د. محمد بن عبد الله الربيعة
أصل التدبر لغة :
بالنظر والاطلاع في أقوال أهل اللغة نجد أنها تتلخص في أن أصل معنى التدبر مأخوذ من النظر في أدبار الشيء وعواقبه ونهاياته.
ففي معجم مقاييس اللغة : " أصل التدبر من: دَبَرَ –بفتح الدال والباء-، وجُلُّه في قياس واحد، وهو : آخر الشيء، وخلفه؛ خلاف قُبُله". .
وفي لسان العرب : " دبّر الأمر وتدبّره أي نظر في عاقبته وعرف الأمر تدبرا أي بآخره. فتدبر الكلام أي النظر في أوله وآخره ثم إعادة النظر مرة بعد مرة.. والتدبر في الأمر: التفكر فيه" .
وفي التعريفات للجرجاني : " التدبر: عبارة عن النظر في عواقب الأمور، وهو قريب من التفكر، إلا أن التفكر تصرف القلب بالنظر في الدليل، والتدبر تصرفه بالنظر في العواقب " .
وفي المعجم الوسيط : " تدبر الأمر : ساسه ونظر في عاقبته " .
المراد بتدبر القرآن :
يمكن لنا أن نحرر مفهوم تدبر القرآن بمعنى مختصر جامع شامل بإذن الله وهو :
( الوقوف مع الآيات والتأمل فيها ، والتفاعل معها ؛ للانتفاع والامتثال) .
وهذا التعريف هو ما توصلت إليه بعد نظر وتأمل دقيق في المعنى اللغوي ، وفي الأدلة من القرآن والسنة وأقوال السلف وأحوالهم ، والاطلاع على أقوال العلماء ، كما سأفصل ذلك بإذن الله تعالى .
ولعلي أذكر بعض أقوال العلماء والمفسرين والباحثين في معنى التدبر بياناً وتأكيداً لما حررته ، مع التوضيح والتعقيب :
1- قال الخازن : "أصل التدبر : النظر في عواقب الأمور ،و التفكر في أدبارها ،ثم استعمل في كل تفكر و تأمل ،و يقال : "تدبرتُ الشيءَ" أي : نظرت في عاقبته ،و معنى تدبُّر القرآنِ تأَمُّلُ معانيه ،و التفكر في حِكَمِهِ ، و تبصُّرُ ما فيه من الآيات" .
2- قال ابن القيم :" وتدبر الكلام أن ينظر في أوله وآخره ثم يعيد نظره مرة بعد مرة ولهذا جاء على بناء التفعل كالتجرع والتفهم والتبين" وقال أيضاً : " إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه ، وألق سمعك ، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه ، فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -)
3 - قال السيوطي : " وتسن القراءة بالتدبر والتفهم ...وصفة ذلك أن يشغل قلبه بالتفكر في معنى ما يلفظ به، فيعرف معنى كل آية ويتأمل الأوامر والنواهي ويعتقد قبول ذلك، فإن كان مما قصر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مرّ بآية رحمة استبشر وسأل، أوعذاب أشفق وتعوذّ أوتنزيه نزّه وعظم، أو دعاء تضرع وطلب."
4- قال الشوكاني: " إِنَّ التدبر هو التأمُّل ؛ لفهم المعنى ،يقال : "تدبرتُ الشيءَ" : تفكرتُ في عاقبته ،و تأملته،ثم استعمل في كل تأمُّل، والتدبير: أَنْ يدبر الإنسانُ أمْرَه ،كأنه ينظر إلى ما تصير إليه عاقبته" .
5- قال السعدي: " يأمر –تعالى- بتدبر كتابه، وهو التأمُّل في معانيه،و تحديق الفكر فيه،و في مبادئه و عواقبه، و لوازم ذلك" .
6- قال الشنقيطي : " تدبر آيات هذا القرآن العظيم أي: تصفحها ،و تفهمها ،وإدراك معانيها ،و العمل بها " .
7- قال عبدالرحمن حبنكة : " التفكر الشامل الواصل إلى أواخر دلالات الكلم ومراميه البعيدة " .
8- وقال الدكتور أحمد آل سبالك : " أما المعنى الاصطلاحي لتدبر القرآن كما ورد في كتب التفسير فهو التفكر في غايات القرآن ومقاصده التي يرمي إليها ، ويأتي ذلك بالتفهم والتأمل والتفكر في معاني الآيات ومبانيها " .
9- وقال سليمان السنيدي : " تدبر القرآن هو تفهم معاني ألفاظه ، والتفكر فيما تدل عليه آياته مطابقة ، وما دخل في ضمنها ، وما لاتتم تلك المعاني إلا به ، مما لم يعرج اللفظ على ذكره من الإشارات والتنبيهات ، وانتفاع القلب بذلك ، بخشوعه عند مواعظه ، وخضوعه لأوامره ، وأخذ العبرة منه " .
10- وقالت الدكتور رقية العلواني : " والتدبر إعمالُ الذهن والفكر للتوصلِ إلى مقاصدِ الآياتِ وأهدافها ، وما ترمي إليه " .
فعند التأمل في هذه التعريفات نجد أنها متضمنة لما ذكرته في التعريف :
أولاً : الوقوف مع الآيات والتأمل فيها اتفقوا على تضمن التدبر له بعبارات مختلفة .
ثانياً : التفاعل وقصد الانتفاع والامتثال . فقد أشار إليه أكثرهم :
فقال الخازن : " و تبصُّرُ ما فيه من الآيات" أي العبر والعظات" .
وقال السيوطي : " ويتأمل الأوامر والنواهي ويعتقد قبول ذلك ؛ فإن كان مما قصر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مرّ بآية رحمة استبشر وسأل، أوعذاب أشفق وتعوذّ أوتنزيه نزّه وعظم، أودعاء تضرع وطلب " وأشار إليه ابن القيم في كلامه الأخير .
وقال السعدي : ".. و لوازم ذلك " أي من العمل والامتثال .
وقال الشنقيطي : " و العمل بها " .
وقال السنيدي : " وانتفاع القلب بذلك ، بخشوعه عند مواعظه ، وخضوعه لأوامره ، وأخذ العبرة منه" .
وقالت الدكتور رقية العلواني : " للتوصلِ إلى مقاصدِ الآياتِ وأهدافها وما ترمي إليه " .
فنجد أنهم صرحوا بلزوم اقتران التدبر للعمل والانتفاع بمعنى أنه لابد أن يكون من قصد القارئ أصلاً ، وهذا هو الذي يميز التدبر عن غيره من المصطلحات القرآنية .
ولو تأملنا حال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحوال السلف في تلاوتهم للقرآن وتدبرهم له ، لظهر لنا أن تمثلهم بهذا الركن ظاهر جلي مما يؤكد لنا اعتباره كركن لازم للتدبر ، وربما عده البعض مما يعين على التدبر لا من أصل التدبر ، والصحيح أنه تدبر باعتبار أنه يمثل الجانب العملي بتحريك القلب والجوارح مع القراءة وهذا هو التدبر الباعث على الانتفاع .
ولكن هنا ملحظ مهم حول هذا التقييد وهو أن الأولى في التعريف أن يقال ( للانتفاع والامتثال ) أي بقصد الانتفاع والامتثال ، والمقصود هو أن يكون قصد القارئ الانتفاع والامتثال ابتداءً مع مصاحبة هذا القصد حال القراءة إلى تحقق ذلك حال القراءة وبعدها ، والأمور بمقاصدها .
أصل التدبر لغة :
بالنظر والاطلاع في أقوال أهل اللغة نجد أنها تتلخص في أن أصل معنى التدبر مأخوذ من النظر في أدبار الشيء وعواقبه ونهاياته.
ففي معجم مقاييس اللغة : " أصل التدبر من: دَبَرَ –بفتح الدال والباء-، وجُلُّه في قياس واحد، وهو : آخر الشيء، وخلفه؛ خلاف قُبُله". .
وفي لسان العرب : " دبّر الأمر وتدبّره أي نظر في عاقبته وعرف الأمر تدبرا أي بآخره. فتدبر الكلام أي النظر في أوله وآخره ثم إعادة النظر مرة بعد مرة.. والتدبر في الأمر: التفكر فيه" .
وفي التعريفات للجرجاني : " التدبر: عبارة عن النظر في عواقب الأمور، وهو قريب من التفكر، إلا أن التفكر تصرف القلب بالنظر في الدليل، والتدبر تصرفه بالنظر في العواقب " .
وفي المعجم الوسيط : " تدبر الأمر : ساسه ونظر في عاقبته " .
المراد بتدبر القرآن :
يمكن لنا أن نحرر مفهوم تدبر القرآن بمعنى مختصر جامع شامل بإذن الله وهو :
( الوقوف مع الآيات والتأمل فيها ، والتفاعل معها ؛ للانتفاع والامتثال) .
وهذا التعريف هو ما توصلت إليه بعد نظر وتأمل دقيق في المعنى اللغوي ، وفي الأدلة من القرآن والسنة وأقوال السلف وأحوالهم ، والاطلاع على أقوال العلماء ، كما سأفصل ذلك بإذن الله تعالى .
ولعلي أذكر بعض أقوال العلماء والمفسرين والباحثين في معنى التدبر بياناً وتأكيداً لما حررته ، مع التوضيح والتعقيب :
1- قال الخازن : "أصل التدبر : النظر في عواقب الأمور ،و التفكر في أدبارها ،ثم استعمل في كل تفكر و تأمل ،و يقال : "تدبرتُ الشيءَ" أي : نظرت في عاقبته ،و معنى تدبُّر القرآنِ تأَمُّلُ معانيه ،و التفكر في حِكَمِهِ ، و تبصُّرُ ما فيه من الآيات" .
2- قال ابن القيم :" وتدبر الكلام أن ينظر في أوله وآخره ثم يعيد نظره مرة بعد مرة ولهذا جاء على بناء التفعل كالتجرع والتفهم والتبين" وقال أيضاً : " إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه ، وألق سمعك ، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه ، فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -)
3 - قال السيوطي : " وتسن القراءة بالتدبر والتفهم ...وصفة ذلك أن يشغل قلبه بالتفكر في معنى ما يلفظ به، فيعرف معنى كل آية ويتأمل الأوامر والنواهي ويعتقد قبول ذلك، فإن كان مما قصر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مرّ بآية رحمة استبشر وسأل، أوعذاب أشفق وتعوذّ أوتنزيه نزّه وعظم، أو دعاء تضرع وطلب."
4- قال الشوكاني: " إِنَّ التدبر هو التأمُّل ؛ لفهم المعنى ،يقال : "تدبرتُ الشيءَ" : تفكرتُ في عاقبته ،و تأملته،ثم استعمل في كل تأمُّل، والتدبير: أَنْ يدبر الإنسانُ أمْرَه ،كأنه ينظر إلى ما تصير إليه عاقبته" .
5- قال السعدي: " يأمر –تعالى- بتدبر كتابه، وهو التأمُّل في معانيه،و تحديق الفكر فيه،و في مبادئه و عواقبه، و لوازم ذلك" .
6- قال الشنقيطي : " تدبر آيات هذا القرآن العظيم أي: تصفحها ،و تفهمها ،وإدراك معانيها ،و العمل بها " .
7- قال عبدالرحمن حبنكة : " التفكر الشامل الواصل إلى أواخر دلالات الكلم ومراميه البعيدة " .
8- وقال الدكتور أحمد آل سبالك : " أما المعنى الاصطلاحي لتدبر القرآن كما ورد في كتب التفسير فهو التفكر في غايات القرآن ومقاصده التي يرمي إليها ، ويأتي ذلك بالتفهم والتأمل والتفكر في معاني الآيات ومبانيها " .
9- وقال سليمان السنيدي : " تدبر القرآن هو تفهم معاني ألفاظه ، والتفكر فيما تدل عليه آياته مطابقة ، وما دخل في ضمنها ، وما لاتتم تلك المعاني إلا به ، مما لم يعرج اللفظ على ذكره من الإشارات والتنبيهات ، وانتفاع القلب بذلك ، بخشوعه عند مواعظه ، وخضوعه لأوامره ، وأخذ العبرة منه " .
10- وقالت الدكتور رقية العلواني : " والتدبر إعمالُ الذهن والفكر للتوصلِ إلى مقاصدِ الآياتِ وأهدافها ، وما ترمي إليه " .
فعند التأمل في هذه التعريفات نجد أنها متضمنة لما ذكرته في التعريف :
أولاً : الوقوف مع الآيات والتأمل فيها اتفقوا على تضمن التدبر له بعبارات مختلفة .
ثانياً : التفاعل وقصد الانتفاع والامتثال . فقد أشار إليه أكثرهم :
فقال الخازن : " و تبصُّرُ ما فيه من الآيات" أي العبر والعظات" .
وقال السيوطي : " ويتأمل الأوامر والنواهي ويعتقد قبول ذلك ؛ فإن كان مما قصر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مرّ بآية رحمة استبشر وسأل، أوعذاب أشفق وتعوذّ أوتنزيه نزّه وعظم، أودعاء تضرع وطلب " وأشار إليه ابن القيم في كلامه الأخير .
وقال السعدي : ".. و لوازم ذلك " أي من العمل والامتثال .
وقال الشنقيطي : " و العمل بها " .
وقال السنيدي : " وانتفاع القلب بذلك ، بخشوعه عند مواعظه ، وخضوعه لأوامره ، وأخذ العبرة منه" .
وقالت الدكتور رقية العلواني : " للتوصلِ إلى مقاصدِ الآياتِ وأهدافها وما ترمي إليه " .
فنجد أنهم صرحوا بلزوم اقتران التدبر للعمل والانتفاع بمعنى أنه لابد أن يكون من قصد القارئ أصلاً ، وهذا هو الذي يميز التدبر عن غيره من المصطلحات القرآنية .
ولو تأملنا حال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحوال السلف في تلاوتهم للقرآن وتدبرهم له ، لظهر لنا أن تمثلهم بهذا الركن ظاهر جلي مما يؤكد لنا اعتباره كركن لازم للتدبر ، وربما عده البعض مما يعين على التدبر لا من أصل التدبر ، والصحيح أنه تدبر باعتبار أنه يمثل الجانب العملي بتحريك القلب والجوارح مع القراءة وهذا هو التدبر الباعث على الانتفاع .
ولكن هنا ملحظ مهم حول هذا التقييد وهو أن الأولى في التعريف أن يقال ( للانتفاع والامتثال ) أي بقصد الانتفاع والامتثال ، والمقصود هو أن يكون قصد القارئ الانتفاع والامتثال ابتداءً مع مصاحبة هذا القصد حال القراءة إلى تحقق ذلك حال القراءة وبعدها ، والأمور بمقاصدها .
-----------------------------------
من (دراسة) مفهوم التدبر في ضوء القرآن والسنة وأقوال سلف الأمة
إعداد
د. محمد بن عبد الله الربيعة
الأستاذ المساعد بقسم القرآن وعلومه
بكلية الشريعة وأصول الدين في جامعة القصيم
ملتقى أهل التفسير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق