د. محمد بن عبد العزيز الخضيري
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد : سنُخصص هذه الساعة لشرح هذا الكتاب الذي صدر حديثا واسمه: المراحل الثمان لطالب فهم القرآن للد.عصام بن صالح العويد . وهذه الرسالة أراد بها مؤلفاها أن يُبيّن المراتب والمراحل التي يحتاجها الإنسان حتى يتقن تفسير القرآن ويصل إلى الفهم الصحيح عندما يقرأ كلام الله -عز وجل- ويبحث عن المعنى الجامع لكلام الله -جلّ وعلا- فهو بمثابة كتاب في أصول التفسير ولكنه جعله على شكل مراحل ليقول لك ينبغي لك أن تُراعي المرور على هذه المراحل عندما تقرأ في كتب التفسير وعندما تريد تفسير آية من كتاب الله -جلّ وعلا- . الحقيقة أننا لن نقرأ الكتاب حرفا حرفا لأن هذا سيطول بنا ويحتاج منا إلى وقت طويل ، ولكن سنمر على الفِقرات والمعاني مرورا ونحاول أن نُبين ما يريده الشيخ -جزاه الله خيرا- من كلامه في هذه الفقرات دون أن نغوص في المسائل الدقيقة والمسائل التي تحتاج إلى كثير من الايضاح الدقيق لطالب العلم .
بادئ ذي بدء ذكر المؤلف أنه كتب هذه الرسالة قبل سبع سنوات لمجموعة من الطالبات كان يُدرسهن هذه المراحل ، والآن في هذا العام قبل شهر ونصف تقريبا في رمضان من عام 1430هـ طُبع هذا الكتاب للمرة الأولى ، وقد جعل الكتاب مكونا من:
- مقدمة بيّن فيها متى ألف الكتاب وما الذي دعاه إلى تأليفه
- تمهيد ومراحل ثمان .
أما التمهيد :
فذكر فيه أن القرآن كلام الله -عز وجل- وأنه بلسان عربي مبين ، وأن هذا اللسان العربي مكون من حروف وأصوات ، وأن حروف القرآن إما حروف مباني وإما حروف معاني ، أما حروف المباني فهي الحروف التي تتكون كل كلمة في اللغة العربية منها فمثلا : محمد يتكون من ميم وحاء وميم ودال ، هذه الحروف الميم والحاء والميم والدال تُسمّى حروف مباني ، يعني بُنيت الكلمة العربية من هذه الحروف ، وهذه ليست محل حديثنا .
فذكر فيه أن القرآن كلام الله -عز وجل- وأنه بلسان عربي مبين ، وأن هذا اللسان العربي مكون من حروف وأصوات ، وأن حروف القرآن إما حروف مباني وإما حروف معاني ، أما حروف المباني فهي الحروف التي تتكون كل كلمة في اللغة العربية منها فمثلا : محمد يتكون من ميم وحاء وميم ودال ، هذه الحروف الميم والحاء والميم والدال تُسمّى حروف مباني ، يعني بُنيت الكلمة العربية من هذه الحروف ، وهذه ليست محل حديثنا .
والثاني من الحروف حروف المعاني وهي الحروف التي تأتي في الجملة العربية تصل الكلام بعضه ببعض ، فإذا أردت أن تقول إن محمد ذهب من المسجد إلى البيت ما تقول ذهب محمد المسجد البيت وإنما تقول : ذهب محمد من المسجد إلى البيت فـ"من" و"إلى" هذه عند العلماء تُسمى حروف معاني ، وكل حرف منها له معانٍ معروفة في كلام العرب فـ"الباء" مثلا تأتي للاستعانة كما في قوله "بسم الله الرحمن الرحيم" ، وتأتي للابتداء ، وتأتي للالصاق وتأتي للظرفية .
/ قال : فحروف المباني التي تتكون منها الكلمات ، وهذه الكلمات يُربط بينها بحروف المعاني فتتكون الجُمل ، وهذه الجُمل تجتمع فيتكون الكلام كله . كذلك الحال في كتاب الله -عز وجل- فالقرآن يتكون من كلمات ، وهذه الكلمات تربط بينها حروف المعاني فتتكون الجُمل ، والجُمل بعضها مع بعض تتكون منها الآيات ، وهذه الكلمات والحروف الرابطة والجُمل والسياق قد اتصل بعضها ببعض على أكمل وجه وأحكم عبارة ، وأتم معنى ، لا اختلاف ولا تناقض ولا اضطراب ، وإنما هو مُحكم مُبيّن ، فرقان ، مثاني ، يُصدق بعضه بعضا .
/ ثمّ بيّن أن هذا أن هذا القرآن قد جمع أنواع الإعجاز كلها مع أنه مُكون من نفس الكلمات التي نتكلم بها إلا أن نظم وتأليفه وجُمله وآياته قد نُظمت نظما بديعا مُعجزا لا يمكن للبشر كلهم لو اجتمعوا على أن يأتوا بمثله (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا).
/ ثم ذكر أن هذا الكلام يحوي كل ما يحتاجه الناس قال الله -عز وجل- (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) ، (تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) فما من شيء نحتاجه في الحياة إلا ونجد بيانه في القرآن إما بشكل عام كما هو في الغالب فيما يحتاجه الناس في أمور الحياة ، وإما بشكل دقيق ومُفصل كما هو الحال فيما يكون في علاقة الإنسان مع ربه -سبحانه وتعالى- وما يُوصله إلى جنته التي عرضها السموات والأرض . أخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في شعب الإيمان قال ابن مسعود -رضي الله عنه- "من أراد العلم فليُثور القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين" ومعنى "فليُثور القرآن" أي فليُفتش عن مقصوده ومُراده في كتاب الله ، وليسأل وليبحث وليحاول أن يُنقِّر في كتاب الله حتى يجد مقصوده . الإمام الشافعي عندما سُئل عن الإجماع من أين لك أنه حُجة ، إجماع المسلمين من أين لك أنه حُجّة يُحتجّ بها ويكون دليللا ؟ قال : فأخذت أقرأ القرآن من أوله حتى أجد ما يدل على أن إجماع المسلمين حُجّة فوجد قول الله -عز وجل- (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) قال (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) قال فدلّ ذلك على أن سبيل المؤمنين حُجّة وإجماعهم حُجة يُحتج بها ، ومازال المسلمون إلى اليوم يحتجون بذلك . ولما سُئل الشافعي نفسه أيضا عن الاستمناء ما حكمه بحث فوجد قول الله -عز وجل- (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) فالله أباح لنا أن نستعمل هذه الفروج مع أزواجنا أو ما ملكت أيماننا فاستعمالها في غير ذلك لا يحِل ، فاستدل بهذه الآية على تحريم الاستمناء ، وهذا من دقة هذا الإمام وغوصه على المعاني .
/ ثم ذكر المؤلف قال : إذا تبين هذا فلتفسير آي آية من كتاب الله تعالى تفسيرا يتضح معه المعنى العظيم للآية نظما ، وفهما ، وإعجازا ودلالة وتربية نحتاج إلى تجاوز مراحل ثمان.
يعني حتى نصل إلى الفهم الدقيق والمعنى الواسع الشامل الذي لا لبس فيه ولا غموض يقول : نحتاج إلى ثمان مراحل . وهذا من الشيخ تفصيل حتى تتضح وإلا بعضها قد يدخل في بعض . قال :
يعني حتى نصل إلى الفهم الدقيق والمعنى الواسع الشامل الذي لا لبس فيه ولا غموض يقول : نحتاج إلى ثمان مراحل . وهذا من الشيخ تفصيل حتى تتضح وإلا بعضها قد يدخل في بعض . قال :
- المرحلة الأولى : الوقوف على الآثار الواردة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم الصحابة وأئمة التابعين في الآيات سواء ما كان يتعلق بفضائل السور أو أسباب النزول أو التفسير .
إذا أول مرحلة أن نعرف الآثار الواردة عن الرسول وعن الصحابة في معنى الآية لأنه لا ينبغي لنا أن نفسر القرآن بغير ما فسره به الأولون فهم يحددون لنا معالم المعنى الرئيسية ، فلما يقول الله -عز وجل- (وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ) يُبينوا لنا معنى الصلاة ، لأن ممكن إنسان يقول الصلاة المقصود بها أن تتصل بقلبك بالله -عز وجل- ، (وَآتُواْ الزَّكَاةَ) يعني أن تُعطي زكاة القلب بمعنى أن يكون القلب زاكيا وطاهرا من الغِل والحقد والحسد ، ما رأيكم بهذه المعاني ؟ غير صحيحة ، لم يُفسرها السلف بهذا ، الصلاة : قالوا هي العبادة المعروفة ، والزكاة : هي الركن الثالث من أركان الإسلام وهي إخراج جزء من المال على من وجبت عليه ممن توفرت فيهم الشروط التالية ، ولو جاءنا إنسان وقال (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) الصيام يعني الإمساك عن الكلام ، لأنه يأتي الصيام في لغة العرب بمعنى الإمساك ، نقول لا ، الصيام فسره الآية بأنه ترك الطعام والشراب والجماع في فترة مخصوصة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس والتعبد لله بذلك ، هذا هو الصيام فإذا فسرته بغير ذلك فقد خالفت ما كان عليه السلف ولذلك نحن نقول لابد من الرجوع إلى تفاسير الصحابة والتابعين لكي نفهم القرآن فهما صحيحا . قد تقولون : وهل هذا يحتاج إلى بيان؟ نقول : أشكل هذا الأمر على بعض الناس وجاءنا بعض المغاصرين وقال : لا نحن نفهم القرآن على حسب ما يوافق أهواءنا وجاؤا بتفاسير غريبة وأشياء عجيبة وأشياء يُضحك منها، واحد منهم يُفسر قول الله -عزوجل- (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا*وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا*وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا*يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا*بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا*يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ) قال: يصدرون في النهار فيُصورون بالكاميرات ثم يأتون في الليل ليروا أنفسهم عبر نشرات الأخبار ، أي نعم يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم في آخر النهار عبر نشرات الأخبار ، الكلام عن يوم القيامة وعن الزلزلة وعن تغير الكون وأنت تتحدث عن مخترعات حديثة وأشياء .. ، من قال لك هذا الكلام .
المرحلة الثانية : قال : إدراك المعنى اللغوي للكلمات الواردة في الآية ومقارنته بما جاء عن السلف.
يعني بعدما نعرف المعنى الوارد عن السلف نحاول أن نفهم كلام العرب ، هذه الكلمة عند العرب تدل على ماذا فنقارن بين ما قاله السلف وبين ما قاله العرب حتى نعرف الفرق بين هذا وهذا فمثلا: قول الله -عز وجل- (وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ) الصلاة في الشرع لها معنى معروف وهي الصلاة المعروفة ، والصلاة في كلام العرب تأتي بمعنى آخر وهو الدعاء ، طيب لماذا سُميت الصلاة صلاة؟ لأنها دعاء وتشتمل على الدعاء وفيها دعاء ، أي إذا كان الأمر كذلك عرفنا العلاقة بينها وبين الصلاة التي شرعها الله . على أي شيء نُفسرها في القرآن؟ نفسرها على المعنى الشرعي الوارد عن السلف إلا إذا تعذر ذلك فنأتي إلى المعنى اللغوي المعروف عن العرب مثال ذلك :
- قال الله -عز وجل- (وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ) ما معنى (وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم ؟ لا تصلِ صلاة الجنازة على أحد منهم فهي بمعنى الصلاة الشرعية المعروفة.
- قال الله في نفس السورة (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) ما معنى (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ)؟ اُدع لهم ، لماذا قلنا اُدع لهم؟ لأنه لا يمكن أن نفسرها هنا بالمعنى الشرعي المعروف للصلاة ، (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) يعني اُدع لهم ، فسرناها بالمعنى اللغوي ، طيب لماذا؟ لأنه لا يمكن هذا الأمر كيف (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) إذا جاءك أحد بصدقته يا محمد أوقفه وإلا أجلسه وإلا ابطحه وصلِ عليه؟! هل يمكن هذا؟ لا يمكن ، ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا جاءه أُناس بصدقتهم قال (اللهم صلِ على آل فلان) قال عبد الله بن أوفى قال فجاءه أبي بصدقته فقال (اللهم صلِ على آل أبي أوفى) يدعو لهم ، ففسر النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة في هذه الآية بهذا الأمر .
- ومثله : ما ورد في قول الله -عز وجل- (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا) ما معنى صوما؟ أي إمساكا عن الكلام لأنه لا يمكن هنا حمل الكلام على الصوم المعروف الشرعي خصوصا أنها فسرت فقالت (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا) فحملناه هنا على اللغوي وليس على المعنى الشرعي .
- أما قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) فمعناها (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) أي الصيام الشرعي المعروف الذي هو بمعنى الإمساك.
قال : المرحلة الثالثة : معرفة دلالة حروف المعاني التي تربط بين الكلمات.
(على ، عن ، الباء ، اللام ، لا) وغيرها من الحروف ذات المعاني فإن معرفة هذه الحروف مهم جدا لبيان المعنى (وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) "ما" هل يمكن أن تكون بمعنى "الذي"،خبير بالذي تعملون؟ ويمكن تكون مصدرية -كما يقول العلماء- أي خبير بعملكم ، ومثلها قول الله -عز وجل- (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى*ٍأَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى*أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى*فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى*وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى) "ما" يمكن أن تكون نافية "ليس عليك شيء في ألاّ يتزكى" ، ويمكن أن تكون استفهامية "أي شيء عليك يا محمد إذا لم يتزكى" فمعرفة دلالات هذه الحروف وهذه الكلمات وهذه الروابط في الكلمات مهم جدا لفهم الآيات .
المرحلة الرابعة : معرفة دلالة الجملة وما يتعلق بها كدلالة الجملة الإسمية ودلالة الجملة الفعلية .
هذا مهم جدا لمن يريد أن يفهم القرآن فهما صحيحا ويستنبط منه المعاني الدقيقة ولذلك قال العلماء في قول الله -عز وجل- (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ*إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) قال العلماء -الذين يفهمون اللغة العربية- قالوا: سلام إبراهيم أبلغ من سلام الملائكة لأن سلام إبراهيم جملة إسمية وسلام الملائكة جملة فعلية والجملة الإسمية تدل على الثبوت والدوام ، والجملة الفعلية تدل على التجدد والحدوث ، والثبوت والدوام أبلغ من التجدد والحدوث . لكن هذا لا يفهمه إلا واحد يعرف كلام العرب ويعرف مدلولات هذا الكلام.
اسمعوا -يا إخواني- (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ما معناها؟ هل هو تخيير لنا أن نعمل ما نشاء؟ (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) هل هو تخيير؟ لا ، هذا تهديد ، وهذا سياق معروف عند العرب كما تقول لأحدهم وأنت تهدده : افعل ما بدا لك فسترى ما سأصنع بك ، هل معنى هذا أنك تامره أن يفعل ما بدا له؟ لا ، تهدده ألاّ يفعل ما بدا له لأنك قلت بعدها فسترى ما سأصنع بك .
المرحلة الخامسة : فهم دلالة السياق [السِّباق واللَّحاق] .
يعني ما يسبق الكلام وما يأتي بعده وهذا ضروري جدا في فهم الآية .
المرحلة السادسة : الإحاطة بالمقصود العام للسورة .
كما قلنا قبل قليل في سورة الضحى أن مقصودها العام تعداد النِّعم على رسول الله وبيان كيفية الشُكر ، فمقصود السورة هو هذا . إذا ينبغي لك أن تتعرف على مقصود السورة ، سورة النحل هي سورة النِّعم ، مقصودها تعداد النِّعم ، وسورة مريم هي سورة الرحمة ، وسورة الليل هي سورة الإنفاق ، وسورة البقرة هي سورة التقوى ، وسورة آل عمران هي سورة الجهاد ، وسورة النساء هي في حقوق الضعفاء ، وسورة المائدة هي في العقود والعهود والوفاء بها ، اقرأ السورة وأنت تعرف هذا المقصود سيتبين لك كثير من مقاصدها ، وسورة الأنعام سورة التوحيد لأنها جاءت لتُقرر توحيد الله -عز وجل- بأساليب كثيرة مختلفة متنوعة .
المرحلة السابعة : جمع الآيات الأخرى التي تنزلت في الموضوع نفسه من القرآن كله ليكتمل المعنى المراد من الآية.
نجمع الآيات في الموضوع الواحد ، عندما تمر بنا قصة موسى في سورة البقرة نذهب وننظر في قصة موسى نفسها التي جاءت في سورة طه وفي الأعراف وفي الشعراء لنُقارن وننظر لماذا قدم هذا هنا وأخر هذا هنا ، ولماذا ذكر هذا الأمر في هذه السورة ولم يذكره في هذه السورة ونكتشف بذلك أسرار كثيرة ومعاني كبيرة.
المرحلة الثامنة : العناية بتدوين أخبار وقصص الأئمة سلفا وخلفا مع القرآن ثم الاستشهاد بها في محلها من التفسير ، ومع عظيم فائدته إلا أنه من مُلح التفسير لا من متينه .
يعني هذه الثامنة إن جاءت وإلا فإنها ليست مهمة ولا ضرورية في علم التفسير.
ثم ذكر المؤلف بعض الكتب المهمة التي يحتاجها طالب العلم لفهم التفسير على وجهه الصحيح ونأتي الآن إلى المرحلة الأولى .
المرحلة الثانية : قال : إدراك المعنى اللغوي للكلمات الواردة في الآية ومقارنته بما جاء عن السلف.
يعني بعدما نعرف المعنى الوارد عن السلف نحاول أن نفهم كلام العرب ، هذه الكلمة عند العرب تدل على ماذا فنقارن بين ما قاله السلف وبين ما قاله العرب حتى نعرف الفرق بين هذا وهذا فمثلا: قول الله -عز وجل- (وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ) الصلاة في الشرع لها معنى معروف وهي الصلاة المعروفة ، والصلاة في كلام العرب تأتي بمعنى آخر وهو الدعاء ، طيب لماذا سُميت الصلاة صلاة؟ لأنها دعاء وتشتمل على الدعاء وفيها دعاء ، أي إذا كان الأمر كذلك عرفنا العلاقة بينها وبين الصلاة التي شرعها الله . على أي شيء نُفسرها في القرآن؟ نفسرها على المعنى الشرعي الوارد عن السلف إلا إذا تعذر ذلك فنأتي إلى المعنى اللغوي المعروف عن العرب مثال ذلك :
- قال الله -عز وجل- (وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ) ما معنى (وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم ؟ لا تصلِ صلاة الجنازة على أحد منهم فهي بمعنى الصلاة الشرعية المعروفة.
- قال الله في نفس السورة (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) ما معنى (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ)؟ اُدع لهم ، لماذا قلنا اُدع لهم؟ لأنه لا يمكن أن نفسرها هنا بالمعنى الشرعي المعروف للصلاة ، (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) يعني اُدع لهم ، فسرناها بالمعنى اللغوي ، طيب لماذا؟ لأنه لا يمكن هذا الأمر كيف (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) إذا جاءك أحد بصدقته يا محمد أوقفه وإلا أجلسه وإلا ابطحه وصلِ عليه؟! هل يمكن هذا؟ لا يمكن ، ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا جاءه أُناس بصدقتهم قال (اللهم صلِ على آل فلان) قال عبد الله بن أوفى قال فجاءه أبي بصدقته فقال (اللهم صلِ على آل أبي أوفى) يدعو لهم ، ففسر النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة في هذه الآية بهذا الأمر .
- ومثله : ما ورد في قول الله -عز وجل- (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا) ما معنى صوما؟ أي إمساكا عن الكلام لأنه لا يمكن هنا حمل الكلام على الصوم المعروف الشرعي خصوصا أنها فسرت فقالت (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا) فحملناه هنا على اللغوي وليس على المعنى الشرعي .
- أما قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) فمعناها (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) أي الصيام الشرعي المعروف الذي هو بمعنى الإمساك.
قال : المرحلة الثالثة : معرفة دلالة حروف المعاني التي تربط بين الكلمات.
(على ، عن ، الباء ، اللام ، لا) وغيرها من الحروف ذات المعاني فإن معرفة هذه الحروف مهم جدا لبيان المعنى (وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) "ما" هل يمكن أن تكون بمعنى "الذي"،خبير بالذي تعملون؟ ويمكن تكون مصدرية -كما يقول العلماء- أي خبير بعملكم ، ومثلها قول الله -عز وجل- (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى*ٍأَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى*أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى*فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى*وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى) "ما" يمكن أن تكون نافية "ليس عليك شيء في ألاّ يتزكى" ، ويمكن أن تكون استفهامية "أي شيء عليك يا محمد إذا لم يتزكى" فمعرفة دلالات هذه الحروف وهذه الكلمات وهذه الروابط في الكلمات مهم جدا لفهم الآيات .
المرحلة الرابعة : معرفة دلالة الجملة وما يتعلق بها كدلالة الجملة الإسمية ودلالة الجملة الفعلية .
هذا مهم جدا لمن يريد أن يفهم القرآن فهما صحيحا ويستنبط منه المعاني الدقيقة ولذلك قال العلماء في قول الله -عز وجل- (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ*إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) قال العلماء -الذين يفهمون اللغة العربية- قالوا: سلام إبراهيم أبلغ من سلام الملائكة لأن سلام إبراهيم جملة إسمية وسلام الملائكة جملة فعلية والجملة الإسمية تدل على الثبوت والدوام ، والجملة الفعلية تدل على التجدد والحدوث ، والثبوت والدوام أبلغ من التجدد والحدوث . لكن هذا لا يفهمه إلا واحد يعرف كلام العرب ويعرف مدلولات هذا الكلام.
اسمعوا -يا إخواني- (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ما معناها؟ هل هو تخيير لنا أن نعمل ما نشاء؟ (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) هل هو تخيير؟ لا ، هذا تهديد ، وهذا سياق معروف عند العرب كما تقول لأحدهم وأنت تهدده : افعل ما بدا لك فسترى ما سأصنع بك ، هل معنى هذا أنك تامره أن يفعل ما بدا له؟ لا ، تهدده ألاّ يفعل ما بدا له لأنك قلت بعدها فسترى ما سأصنع بك .
المرحلة الخامسة : فهم دلالة السياق [السِّباق واللَّحاق] .
يعني ما يسبق الكلام وما يأتي بعده وهذا ضروري جدا في فهم الآية .
المرحلة السادسة : الإحاطة بالمقصود العام للسورة .
كما قلنا قبل قليل في سورة الضحى أن مقصودها العام تعداد النِّعم على رسول الله وبيان كيفية الشُكر ، فمقصود السورة هو هذا . إذا ينبغي لك أن تتعرف على مقصود السورة ، سورة النحل هي سورة النِّعم ، مقصودها تعداد النِّعم ، وسورة مريم هي سورة الرحمة ، وسورة الليل هي سورة الإنفاق ، وسورة البقرة هي سورة التقوى ، وسورة آل عمران هي سورة الجهاد ، وسورة النساء هي في حقوق الضعفاء ، وسورة المائدة هي في العقود والعهود والوفاء بها ، اقرأ السورة وأنت تعرف هذا المقصود سيتبين لك كثير من مقاصدها ، وسورة الأنعام سورة التوحيد لأنها جاءت لتُقرر توحيد الله -عز وجل- بأساليب كثيرة مختلفة متنوعة .
المرحلة السابعة : جمع الآيات الأخرى التي تنزلت في الموضوع نفسه من القرآن كله ليكتمل المعنى المراد من الآية.
نجمع الآيات في الموضوع الواحد ، عندما تمر بنا قصة موسى في سورة البقرة نذهب وننظر في قصة موسى نفسها التي جاءت في سورة طه وفي الأعراف وفي الشعراء لنُقارن وننظر لماذا قدم هذا هنا وأخر هذا هنا ، ولماذا ذكر هذا الأمر في هذه السورة ولم يذكره في هذه السورة ونكتشف بذلك أسرار كثيرة ومعاني كبيرة.
المرحلة الثامنة : العناية بتدوين أخبار وقصص الأئمة سلفا وخلفا مع القرآن ثم الاستشهاد بها في محلها من التفسير ، ومع عظيم فائدته إلا أنه من مُلح التفسير لا من متينه .
يعني هذه الثامنة إن جاءت وإلا فإنها ليست مهمة ولا ضرورية في علم التفسير.
ثم ذكر المؤلف بعض الكتب المهمة التي يحتاجها طالب العلم لفهم التفسير على وجهه الصحيح ونأتي الآن إلى المرحلة الأولى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق