرِّ هنا- ونحن نعلم أنَّ البراسمٌ يُطلَق على كل خير ورد به الشَّرع، أو دلَّ عليه العَقل. ولكن ورد عن المفسرين في معنى هذه الآية قولان: أولهما : أنَّ المُراد بقوله لن (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ) يعني لن تَبلُغُواثَوابَ البِرّ. وقول آخر :أن المراد بقوله (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ) يعني لن تبلغوا منازلَ ودرجةَ أهل البِر، وإذا تأملنا في هَذَين القولين وَجدناهما لا يتعارضان،بل هما بمعنى واحد، ويُمكَن أن تُفَسَّر الآية بأن يقال: لن تَبلُغُـوا منازل أهل البر، ولاثوابَهُم حتى تُنفقوا مما تُحِبُّون . (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) وهنا أخبر عزوجل أنَّ المؤمنين لن يبلغوا درجة أهل البرِّ حتى يُنفقوا مما يحبون، ودرجة أهل البر هنا هي درجة عالية، ومنزلةٌ رفيعة، ولذلك شَرَط الله لَهَا أن يُنفِقَ المَرء أحبَّ ماله، وأكرم ؛لأنَّ إنفاق الإنسان لأكرم ماله ، وأَحبِّهِ، هو دليلٌ على صدقه، وعلى ثقته بموعود الله ، ودليل أيضا على أنَّه جعل الآخرة نَصبَ عينيه./ قال الله (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّل َالتَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )يقول الله كُلُّ الطَّعام كانَ حَلالًا لأَبناءِ يعقوب عليه السَّلام إلاَّ ما حَرَّم إسرائيل على نفسه وذلك أنَّ اليهود زَعَمُوا أنَّ ما حَرَّم يعقوب على نفسه قد نزَلَ في التَّوراة، فأكذبهم الله - عز وجل – في قولهم وزعمهم هذا، وأخبر أن ما حرم إسرائيل على نفسه إنما حَرَّمه لسبب خاص به دونَ أن يَنزل عليه من الله .وأشهر ما ورد عن السَّلف في السَّبب الذِّي من أَجلِهِ حَرَّم يعقوب - عليه السلام - بعضَ الأطعمة عليه : أنَّه نذرنذرًا لله - عز وجل - أنَّه إن شفاه من مرضه أن يُحرِّم بعض الأطعمة الطَّيبة عليه، فَجَرى أبناءُهُ من بَعده على هذا التَّحريم الذِّي حَرَّمه على نفسه .
وهذا التَّحريم ليسَ تشريعا من الله - عز وجل - بل يَفعله الإنسان تقرُّبًا إلى الله-عزوجل-، وشكرًا له فهذا من باب النَّذر الذِّي لا يجبُ أصلا، وإنَّما يجب الوفاء به ولذلك أَكذبهم الله حينما زَعموا أنّ هذا التَّحريم الذِّي حرَّمه يعقوب على نفسه أنه نَزَل في التَّوراة، بل وَرَدَّ عَليهم هذا الزَّعم باستدلال عقليّ تاريخيّ فقال ( مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ) لأنَّ التوراة أُنزِلَت على موسى عليه السَّلام، ويعقوب عليه السلام كان قبلَ مَجيءُ موسى - فهذا ردٌّ عقليّ تاريخيٌّ عليهم، ونحن نستفيد هذا، حتى يستفيد منه العالِمُ، والمُحاوِرُ لغيره في مَجَالِسِ المُناظرة ، والمُحاورة، في معرفة التَّاريخ، والاستدلال به، وأن تحصيله والنَّظر فيه يُعين الإنسان على مخاصمة ومجادلةخصمه، وبيان الحقِّ له. ولذلك قال عزَّوجل(قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) فيما تزعُمُون.
/ ثم قال (فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )
قوله (فَمَنِ افْتَرَى ) الافتراء أصله من الفَرِيّ وهو القَطع،ويُراد به هنا أَشَدُّ الكَذِب، ولذلك قال ( فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) وجاءَت الآية بأسلوب المُبالغة في التَّعبير عن الكذب بعد بيان الحَقّ؛ لأنَّ هذا الحَقّ قد بان لهم بيانًا واضحًا، بانَ لهم من كتابهم، فاستدلَّ عليهم مِمَّا يُؤمنون به، ويُصَّدِقُون به، فإذا كَابَرُوا بعد ذلك فقد افتروا أشدّ الكَذِب ولذلك قال (فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) يعني كَذِباً كَذِبَ على الله فهو أَشَدّ ما يكون الكَذب (مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) يعني المُجَاوِزون للحَدّ الذِّين ظلموا أنفسهم بإعراضهم عن الحق بعدما تبيَّن لهم.
ثم قال الله عزوجل بعد ذلك (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين) الخطاب هنا للنبي قُلْ: أَيُّها النَّبي صَدَقَ الله فيما أخبر به وصَدَقَ –عزوجل - فيما حَكَى، وقَضَى، فإنَّه عزوجل أصدقُ حديثًا،وإذَا بَانَ الحَقُّ في هذه المسألة فقد أمر الله عزوجل أهلَ الكتاب وغيرَهُم أن يتَّبِعوا مِلَّة إبراهيم حنيفًا، وقد نَاسَبَ ذكر هذا الأمر باتِّباع ملة إبراهيم بعد أن جرى مسألة ذِكر التَّحريم الذِّي حرَّمه بني إسرائيل على أنفسهم؛ ليَرُدَّهم إلى الملَّة الحَنيفية لأنَّ إبراهيم - عليه السَّلام- هو أبو الأنبياء قال (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) وأصل الحَنيف في اللُّغة المَائِل، والمَقصود به هنا المَائلُ عن كُلِّ الأَديان البَاطلة إلى عبادة الله وحده، ولذلك أُطلِقَ على مِلَّة إبراهيم –عليه السَّلام – بأنَّها المِلَّةُ الحَنيفية يعني المِلَّة المائلة عن كل الأديان ، وكل الأوثان، وكل المعبودات سوى الله- عز وجل - . ثم قال عزَّوجل (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) تأكيدا لِمفهوم الحنيفية التي كان عليها إبراهيم عليه السَّلام. ولَمَّا جَرَى ذكر إبراهيم عليه السَّلام، جرى الإشارة إلى البيت الذَّي بناه عليه السَّلام فقال عزوجل: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ) .
قوله عزَّوجل (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ) ظاهرُالآية الكريمة يُشير إلى الأوَّلية المُطلقة، أنَّ الكعبة هي أوَّلُ بيت وُضع يعني بُنيَ وأُسِّس في الأَرض لعبادة الله وحده، وهذا قولٌ قد التزمه بعضُ أهل العلم. وذهب بعضُ أهل العلم إلى أنَّ هذه الأوَّلية أوَّليةٌ مُقيَّدة، وليست أوَّلية مُطلقةً، والسَّبب أنَّ قبل إبراهيم عَليه السَّلام كان هناك أنبياء كُثُر، وكانت أُمم، وتاريخٌ طويل، فهؤلاء كانوا يعبدون الله فلا بد أنه كانت لهم بيوتٌ يعبدون الله فيها
ولأجل هذا الإشكال وقع الخِلاف بين أهل العلم من المفسرين :
/ فمنهم من قال: إنَّ هذا البيت هو أَوَّل بيت وُضِعَ للنَّاس وأجاب عن هذا الإشكال -وهو وجود بيوت سابقة يُعبد الله فيها- أجاب عنه بأن قال: إنَّ البناء الحقيقي كان في عهد آدم، وذكَروا في ذلك رواياتٍ لا تخلو من مقال، أنَّ آدم –عليه السَّلام -هو أول من بنى الكعبة إذًا ما الذِّي فعله إبراهيم - عليه السلام - ؟ جدَّد بناءَ الكعبة، ولذلك قال عزَّ وجل (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ) قال: لا يرفع إلا شيئا قد كان قبل ذلك.فهذه طَريقةٌ لبعضِ أهل العلم في الاستدلال على أنَّ هذا البيت هو أول بيت وضع للناس بإطلاق.وأمَّا الذِّين قَالوا إنَّ الأولية هنا أوَّليةٌ نِسبية فقد اختلفت طرائقهم:فمنهم من قال:أنَّ الأوَّلية هنا باعتبار الفَضل، يعني هو أَوَّل بيت يعني أفضل بيت وُضِعَ للنَّاس، وهذا لاشك فيه.
وبعضُهُم قال : إنَّ هذه الأولية باعتبار ما ورد في بَعض الآثار من اختلاف أهل الكتاب من اليَهود مع المسلمين، في أيُّهُما أَسبق؟ البيت الحرام أَم بيت المقدس بناءً؟ فقدزعمت اليهود أنَّ بيتَ المقدس أسبق بناءً ، فأنزل الله هذه الآية ردّاً عليهم، وإكذابًا لهم في زعمهم .
وبكل حال فالآية ظاهِرُها يدُلُّ على أوَّلية هذا البيت، فَإن صَحَّت الرِّوايات التِّي فيها أنَّ آدم- عليه السَّلام هو أوَّلُ من بنى الكَعبة فإنَّ الآية على ظاهرها في أوَّلية زمانية مُطلقة، وإن لم تَصِح فإنَّ الأولية هُنا تُحمَل على أوَّلية الفضل.
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) وبَكَّة هنا المقصود بها مكة،ولكن قد يَرِد هنا سُؤالاً يقال لماذا سَمَّاها الله هنا بكة ولم يُسَمِّهَا مكة؟وهذا اختلف في توجيهه أهل العلم:
/ فمنهم من قال إنَّ بَكَّة ومَكَّة بمعنىً واحد، ولكن هذا من القَلب في بعض الحروف، كما تقول لازب ولازم فاللاَّزب هو اللاَّزم، ولكن هذا من قَلب الحروف، ومثل جَذَبَهُ وجَبَذَهُ هذا من قلب الحروف، فمكَّة هي لغة لها أخرى بمعنى بكَّة .
/ ومنهم من قال: إن بكَّة المقصود بها ذاتُ البِناء -هَذا القَائم- وأما مَكَّة فهُو ما بَقي من الحَرم ،من البيت.
/ ومنهم من قال: إن بَكَّة هذه إشارة إلى الازدحام أصلها من البَكّ وهو شِدَّة الازدحام وذلك معنىً ملحوظ في البيت الحرام فإنَّ الناس يزدحمون فيه.
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) يعني وضعه الله مباركًا ،كثيرُ البَركات والخير (وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) يعني للعالمين جميعًا / ثم قال عزَّوجل (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)قوله (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ) أصل الآيات هنا هي العَلامات الواضحات، حينما تقول هذه آية يعني علامة واضحة، وَنَلحَظُ هُنَا في الآية الكريمة أنَّ الله قال (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ) يعني آياتٌ واضحات، وهذا من شِدَّة المُبالغة في الذِّكر، والإِشَارة إلى عِظَمِ الآيات التِّي في هذا البيت الحرام؛ لأنها آيات بينات واضحة، وهذه الآيات البينات، الظَّاهرات لِكُلِّ أحد كثيرة جدًا، وذكر الله عزَّوجل في هذه الآيات بعضاً من تلك الآيات فقال( مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ )يعني مِن هذه الآيات مقامُ إبراهيم، ومقام إبراهيم هو المَوضع الذِّي قَامَ عليه لما بنَّى البيت، ووضَعَ الحَجر، وهو موجودٌ الآن، وقد أثَّر فيه بقدمه حتى بقيت آثارُ قَدَمَهِ فيه .
وأهل العلم اختلفوا في معنى مقام إبراهيم هنا هل هو هذا المقام المعروف المشهور الموجود الآن ؟ أم المقصود به مقامات إبراهيم في الحَرَم، وفي المناسك، مقامه في الحرم طوافه،ومقامه بمعنى سعيُه بين الصَّفا والمروة، وتنقله بين المَشاعر ونحو ذلك ؟ منهم من قال هذا القول، ومنهم من قال القول الآخر. وعلى كُلِّ حَال فالذِّي يَظهر أنَّ المقصود بالمقام هنا هذا المقام المعروف فإنَّ النَّبي – صلى الله عليه وسلم – لَمَّاطافَ بالبيت قال (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) ثم صلَّى عنده[2]،وقُلنا إنَّ المُراد به مقام إبراهيم خُصُوصاً لأنَّ هذه المَعاني الأخرى التي ذكرها المفسرون من الطَّواف بالبيت، والسَّعي بين الصَّفا، والتَّنَقُلِ بين المشاعر هي واردة في ثنايا الآيات الكريمة .
إذًا أول هذه الآيات البينات مقامُ إبراهيم ثم قال الله – عزوجل- (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) وهذه من أعظم آيات هذا البيت فإنَّ من دخل هذا البيت أمن، أَمِن على نفسه، وعلى ماله، فلا يناله أذى، والله عزَّوجل يُخبِر بهذه الآيات، وينزِّلها على النبي - صلى الله عليه وسلم - والعرب أدرى الناس بِعِظَم هذه الآية، وبظهورها، وبيانها فإنَّ جزيرة العرب كانت يُتَخطف النَّاس كما يقول الله - عز وجل - (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ)[3] ، كان الناس فيها لا يتنقلون إلا على خَوف على أنفسهم، وأموالهم أن ينالهم أحدٌ بأذى ، ولكن هذه المنطقة- منطقة الحرم – منطقة آمنة يأمن النَّاس فيها حتى إنَّ الأعداء المتحاربين إذا التقوا فيها لا يُهيِّج أحدهم أحداً، ولا ينالُهُ بأذى، كما جاء في بعض الآثار عن السلف : "إنَّ الرجل ليلقى قاتل أبيه،أو أخيه، فلا يُهيِّجُه"، بل حتى إنَّ هذا الأمان سَرَى على البَهَائِمِ نفسها، ولذلك كان التَّقليد والإشعار،تقليد البهائم وإشعارها يعني وضع العلامة عليها مما يدل على أنَّها مُهداة ومُسَاقة إلى البيت، ولأَجل ذلك لا يتناولها أحد بأذى، بل إنَّ هذه الحُرمة والتَّعظيم للبيت سَرَى حتى لأَدنى شيء له علاقة بالبيت ، فكان الرَّجل إذا خرج من البيت الحرام، وهو يخاف من الأذى أن يُصيبه يأخذ لَحَم من شجر الحرم فيربطه على رقبته، فيقلِّد نفسه هو؛ رجاء أن يَأمن من الأذى أن يصيبه، وكانت العرب تُعظِّم هذا الأمر. وهذه من الآيات الظَّاهرة، البيِّنة وإلاَّ فإنّ هؤلاء العرب ماكان لهم دِين يَردعهم عن الأذى ، أن يؤذوا غيرهم، أن يتناولوا أحدا بأذى لكن قذف الله- عز وجل - في قلوبهم رهبة هذا البيت ، وتعظيمه وزاد ذلك التَّعظيم بعد حادثة الفيل ، وما فعل الله – عز وجل – بأبرهة ، فعظَّم النَّاس البيت تعظيمًا كبيرًا ، وعظَّموا بتعظيمه أهله أيضًا،هذه إذًا من الآيات البَيِّنات (مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ) إذًا لأنَّ هَذا البَيت فيه هذه الآيات البَيِّنات، الظَّاهرات ناسَبَ الإشارة إلى أمرٍ آخر هو من تَعظيم البيت فقال عزّوجل (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ). ذهبَ كثيرٌ من أهل العلم إلى أنَّ هذه الآية هي الآية التي دلَّت على وجُوب حجِّ البيت الحرام من القرآن الكريم. ولأهل العلم كلامٌ طويل في بيان معنى (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)ومُختصره، ومداره على القُدرة على الوُصُول إلى البيت الحرام، وكُلٌّ بِحسَبه وبحاله، وإنَّما مَدارُ هذا الأمر الذِّي يَجمعه قدرته على الوُصول إلى البيت الحرام بلا مشقة ظاهرة، ولذلك ورد عن السلف كثيرا أنهم قالوا الزَّاد، والرَّاحلة . ثم قال الله عزّوجل بعد ذلك (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) يعني من كفر بالله فإنَّ الله غنيُّ عن العالمين. ويُحتمل أن يكون من كَفَر بوجوب الحَجّ فإنَّ الله غنيٌّ عن العالمين ، أو من كفر بنعمةِ الله التِّي ذكرها،وأشار إليها في الآية الكريمة فإنَّ الله غني عن العالمين.
/ قال الله تعالى : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ ) يقول الله عزَّوجل لنبِّيه قل أيُّها النَّبي مُخاطِبَاً لأهل الكتاب من اليهود والنَّصارى (لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَات اللَّهِ) لم تَجحَدُون بالحُجَج الظَّاهرة البَيِّنة التي قامت، وظَهَرت لكم ، ثم قال عزَّوجل (وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ) إذ كيف تَكفُرون ويوجد أَمران يمنعانكم من الكُفر بآيات الله ، الأوّل : ظهورُ آيات الله ظُهورها لكم ظُهورًا بيِّنًا لا لَبسَ فيه، ولا غُمُوض.
الثاني :أنَّ الله شهيد على ما تعملون، فاللهُ رقيبٌ عليكم مُطَّلعٌ عليكم ،لا يخفى عليه من أعمالكم شيئًا، وكفى بذلك سببًا يحملُ المرء على أن يَكُفَّ عن الكُفر بآيات بالله، وتكذيبها، والإعراض عنها، لأنَّه يعلم أن الله شهيدٌ عليه مُطَّلِعٌ عليه .
/ ثم قَال - عز وجل - (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَااللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)أيضًا يأمر الله عزَّوجل نبِيَّه أن يُخاطِب أهلَ الكتاب، يَسألهم سؤال استفهام مُضمِّنٍ معنى الإنكار (لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) والصَدّ المَنع (لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ ) وقد خَاطَبَ الله عزَّوجل أهل الكتاب بذلك لأنَّهم كانوا من أعظم الصَّادِين عن سبيل الله، من أعظم من يَصُدُّ الناس عن الاهتداء إلى الحقّ، وقَبُوله، والانقياد له، صَدُّوا أولًا بكفرهم ، وتكذيبهم، فإنَّ أهل الكتاب كانوا أهل كتابٍ إلهي نزل عليهم، وكانت العرب تعظِّمهم، وترى أنَّ لهم فضلًا بنزول الكتاب عليهم، ولذلك كانوا يَسألُونهم، ويَستفهمون منهم خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فهُم رأوا منهم التَّكذيب ، فإذا كذَّب أهل الكتاب فذلك مَدعاةً لشكِّ العرب وهم أمة أمية، بل إنَّ أهل الكتاب لم يقتصروا على ذلك منهم، بل كما ورد في الآيات السَّابقة (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَار ِوَاكْفُرُوا آخِرَهُ) فكان أحدهم يُؤمن في أوَّل النَّهار يقول آمنت، فإذا جاء آخر النَّهار قال: كفرت! فإذا رأى النَّاس ذلك قالوا: إن هؤلاء أصحاب حقّ، وطُلاَّب هُدى بدليل أنهم آمنوا، فلما آمنوا واستبان لهم أنَّ هذا الدِّين ليس بحقّ خرجوا منه، فهذا نوعٌ من التَّلبيس، وإرباكِ النَّاس،وهذا من الصَدّ عن سبيل الله - عز وجل - ، كذلك من الصَّد عن سبيل الله شهادتهم الباطلة؛ لأنَّ المشركين يسألونهم أنحن على الحَقّ أم محمدصلى الله عليه وسلّم؟! ولذلك قال الله عزَّوجل (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواسَبِيلًا) يشهدون للكُفَّار العرب أنَّهم أهدى من الذين آمنوا سبيلًا ،مع أنَّ أولئك كانوا أصحاب أوثان يعني لا يَلتَقُون مع أهل الكتاب في أيِّ شيء، ومع ذلك يَشهدون لهم شهادة زُور أنَّهم أهدى من الذين آمنوا سبيلًا ،هذه كُلُّها من صُوَر الصَدّ عن سبيل الله ، ولذلك قال الله (تَبْغُونَهَا عِوَجًا) يعني تبغون سبيل الله عِوَجاً مائلا مع أنَّ الله أنزل البيِّنات، وأنزل كتابه، وأرسل الرُّسل؛ لِتَكُون الطَّريق المُوصلة إليه طريقة مستقيمة لا عِوجَ فيها،ولا أَمتاً ولذلك قال : - عزَّوجل – (وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ) يعني وأنتم تشهدون، وتعلمون علمًا يقينيًا أن هذا الدِّين الذي جاء به محمد –عليه الصَّلاة والسلام-، وأنَّ هذا الكتاب الذي أُنزِل عليه هو الكتاب الحقّ ، ولهذا قال الله عزَّوجل بعد ذلك (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) يعني عَمَلُكُم هذا الله مُطَّلِعٌ عليه، وعَالِمٌ به – عَزَّوجل – وسيجازيكم عليه .
والحقيقة أنَّ هذه الآية من أعظم ما يُذَمّ به كفرةُ أهل الكتاب؛ لأنّهم ضَلُّوا هُم في أنفسهم عن الحقّ بعد أن بانَ لهم، ولم يَكتفوا بذلك بل صَدُّوا الناس عن سبيل الله، فكان ضررهم يتعدى إلى غيرهم، وهذا من أعظم المُنكرات الصَدّ عن سبيل الله عزَّوجل لأنَّ بعض الناس لا يكتفي بأن يُعرِضَ هو عن الحق، وأن يَصُدّ عنه، وأن يبتعد عنه، بل يمنع الناس من قَبُوله، ويمنع الناس من الانقياد إليه، والدخول إليه، وهذه من أعظم الجرائم التي قديرتكبها الناس .
/ قال الله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ) لما ذكر صَدَّهم- صَدَّ أهل الكتاب للناس ناسب- بعدذلك يُنَّبِه المُؤمنين على خطورة متابعة أهل الكتاب، والانقياد لهم، والسَّير في أهوائهم، فقال – عز وجل - (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوافَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) الفريق المقصود به الجماعة من الذين أوتو الكتاب (يَرُدُّوكُمْ) أي يرجِعُوكم (بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) بعد الهداية (يَرُدُّوكُمْ بَعْدَإِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) يعني كافرين بالله – عز وجل – .
وهذه الآيات العظيمة وما تلتها فيها كثيرٌ من المعاني التي تستحِقّ الوقوف عندها،وإطالة النَّظر فيها، وأَختصر الكَلامَ فيها بحسب ما يُسعِفُ به الوقت فإن هذه الآيات نزلت -كما ورد في سبب النُّزول- في شأن ما وقع من اليهود وخصوصاً شاسُ بن قيس[4] فإنَّه كان من كِبارِ اليهود دخل إلى مَجلسِ الأنصار من الأوس والخزرج فجلس بينهم - وأنتم تعلمون ما كان بين الأوس والخزرج من ثَارات قبل أن هَداهم الله للإسلام كانت بينهم ثاراتٌ عظيمة - فلا زال بينهم يُحدِّثهم أخبارهم قبل الإسلام ويَذكر ما لهؤلاء وما لهؤلاء، فاستجَاشَ النُّفوس، وأثارَ فيهم حَميِّةَ الجاهلية، فبدأت هذه الحَمِيَّة بأن يذكر كل منهم –كل من الطائفتين -مآثر قومه، ثم زاد الأمر واتَّسَع حتى تداعُوا إلى حَمِيَّة الجاهلية، وتنادوا بها فهذا يقول يا لِثَارات الخزرج، وذلك يقول يا لِثَارات الأَوس وتنادَوا إلى السِّلاح- وانظروا خُطورة الأمر كيف بدأ الأمر بمجرد أحاديث، وأخبار- فَجَاءَ النبي –صلى الله عليه وسلم – فما زال بهم يُهَدِّئُهم، ويَعِظُهم، حتى أَلقَوا سلِاحَهُم،بل وبَكَوا ،وكل منهم أخذ بأخيه يلتزمه، ويُعانِقُه ،وانظروا كيف وصل بهم الأمر إلى هذاالمستوى من الخِلاف مع معرفتهم هُم بالفَضل، والنِّعمة العظيمة التي تحصَّلت لهم بسبب الهِداية إلى هذا الدِّين، ولذلك نزلت هذه الآيات التي تتضمّن عتاباً للمؤمنين ،وتتضمن أيضاً إرشادًا لهم وذكرًا لفضل الله عليهم ومنته سبحانه وبحمده فقال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَأُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) (إِنْ تطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) وتأمَّلوا الحقيقة مبدأ العدل،والإنصاف، الذي تُرَبيِّنا عليه آيات القرآن الكريم فقال الله -عزَّوجل - (فَرِيقًامِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) لم يقُل كُلّ أهل الكتاب بل فريقاً منهم، وَهَذا مِنَ العَدل والإنصاف حتى مع المُخالف، ونحن نستفيد من هذا أن نأخذ بالعَدل والإِنصاف مع المُخالِف لنا مهما كان مستوى خِلافِهِ لنا حتى لو كان خلافُهُ لنا في أصل الاعتقاد، فإنَّ العَدلَ قيمةٌ مطلقة، واجبة مع كل أحد لا تختصُّ بزمان دون زمان، ولا مكان دون مكان، ولا أشخاص دون أشخاص، بل العدل مع البشر جميعاً واجب (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)) [5]
(يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) يَرُدُّوكُم إلى الكُفر وسبحان الله يعني المَسألة ليست مسألةً عادِّية بل خطيرة جدًا، أنَّ الأثر الذي سيترتب هنا على إطاعة الكافرين قد يصل إلى الارتداد عن الدِّين، وهذا أمرٌ قد لفتت إليه آياتُ الكتاب أنظارَ المؤمنين، فقد أخبر –عزَّ وجل – أنَّ أهل الكتاب ليَرضَوا عنَّا يقول –عزَّوجل – ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [6] ولذلك لايزالون بنا حتى نخرج من ديننا( يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) ، ثم قال -عزَّوجل- ( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) هذا استفهام مُضَمَّنٌ معنى التَّعجُب والإِنكار، كيف يَجُوز للمُؤمنين أن يرجعوا كفاراً وهم يمتلكون أعظم سَببين للهداية، وهُمَا ما أشارت إليه الآيات الكريمة قال –عزوجل - (وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ) هذا هو السَّبب الأوَّل يُتلى عليكم القرآن، ويُقرأ عليكم، فيه الهُدى والبَيان والرَّشاد ، وقال عزَّوجل (وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) هذان السببان هُما أعظم الأسباب للعِصمة من الضَّلال (الكِتابُ والسُّنة) لذلك يقول – صلى الله عليه وسلم - (ترَكتُ فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تَضَلِّوا بعدي كتاب الله وسُنَّتي )[7] فهُما أعظمُ العِصمة من الضَّلال، وهما أعظم أسبابِ الهِداية إلى سبيل الرشاد .
ووالله من تَمسَّكَ بهما لن يَضِلَّ أبدًا، ولن تَضطِربَ بِهِ الأَهواء مَهما تَكُن ، وقال –عزَّوجل – (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)الاعتصام الاستمساك وهذا أمرٌ أيضًا مُهِمّ . صحيح أنَّ وجودَ الكتابِ والسُّنَة أعظمُ أسباب الهِدايةِ والعِصمةِ من الضَّلال، ولكنَّ الأَمرَ مع ذلك يحتاج إلى اعتصام بالله - عز وجل - والتجاءٍ إليه، ولذلك لَمَّا بيَّن أعظمَ أسبابَ الهِداية أَشَارَ إلى الاعتصام بالله – عز وجل - وهذا يلفِتُ نظرنا إلى أنَّ الإنسان وإن كان بيده سبب الهداية فقد يَضِلُّ عنها ، وتتخطفه الأهواء، ولذلك كل إنسان بحاجة إلى أن يعتصم بالله ، أن يلتجئ إليه –عزَّوجل – ويسأله العِصمَة، والهِدايَةَ، والحِفظَ، من أسباب الضَّلال .
/ ثم قال الله - عز وجل - (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَاتَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) يأمُرُ الله -عزَّوجل- المؤمنين بأن يَتَّقُوهُ حقَّ تُقَاتِه، وأصل التقوى من الوقاية ، وتعدَّدت عِباراتُ السَّلف – رحمهم الله – في بيان حقيقة التقوى والمُراد بها، ويجمع أقوالهم المُتعددة المُتنوعة يجمعها أن يُحقِّق الإنسان التَّقوى بفعل ما أمره الله - عزَّوجل- واجتناب مانهى عنه – عزَّوجل . (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) أمرهم بالتَّقوى الحَقَّة، التَّقوى التَّامة، المُطلَقَة له - عزَّوجل- (حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) قداستشكل بعضُ المُفَسِّرين أمره عزَّوجل عباده بأن يَتَّقوه حق تقاته، والتَّقوى حقَّ التَّقوى هذه منزلة عالية لا يَبلُغُها كُلُّ المؤمنين؛ ولذلك قال بعضهم إنَّ الآية مَنسوخة بقوله – عز وجل – (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَااسْتَطَعْتُمْ) [8] والحَقيقة أنَّ القول بالنَّسخ هنا ليس واردًا؛ لأنَّ كُلَّ مُؤمنٍ وكُلّ عبدلله مأمورٌ بأن يتَّقي الله حَقَّ تُقاته، ولكن هذه حَقّ التقوى مُفَسَّرةٌ بالاستطاعة، فمعنى قوله (فَاتَّقُوااللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) يُبَيِّن لنا حقيقةَ التَّقوى يعني أن تتقي الله حق تقاته على قَدرِ استطاعتك،وإذا أمكن الجمع بين النُّصوص لم يُصَر إلى القول بالنَّسخ .
/ ثم قال عزَّوجل (وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) فالله عزَّوجل يَنهى عباده عن أن يَمُوتُوا على غير الإسلام، وهل أحد من المسلمين يختار أن يموت على غيرالإسلام ؟ كُلُّ مسلم يرجُو الله أن يموت على الإسلام، ولكن النَّهي عن المَوت على غير الإسلام، نهيٌ عن الأسباب المُؤدِّية إلى أن تموت على غير الإسلام ، فمن كان في حَالِ حياته مُطيعًا لله عزَّوجل ،معظِّمًا أوامره، مُجتنبًا نواهيه؛ فإنَّه قد أتى بالأسبابا لتي تَجعلُه يَموتُ على الإسلام، ويُختَم له بِخَير والذِّي يعيش حياته بعيدًا عن أمر الله، مُتعدِّيًا لحدوده ، مرتكبًا لنواهيه ، فإنه قد أتى بالأسباب التي قد تؤدي به إلى الموت على غير الإسلام ولذلك هذه الآية نهيٌ عن كُلِّ الأسباب التي قد تؤدي بالإنسان في حال حياته إلى أن يموت على غير الإسلام ./ ثم قال - عزَّوجل - (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103))قوله (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًاوَلَا تَفَرَّقُوا) حبلُ الله المُرَاد به هنا كتابُ الله । وسُنَّةُ رسوله – صلى الله عليه وسلم – كما تَقدَّم وقد شبَّهَهُما تشبيهًا بليغًا شبَّه كتاب الله –عزَّوجل – وَسُنَّتِه بالحَبل الذِّي يَتَمَسّكُ به الإنسان للنَّجاة، لو أنَّ إنسانًا قد أُلقِيَ في حُفرةٍ عميقة فلا سبيلَ له أن يَخرُجَ منها إلا بحبل قد تَدَلَّى له، أوأُلقِيَ في بَحرٍ لُجِيّ ولاسبيل له للنَّجاة إلاَّ بهذا الحبل الذي أُلقي إليه ، كيف يكونُ تَمَسُّكُهُ بِهذا الحَبل ؟ كي فيكونُ اِستمسَاكُهُ به ؟ أليس يكونُ استمساكًا شديدًا ؟ ولذلك جَاءَ في الحديث (عَضُّوا عَليهِ بالنَّواجِذ) [9] استمسكوا به غاية الاستمساك، ولهذا قال الله –عزَّوجل - (وَاعْتَصِمُوابِحَبْلِ اللَّهِ) وهذا من التَّشبيه البليغ، تشبيه اتَّباع ما وَرَد في الكتاب والسنة بالحبل الذي يَستمسك به الغَريق، أو المُلقَى في حفرةٍ عميقة لا سَبيل للنَّجاة منها إلاَّبهذا الحبل .
قال (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَاتَفَرَّقُوا) فالاعتصام بحبل الله، والاستمساك به أَمَنَةٌ من التَّفَرُّق، ثم قال الله (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) وهذه الآيات كما ذَكرنا تَنزِل بعد الحادثة التي وقعت بين الأوس والخزرج فيُذَّكِرهُم الله عزوجل بسابِق نعمته عليهم، بعد أن كانوا أعداءً ثَارت بينهم الحُروب، والثَّارات التي استمرت فترة طويلة، ثم هَداهُم الله بهذا الدِّين وجَعلهم كما قال الله (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) يعني إخوانًا مُتَّحابِين (وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ) الشَّفا في اللُّغَة: طَرَفُ الشَّيء، ومنه شَفَا البئرأيّ طَرَف البِئر ، فقوله عزَّوجل (شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ) يعني على شَفَا جهنَّم؛ لأنَّ الحالة التي كانوا عليها كانت حَالَ كُفرٍ وبُعدٍ عن الله عزوجل، وكانت حَالةَ تَفَرُّق وتشرذُم، وهذه حال تقودُ في النِّهاية إلى النار ، (وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا) أنقذكم الله عزوجل منها بهذا النَّبي الكَريم عليه الصَّلاة والسَّلام وبما أنزل إليه من القرآن
قال الله ( كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) يَعني كَهَذا البيانا لذي بيَّنه لكم مِن إنزال الكِتابِ والسُّنة والأمر بالاعتصام، كَهَذَا البَيان يُبيِّن الله لَكم آياته عُمُومًا (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) إلى طريق الرَّشَاد، وتَسلُكون سبيل الاستقامة،وهذه الآية فيها دَلالة على أنَّ الاستِمسَاك بِالكِتابِ والسُّنة من أَعظَمِ أَسبابِ العِصمَةِ من الفُرقَة . لأنَّ الناس يَختَلِفُون،ويَفترقون لأَسبابٍ تدورُ حول الأهواء، لاختلاف الأهواء،واختلاف المَطَامِع، والمَكَاسِب يَقع بين النَّاس الاختلاف والافتراق، ولا عاصم لهم إلا بالرُّجُوع إلىكتاب الله وسنة نبيه فبها تزول الأهواء، وبها تنقطع الأطماع، فتنقطِع الأسباب التِّي تُوقِع النَّاس في الاختلاف ، ولذلك الاعتصام بالكتاب والسُّنَة من أعظم أسباب العِصمَة من الاختلاف .
/ ثم قال عزَّوجل (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )
أمر الله عزَّوجل المُؤمنين بأن يَكونَ منهم أمة، والأُمَّة في اللُّغَة يعني الجماعة أو الطَّائفة ، قوله ( مِنْكُمْ) قد اختلف فيها المُفَسِّرون فمنهم من قال إنَّها بيانية، إنَّ من هذه مِن البيانية ، ومنهم من قال إنَّها التَّبعيضية يعني ليكن من بعضكم ، فقالوا إنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب على بعض المؤمنين، نعم هو يَجِب على الأُمَّة بمجموعها، لكن من باب الوجوب الكفائي إذا قام به بعضها سقط عن بعضها الآخر.
ولكن إذا تأمَّلنا سِياقَ الآيات الكريمة وجدنا أنَّ الآيات الكريمة تُشيرإلى فضائل هذه الأُمَّة وإلى ما اختَّصها الله بها عن سائر الأمم ، وهذا يَتناسَب مع الإشارة إلى فَضل هذه الأُمَّة بأمرها بالمعروف، ونهيها عن المنكر، دون أن يكون القصد إلى بيان حُكمِ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ولذلك ذَهَبَ بعضُ المُفَسِّرين إلى أنَّ "مِن" هَذه بيانية يعني لتكونوا آمرينَ بالمعروف،نَاهِين عن المُنكر، وهذه هي المِيزة التي ميَّزَت هذه الأُمَّة، أن تكون أُمةً آمرةً بِالمعروف نَاهِيَةً عن المُنكر، وهل يوجد مؤمن لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن مُنكر؟ الحقيقة لا يوجد مؤمن لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، إذا أخذنا الأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكر بمفهومه العامّ فكُلُّ من امتثل أمرالله هو آمِرٌ بالمَعروف، ناهٍ عن المُنكر، ولا يَخلُو الإنسان في بَيته، أو في عَمَلِه، وفي أيّ حال من الأحوال وفي حال دون حال أن يكون آمرًا بالمعروف، أو ناهٍ عن منكر ،فإذا صَحَّ هذا الكلام كانت الآية وصفًا للمؤمنين جميعهم، ويؤكِّدها الآية التي ستأتي بعدها قريبًا وهي قوله عزَّوجل (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) .
فإذًا قوله (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْر) ذكَرَ الله عزَّوجل هذه الآية بعد أن بيَّن لهم، وأبانَ لهم فضله عليهم بأن جَمَعَهُم بعد فـُرقة، وآلفَ بين قُلوبهم بعد نِزاع ، بعد ذلك أمر الله عزَّوجل المُؤمنين أن يُؤَدُّوا شُكرَ نِعمَ الله عليهم بأن يَكونوا دُعاةً إلى الخير، آمِرِين بالمعروف، ناهِينَ عن المُنكر فقال (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْر) وقال هُنا عزَّوجل (إِلَى الْخَيْر) لِيِشمَلَ كُلّ خَير، لِيَدخُل فيه كٌلَّ خَير أَمَرَبِهِ الشَّرع، أودَلَّ عليه العَقل، وهذا بابٌ واسِعٌ، وبحرٌ لا سَاحِلَ لَه، كُلُّ خيرٍ، كُلُّ بِــرّ،كُلُّ مَعروف يدخل ضِمنَ ما تَدُلّ عليه الآية الكريمة ، وأمرُ الله عزَّوجل للمؤمنين بالدَّعوة إلى الخير بعد بيان فضله عليهِم يَصدُق عليه أن يُقال إنَّ الواجبَ على الإنسان يَعظُم بِعِظَمِ قَدر النِّعمةِ عليه، كُلَّما عَظُمَت نِعمةُ الله عليك عَظُمَ الواجِبُ وحقَّه عليك،كلما تَعظُمُ نعمةُ الله عليك يَعظُم حقَّهُ عليك ولذلك عَظُمَ الواجبُ الذِّي عَلينا لأنَّ النِّعمة التِّي نحن فيها نعمةٌ عظيمة من الله .
/ ثُمَّ قال عزَّوجل بعدذلك (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَاجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )يعني لا تكونوا مِثلَ الذِّينَ تَفَرَّقُـوا من أهل الكتاب واختلفوا بعد ما جاءتهم البَيِّنات الواضحة، هؤلاء الذِّين تَفرَّقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البيِّنات فتَنازَعُـوا وكانوا شِيعًا وأحزابًا كثيرة وبينهم من العَداء، والاختلاف ما اللهُ به عليم، وتفرَّقُوا بعد اجتماع، وضلُّوا بعد هدى،فنَهَى الله عزَّوجل أَن يُشَابِهُوا أَهلَ الكتاب في ذلك،ثمَّ قال (وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) بسبب اختلافهم وتَفُرُّقُهُم بعد أن عَلِمُوا الهُدى، وبانَ لهُمُ الحقّ .
/ ثم قال عزَّوجل (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) يعني لهم عذابٌ عظيم في اليوم الذِّي تبيَّضُ فيه الوجوه، وتسوَّدُ فيه الوُجوه، يقول –عزَّوجل-( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْأَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْفِيهَا خَالِدُونَ (107))قوله عزَّوجل ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) البَياض هنا وصفٌ حقيقي وليس تشبيهاً على سبيل المَجاز كما قال به بعض المفسرين،بل هو وصف حقيقي حيث تبيَّض وجوه المؤمنين، وقد جاءت الآيات الأخرى دالّةً على معنى هذه الآية في معنى اصفرار الوجه وفَرَحِه، وبِشره، وهذه كُلُّها تَدُور حول معنى بياض الوجه وسُروره ، هذا البَياض يكون بسبب ما يَرونه من فَضل الله عليهم في ذلك اليوم حيث تَثقُل مَوازين حسناتهم، ويُلَّقَونَ كِتَابهُم باليمين، ويُسَاقُون إلى جَنَّة عَرضُها السَّماوات والأرض،فهذا سبب بياض وجوههم، والسَّواد أيضاً حقيقيّ بسبب الكفر الذِّي هُم عليه وأنَّهم يُلَّقَونَ كِتابهم بِشِمَالهم وقال عزَّوجل في الآية (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) يعني فأما الذين اسودت وجوههم فيُقال لهم( أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) ، قوله – عزَّوجل - (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) هذه الآية وقع فيها خلافٌ بينَ المُفَسِّرين لأنَّ الله قال(أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) معناه أنَّ هناك إيمان سابقٌ لهم ثم وقع منهم الكفر، ولذلك قال بعض المُفَسِّرين إن هذه الآية خاصَّة بِكَفَرَةِ أَهلِ الكِتاب الذِّين عَلِمُوا الحقّ، وكفروا بعده، أمَّا مَن عَداهُم فَليسُوا دَاخلين ضِمنَ دلالة الآية؛ لأنَّ هؤلاء لم يؤمنوا ثم يكفروا، هذا قول ذهب إليه بعض المفسرين · وقد ذهب أكثر المفسرين، أو كثير منهم إلى أن الآية عامة في النَّاس جميعاً؛ والسَّبب أن الآية هنا قَسَمَت النَّاسَ إلى فريقين فريقٌ قد ابيَّضَت وجوههم ،وفريق قد اسوَّدت وجوههم، لايوجد فريق ثالث، فلو قصرناها على أهل الكتاب، فمن عَدَاهُم من الكُفَّار من أهل الكتاب أين يكون تقسيمهم؟ وهذا المعنى أشار إليه شيخ المفسرين ابن جرير الطبري قال فليس في يوم القيامة إلا الصِّنفان : الفريق الذين ابيضت وجوههم من أهل الجنة. والذِّين اسودتوجوههم من أهل النار، فلا يوجد إلا هذان الصِّنفان .
الجواب على الإشكال الذِّي أَورده أصحاب القول الأول أن قوله (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) يقتضي إيمانا سابقًا قد لَحِقَهُ بعد ذلك الكُفر؟
قالوا : إنَّ الإيمان هنا العهد الذي أخذه الله –عزوجل –على بني آدم في أوَّلِ خلقه لآدم ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ) وسَمَّى هذا عهد الفِطرة،أو ميثاق الفِطرة، فهذا هو المَقصود بالإيمان،ونحن نعلم مع ذلك أن الله لا يُعذِّبُ أحدًا حتى تقوم عليه الحُجَّة، فإذا أرسل الله الرسل أكَّدُوا الميثاق الذِّي أخذه الله على بني آدم، فإذا كفروا هنا كفروابعد إيمانهم، فَصَحَّ أنَّ الآية في كُلِّ الكُفَّارِ من أهل النّار(أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) . (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (فَفِي رَحْمَةِ اللَّه ) جَاءَت الرَّحمة هنا مُنَكَّرة للتَّعظيم، والتَّنكير يَدُلّ على أَحد أمرين على:
· التَّعظيم.
· أَو عَلَى التَّقليل والتحقير.
ويُفَرَّق بينهما بحسب السِّياق الذي تَرِد فيه الآية ، هنا مقام تعظيم فيقال إنَّ التَّنكير هُناللتَّعظيم، والتَّفخيم .(فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ) يعني في رحمةٍ عظيمة (وَأَمَّاالَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) والإضافة هُنا مع أنَّها تقتضي تَعريف هذه الرَّحمة إلا أنَّها تدُلُّ أيضًا على عَظَمةِ هذه الرَّحمة، والشَّيء يَعظُم بِحَسَب ما يُضاف إليه، الرَّحمةُ مثلاً الأم تختلف عن رحمة الأب، وتختلف عن رحمة الأخ، وتختلف عن رحمة الزَّوج،وعن رحمة الصَّديق، وأعظمُ من ذلك وفوقه كله رحمة الله عزَّوجل فالشَّيء يعظم بحسب ما يُضافُ إليه.
ثم قال عزَّوجل(تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ ) هذه الآيات التي بيَّنها عزَّوجل وأخبَرها، وقَصَّها لِنَبيِّه يتلوها الله عزَّوجل لنبيِّهِ يعني تُقرأ على نبيه مُتلبِسَةً بِالحَقّ (نَتْلُوهَاعَلَيْكَ بِالْحَقِّ) هَذِه البَاء، باء الملابسة، يعني تُقرأ عليك، وتتلى والحق يلابسها (وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ) ./ ثم قال عزَّوجل بعد ذلك (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) يعني ولله مُلكُ ما في السَّماوات والأرض، له ما في السماوات والأرض خلقًا وتدبيرًا (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) لأنَّه هُوالمَالك المُدَّبِـر فإليه ترجع أمور الخلق جميعًا، وإليه تصير أمورهم، وإذا صارت إليه أمورهم ،ورجعت إليه فيجازيهم عزَّوجل عليها بخيرها، وشَرِّها .
ثم قال - عَـزَّوجل - بعد ذلك (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ )
قوله (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) قيل : إنَّ هذه الآية تأكيدٌ لِمَاسَبَق من قوله (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ ) فهي جاءت لتأكيد ما سبق من خيرية هذه الأُمَّة بأمرها بالمعروف، ونَهيُهَا عن المُنكر، و قيل: إنَّ معنى الآية هنا معنى الأمر(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) يعني هذا خبر يتضمَّن الأمر، وقيل: إنَّ المَعنى كُنتم في علم الله خير أُمَّةٍ أُخرجت للنَّاس، وعلى هذا القول، أو القول السَّابق فإنَّ مضمون الآية أن هذه الأمة ميَّزها الله عزَّوجل بأنَّها أُمَّةٌ آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، ونلحظ هنا تقديم الأمر بالمعروف على النهي عن المنكر، وهذا هو الأصل قدم الأمر بالمعروف لأنه هو الأصل أن يأمر الناس بالخير، ثم بعد ذلك يأتي نهيهم عن المنكر ولذلك الداعية إلى الله – عز وجل - يبدأ بهم يأمرهم بالخير.
ثم قال - عزَّوجل- (وَلَوْآمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَوَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ )أَخبر –عزَّوجل- أنَّ أهل الكتاب لو آمنوا بهذا الدِّين، وهذه الشَّريعة التي أنزلت على محمد – صلى الله عليه وسلم - لكان خيراً لهم؛ لأنَّهم بذلك يَنالون فضلَ اتباع شريعة موسى ،وفضلَ اتَّباع شريعة النبي، ولهذامؤمنة أهل الكتاب يُؤتَونَ أَجرهم مَرَّتين، يُوَّفَون أجرهم مرتين أجر اتَّباعهم لموسى– عليه السلام- وأجر اتَّباعهم النَّبي محمد وَلكن الذِّين آمنوا منهم قليل ولهذا قال الله – عزَّوجل- ( مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ )
وَأَصلُ الفِسق مُجاوزة الحَدّ، وهذا التّصوير يعني ما قال وأكثرهم كافرون مع أنه مفهوم الفسق هنا بمعنى الكفر ،لكن إيثار لفظ الفسق على لفظ الكفر لأن كفرهم مضمن معنى الفسق، يعني كفروا وهُم فَاسقون في كفرهم ،جمعوا مع الكُفر الفِسق ومجاوزةالحد،لِمَ ؟ لأنَّهم كانوا أهل كتاب، وأهل هداية ويعرفون صدق رسول الله وكفرهم هنا فيه معنى الفسق ،ومجاوزة الحد ، ثم قال عزَّوجل (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ) يقول - عزَّوجل– إنَّ أهل الكتاب مَهما تكن عداوتهم لكم أيُّهَا المُؤمنون فإنَّهم لا يضُرُّونكم إلا أذى، الأَذَى المقصود به هنا الأَذَى الذي يَنال الإنسان في نفسه، تتألَّم به في نفسه، مثل طَعنهم في الدِّين ،ومثل سَبِّهم، ومثل وَقيعتهم، ومثل استهزائهم، هذا الأَذَى الذي يَنالُ المؤمنين منهم ،لا يتجاوزونه إلى أكبر ولا إلى أكثر منه، وطبعاً هذا الخبر من الله – عز وجل – مربوطٌ بأن يكون المؤمنين على ما أمر الله –عزوجل - به حقاً (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّاأَذًى) ، (وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ) يعني إن يَحصُل بينكم وبينهم قتال (يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ) إذًا هم لن يَضُّرُوكُم إلاّ أَذى، يَنَالُنا بسبب سبّهم ، و بسبب استهزائهم، وإن يحصل بيننا وبينهم قتال ولقاء، فإن دأبهم أن يوَّلُون الأدبار .
ثُمَّ قال – عزَّوجل– (ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ) ليُبيِّن لَك أنَّهم إن وَلُّوا الأَدبار ليس قصدهم الانحراف إلى فئة أخرى؛ لأنَّ قد يكون الإنسان يُوَّلِي دبره يقصد بذلك مُتَحَرِّفًا لقتال، أو مُتَحَيِّزًا إلى فئة، ولكن قال – عز وجل - (ثُمَّ لَايُنْصَرُونَ) يعني ثم لا يأتيهم النَّصر أبدًا ليدل على أن هذا التولي ولأدبار تَولِّي الهَرَب، والهزيمة،وليس التَّحرُف، التَّحيُز من أجل القتال ، وهذا النَّظم القرآني يدُلّ على أنَّ هَذِه عادة لهم، وسَجِية في لقائهم للمؤمنين، مهما لَقُوا المؤمنين هذه هي سَجِيَّتهم، وهي طبيعتهم وهذه الآية تتوجه خصوصًا لليهود من أهل الكتاب لأنَّ سِياق الآية كُلُّها في اليَهُود من أهل الكتاب ولذلك قال –عزَّوجل-بعد ذلك (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) .
(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ) يعني جُعِلَت عليهم الذِّلة، والضَّرب هنا مَعنى دقيق ليُشِير إلى أنَّ المَذلة، والذِّلة قد عَلَتهُم، وغطَّتُهم،كَما تُغطِّي الخَيمة والقُبَّة من بداخلها، فهي مَضروبة عليهم تُغطِّيهم كما تُغطِّي القُبَّة من بداخلها، أو الخَيمة من يُوجَد بها، فأصبحت الذِّلة أمرًا ظاهرًا عليهم، فهذا أمر لازَالَ باقيًا في اليَّهود فإنه لازال على مَرَّ التَّاريخ لازالوا أذِّلاء ، (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا) يعني أصل الثَّقف الأَخذ، الأخذُ في الحَرب ، وقد جعل الله –عزَّوجل -هذه حالهم، جعل الله – عز وجل –حال أهل الكتاب هذا أنهم أينما ثُـقِفُوا قال – عزَّوجل (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ)يعني أينما يُثقَفُون فإنَّهم أذِّلاء يعني يُؤخَذُون فيُذَلُّـون كما يُؤخَذ الأَسِير، وكما يُذَلّ الأَسير، هذا هو الأصل فيهم، ووردالاستثناء في قول الله –عزَّوجل- ( إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) يعني إلاَّ بعهد وميثاق من الله، أَو عهدٍ وميثاق من النَّاس، وهَذا الحَبل من الله - الميثاق من الله له صُوَر : مثل الأَمان الذِّي يُعطَونَه من المُؤمنين بعقد الأمان ونحوه، فإنَّ هذا حبل من الله يعصمه من الذُّل ، أو (حَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) بإعانةٍ من الناس
فالثَّـقف في الأصل الأخذ لكنه هُنا تُوُسِّعَ في استعماله ليَشمل في موضع أو مكان وجدوا فإنَّ الذِّلة تُصاحبهم إلاَّ في حَالتين إمابعهد من الله وميثاق، أو بحبلٍ من النَّاس بإعانة من النَّاس،ومن تأمَّل تاريخ اليهود وجد أن هذه الآية تَصدُق عليهم تمامًا فإنهم لا يزالون أَذِلاَّء إلاَّ بإعانة من النّاس (إِلَّابِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) ، (وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) انظر هذه الأمور التي حَلَّت على اليهود :
. أنَّ الذِّلَة حَلَّت عليهم أَينما ثُقِفُوا
· ثم َ(بَاءُوا بِغَضَبٍ) باء بالشَّيءبمعنى رَجَعَ، وكل إنسان يَرجِع بِأَمر ، وهؤلاء اليهود ما رَجَعُوا إلاَّ بِشَيء هُو غَضَبُ الله ، الذي حصلوه من حالهم وما هم عليه هو غضب الله عليهم ، ثم قال (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) يعني السُّكُون الذِّي سَبَبُهُ المَذَلَّة، وهذا السُّكُون الذي سببه المَذَلَّة سكون خاص سببه المَذَلَّة تعتري الإنسان لِمَذَلَّته، هُناك مَسكنة سببُها الفقر؛ فالفقير له مسكنة بسبب فقره ،ولكن هذا السُّكون الذِّي على اليهود سُكُون سَبَبه المَذَلَّة التِّي جَعَلها الله عليهم، لماذا هذا العذاب الذي نَزَل عليهم وهذه الأمور التي حَلَّت بهم ؟ذلك أيّ هذا الأمر لأنَّهم (كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ) هذا هو السَّبب الأَوَّل، وانظروا للَّتعبير بقوله (يَكْفُرُونَ) ما قال كفروا، بل قال يكفرون والتَّعبيربصيغة المضارع دلالة على أَيّ شَيء دلالةً على الاستمرار، يعني لا يَزالُون يَكفرون، ماينتهون عن كُفرِهم، لا يزال الكُفر فيهم باقي (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ) (وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) يعني يتجرأون على أبشع جريمة وهي قتل الأنبياء ، (ذَلِكَ) أَيّ هَذَا الذِّي حَصَل لَهُم بِمَا عَصَوا الله عزَّوجل وكانوا يَعتدون على حُدودِه، وأوامره، ونواهيه . ذكر بعض أهل العلم أنَّ التَّعبير في قوله (كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ) بصيغة المضارع هنا لاستحضار الصُّورة ، فإنَّ التعبير بالمضارع استصحابًا لصُورة الحَدث كأنهم الآن يقتلونهم،وهذا قد يكون أبشع في تصوير حالهم، إذا قال لك الإنسان أنَّه وقع في هذا الأمر وانتهى يختلف عن أن تقول إنَّه الآن يقع في هذا الأمر، فإنّ استحضار الصُّورة كأنَّها تقع الآن أشدُّ تبشيعًا لحالِهم، فالخِطاب مُوجَّه للذِّين كانوا في عهد النبي ولم يقع منهم قتل، نعم السَّبب في ذلك أنَّ الآيات ترد في سياق ذكر أخلاق اليهود،وأحوالهم ،فهذه الآيات تذكر أحوالهم ، وفي هذا السِّياق يأتي ذكر أحوال أسلافهم الذين هم تَبعٌ لهم، وقد رَضَوا بما فعلوا ولأجل ذلك وَصَفهم الله بهذه الصِّفة، ومن هذاالباب يقول أهل العلم أن الرَّاضيَ بالمُنكر كَفَاعله، أنَّ الراضي المُقِرَّ به كفاعله،ولذلك وَصَفهم الله –عزوجل-بقتلة الأنبياء، وَوصَفهم بالكُفُر،وَوصَفهم بالإعراض،ووصفهم بأخذالربا،وكثير من الأوصاف هذه كانت في آبائهم؛ لأنهم رضوا بها ،واستمروا عليها،ولأنَّ هذا أيضًا يكشف عن أخلاق فإنك إذا أردت أن تعرف أخلاق اليهود إقرأ في سِيَر أسلافهم ومن سبقهم ، قال – عزَّوجل – بعد ذلك ،بعد أن ذكر بعض أخلاقهم قال (لَيْسُواسَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَاللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) قوله (لَيْسُوا سَوَاءً) يعني أهل الكتاب ليسوا مُتسَاوِين درجة واحدة، وليست صفاتهم كلُّها على هذا النحو، وانظروا أنَّ الله عزَّوجل هنا مع ما حصل من أهل الكتاب من الكفر، والإعراض، ومع ذلك يفرق بين المُحسن والمسيء، بين المؤمن والكافر، وهذا من مَبدأ العَدل والإِنصَاف فِي الحُكم عَلى الآخرين،ومن مبدأ العَدل والإِنصاف في الأقوال،والأحكام .
(لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) "مِن" هَذه للتَّبعيض يعني من بعض أهل الكتاب منهم (أُمَّةٌ) أَيّ جَماعة قَائِمَةٌ من القيام والمعنى يعني أنها قائمة تَقُوم بما وجب عليها على الوجه التَّام الحق، تقوم به قيامًا تامًا( قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ) يعني يقرؤون آيات الله (آنَاءَ اللَّيْلِ) يعني يحيون ليلهم بقراءة الكتاب المنزل عليهم (وَهُمْ يَسْجُدُونَ) يعني يتَّهجُدون لله ويعبدونه ، والصِّفة الأخرى لهم ( يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) يعني ليس فقط يَعملُون الخيرات وإنما يسارعون في عملها، وهذه هي صفة المؤمن الحق أنه يسارع في فعل الخيرات (وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) يعني أُولَئِكَ الموصوفون بهذه الصفات (مِنَ الصَّالِحِينَ) هذه الأوصاف تنطبق على من آمن من أهل الكتاب بالنبي واتبعه، ولهذا قال (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) يعني أيَّ خير قال (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) ولذلك جاء بلفظ خيرللتقليل يعني ( وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) أي خير يكن (فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) يعني لن يجحدوه ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) وهذا من كمال فضله عزَّوجل وعدله أنه لا يبخس عاملاً عمله مهما كان عمله قليل بل إنَّه يتقبَّله ويزيده ، ويُضاعفه لعامله .
/ ثم قال - عزَّوجل- بعد ذلك بعد أن ذَكَرَ حال أَهل الكتاب من اليَّهُود والنَّصارى انتقل -لمناسبة الحال بذكر شأن الكافرين- فبين بعضًا من أحوال كفرة أهل الكتاب، جاء بعد ذلك ليُبيِّن بعضًا من أحوال كفرة المشركين فقال عزَّوجل ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) واستفتحت الآية بأداة التَّأكيد (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْأَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ)ودائمًا الإنسان يتعزَّى ويتقوّى بأمرين : بماله ، وإمَّا بولده، وهذه من أقوى أسباب فخر الإنسان وتعززه إما بماله ، أو بولده ، يتَعزَّز بها، ولذلك أخبر عزَّوجل أنَّ هذه الأسباب لن تُغني عنهم شيئا من الله (وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) قولُه أصحاب النَّار أيّ المُصَاحبين لها، المُصاحبة طُول المُلازَمة، ولذلك قال (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) مَاكثون فيها، مُقيمون فيها، إقامة لازِمَةً لا يُغادرونها ، ثم قال(مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ) جاءت هذه الآية لتُبيِّن المال الذي يتعززون به، والذِّي يعتصمون به (مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) يعني مَثَلُ ما يُنفقون هؤلاء الكُفَّار في الحياة الدُّنيا في وجوه البِرّ والخَير ونحن نرى أن الكفار يُنفقون في وجوه البر والإحسان،ربُنا عزَّوجل يشبه نفقتهم، وما يرجون من بِرِّها وذخرها عند الله بمثل زرع عند قوم، هذا الزَّرع أصابته ريح فيها صِرّ ، الصر هو : البرد الشديد وهذه الريح كما يقول أهل الزَّرع أهل الخبرة يعرفون أنَّ هذه الرِّيح التِّي فيها الصِرّ وهو البَرد الشَّديد، وبعض المفسرين قال النَّار، فالصِرّ يُحتمل أن يكون البَرد الشَّديد،أو النَّار المُحرقة وإن قلت بهذا أو هذا فالمعنى واحد، نعم أكثر المفسرين قال إنَّها البرد الشديد لكنَّ هذا المعنى وهذا المعنى كُلُّه صحيح، بل صح عن النبي- صلى الله عليه وسلم –أنه قال:(اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعضاً فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ। فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ).[10] 
فالنَّارتُحرِق، والبرودة الشديدة تُحرِق أيضًا، يعني هناك كيٌّ بالبرودة ،وهناك كي بالنار ، فالمعنى في الآية واحد، وأهل الزَّرع يعلمون أن أشد ما يكون الضَّرر في الريح إذا كانت باردة، فإنها تُحرق الزرع، وتقتله، ولا تُبقي منه شيئا، ولذلك هذه النَّفقة التي أنفقوها ويرجُون ذُخرها يوم القيامة لا يبقى منها شيء مثل الرِّيح التي تأتي على الزَّرع فتُهلِكُه (فِيهَا صِرٌّ) لا يبقى منه شيء (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ذهابُ ثَوابهم ليس ظُلماً من الله، بل لأنَّهم ظلموا أنفسهم بِشركهم، وكُفرهم،وجُحودهم، ولذلك الأعمال التي ظاهرها الصلاح هي لا تغني عن الإنسان إذا ما صاحبها الأصل الصحيح الذي تُقبل به وهو الإيمان بالله عزَّوجل، الأعمال التي ظاهرها الصَّلاح لابد أن يقارنها أيضًا الإيمان بالله عزَّوجل حتى تُرفَع وتُقبَل عندالله عزَّوجل .
/ ثم قال - عزَّوجل - ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوابِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْبَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)يقول عزَّوجل مُخاطبًا المؤمنين يقول (لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً ) يعني لا تَجعلوا بطانة، أصل البِطانة هوداخلة الثَّوب،داخلة الثوب يسمى بِطانة مما يَلي الجَسد يُسمَّى بِطانة، وظاهر الثَّوب يسمى ظِهَارة ، والثَّوب إذا كانَ له وجهان ظاهر،وباطن يُسَمَّى ما يلي الجَسد بطانة ومما يلي يُسَمَّى شِعَار، والطَّرف الآخر يسمى ظِهَارة، وهذا المَعنى مَعنى البِطانة يُطِلق على خاصَّة الرَّجل ،على خاصَّة الرجل يسمى بطانة الرَّجل يعني خاصته الذين يَلُونه كما يلي باطن الثوب الجسد،فهُم أَخَصُّ النَّاس به، فالآية هُنا تُشير إلى معنى خاص ينهى الله المؤمنين أن يتخذوا بطانة من دُونهم يعني من غَيرهم، فينهاهم أن يتخذوا بطانة يعني قرابة خاصة يَستأمنوهم يُفضُون إليهم بِأسرارهم، وخَواصّ أحوالهم فنهى الله عزَّوجل المُؤمنين عنذلك فقال( لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ ) يعني من غيركم ، (لَايَأْلُونَكُمْ خَبَالًا) يعني لا يَألُون لا يُقَصِّرون فيما يُوقِعكم في الخَبَال وهو الفساد ، (وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ) يعني يَوَدون ما يُوقعكم في العَنت،والمشقة (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ) قد ظهرت بغضاؤهم من لَحن ألسنتهم ،نعم يتكلم كلامًا حسناً معك، لكنَّه كما قال عزَّوجل (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)[11] الهَنَّات، الكَلِمات التي تَصدر بين الفَينة والأخرى تدُلُّك على ما تُضمره سرائِرُهُم
ولذلك قال (وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) يعني هذا الذِّي يَظهر من لَحن أقوالهم يَنُمَّ على أنَّ ما في الصُّدُور أعظم وأَشَد (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ). وهذه الأوصاف:· أولاً: قال (مِنْ دُونِكُمْ) يعني مِن غَير المُؤمنين.
· ثانياً: ثُمّ قال (بِطَانَةً) يعني ليس فقط أن تتخذه عاملاً عامًا عندك، لا وإنما عامل تفضي إليه بأمورك الخاصة، أو بأمور المسلمين الخَاصَّة التي لا يَطَّلِع عليها إلا بطانة الرجل.
· ثالثاً: ثم قال أنَّهم لا يُقَصِّرُون في إفساد المؤمنين .
· رابعاً: أنهم يَودُّون مايُوقعنا في المَشَقة.
· خامساً: أنَّ البغضاء قد بَدَت من أفواههم .
وتأملوا قوله عزَّوجل (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) لأنَّ هَذه الآيات، أو هذه الأوصاف لا يَستبِينها الإنسان مُباشرة بل يحتاج إلى فِكر، وتأمُّل ونظر .
/ ثم قال - عزَّوجل- (هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَايُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)بعد أن ذَكَرَ الله - عزَّوجل - المُؤمنين ذَكَرَ لهم خطورة اتخاذ أهل الكتاب خاصة لهم ، يُفضون إليهم بأسرارهم، والتَّنبيه على أهل الكتاب خصوصًا مع أنَّ المشركين من باب أولى، لأنَّ أهل الكتاب لِما بيينا وبينهم من قرب يتعلق بإيمانهم بالله - عزَّوجل -، وإيمانهم بالرُّسل، وللأَحكام الخاصَّة بهم قَد يَتساهل النَّاس في شُؤونهم ،فيُدنونهم ،ويُقربونهم وقد وقع مثل هذا قديمًا حتى عند السَّلف من القرون المفضلة، لهذا النوع من التقارب، يتساهل معهم لكن مع الكفار الغالب أن أهل الإسلام يكونون حذرين منهم،ولذلك ناسب التأكيد، والتنبيه على خصوص أهل الكتابقال الله عزَّوجل (هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ) يعني هاأنتم يا هؤلاء المؤمنون، والهَاء هذه للتنبيه، أداة تنبيه، (ها أنتم) أيّ يا هؤلاءالمؤمنين (تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ) ومحبة المؤمنين لهم يعني رجاء الخير لهم ،وأنَّ المؤمنين يَرجُون لهم الخير، ولا يُكنِّون في صُدورهم غِلاً وحقدًا عليهم ودَخِيلة عليهمها أنتم هؤلاء (تُحِبُّونَهُمْ) تَرجُون لهم الخير(وَلَا يُحِبُّونَكُمْ) يعني لا يَودُّون لكم الخير (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ) يعني بِكُلّ الكتب، الكتاب هنا جنس يشمل كُلّ الكتب الإلهية، ومنها كتب أهل الكتاب من اليهود والنصارى (وَإِذَالَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا) يعني قالوا صدَّقنا بأفواههم فقط يعني خِداعاً لكم، ومُجاراة لكم بألسنتهم ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض (وَإِذَا خَلَوْا ) يعني خلا بعضهم إلى بعض، خلوا إلى خاصتهم (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) يعني يبقى أحدهم يعضُّ أطراف أصابعه غيظًا منكم، غيظًا لمَ ؟ لأن الله هداكم للإيمان، وغيظًا لأنَّ الله أعزَّكُم به، وجمع فُرقَتُكُم ،ووَّحد صفَّكم ، وغيظًا لما بَينكم من الائتلاف، ولأنَّكم أنتم الأعلون (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور) وقوله -عز وجل - (مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) يعني ابقوا على ما أنتم عليه من هذا الغَيظ،والكَمد حتى يأتيكم المَوت، وسبحان الله يعني كيف يبقون على هذا الغَيظ إذا كانوايغتاظون من الهُدى الذي فيه أهل الإيمان، ومن الاستقامة التي هُم عليها، ومن الاجتماع الذي عليه، لماذا لا يتابعونهم ؟ ولماذا لا يهتدون بهديهم ؟ بل يَبقون على ماهم عليه ، ولهذا قال – عز وجل - (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ) يعني ابقوا على ما أنتم عليه حتى تموتوا من غيظِكُم الذي أنتم فيه .
/ الآيات التي تَليها يقول - عزّ َوجل - (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوابِهَا) أي أن هذا من أخلاقهم (إِنْ تَمْسَسْكُمْ) المَسّ أول درجات اللَّمس، والحسنة هنا جاءت نكرة لِتَشمل أي أنواع الحسنة، حسنة في دُنيا، أو حسنة في آخرة ، حسنة في مَال، أو حسنة في مُعافاة، أو حسنة في رِزق، أو حسنة في تِجارة ، أو حسنة بنزولالأمطار، ونحو ذلك أي حسنة تَمَسُّ المؤمنين، مُباشرة ما إن تنزل بهم إلا تسوؤهم (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ) يَسُوئُهم ذلك (وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ) مهما تكن هذه السيئة (يَفْرَحُوا بِهَا) ويستبشروا، ويُسَرُّوا بها، ويقولون هذا دلالة على أنهم على الدِّين الباطل ،وأنهم ليسوا على الحق ويُضلٍّون بها (وَإِنْ تَصْبِرُوا) إذًا أمام هذا الأمرالإنسان الذي يفرح بما يسوؤك، ويحزن بما يَسُرُّك ماذا تستطيع تفعل له هل تقاتله ؟ هل تشتمه؟ لا يُناسِب هذا لأنَّه مافعل شيئًا وإنَّما هذا فرح في القلب، أو حُزن في القلب ، ما الذِّي يجب عليك إِزَاء هذا الإنسان ومن كانت الذي هذه صفته ؟ الصَّبر . (وَإِنْ تَصْبِرُواوتتقوا) الله عزَّوجل يعني تَصبروا على ما يأتيكم منهم، وتَصبروا على أمر الله عزَّوجل وما يُكلِّفكُم به، وتتقوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه (لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) فهو عزَّوجل محيط بأعمالهم ،لا يخفى عليه شيء منها، وسيجازيهم عليها، ويردُّهُم خائبين، لاينالون من كيدهم شيئًا .
/ الآيات التِّي تَلِيها قوله عزَّوجل (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) الآيات الكريمة فيها الحديث عن غزوة أحد، وغزوة بدر، نُرجِئ الكلامَ عنها إلى المجلس القَادِم إن شاء الله عزَّوجل .
سبحانك اللهم وبحمدك ،نشهد أن لا إله إلاأنت، نستغفرك ونتوب إليك.

-----------------------------------------------
[1] سورة آل عمران
[2] البخاري باب باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) . ( حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ الْعُمْرَةَ ، وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، أَيَأْتِى امْرَأَتَهُ فَقَالَ قَدِمَ النَّبِىُّ - - فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا ، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ .
وفي صحيح مسلم باب حجة النبي قَالَ جَابِرٌ - رضى الله عنه - لَسْنَا نَنْوِى إِلاَّ الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلاَثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَقَرَأَ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَكَانَ أَبِى يَقُولُ وَلاَ أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلاَّ عَنِ النَّبِىِّ -- كَانَ يَقْرَأُ فِى الرَّكْعَتَيْنِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ ....)
[3] العنكبوت67
[4] ذكر ت قصة شاس في الطبري والقرطبي وابن كثير والبغوي ....
[5] سورة الرحمن
[6] سورة البقرة120
[7] سنن الدر قطني باب فِى الْمَرْأَةِ تُقْتَلُ إِذَا ارْتَدَّتْعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -- « خَلَّفْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِى وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَىَّ الْحَوْضَ ».
[8] التغابن16
[9]في سنن الترمذي باب مَا جَاءَ فِى الأَخْذِ بِالسُّنَّةِ وَاجْتِنَابِ الْبِدَعِ. عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -- يَوْمًا بَعْدَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِىٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.وجاء بألفظ أخرى في سنن ابن ماجة ومسند الإمام أحمد والدارمي وسنن أبي داود.
[10] صحيح البخاري باب صِفَةِ النَّارِ وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ .
[11] محمد30
-------------------------------
مصدر التفريغ : ملتقى أهل التفسير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق