الأربعاء، 20 نوفمبر 2024

فوائد الآيات (183- 195 ) من سورة البقرة

الآيات (183 - 186)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ
 سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
 (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ
 عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)
 وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186))

 بعدها تأتينا آيات الصيام وآيات الصيام ونحن نستقبل هذا الشهر الفضيل نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من صوّامه وقوامه، وأن يعيننا فيه على شكره (***) عبادته، وأن يصلح قلوبنا وأن يجعلها تتلقى القرآن تلقيا كما يحبه الله عز وجل منا ويرضى.
 🔖 أول حكم يؤخذ من هذه الآيات: مشروعية الصوم وبيان مقاصده، وأهم مقاصد الصيام هو: 
تقوى الله عز وجل، لأنه عبّر عن الفرضية، أولا بالكتابة، والكتابة أقصى درجات التأكيد، ثم قال في نهاية الآية (لعلكم تتقون) فبين المقصد لأن (لعل) للتعليل.

🔖 من فوائد الآية: التشبيه في الفرض فيه تسلية للأمة بهذا التكليف لأنه قال (كما كتب على الذين من قبلكم) وأنت تعرف في الحياة أنك إذا كنت في أمر فيه مشقة ولكن وجدت أن غيرك أيضا مشترك معك في هذه المسألة فيكون الأمر سهل، أما لو كنت منفردا ربما يكون فيه شيء من المشقة. فلما قال الله عز وجل (كما كتب على الذين من قبلكم) بيّنت أن التشبيه في الفرض فيه تسلية للأمة، وهو من وسائل تهوين المشقة على النفس لأجل هذا الغرض.

🔖 بينت الآية فضل التقوى وبيان السُبل الموصلة إليها فعلى العبد أن يتتبع مواضعها ومن مواضعها الصيام، لكن الصيام ليس فقط هو الوحيد الذي تحدث به التقوى، لو تتبعت في موارد التقوى في القرآن الكريم ستجد أعمال كثيرة تُستجلب بها التقوى من بينها القرآن كما حدث في اول السورة في مقصد إنزال القرآن لأجل تقوى الله عز وجل. 

/ بيّنت الآيات بلاغة القرآن في تيسير فريضة الصوم، حيث سمّى مدة التكليف بالأيام المعدودة قال (أياما معدودات) وهي بالفعل اسمها شهر لكن يبدأ اليوم الأول ولا تدري إلا وأنت تهنئ بالعيد. بالفعل أيام تمضي وقصيرة فلا ننظر على أنها 30 يوما، وكم فيها من ساعة، وكم مدة الصيام، وكم بين الفجر وبين المغرب، هي بالفعل كما وصفها الله عز وجل (أيام معدودات)

🔖 بيّنت الآيات جواز الفطر للمريض والمسافر، وهم أهل الأعذار. وجواز الفطر لهاتين الفئتين - أهل المرض وأهل السفر - أُُخذ منها قاعدة فقهية وقاعدة أصولية أن المشقة تجلب التيسير، وطبعا تفصيل الأحكام لكل حالة من هذه الأحوال موجودة في كتب الفروع في الفقه الإسلامي. 

🔖 من محاسن الشريعة الإسلامية التدرج في التشريع. وإذا نظرت إلى بعض أبواب الفقه تجد تشريعه مر بخطوات ومر بمراحل وهذه كلها أفادت سهولة الانقياد، ففي البداية في مشروعية الصوم كان هناك التخيير بين الصيام والإطعام، ثم بعد ذلك تعين الصيام (أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) بعدها قال (فمن تطوع خيرا فهو خير له) أفادت فيها التخيير، ثم بعد ذلك (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) إلى أن قال (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) فهنا كان التعيين، إذا أول شيء كان التخيير، ثم كان التعيين، فهذا التدرج في التشريع. وفي الصيام أمور أخرى في التدرج مثل صيام يوم عاشوراء ثم بعد ذلك فُرض رمضان.  

🔖 أفادت الآية وجوب الصيام إذا ثبت دخول الشهر.

🔖 أفادت الآيات فضيلة شهر رمضان ومن فضله نزول القرآن فيه، ونعلم أن القرآن كلام ربنا سبحانه وتعالى فكونه ينزل في هذا الشهر فهذا يعني أن فيه تميز زماني لشهر رمضان من حيث أن القرآن فيه، وذُكر ذلك مع الصيام (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) ثم قال (هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) ولذلك يسمى شهر رمضان بأنه شهر القرآن.

🔖 أفادت الآيات أن القرآن هدى وفرقان بين الحق والباطل.

🔖 أفادت أيضا مشروعية التكبير عند اكتمال شهر رمضان (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم) وهذه منظور فيها مسألة أن العبادات العظيمة يكون يعقبها أمر فيه خضوع وذلة لله سبحانه وتعالى وهذا أدعى لقبول العمل بدل أن يعجب بعمله، أو يدلي به على الله سبحانه وتعالى لا، يبادر نفسه حتى لا تغتر بأن يُكبر، بأن يستغفر، وهذه يمكن أشرنا إليها في أول السورة في أكثر من موضع.

🔖 أفادت الآيات أيضا القيام بالطاعات سبيل لتحقيق الشكر. كيف؟ لأنه قال (ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) فإذا أنت أيها العبد إذا فعلت الأعمال الصالحة فهي صورة من صور الشكر لله سبحانه وتعالى، والشكر قد يكون باللسان، وقد يكون بالعمل وشاهده (اعملوا آل داوود شكرا) فالعمل في حد ذاته هو شكر لله سبحانه وتعالى، وهذه الآية من الشواهد على هذا الأمر.

🔖 أفادت الآيات أن الصيام مظنة إجابة الدعاء، إذ أن من أعظم الآيات في القرآن حديثا عن الدعاء ورقائق الدعاء قد توسطت آيات الصيام في قوله تعالى (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) آية مستقلة تماما بالدعاء، ولكن سباقها ولحاقها ما قبلها وما بعدها كان حديثا عن الصوم فبدلالة الاقتران أفادت أن الصيام مظنة إجابة الدعاء. ومن يتحرى أيضا الأوقات داخل الصيام من حيث ساعة الفطر، ومن حيث الثلث الأخير من الليل وغيرها من الأوقات سواء كان في رمضان أو في غير رمضان فإنه هنا يستجمع أحوال بعد أحوال إجابة الدعاء.

🔖 في قوله تعالى (وإذا سألك عبادي) أفادت رحمة الله عز وجل بعباده، وأنه قريب منهم، فهو عليّ فوق السماوات ولكنه قريب من عباده، فمن تقرب إلى الله سبحانه وتعالى فإن الله يعطيه هذا مصداق لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (وإن تقرب إلي شبرًا تقربت منه ذراعًا، وإن تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا..) الحديث فبينت مسألة قرب الله عز وجل من العباد عندما يتوجهون له سبحانه وتعالى.

🔖 أفادت الآية أيضا أن من أسباب إجابة الدعاء الإخلاص لله تعالى، قال (إذا دعاني) فهذه أفادت أنه توجه إلى الله سبحانه وتعالى ولم يتوجه لغيره، فهذه حديث عن الإخلاص لله سبحانه وتعالى. 

🔖 أفادت الآية أن الإيمان والإنابة والطاعة سبب لحصول الرشد في قوله تعالى: (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) ولا شك أن مسألة أن تطلب الرشد مسألة عظيمة، وأن تقول اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي هذا أمر محمود جدا في الحياة. فإذا الاستجابة لله عز وجل، الإيمان به يوصلك أن تكون من أهل الرشد.

الآيات (187- 190)

(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (188) ۞ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190))

🔖 بينت الآية التخفيف على الأمة بجواز الأكل والشرب طوال الليل، الأكل والشرب ومباشرة الزوجة طوال الليل مباح (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) ويتبين هذا الأمر من حيث قصة سبب النزول، كان الصحابة عندهم أنهم لو دخل في النوم في الليل خلاص يبدأ الصيام عنده. فحدث في أحداث السيرة النبوية أن قيس ابن صرمة الأنصاري كان صائما فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال أعندك طعام؟ قالت لا، ولكن انطلق أطلب لك وكان يومه كله يعمل فغلبته عيناه، في الوقت الذي ذهبت فيه زوجته تجلب له الأكل دخل في النوم فخلاص يعتبر نفسه بدأ في الصوم، فلما رأته قالت خيبة لك، يعني فاتك الأكل ودخلت في الصيام، فلما انتصف النهار غشي عليه فما تحمل، فذُكر ذلك للنبي ﷺ، فنزلت هذه الآية، فهذه من رحمة الله سبحانه وتعالى في الأمور. هذه تعطيك فوائد معرفة أسباب النزول أنها تزيد في الفهم.

🔖 في قوله تعالى (أُحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) أفادت أن المرأة ستر للرجل وهو لها كذلك فليكن كل من الزوجين يحافظ على أسرار الطرف الآخر، ولتكن المشاكل الزوجية داخل بينهم ولا يفشونها لأحد. 

🔖 أفادت الآية في قوله تعالى (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم) أن الإنسان كما يخون غيره قد يخون نفسه وذلك بفعل المحرم، فإذا أنت أيها العبد فعلت المحرمات فأنت أول من سيتضرر، وأنت الخائن لنفسك بهذا.  

🔖 في قوله تعالى (وأنتم عاكفون في المساجد) مشروعية الاعتكاف وفضله، ويتأكد الاعتكاف في رمضان، فالمتتبع لسيرته ﷺ يتضح له هذا الأمر بشكل أكبر.

بعدها تأتينا آية أكل الأموال بالباطل والتحاكم فيها:
🔖 بينت الآية في قوله تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) حرص الشريعة على حفظ الأموال وتحريم أكلها بالباطل.

🔖 بينت تحريم الرشوة في قوله تعالى (وتدلوا بها) أحد معانيها الرشوة للحكام.

🔖 بينت أيضا أن الحاكم يحكم لما ظهر له وبالتالي يعظُم جرم من يقيم بينة كاذبة، لأن القاضي أصلا المعطيات التي سيقضي بها بناء على البيّنات وبناء على القسم الذي سيُقسم به أطراف القضية، البيّنة على المدعي واليمين على من أنكر. فصاحب الباطل إذا تحاكم وحُكم له وهو يعلم أنه على الباطل يدل على أنه يعظم جرمه أكثر. فيقول القرطبي "ومن الأكل بالباطل أن يقضي القاضي لك وأنت تعلم أنك مبطل، فالحرام لا يصير حلالا بقضاء القاضي لأنه إنما يقضي بالظاهر" ويشهد لذلك حديث النبي ﷺ أنه كان يقول للصحابة (لعل بعضكم يكون ألحن بحجته من الآخر فأقضي له فمن قضيت له..) فذكر ترهيبا عظيما، فهذه موعظة لصاحب الباطل ألّا يقيم بينة كاذبة، موعظة للمحامي الذي يمكن أن يحامي وهو يعلم أن موكله هو الذي على الباطل ولكنه يسوق للقاضي ما يبين أن مُوكله على حق وهو على باطل. فهذه الآية جمعت كل هذه الأحوال.

 بعدها تأتي آية الأهلة يقول الله عز وجل (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) هذه الآيات لو لاحظت سيأتي بعدها الحديث عن أحكام الحج. فكثيرا ما ورد في السورة أنه إذا كان فيه موضوع كبير يكون قبله آيات تُمهد لهذا الموضوع فنظرا لارتباط الأهلة بالحج من حيث كونها مواقيت لدخوله وبدء مواعيده فكان الحديث عنها قبل، فكان ذلك من التهيئة إذ أن للحج مواقيت زمانية ومواقيت مكانية، فالمكانية مبسوطة في أماكن أخر التي هي حدود الحرم من كل اتجاه سواء الذي سيأتي من الشمال أو من الجنوب او من الشرق له مواقيت محددة في السنة النبوية، فهذه المواقيت المكانية، والمواقيت الزمانية هي أشهر الحج وتضبط وتُعرف عن طريق الأهلّة، فإذا ولد الهلال وعُرفت الأشهر ابتدأ حساب أوقات الحج.

🏷 في مطلع الآية لقوله تعالى (يسألونك) يؤخذ منها فائدة: حرص الصحابة على العلم وعناية الله عز وجل بهم لما طلبوا العلم، فكان كلما سألوا أجاب الله أو كثير من أسئلتهم كان يجيب عليها سبحانه وتعالى بآيات تنزل بناء على أحوال النزول.

🔖 الحكمة من الأهلة أنها مواقيت للناس كما نصت عليها الآية، واذا تفكرت في الاجابة كانت عبارة عن شقين مواقيت للناس ثم عطف عليها الحج، وهي من عطف الخاص على العام، فهي مواقيت للناس في كل الأحوال إذ أن ضبط الشهور وضبط الأيام بها يترتب عليها كثير أو عدد ليس بالقليل في أحكام الشريعة الإسلامية، بها يُعرف رمضان، بها يُعرف الحجّ، بها تعرف مثلا المطلقة عدتها، آجال الديون تعرف عن طريق الأهلة، فكثير من أمور الشريعة مضبوطة بحساب الأشهر، فهي مواقيت للناس بشكل عام ومن ضمن هذه المواقيت مواقيت الحج، متى يدخل شهر الحج، ومتى يكون يوم الوقوف بعرفة، ومتى ينتهي الحج، هذه كلها عن طريق حساب الزمان عن طريق ولادة الهلال.
 نسق الآية التي بين أيدينا هي شاهد من شواهد أن معرفة أحوال وأسباب النزول دليل لنا، أو شاهد لنا، أو شارح لنا في كيفية فهم الآية، فإن في قوله تعالى (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها) هذه لو يعني أخذناها على ظاهرها دون أن نعرف سبب النزول قد يخفى علينا كثير من معانيها، وإذا تأملنا في حديث البراء الذي أخرجه البخاري (قال: نزلت هذه الآية فينا كانت الأنصار إذا حجوا فجاؤوا لم يدخلوا من قِبل أبواب بيوتهم ولكن من ظهورها، فجاء رجل من الأنصار فدخل من قِبل بابه، فكأنه عُيّر بذلك فنزلت هذه الآية. فإذن إذا عرفنا أسباب النزول عرفنا فهم الآية على وجهها الصحيح.
ولكن إجمالا هذه الحادثة وطريقة نزول الآية في الإجابة على هذه الحادثة فيها من الفوائد:
🔖 أن العادات لا تجعل غير المشروع مشروعا، فهم يفعلون ذلك يأتون البيوت من ظهورها بِرا، يعني يعتقدون أنهم يفعلون عملا صالحا ولما أخذهم لم يفعل ذلك عُيّر بذلك أي أنه لم يفعل البر، فكونك تعتاد بالشيء على أنه طاعة وهو لم يكن شرعا فهذه الأمور العادات لا تغير الشريعة، ومصدر الشريعة يؤخذ من أدلة الكتاب والسنة وليس من عمل الناس أو من عاداتهم.

 ومن الاستنباط في هذه الآية في قوله تعالى (وأتوا البيوت من أبوابها) فيها عدد من الفوائد، من فوائدها التي هي بالمعنى وليس بأحوال النزول، نحن نعرف في دوائر الاستنباط أن هناك شيء مباشر من ناحية السياق وأسباب النزول، وهناك لأدنى علاقة بالآية، فمن بين الفوائد التي هي أدنى علاقة بالآية:
 🔖أنه ينبغي أن تعالج الأمور من أبوابها المنطقية كما هي العادة، يعني كل موضوع له طبيعة معينة، فكونك تريد أن تصلحه أو تعالجه بأمور ليست من طبيعة هذا الموضوع بهذا يكون أتيت بالشيء من غير بابه، فيمثلون على ذلك، مثلا في الأمور التربوية مخاطبة الكبير لها أسلوب، مخاطبة الشاب له أسلوب. وفي أنظمة العمل مخاطبة الرئيس غير مخاطبة المرؤوس، وفي عادات الشعوب والبلدان وما إلى ذلك مخاطبة شعب غير مخاطبة شعب آخر. فإذن من يريد أن يعالج الأمر يدرس الأمر كما هو ويعالجه من طبيعته، هذا في أمور المعاش طبعا.

 في قوله تعالى: ( ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من التقى وأتوا البيوت من أبوابها) يؤخذ منها فائدة:
 🔖أن الله سبحانه وتعالى من رحمته إذا نهى عن شيء فتح لعباده من المأذون ما يقوم مقامه، فبعد أن نهاهم وجعل البر ليس هو من كان إتيان البيوت من ظهورها بيّن لهم الطريق المشروع (واتوا البيوت من أبوابها)، ونظيره ما مر علينا في آيات سابقة لما قال (لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا) فأتى بكلمة مشابهة لها في المعنى وتقوم مقامها واستبعد اللفظة التي كانت فيها إشكال، فيؤخذ منها عموما مسالك متعددة في مجالات التربية، في مجالات الدعوة، أنك إذا أردت تستبعد شيء معين لضرر معين أعطِ بدائل في دائرة المباح، فإن هذا أدعى لقبول الدعوة، وأدعى لمعالجة الأوضاع بشكل عام.

🏷 أتى بعد آية الأهلة قوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) واستمرت عندي يمكن حوالي أربع أو خمس آيات عن القتل فتوسطت آيات القتال بين آية الأهلة وآيات الحج، هناك ارتباط وثيق بين الحج والجهاد، وسيمر علينا في سورة الحج نفس الشيء، بعد آيات الحج أتانا مقطع (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) فهناك دلالة اقتران بين الحج والجهاد، وإذا تفكرت بين هاتين الشعيرتين تجد فيه أوجه التشابه منها: المشقة، منها الانتقال المكاني، منها عِظم المقصد، منها أن المشركين صدو المسلمين عن المسجد الحرام. فإذا هناك ارتباط بينهم فلذلك توالوا في الذكر في القرآن في الموضعين.

 بيّنت هذه الآيات في الجهاد من مقاصد الجهاد: رفع الظلم (وقاتلو في سبيل الله الذين يقاتلونكم) إذا رفع الظلم هو أحد مقاصد الجهاد، ونظيرها في سورة الحج لما قال (أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) فنص على الظلم فهو بالفعل أحد المقاصد الكبرى للجهاد.

الآيات (191- 195)

🏷 لما قال الله عز وجل (وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) دلت على أن حب الوطن فطرة والتعدي على الإنسان في وطنه هو صورة من صور الظلم، وهذا الأمر كرر في أكثر من موضع في القرآن هنا، وأتى أيضا في سورة الحج بنفس الطريقة، وسيأتي أيضا في قصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت. 

🔖 دلت الآيات في قوله تعالى (والفتنة أشد من القتل) على أن أعظم الفتنة الكفر وصد الناس عن دينهم ونظيره في سورة البروج (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق) 

🔖 أفادت الآيات تعظيم حرمة المسجد الحرام قال الله عز وجل (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين) 

🔖 دلت الآيات على أن للقتال أحكام حسب الأحوال فمنه ماهو فرض عين، وقد يكون فرض كفاية. عموما تفسير هذه الأحكام في كتب الفقه.  

🔖 دلت الآيات على أن للزمان والمكان حرمة ولكن هذه الحرمة يحددها الشرع، فالمكان كان عند المسجد الحرام  (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه)، والآية التي تليها بيّنت حرمة الزمان الذي هو الأشهر الحرم (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص) فهذا بين لك إنه الله سبحانه وتعالى جعل هناك قدسية وحرمة للمكان و للزمن. 

🔖 دلت الآية في قوله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) تحريم الإلقاء باليد إلى التهلكة ويشمل هذا الأمر التفريط في الواجب وفي كل ما فيه هلاك الإنسان في دينه ودنياه. 
-----------------------

https://t.me/fwaidalayat

اقرأ المزيد...

الثلاثاء، 19 نوفمبر 2024

تدبر سورة الكهف / د. محمود شمس / المحاضرة الثالثة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أجمعين.. توقفنا في اللقاء السابق عند قول الله تبارك وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم) وفي قوله تبارك وتعالى (وكذلك أعثرنا عليهم) هذا التشبيه وهو وجود الكاف في قوله (وكذلك) واسم الإشارة أيضا في قوله (وكذلك) علام يعود؟ وأين المشبه به؟ هو يعود على ما عاد عليه (وكذلك بعثناهم) ويكون المعنى: وكما زدناهم هدى وربطنا على قلوبهم وأنمناهم وقلبناهم ذات اليمين وذات الشمال وبعثناهم فكذلك أعثرنا عليهم، يعني كما فعلنا بهم ما سبق كذلك أعثرنا عليهم.

 ● الفعل (أعثر) أصله من عثَر، وعثر هو الحصول على الشيء بعد غفلة أو بعد فوات مدة. هذا هو معنى عثر. أما أعثر فالهمزة للتعدية، ومعنى للتعدية أن هناك من جعل القوم يعثرون عليهم، ولذلك ها هنا في قوله (أعثرنا) المفعول محذوف، أي أعثرنا القوم أو أعثرنا أهل المدينة التي كانوا بها، ومن هنا يتبين أن بعثهم في قوله (وكذلك بعثناهم) كان لحكمة، وتلك الحكمة أن يعلم أهل المدينة التي يرونهم أن وعد الله حق في إحياء الموتى بعد مماتهم، وأن الله تبارك وتعالى قادر على أن يبعث من في القبور، وأن الساعة لا ريب فيها. فمعنى (أعثرنا) أي: جعلنا أهل المدينة يعثرون عليهم، فعندما أقول: عثرت على الشيء الفلاني فأنا الذي عثرت عليه ووجدته، إنما عندما أقول أعثرتك الشيء الفلاني، أعثرتك يعني: جعلتك تستطيع العثور عليه بعد أن كنت لا تعثر عليه. فقوله (أعثرنا) الله تبارك وتعالى يبين أنه أعثر أهل المدينة أصحاب الكهف لأن تلك غاية. 
وفي قوله (ليعلموا) أنا قلت سابقا أن التعليل باللام يختلف عن التعليل بـ (لعل)، لعل معناها أن ما بعدها وهو المُعلل لن يقع من الكل، بل الاحتمال الأكبر أنه لن يحدث، أما التعليل باللام فمعناها أن المعلل وهو ما بعد اللام يقع ويحدث.
 طيب هنا (ليعلموا أن وعد الله حق) هل أهل المدينة علموا فعلا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها؟ 
نعم. لأن الغالب الأعم من المفسرين أن الملك الذي كان موجودا آنذاك يوم أن بعث الله أصحاب الكهف قيل كان مسلما لكنه كان ممن يؤمن أن البعث سيكون بالأرواح لكن الأجساد ستأكلها الأرض، كانت هذه فكرتهم وقتها في قضية البعث، وقيل: هو لم يكن مؤمنا بل كان كافرا لكنه كان منصفا ويبحث عن الحقيقة وإذا وجد الحقيقة يتبعها فقالوا: كان دائما يتطلع إلى أن يريه الله آية ليعلم أن الله تبارك وتعالى سيبعث من في القبور وأن الساعة لا ريب فيها، وبناء على هذين القولين يكون قوله (ليعلموا أن وعد الله حق) قد تحققت في هذا الملك وبالطبع الناس على دين ملوكهم، فإذا كان هو قد آمن بهؤلاء وكان يسمع عنهم فيما مضى إلا أنه رآهم رأي العين وهذا هو معنى (وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا) وكان التعليل بلام التعليل إفادة على أن العلم بأن وعد الله حق واقع وحاصل لأنهم كانوا يبحثون عن الحقيقة، يعني هذا الملك قيل كان يبحث عن الحقيقة ويسأل الله أن يريه آية تجعله يتحقق من ذلك.
أما كيفية أن الله تبارك وتعالى أعثرهم عليهم، أنهم عندما أرسلوا أحدهم بورقهم، الورِق هي العملة التي كانت موجودة قبل أن ينيمهم الله تبارك وتعالى، فلما ذهب إلى السوق وأراد أن يشتري الطعام وأعطى البائع من هذا الورِق فالبائع لا يعرف هذا الورِق فقال له: من أين أتيت بهذا الورق، هذا الورِق كان منذ زمن قديم، فمن أين أتيت به؟ أنت بالتأكيد وجدت كنزا. فأخذوه وذهبوا به إلى الملك فسأله الملك من أين أتيت بهذا الورِق؟ فقال: أنا بعت بالأمس بعضا من التمر لكن الملك دقيا نوس - الملك الذي هربوا منه - فررنا منه بديننا وبالطبع، هو كان بالنسبة له هو وأصحاب الكهف أن الموضوع كان بالأمس، لأنهم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم وهي المدة التي يعني أقصى مدة ينامها الإنسان، فهنا فهم الملك وقال له قصّ عليّ حكايتكم، فقصّ عليه وقال له الحكاية، فقال: وأين إخوانك الآن؟ قال هم في الكهف، فقام الملك وذهب معه إلى الكهف، قيل لما وصلوا الكهف استأذن الأخ الذي هو من أصحاب الكهف وقال سأدخل على إخواني وأخبرهم أنكم هاهنا وتريدون معرفتهم، فدخل عليهم فقيل - والله أعلم - أنه وجدهم قد ماتوا، أو لما علموا أن الملك أتى قد ماتوا خوفا، لأنهم قالوا قبل ذلك (إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا)، وقيل هم خرجوا وقابلوا الملك وكلموه وكلمهم إلا أن الله أماتهم بعد ذلك.
هذه الأقوال كلها، بالطبع أقوال محتملة، القرآن الكريم لا يذكر في القصة إلا ما يكون فيه الفائدة، فإذا لم يكن فيه فائدة لا يذكره الله تبارك وتعالى، فهو قال (أعثرنا عليهم ليعلموا) أي ليعلم الذين أعثروا عليهم وهو الملك ومن معه (ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها) وهنا آمن الملك بهذا وأن وعد الله حق، وأن الساعة لا ريب فيها، أو تيقن إن كان مسلما قبل ذلك. 
يقصّ الله علينا (إذ يتنازعون بينهم أمرهم) فيمَ كانوا يتنازعون؟
● قيل: كانوا يتنازعون في كيفية الحفاظ عليهم وأن يسدوا عليهم باب الكهف حتى لا يدخل أحد عليهم ويؤذيهم.
● وقيل: إن التنازع كان في عددهم، الذين لم يروهم تنازعوا في عددهم وفي أسمائهم. المهم أن الذين تنازعوا قيل لهم المسؤولون من أهل المدينة – يعني كبار الناس -.
 (إذ يتنازعون بينهم أمرهم) تقديم الظرف الذي هو (بينهم) على (أمرهم) ليشير أن التنازع أصله كان بينهم ولم يكن في أمرهم بقدر ما كان بينهم، لأن أمرهم لم يكن يدعو إلى التنازع فكأنهم هم الذين أنشأوا هذا التنازع. يعني عندما أقول: حدث تنازع بين القوم على كذا، تنازعهم هذا لم يكن له داعٍ إنما هو نشأ بينهم وكأنهم اتخذوا هذا الأمر حجة. هذا معنى (إذ يتنازعون بينهم أمرهم).
 (فقالوا ابنوا عليهم بنيانا) مطلق بنيان. فكان الاقتراح الأول أن يبنوا عليهم بنيانا ثم قالوا (ربهم أعلم بهم) يعني ربهم أعلم بحالهم فأرجعوا الأمر إلى الله تبارك وتعالى لكن قالوا نبني بنيانا على باب الكهف حتى يحفظهم من أن يأتي الناس لزيارة المكان أو لمعرفة شؤونهم أو لمعرفة أمورهم. لأن من عادة الناس أنها عندما تسمع عن شيء عجيب غريب. يذهبون دائما للتفتيش ولمعرفة الأمر. هذا (فقالوا بنوا عليهم بنيانا) البنيان المقصود منه المحافظة على أجساد هؤلاء من الناس.
■ (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا) لأن من التنازع: الكافرون كانوا يقولون هم كافرون على ملتنا فنبني عليهم بنيانا، والمسلمون قالوا: لا، هم مسلمون فنبني عليهم مسجدا فكان الاقتراح إما بنيان عام ليس كمسجد، وإما أن يقام مسجد مكان يسجدون فيه لله تبارك وتعالى. وبالطبع نقول: إن الله تبارك وتعالى ذكر هذا الأمر لماذا؟ لماذا قال (لنتخذن عليهم مسجدا)؟ وهل يجوز أن يبنى المسجد على الأولياء أو على من يعرفون الله معرفة حقيقية؟ بالطبع لا، لكن الله تبارك وتعالى يقصّ علينا مكانة أصحاب الكهف عند أهل المدينة عندما عثروا عليهم، يعني يقصّ علينا مكانتهم عندهم، وهم أرادوا أن يحافظوا على هؤلاء، فمنهم من قال نبني بنيانا، ومنهم من قال نبني مسجدا. فإذا كان في دين النصارى وقتها أن أمر بناء المسجد على الأولياء أو على من هم أقرب إلى الله هذا الأمر جائز عندهم، فقد بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم وبيّنه القرآن، وأن هذا الأمر غير جائز في ديننا. لأن حتى لو قلنا إنه كان في شريعتهم. فإن شريعة من قبلنا شريعة لنا ما لم يرد لها ناسخ، ما لم تُنسخ، يعني لا نأخذ كل شريعتهم بالنسبة لنا لأن هذا الأمر فيه خطورة كما نعلم، وخطورة الناس معروفة في قضية البناء على ما يسمونهم بالأولياء. ولذلك قيل إن رجلا كان لا يملك في الدنيا إلا حمارا يذهب فيجمع عليه الحطب ليبيعه ويعيش منه هو وأولاده، ولا يملك في الدنيا شيئا سوى هذا الحمار يذهب به صباحا ويجمع الحطب ثم يأتي ليبيعه، وهذا هو مصدر رزقه و مصدر حياته، هو وأولاده. فذات صباح وجد الحمار قد مات، فلما وجد الحمار قد مات أدرك الرجل أنه لن يستطيع أن يحضر رزقه ولا رزق أولاده إلى آخره. فهو نظرا لمكانة الحمار عنده تراءى له أن يحفر له حفرة أمام البيت ويدفنه فيها. وفعل ذلك، ثم فكر ثانية في أن يقيم سورا حول هذا المكان حتى يعرف الناس المكان الذي دفن فيه الحمار فيعلمون ذلك فيمتنعون عن السير فوقه. المهم أنه لما بنى السور فالناس عندما رأته بنى السور هكذا لا يدري هو من الذي أطلق هذه الشائعة أن في هذا المكان، وليّ، وهذا الولي يعرف كذا وكذا. ومن كان عنده مرض كذا فليذهب إلى هذا الولي، ومن كان ومن كان، وانقلب الناس عليه من كل حدب وصوب، والناس يدفعون الكثير من الأموال، والكثير من الأطعمة ومن الأشربة إكراما للشيخ. 
انتبهوا: لأن في هذه القصة فائدة غير قضية أن الناس تجري وراء ذلك، وأن هذا شرك، فهذا كلام يعني لا غبار عليه ولا نتكلم فيه، معروف، لكن من الذي يعلم جيدا أن الذي في هذا الضريح حمار؟ من اللي يعرف جيدا هذا الأمر؟ لكن هل يستطيع أن يعلن ذلك؟ يعني هل يستطيع أن يقول للناس إن المدفون في هذا المكان حمار؟ والمنفعة، والمنفعة التي جاءته من وراء هذا الحمار، لقد أصبح من أغنياء القوم. ولذلك دائما نجد أصحاب المنافع يدافعون عن مصدر منفعتهم حتى لو كان الأمر مخالفا لدين الله ولشرع الله، لأنه صاحب منفعة. هو لو كان ينظر إلى الحلال والحرام من البداية كان قد قبِل ذلك من الناس؟ وإلا كان أول ما جاء الناس ويظنون أن في هذا المكان وليّ أما كان يقول لهم هذا حمار؟ هو لم يقل، سكت لأنه وجد ما قد أتاه من أموال ومن ذهب، ومن...الخ فوجد أمورا كثيرة. فهكذا الناس يجرون وراء هذا الأمر. الشاهد ليس ارتباطها بقصة أصحاب الكهف، إنما ارتباطها بأن ديننا حرّم هذا لأنه لا ينبغي أن يُعبد إلا الله تبارك وتعالى في هذا الكون، والناس عندما يرون ذلك، الناس لا يستطيع أحد أن يصدهم. 
تعلمون أن المسلمين في حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم لا يوصف، ولذلك كان هناك مبنى أمام الحرم المكي الشريف، أمام باب السلام بعد الساحة هو مكتبه الآن، فقيل إن المكتبة هذه مكان البيت الذي ولد فيه النبي صلى عليه وسلم، ما كانوا يستطيعون أن يمنعوا الناس من التبرك بجدران المكتبة، يعني التبرك بجدران المكتبة طب هل النبي صلى الله عليه وسلم عاصر هذه الجدران؟ ما عاصرها، يعني حتى لو كان الكلام صحيحا فلنقف هكذا ونتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم وطئت قدماه مكانا من هذه الأماكن، ما هو في المدينة بالتأكيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ربما والإنسان يسير في الحرم النبوي أو الحرم المكي يصادف مكانا وطئت فيه قدم النبي صلى الله عليه وسلم هذا المكان. فالآن المهم أن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، والقرآن الكريم، يعني القرآن الكريم في قوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا) فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية ذات مرة وكان موجودا عدي ابن حاتم، وعدي كان نصرانيا قبل أن يسلم، فعدي قال: يا رسول الله هم لم يعبدوهم، لم يعبدوا الأحبار أو الرهبان، فقال (إنما هم أطاعوهم) يعني أطاعوهم فيما يقولون، فسمى الله مجرد طاعتهم كأنهم عبدوهم واتخذوهم أربابا من دون الله إلى آخر الآية الكريمة. إذن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة تحدث عن قضية اتخاذ القبور مساجد وبناء المسجد فوق القبر وخطورة ذلك، فروى الصحيحان عن عائشة أم المؤمنين وعبد الله بن عباس قالا: (لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفاها عن وجهه، فقال وهو كذلك يعني - وهو كاشف الخميصة عن وجهه - لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) فهو يحذر ما صنعوا بأوليائهم وما فعلوه. وطبعا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم هو ما ينطق عن الهوى، وهي تدل على أن النصارى فعلا كانوا يفعلون ذلك، واليهود كذلك. هذا قوله (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا). 
انتقل بنا القرآن الكريم ليبين ما سيقوله أهل الكتاب في عدد أصحاب الكهف فبدأ بقوله تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب) ذم الله تبارك وتعالى هذين القولين بقوله (رجما بالغيب) ما معنى رجما بالغيب؟
 الرجم: أصله الرمي بحجر ، ثم نُقل هذا الاستعمال لمن يرمي الكلام من غير روية ولا تثبت، فكل من يتكلم كلمة من غير روية ولا تثبت فهو رجم بالغيب. يعني يشبه الله تبارك وتعالى الذي يتكلم كلاما دون روية ولا تثبت. يشبهه بأنه رجم إنسانا بحجر، رجم شيئا ما بحجر، طب هل هو رجم بحجر؟ هو لم يرجم بحجر، فلماذا سماه رجما؟ ولم يقل ظنا؟ إشارة إلى أن هذا الأمر الذي يتكلم فيه وخاصة إذا كان يتكلم كلاما دون روية، أو تثبت، وهذا الكلام يطلق أيضا على كل من يرمي أخاه أو أخته بكلام وهو لا يدري عن هذا الكلام شيئا، وخاصة من يتكلمون بالكلام العام. ونحن وللأسف نسير وراءهم في هذا الكلام الذي لا أصل له. فالله تبارك وتعالى عندما رمى هذين القولين وذمهم وقال هذان القولان (رجما بالغيب) إذا أبطل الله تبارك وتعالى هذين القولين. 
فبقي القول الثالث (ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) لماذا أتى هنا بالواو في قوله (وثامنهم)؟ في الأقوال السابقة قال: (ثلاثة رابعهم كلبهم) (خمسة سادسهم كلبهم) لكن هنا قال (سبعة وثامنهم كلبهم). 
عندنا من أول (سيقولون ثلاثة) (ثلاثة) خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هم) يعني: سيقولون هم ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقولون هم خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب، ويقولون هم سبعة وثامنهم كلبهم. يعني العدد هنا لأن (سيقولون) جملة تحتاج إلى مقول القول، ومقول القول لا بد أن يكون جملة تامة (ثلاثة رابعهم كلبهم) ثلاثة خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هم ثلاثة رابعهم كلبهم، وكذلك في قوله (ويقولون سبعة) على تقدير :هم سبعة وثامنهم كلبهم. طيب على ذلك ما موقع الواو؟ وعلام تدل؟
العلماء في الواو هذه على فريقين رئيسان: 
القول الأول: أن جملة (وثامنهم كلبهم) صفة للموصوف الذي هو (سبعة) لكن هنا إشكال: أن قوله (سبعة) نكرة والجملة بعد النكرة تكون صفة. إذا ها هنا في قوله (وثامنهم كلبهم) الجملة هنا صفة للموصوف الذي هو (سبعة)، كما تدخل على الجملة الحالية إذا كان قبلها معرفة، يعني الواو تدخل على الجملة الحالية إذا كان قبلها معرفة، يعني ممكن أقول: رأيت الرجل وهو يقرأ القرآن، فتكون جملة: وهو يقرأ القرآن جملة حالية. فهم قاسوا الواو التي دخلت على جملة الصفة هاهنا بالواو التي دخلت على الجملة الحالية. 
 طيب ما فائدة الصفة؟ يقولون هي هنا تؤكد ثبوت الصفة للموصوف، يعني أن العدد هم سبعة وثامنهم كلبهم فعلا، وأن هذا العدد ثابت ومستقر.
 القول الثاني: يقولون لا، في قوله تبارك وتعالى (ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) عليها احتجاج كبير باعتبار أن الجملة التي وقعت صفة لا تدخل عليها الواو في الأصل، فإذا كانت الواو قد دخلت عليها فهي ليست جملة صفة. طيب وعلام تدل؟ قالوا هذه تكون دخلت على جملة حالية يعني (وثامنهم كلبهم) حال. طيب الحال قبله نكرة، والجملة الحالية ينبغي أن يكون قبلها معرفة؟ فقالوا الحال هنا من المبتدأ المحذوف الذي هو: هم سبعة، على اعتبار أن (هم) سيكون معرفة لأنه ضمير، سيكون الحال من المبتدأ المحذوف: هم سبعة. 
أو لا مانع من أن تكون الجملة الحالية حال من (سبعة) حتى لو كانت نكرة لأن من المعلوم أن الجملة تأتي حالا من النكرة وهذا من مواضع جواز ذلك. يعني إذا في قوله (ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) 
● اذا كانت صفة فهي تؤكد ثبوت الصفة للموصوف..
● واذا كانت حالا - يعني جملة حالية - فهي تبين أن الحال أنهم سبعة وثامنهم كلبهم)
 لأن من مسوغات مجيء الحال من النكرة عندما يقترن بالواو، فعندما تقترن الجملة الحالية بالواو لا مانع من أن تكون من نكرة حتى لو لم نقل أنها من الضمير (هم). إذن على هذين القولين يكون العدد بالنسبة لأصحاب الكهف أنهم سبعة وثامنهم كلبهم لكن ليس على سبيل الجزم. لكنه هو الأرجح، الأرجح نظرا لأن الله ذم القولين السابقين  (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب) ولم يذم هذا القول وأتى بالواو في هذا القول لتدل على أنها دخلت على جملة حالية، أو دخلت على جملة هي صفة، فتُبين أن العدد سبعة وثامنهم كلبهم. 
وقول الله (قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل) معنى ذلك أنكم لا تفكروا ولا تحاولوا أن تبحثوا عن عدد أصحاب الكهف، لماذا؟ لأن هذا من العلم الذي لا ينفع، ومن الجهل الذي لا يضر. 
 الله تبارك وتعالى عندما يقص علينا القصص يريد منا أن نعتبر وأن نثبت فؤادنا كما ذكر الله في كتابه الكريم ونأخذ العبرة من هذا القصص، والله تبارك وتعالى لم يذكر أسماء في القصص، بل يخفي دائما الأسماء، ويخفي دائما وغالبا الأعداد، يعني عندما قال الله ضرب الله مثلا (للذين كفروا امرأة نوح وامرأة الوط) لم يسم الله امرأة نوح، ولم يسم امرأة لوط، ثم أشار إلى ما فعلتا (كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما) خلاص. 
 أيضا عندما ضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون لم يسمها وإنما ذكر قولها (إذ قالت ربي ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين) طيب، عندما أتى إلى مريم ذكر اسمها وذكر اسم أبيها (ومريم بنت عمران) لأن في ذكر اسمها وفي ذكر اسم أبيها فائدة وعبرة، لأن الله تبارك وتعالى أجرى كمال قدرته على هذه السيدة فقد أنجبت عيسى بلا أب و دون أن يمسها بشر، فسماها. إذا (ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) صحيح هو أرجح الأقوال لكن هل نجزم بذلك؟ لا، لا نجزم بذلك لأن الجزم بذلك لن يفيدنا في شيء. ماذا سيفيدنا أن نعرف عدد أصحاب الكهف؟ أو لا نعرف ماذا يضرنا؟ لا ينفع ولا يضر، والله قال (قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل). نعم ابن عباس قال أنا من القليل، وأظن علي ابن أبي طالب قال وأنا من القليل.
ثم قال الله بعد ذلك (فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا) ما المراء؟ المراء: قيل إنه نوع من الجدال، لكن هناك فرق دقيق بين المراء وبين الجدال. سنعمل مقارنة بين الحوار والجدل والمراء. 
الحوار: مراجعة الكلام بين طرفين. يعني أجري حوارا معك فأنت تقول وأنا أقول ويكون الغرض من الحوار الوصول إلى الحق والصواب. إذا لم يكن هناك غرض في الحوار للوصول إلى الحق والصواب فلا يكون حوار. يعني إذا أراد كل واحد الانتصار لنفسه فهذا ليس بحوار.
الجدل: أن يدفع المرء الخصم - الخصم الذي يكلمه - عن إفساد قوله بحجة أو بشبهة. يعني واحد يقول قولا وأنا أجادله حتى ألزمه بأن يتراجع عن قوله بدليل أنا قدمته له.
لكن الجدال في الغالب يكون مذموما لأنه يكون جدالا بالباطل، إنما لو كان جدالا بالحق، واحد ينصر مذهبا أو عقيدة وأنا أناقشه بطريقة عقلية حتى اثبت بالحجة وبالدليل فساد ما ذهب إليه فيُسلم لي. هذا الجدال المعروف، وبالطبع لكي أجعله يتراجع عن قوله قد يكون في الكلام شدة، قد يكون في الكلام، رفع صوت ولو قليل. لكن هو منهي عنه لماذا؟ منهي عنه لأن الغالب من استعمال الناس أنهم يجادلون بالباطل، فالجدال مذموم ويؤدي إلى عداوة وإلى خصومة. يعني الجدال بالباطل هو المشكلة، والجدال للانتصار للنفس هو المشكلة. إنما لو كان جدالا بحق أنت صاحب قول، وأنا صاحب قول، ومعي حجتي، ومعي أدلتي وأنت معك حجتك ومعك أدلتك، فأنا أجادلك بحججي وبأدلتي، حتى ألزمك بالرجوع عن قولك. لكن التطبيق فيه مشكلة بين الناس لأن الناس ترغب دائما في الانتصار للحق والانتصار للذات، وإذا بدأ الإنسان في الانتصار لذاته وصلنا إلى البطلان. هذا الجدال وهذا الحوار. ولذلك ذهب بعض العلماء إلى أن الجدال والحوار شيء واحد واستدلوا بقوله تبارك وتعالى (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما) فيقولون الموضوع واحد وذكر الله الجدال وذكر الحوار فمعنى ذلك أن الحوار والجدال شيء واحد. لكن نقول لا، الآية واضحة في التفرقة بينهما، والله تبارك وتعالى أسند الحوار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى المرأة التي هي خولة، والله يسمع تحاوركما، يعني كان الحوار من الجانبين، المراجعة في الكلام كانت من الجانبين لكنها كانت يعني تشتدّ في الأسلوب أحيانا وتحاول أن تثبت وتبرهن على أن عودتها للحياة أولى وأفضل لمصلحة الأولاد، لأنها تقول إن الأولاد إذا ضممتهم إليه ضاعوا، وإذا ضمنتهم إليّ جاعوا، يعني إذا ضممتهم إليّ لأربيهم سيجوعون لأني لا أملك ما أطعمهم به، وإذا ضممتهم إلى أبيهم ضاعوا في التربية لأنه لن يكون عنده وقت لتربيتهم، سيأكلون ويشربون لكنهم سيضيعون، فهذا الجدال ذكره الله تبارك وتعالى أنه من جانبها فقط (قد سمع الله قول التي تجادلك) لم يُسند الله الجدال للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر أن النبي بادلها الجدال، إنما بادلها الحوار، كانت إذا هدأت في الحوار يتحاور معها وكان يقول ما أراك إلا بنتي منه. 
أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقني وإياكم الفهم والتدبر والتطبيق العملي، وأن يبارك الله لي ولكم في وقتنا ووقتكم. ونحن متوقفون عند الحوار والجدال والمراء، يعني سنعقد مقارنة بين الثلاثة مرة أخرى في المحاضرة القادمة بحول الله وقوته.
--------------------
اقرأ المزيد...

الدرس الرابع عشر/ من قوله: كذلك أثنى الله على الشكر وذكر ثواب الشاكرين

من قوله: كذلك أثنى الله على الشكر وذكر ثواب الشاكرين


الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات أما بعد: 
📖 فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله "وكذلك أثنى الله تعالى على الشكر وذكر ثواب الشاكرين، وأخبر أنهم أرفع الخلق في الدنيا والآخرة، وحقيقة الشكر هو الاعتراف بجميع نعم الله والثناء على الله بها والاستعانة بها على طاعة المُنعم"
🎤بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .. اللهم علمنا ما ينفعنا ورفعنا بما علمتنا وزدنا علما وأصلح لنا إلى هنا شأننا كله ولا تكن إلى أنفسنا طرفة عين أما بعد: لا يزال المصنف رحمه الله تعالى يذكر هذه الألفاظ الشرعية التي يكثر ورودها في القرآن مبينا أو مشيرا إلى أهميتها وعظيم مكانتها لأمر الله جل وعلا بها، وثنائه على أهلها وبيانه ما أعده لهم من عظيم الثواب وجزيل الأجر، ومن جهة أخرى يبين معاني هذه الألفاظ الشرعية والمقصود بها.
 ذكر هنا رحمه الله تعالى الشكر، وهي من العبوديات العظيمة والقُرب التي يحبها الله، فالله يحب الشاكرين سبحانه وتعالى ويثني عليهم كما قال الشيخ "وكذلك أثنى الله على الشاكرين" (إنه كان عبدا شكورا) قال "أثنى على الشاكرين وذكر ثواب الشاكرين" (وسنجزي الشاكرين) يقول الله جل علا، ويقول (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم) فالشكر موجب لمزيد العطاء، شكر المنعم على النعمة موجب لمزيد العطاء ومزيد الفضل (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)، قال "وأخبر أنهم أرفع الخلق" أي الشاكرين في الدنيا والآخرة، وأخبر أنهم أرفع الخلق. ومما يدل على ذلك ما ذكره الله عز وجل من صفات إمام الحنفاء إبراهيم الخليل (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يكن من المشركين* شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم* وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين) فالشاكرون لله عز وجل وقدوتهم وأسوتهم الأنبياء هم في أعلى الرتب وأرفع المنازل، فهم أرفع الخلق في الدنيا والآخرة.
 ثم بين رحمه الله تعالى حقيقة الشكر قال هو: الاعتراف بجميع نعم الله عز وجل والثناء على الله بها، والاستعانة بها على طاعة المنعم. لو تتأمل هذا التعريف تجد أنه يتناول ما يكون في القلب واللسان والجوارح، ولهذا العلماء قالوا: الشكر بالقلب وباللسان وبالجوارح.
الشكر بالقلب بالاعتراف بالنعمة وأن هذه فضل الله ومنته. وباللسان ثناء على المُنعم وحمدا له سبحانه وتعالى. وبالجوارح استعمالا للنعمة في طاعة المُنعم، لأنه ليس من شكر المنعم أن تستعمل نعمته فيما يُسخطه قال تعالى (اعملوا آل داوود شكرا) فالعمل بطاعة المنعم باستعمال النعم في طاعة المُنعم هذا من شكر النعمة، فحقيقة الشكر الاعتراف بجميع نعم الله هذا بالقلب، والثناء على على الله بها هذا باللسان، والاستعانة بها على طاعة المنعم هذا بالجوارح.

📖 قال رحمه الله: " وذكر الله عز وجل الخوف والخشية في مواضع كثيرة أمر به، وأثنى على أهله، وذكر ثوابهم، وأنهم المنتفعون بالآيات، التاركون للمحرمات، وحقيقة الخوف والخشية أن يخاف العبد مقامه بين يدي الله، ومقامه عليه، فينهى نفسه بهذا الخوف عن كل ما حرم الله".
🎙قال رحمه الله تعالى: "وذكر الله الخوف" أي من الله جل وعلا، "والخشية" منه أيضا جل وعلا في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، ذكره آمرا به جل وعلا ومثنيا على أهله قال جل وعلا (فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) وقال (فلا تخشوا الناس واخشون) (فلا تخشوهم واخشون) قال خافون، أخشون، هذا كله أمر بالخوف، أمر بالخشية، أمر بخوف الله عز وجل وأمر بخشيته، وأيضا أثنى على أهل الخشية مثل ثنائه على العلماء قال (إنما يخشى الله من عباده العلماء) وذكر ثوابهم عنده سبحانه وتعالى (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير) وذكر سبحانه وتعالى أنهم هم المنتفعون بالآيات التاركون للمحرمات، اقرأ في سورة المؤمنون لما ذكر جل وعلا صفات المؤمنين الكُمل قال (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون* والذين هم بآيات ربهم يؤمنون* والذين هم بربهم لا يشركون* والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون*  أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) مثل أيضا قوله في سورة الرعد (والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب* والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرؤون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار* جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقب الدار) نعم.
🎤 قال وحقيقة الخوف والخشية أن يخاف العبد مقامه بين يدي الله، ومقامه عليه فينهى نفسه بهذا الخوف عن كل ما حرم الله سبحانه وتعالى. وهذه حقيقة الخوف الخوف من الله، والفرق بين الخوف والخشية أن الخشية: خوف مع هيبة وتعظيم، خوف مع هيبة وتعظيم (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون) (إنما يخشى الله من عباده العلماء) قال "فينهى نفسه بهذا الخوف عن كل ما حرم الله" (ولمن خاف مقام ربه جنتان)، (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوى) نعم. قال "فينهى نفسه بهذا الخوف (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوى) نعم.

📖 قال رحمه الله: "والرجاء أن يرجو العبد رحمة الله العامة ورحمته الخاصة به، فيرجو قبول ما تفضل الله عليه به من الطاعات، وغفران ما تاب منه من الزلات، ويعلق رجاءه بربه في كل حالة من أحواله".
🎤قال رحمه الله تعالى: "والرجاء" والرجاء أيضا كذلك أمر الله سبحانه وتعالى به وحث عليه، وأثنى على الذين يرجون رحمة الله سبحانه وتعالى (أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم) وفي الدعاء (وأدخلني برحمتك) وقال (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه) وقال يدعوننا رغبا ورهبا) رغبا ورهبا، يدعوننا دعاء جمعوا فيه بين الرجاء والخوف.
 قال: "والرجاء أن يرجو العبد رحمة الله" أن يرجو العبد رحمة الله العامة ورحمته الخاصة، الرحمة العامة هي التي يكون بها حصول النعم لعموم الخلق، ودفع الشرور والنجاة من المهلكات الدنيوية، والتوسيع في الرزق، وأشياء من هذا هذه رحمة عامة. 
والرحمة الخاصة أي الرحمة الخاصة بالمؤمنين، وهذه التي تدخل في قوله (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) (قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين) أي الرحمة الخاصة بعباد الله عز وجل وأوليائه المتقين.
قال: "والرجاء أن يرجو العبد رحمة الله العامة ورحمته الخاصة به فيرجو قبول ما تفضل الله عليه به من الطاعات وغفران ما تاب منه من الزلات، ويعلق رجاءه بربه في كل حال من أحواله"
المعنى أن المؤمن يقدم ما يقدم من طاعة، ويفعل ما يفعل من عبادة وأيضا يتجنب المنهي والمحظور وما حرم الله جل وعلا لأنه يرجو بذلك الشيء عند الله رجاء رحمة الله، يفعل ذلك يرجو رحمة الله، يرجو ما عند الله سبحانه وتعالى (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة) أي يقدمون هذه الطاعات والقرب ويبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه) نعم.

📖 قال رحمه الله: "وذكر الله تعالى الإنابة في مواضع كثيرة وأثنى على المنيبين، وأمر بالإنابة إليه، وحقيقة الإنابة انجذاب القلب إلى الله تعالى في كل حالة من أحواله، ينيب إلى ربه عند النعماء بشكره، وعند الضراء بالتضرع إليه، وعند مطالب النفوس الكثيرة بكثرة دعائه في جميع مهماته، وينيب إلى ربه باللهج بذكره في كل وقت، والإنابة أيضا الرجوع إلى الله بالتوبة من جميع المعاصي، والرجوع إليه في جميع أعماله وأقواله، فيعرضها على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فتكون الأعمال والأقوال موزونة بميزان الشرع."
🎤قال رحمه الله تعالى: "وذكر الله عز وجل الإنابة في مواضع كثيرة وأثنى على المنيبين" (والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد) فالله جل وعلا أثنى على المنيبين، وأمر بالإنابة (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له)، (منيبين إليه واتقوه)، والآيات في هذا المعنى كثيرة. قال حقيقة الإنابة: انجذاب القلب إلى الله في كل حالة من الأحوال، ينيب إلى ربه عند النعماء بشكره، وعند الضراء بالتضرع إليه، وعند مطالب النفوس الكثيرة بكثرة دعائه في جميع مهماته، وينيب إلى ربه باللهج بذكره في كل وقت، وهذا يفيد أن معنى الإنابة واسع ويدخل في باب الطاعات والعبادات، والقربات، ويدخل في باب تجنب المنهيات وما يسخط الله، ويدخل في باب الدعاء والطلب والسؤال، ويدخل في باب النعم والشكر للمنعم سبحانه وتعالى. قال: "والإنابة أيضا الرجوع إلى الله بالتوبة من جميع المعاصي، والرجوع إليه في جميع أعماله وأقواله، فيعرضها على كتاب له وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فتكون الأعمال والأقوال موزونة بميزان الشرع. الإنابة هي الرجوع والإقبال، رجوع من العبد إلى ربه، وإقبال على ما يقرب ما يقرب إلى الله جل وعلا.

📖 قال رحمه الله: "أمر الله تعالى بالإخلاص وأثنى على المخلصين، وأخبر أنه لا يقبل إلا العمل الخالص، وحقيقة الإخلاص أن يقصد العامل بعمله وجه الله وحده وثوابه، وضده الرياء، والعمل للأغراض النفسية".
🎤قال رحمه الله تعالى: "وأمر الله سبحانه وتعالى بالإخلاص" أمر الله عز وجل بالإخلاص (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) أمر بالإخلاص لله عز وجل، وقال (فادعوه مخلصين له الدين)، وأثنى على المخلصين في مواطن عديدة مثل قوله (إلا عباد الله المخلصين)، (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلَصين) في قراءة (المخلِصين) الجمع بين القراءتين يُثمر أن الإخلاص هو الخلاص، هو النجاة (كذلك، لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلَصين) في قراءة المخلِصين، المخلصين لله عز وجل، والمخلَصين الذين أخلصهم الله عز وجل واصطفاهم واجتباهم.
 قال "أمر الله جل وعلا بالإخلاص وأثنى على المخلصين وأخبر أنه لا يقبل إلا العمل الخالص" (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا) وأما سواهم فعملهم غير مقبول، لهذا جاء في السنة عن نبينا عليه الصلاة والسلام أن الله جل وعلا قال (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) قال رحمه الله تعالى: "حقيقة الإخلاص أن يقصد العامل بعمله وجه الله وحده" أن يقصد العامل بعمله وجه الله وحدة وثوابه، وضده الرياء والعمل للأغراض النفسية.
 الإخلاص هو: أن يراد بالعمل وجه الله، أن يؤتى بالعمل صافيا، نقيا، لا يراد به إلا الله. هذا هو الإخلاص، لأن الخالص هو الصافي النقي (ألا لله الدين الخالص) الآن الدين الخالص هو الصافي النقي. 
ما معنى (لله الدين الخالص)؟ أي الدين الصافي النقي الذي ليس فيه شوائب رياء أو السمعة، أو إرادة الدنيا بالعمل، أو نحو ذلك من الخوارم والقوادح في النية. فالخالص هو الصافي الذي لم يرد به إلا وجه الله. ويوضح معنى الخالص لغة قول الله عز وجل في سورة النحل (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبن خالصا سائغا للشاربين) خالصا أي صافيا نقيا يخرج من بين فرث دم؟ على هذه الصفة خالص، أي صافي نقي لا ترى في نقطة دم، ولا ترى فيه قطعة فرث صافي، هذا الخالص، الخالص هو الصافي النقي (ألا لله الدين الخالص) أي الدين الصافي النقي، بمعنى أن العمل كله بتمامه لا يُبتغى به إلا الله جل وعلا، لأن الله عز وجل لا يقبل العمل الذي يجعل معه فيه شركاء. العمل الذي جعل فيه مع الله الشركاء يرد على العامل، (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه". نعم.

📖 قال رحمه الله: "نهى الله تعالى عن التكبر وذم الكبر والمتكبرين، وأخبر عن عقوباتهم العاجلة والآجلة والتكبر هو رد الحق، واحتقار الخلق، وضد ذلك التواضع فقد أمر به، وأثنى على أهله، وذكر ثوابهم، فهو قبول الحق ممن قاله، وألا يحتقر الخلق، بل يرى فضلهم، ويحب لهم ما يحب لنفسه."
🎤قال رحمه الله تعالى: "ونهى الله سبحانه وتعالى عنا التكبر وذم الكبر وذم المتكبرين"
 قال جل وعلا (ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا) (ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور) ، وقال (إنه لا يحب المستكبرين) فنهى عن التكبر جل وعلا وذم الكِبر والمتكبرين، وأخبر عن عقوباتهم العاجلة والآجلة (وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين)، (وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب) وذكر العقوبات العاجلة والآجلة في مثل قوله (كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) هذه عقوبة عاجلة، وقال (ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين) هذه العقوبة التي في اليوم الآخر، قال الشيخ رحمه الله تعالى:
 والتكبر هو: رد الحق واحتقار الخلق، وهذا مأخوذ من الحديث، النبي عليه الصلاة والسلام بهذا عرف التكبر لما سأله بعض الصحابة إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسن، ونعله حسن أذلك من الكبر؟ قال: لا، الكبر بطر الحق، وغمط الناس) هذا هو الكبر، بطر الحق: أي رده، مثل ما قال الشيخ، وغمط الناس احتقارهم كما قال الشيخ.
هنا الكبر يجمع بين سوأتين: 
الأولى: رد الحق لأن نفسه متكبرة فإذا جاء الحق بنوره وضيائه وبراهينه  ودلائله نفسه المتكبرة ما تقبله وكلما اشتد التكبر في النفس عظُم الرد للحق لأن النفس متكبرة، وأيضا النفس المتكبرة من جهة أخرى تزدري الآخرين، تحتقرهم و ترى نفسها أعلى ما يكون، فالتكبر يجمع بين هاتين السوأتين رد الحق واحتقار الخلق، مثل ما قال عليه الصلاة والسلام (بطر الحق وغمط الناس) بطر الحق رده، وغمط الناس احتقارهم وازدرائهم.
قال: وضد ذلك التواضع، فقد أمر الله سبحانه وتعالى به في مثل قوله (واخفض لهما جناح الذل) (واخفض جناحك للمؤمنين) (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) وأثنى على أهله، أهل التواضع (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا)، (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون) وذكر ثوابهم في قوله (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) هذه الآية ذكرها بعد قصة قارون وعلوه في الأرض وإعجابه بنفسه وماله، لما ذكر الله عز وجل صفات عباد الرحمن ومنها (الذين يمشون على الأرض هونا) ختم السياق هذا كله بقوله (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما* خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما* قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم)
 قال الشيخ رحمه الله تعالى: "وضد ذلك التواضع فقد أمر به وأثنى على أهله وذكر ثوابهم، فهو أي التواضع قبول الحق ممن قاله وألا يحتقر الخلق، بل لا يرى فضلهم، ويحب لهم ما يحب لنفسهم مثل ما قال عليه الصلاة والسلام (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) أي ما يحب لنفسه من الخير. نعم.

📖 قال رحمه الله: "العدل هو أداء حقوق الله تعالى وحقوق العباد، والظلم عكسه، فهو يشمل ظلم العبد لنفسه بالمعاصي والشرك، وظلم العباد في دمائهم وأموالهم وأعراضهم".
🎤قال رحمه الله تعالى: "العدل" والعدل أمر الله به، الظلم الذي هو ضد العدل نهى الله عنه، قال الله جل وعلا (إن الله يأمر بالعدل) فالله عز وجل أمر بالعدل، أمر عباده بالعدل، والعدل هو: أداء حقوق الله و حقوق العباد، أداء حقوق الله من لم يؤدِ حقوق الله واقع في ضد العدل الذي هو الظلم (والكافرون هم الظالمون) ، (إن الشرك لظلم عظيم) الذي لا يؤدي حقوق الله هذا ظالم مفارق للعدل، بعيد عن العدل، والذي لا يؤدي حقوق العباد الواجبة، أو لا يكف أذاه عنهم هذا أيضا ظالم. فالعدل يتعلق بعبادة الخالق، ومعاملة الخلق، والظلم كذلك يتعلق بعبادة الخالق، وبمعاملة الخلق، قال: "العدل هو أداء حقوق الله وحقوق العباد والظلم عكسه" فهو يشمل ظلم العبد لنفسه بالمعاصي والشرك، وظلم العباد في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، ظلم العبد لنفسه بالمعاصي مثل قوله تعالى (ومنهم ظالم لنفسه) هنا المراد بالظالم نفسه المعاصي، الظلم هنا يراد به المعاصي، ويطلق الظلم في القرآن ويراد به الظلم الأكبر الذي هو الشرك (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور* وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير* فذوقوا فما للظالمين من نصير) هذه في نفس السياق قبلها قال (ومنهم ظالم لنفسه) ذاك نوع، وهذا نوع في صفحة واحدة من سورة فاطر، هذا نوع وهذا نوع، الأول منهم ظالم لنفسه بالمعصية، ماذا قال بعدها في الظلم في المعصية؟ قال (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير* جنات عدن يدخلونها) الواو ترجع للثلاثة حتى الظالم نفسه، لكن المقتصد والسابق بالخيرات دخولهم للجنة دخولا أوليا، والظالم لنفسه دخوله للجنة من بعد المحاسبة، أما الظالم لنفسه ظلم الكفر جاء بعدها بآيات (والذين كفروا لهم نار جهنم) الظالم لنفسه ظلم الكفر ليس له في الدار الآخرة إلا النار مخلدا فيها أبد الآباد (لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها) قال: "فهو يشمل ظلم العبد لنفسه بالمعاصي والشرك، وظلم العباد" وعليه فإن الظلم ثلاثة أنواع كلها ذكرها الشيخ الظلم ثلاثة أنواع، وجاء في حديث يروى عن نبينا عليه الصلاة والسلام (دواوين الظلم ثلاثة - أي ثلاث أنواع-  دواوين الظلم ثلاثة ديوان لا يغفره الله الذي هو الشرك، و ديوان لا يعبأ الله به وهو ظلم الإنسان لنفسه، لأنه تحت المشيئة، وديوان لا يتركه الله الذي هو ظلم العباد) لا يتركه الله حتى يقتص للمظلوم من ظالمه. فأنواع الظلم ثلاثة كلها ذكرها الشيخ هنا:
الأول: المعاصي، هذا واحد.
والشرك هذا الثاني.
 وظلم العباد هذا الثالث. 
وظلم العباد يدور حول هذه الثلاث: إما الدماء أو الأموال أو الأعراض، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم) هي هذه الدماء والأموال والأعراض، هذا قاله في حجة الوداع، وفي حجة الوداع أيضا قال (ألا إنما هن أربع - يعني أكبر الكبائر وأعظم من الموبقات - ألا إنما هن أربع لا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تسرقوا) ،  (لا تقتلوا) هذا الدماء، (لا تزنوا) الأعراض، (لا تسرقوا) الأموال، (إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم) فظلم العباد إما في الدماء أو الأموال أو الأعراض.نعم
📖 قال رحمه الله: "الصدق هو استواء الظاهر والباطن في الاستقامة على الصراط المستقيم، والكذب بخلاف ذلك".

نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله، هدانا إليه صراطا مستقيما..
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اقرأ المزيد...

الاثنين، 11 نوفمبر 2024

اثنتان وثلاثون مخالفة من اليهود في سورة البقرة

  اثنتان وثلاثون مخالفة من اليهود في أوائل سورة البقرة : 

تناولت السورة إحدى وثلاثون مخالفة من مخالفات اليهود ذُكرت في الجزء الأول منها، ومجمل هذه المخالفات هي:
1- عدم إيمانهم بالتوراة إلا تحت وطأة التهديد برفع الجبل فوقهم قال تعالى : ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيتَقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا اتَيْتَكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ البقرة : ٦٣] وقال سبحانه: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا وَانَيْنَكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا . . [البقرة : ٩٣]، وقال جل شأنه: ﴿وَإِذْ نَنَقْنَا الجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعُ بِهِمْ خُذُوا مَا عَاتَيْنَكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا [الأعراف : ١٧١].

2- صيد السمك في يوم العبادة وقد نُهوا عنه، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَسِنِينَ ﴾ [البقرة: ٦٥]، وقال سبحانه: وَسَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَعَاً وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [الأعراف: ١٦٣].

3- التشدّد والتعنت في ذبح البقرة مع قسوة القلب وعدم الاعتبار بإحياء الموتى: قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَأَذَارَعْتُمْ فِيهَا وَاللهُ يُخْرِجُ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ ءَايَتِهِ، لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كالحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةٌ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَرُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللَّهُ بِغَفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة ] .

4 - تحريفهم لكلام الله تعالى في التوراة، كتغيير عقوبة الزاني المحصن من الرجم إلى الجلد والتشهير به قال تعالى: أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كلام اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة]، وقال سبحانه: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَبَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُم مِّمَّا كَنَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ ﴾ [البقرة ] .

5 - رؤساء اليهود يغيرون أوصاف النبي الله في التوراة، والجُهّال يتبعونهم : قال تعالى: ﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فتح الله عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة ]

6- دعواهم أن النار لن تمسهم إلا أيامًا معدودة هي  التي عبدوا فيها العجل قال تعالى حكاية عنهم : (وَقَالُوا لَن تمسنا النار إلا أنا ما مَعْدُودَةٌ قُلْ أَخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ نَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) [البقرة ] ، وقال سبحانه: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَن تمتنا النَّارُ إلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَيَّهُمْ فِي دِينِهِم يَفْتَرُون ) [آل عمران].

7- عدم التزامهم بمواثيق الخلق والخالق على حد سواء قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَقَ بَنِي إِسْرَاءِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسنا [البقرة: ۸۳] .

8- أربعة أمثلة لنقض اليهود عهودهم، ومن ذلك قتل اليهودي لليهودي المتحالف مع قبيلة أخرى، وإخراج اليهودي المتحالف مع غيره من داره وكل ذلك مخالفة لما ورد في التوراة : قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيتَقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيرِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَهَرُونَ علَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسرَى تُقَدُوهُمْ وَهُوَ تُحَرَّمُ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة).

9- تكذيبهم لرسل الله وقتلهم لهم ، كقتل زكريا ويحيى عليهما السلام: قال تعالى: ﴿أَفَكَلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولُ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا نَقْتُلُونَ [البقرة]، وقال سبحانه: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَمُوسَى لَن نَّصْبرَ عَلَى طَعَام وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَعْلِهَا وَقِثَّابِهَا وَفُومِهَا وَعَدَيهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَ بِالَّذِي هُوَ خير أهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُه البقرة]، وقال جل شأنه: .. قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [البقرة]

10 - كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم و عدم الإيمان به بعد بعثته مع اعترافهم به قبل بعثته : قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَبُ مِنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقُ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عرفوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَفِرِينَ ) [البقرة]، وقال سبحانه: ﴿وَلَمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكتب كِتَبَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [البقرة]

11- التعصب الديني عند اليهود قال تعالى : ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ وَامِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ ﴾ [البقرة : ٩١]

12- عبادتهم للعجل الذهبي قال تعالى : ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُم مُوسَى بِالْبَيِّنَتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَنتُمْ ظَلِمُونَ ﴾ [البقرة]، وقال سبحانه: ﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيهِمْ عِجَلًا جَسَدًا له خوار أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ [الأعراف]، وقال جل شأنه: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيْنَاهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَوَةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ﴾ [الأعراف]، وقال تعالى حكاية عنهم : هو قَالُوا لَن نَبَرَحَ عَلَيْهِ عَكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى [طه]

13 - ترك العمل بما في التوراة وإعلان العصيان : قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْنَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا وَانَيْنَكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إيمَنكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) [البقرة]، وقال سبحانه: ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَسِرِينَ) [البقرة).

14 - دعواهم حق الامتياز على البشر، وأنهم شعب الله المختار : وقال تعالى : قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللهِ خَالِصةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ ) [البقرة]، وقال سبحانه: ﴿قُلْ يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوا الموتَ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ [الجمعة ]

15- شدة حرصهم على الدنيا : قال تعالى: ﴿وَلَتَجِدَتَهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَوةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمِّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِيهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرُّ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة]

16 - عداوتهم لرسول الوحي جبريل - عليه السلام - لأنه ينزل على الأنبياء بالعذاب : قال تعالى : قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَبِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَنلَ فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِلْكَفِرِينَ ) 

17 - نقض اليهود الدائم للعهود والمواثيق، فكلما عاهدوا عهدا نبذة فريق منهم : قال تعالى: ﴿أَوَكُلَّمَا عَهَدُوا عَهْدًا نَبَدَمُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة] . تعلم السحر وتعليمه والعمل به : قال تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَنَ وَمَا كفَرَ سُلَيْمَنُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَرُوتَ وَمَرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تكفر . .) [البقرة : ١٠٢] ١٩ - إساءتهم ومغالطتهم للرسول وتلاعبهم بالمصطلحات : قال تعالى: ﴿يَتأَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا لَا تَقُولُوا رَعِنَا وَقُولُوا أَنظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَالكَفِرِينَ عَذَاب أليم [البقرة ]

18 - تعلم السحر وتعليمه والعمل به : قال تعالى : ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَنُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَرُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ .. [البقرة : ١٠٢]

19- إساءتهم ومغالطتهم للرسول الله وتلاعبهم بالمصطلحات : قال تعالى : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا أَنظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة]

20 - حسدهم للنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم لأن الرسالة قد انتقلت منهم إلى العرب : قال تعالى : الله ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَضُ بِرَحْمَتِهِ، مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [البقرة]

21- تشكيكهم في الإسلام والطعن فيه بسبب قضية النسخ في القرآن: قال تعالى : (مَا نَنسَخ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قدير) [البقرة]، وقال سبحانه: ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا ءَايَة مكان ايه والله أعلمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) [النحل] .

22- الكشف عن نوايا اليهود تجاه المسلمين بتمنيهم كفرهم : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَنِكُمْ كُفَارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا نَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ... [البقرة: ١٠٩]، وقال سبحانه: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءٌ [النساء : ٨٩]، وقال جل شأنه: (وإن يتقفوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَبْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتُهُم بِالسُّوءِ وَرَدُّوا لَو تَكْفُرُونَ ﴾ [الممتحنة ]

23- زعمهم أن الجنة خلقت لهم : وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَرَى تِلْكَ أَمَانِتُهُم قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَدِقينَ ) [البقرة : ]

24- تكذيب كل من اليهود والنصارى للآخر (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَرَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَرَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَبَ ﴾ [البقرة: ١١٣]

25- تخریب مساجد الله وعلى رأسها المسجد الأقصى : قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مِّنَعَ مَسَجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَيْكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَايفين لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة] 

26- قولهم عزيز ابن الله كما قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَنَة [البقرة: ١١٦] وقال جل شأنه: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْر ابْنُ اللَّهِ ﴾ [التوبة : ٣٠]

27- مشابهة اليهود للوثنيين في جرأتهم على الله تعالى وطلبهم رؤيته عيانا : وقال جل شأنه: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَمُوسَى لَن تُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ﴾ [البقرة] وقال سبحانه: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينَا وَايَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَبَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْاَيَتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )

28- محاولتهم إخراج المسلمين من دينهم :قال تعالى : (ولن ترضى عنك اليهود ولا المصرى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَهُمْ ﴾ [البقرة : ١٢]، وقال جل شأنه: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءٌ [النساء : ٨٩]

29 - إعراضهم عن الإيمان بمحمد وهو دعوة إبراهيم عليه السلام (وَمَن يَرْغَبُ عَن ملة إبراهيم إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّلِحِينَ ﴾ [البقرة]

30- دعواهم أن دينهم أفضل الأديان، ونبيهم أفضل الأنبياء، وكتابهم أفضل الكتب : (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَرَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [البقرة]

31- التشكيك في الإسلام بسبب تحويل القبلة : سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَنْهُمْ عَن قِبْلَيْهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة] 

32- كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم مع شدة معرفتهم له  (الَّذِينَ ءَاتَيْنَهُمُ الْكِتَبَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبناء هُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محتويات سور القرآن الكريم

اقرأ المزيد...

السبت، 9 نوفمبر 2024

الدرس الثالث عشر / من قوله: ما نفاه القرآن فإما أن يكون غير موجود…

من قوله: ما نفاه القرآن فإما أن يكون غير موجود


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات أما بعد:
📖 فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "ما نفاه القرآن فإما أن يكون غير موجود، أو أنه موجود ولكنه غير مفيد ولا نافع"
🎤بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وأصلح لنا إلهنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أما بعد:
فلا نزال مع هذه الأصول والكليات من أصول التفسير وكلياته والتي كما ذكر المصنف رحمه الله تعالى لا يستغني عنها المفسر للقرآن الكريم، من هذه الأصول: أن ما نفاه القرآن فإما أن يُنفى لكونه غير موجود، أو أنه يُنفى لكونه غير مفيد ولا نافع، فإذا رأيت نفي في القرآن فإما أن يكون هذا النفي لأن هذا الأمر المنفي غير موجود، وإما أن يكون ينفى لكونه غير نافع، ومن الأمثلة على الأول النفي الذي هو لغير الموجود: قوله (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله) قال (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا)، ومن الأمثلة على الثاني وهو ما هو موجود ينفى وهو موجود لكنه غير نافع ولا مفيد مثل قوله: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم أذان لا يسمعون بها) قال الشيخ رحمه الله تعالى في كلامه على هذه القاعدة في القواعد الحسان "وذلك أن الله خلق الإنسان وركب فيه القوى من السمع والبصر والفؤاد وغيرها ليعرف بها ربه ويقوم بحقه، فهذا هو المقصود منها وبوجود ما خُلقت له تكمل ويكمل صاحبه، وبفقد ذلك يكون وجودها أضرعلى الإنسان من عدمها" ثم قال رحمه الله: "ولهذا كثيرا ما ينفي الله تعالى هذه الأمور الثلاثة عن أصناف الكافرين" فالحاصل أن النفي على نوعين:
/ إما نفي لعدم وجود الشيء لأنه غير موجود
/ أو نفيها لعدم الفائدة وعدم المنفعة. نعم.

📖قال رحمه الله: "الموهوم لا يدفع المعلوم، والمجهول لا يعارض المحقق، وما بعد الحق إلا الضلال."
🎤قال رحمه الله تعالى: "الموهوم لا يدفع المعلوم" يعني لا يدفع الشيء المعلوم الذي ظهرت براهينه وحجته بأوهام أو ظنون أو نحو ذلك، "فالموهوم لا يدفع المعلوم" يعني لا يُدفع معلوم بموهوم بالتوهم، "والمجهول لا يعارض المحقق" الشيء المحقق لا يعارض بأشياء مجهولة، "وما بعد الحق إلا الضلال" وما بعد الحق إلا الضلال. قال الشيخ رحمه الله تعالى: "هذه قاعدة جليلة قد نبه الله عليها في مواضع" يعني جاءت آيات ترشد إلى هذه القاعدة، وذكر رحمه الله تعالى أمثلة: (فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال) قال رحمه الله "منها لما أخبر عن الراسخين في العلم وأن طريقتهم في المتشابهات أنهم يقولون آمنا به كل من عند ربنا فالأمور المحكمة المعلومة يتعين أن يُرد إليها كل أمر مشتبه مظنون" أي لا يكون الأمر العكس، لأن القرآن منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأُخر متشابهات، المتشابه يُرد إلى المحكم فيزول عنه التشابه برده إلى المحكم، الأمور المحكمة المعلومة يتعين أن يُرد إليها الأمر المشتبه أو الأمر المظنون، وقال تعالى في زجر المؤمنين عن مجاراة الشائعات التي يقولها أهل السوء في إخوانهم المؤمنين قال (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين) فأمرهم سبحانه وتعالى بالرجوع إلى ما عُلم من إيمان المؤمنين الذي يدفع السيئات ويعتبروا هذا الأصل المعلوم ولا يعتبروا كلام الخبيثين بما يناقضه ويقدح فيه" وذكر أيضا على ذلك رحمه الله تعالى أمثلة أخرى. نعم.

📖 قال رحمه الله: "ذكر الله تعالى في القرآن الإيمان والعمل الصالح في مواضع كثيرة رتب عليهما من الجزاء العاجل والآجل والأثار الحميدة شيئا كثيرا، فالإيمان هو التصديق الجازم بما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالتصديق به المتضمن لأعمال الجوارح، والعمل الصالح هو القيام بحقوق الله وحقوق عباده."
🎤قال رحمه الله تعالى: "ذكر الله في القرآن الإيمان والعمل الصالح في مواضع كثيرة" الآجري رحمه الله في كتابه الشريعة تتبع هذه الآيات وجمعها فبلغت  خمسين أو أكثر (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن) (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن) في القرآن الكريم آيات كثيرة جُمع فيها بين الإيمان والعمل الصالح ثم ُرتب على وجود هذين الأجور العظيمة والثواب الجزيل والخير العميم في الدنيا والآخرة. يقول رحمه الله "يراد بالإيمان التصديق الجازم بأمر الله ورسوله بالتصديق به المتضمن لأعمال الجوارح، يعني ليس الإيمان تصديقا مجردا بل هو تصديق وإذعان، تصديق وانقياد، قال "والعمل الصالح هو القيام بحقوق الله وحقوق العباد" حقوق الله من صلاة وصيام وصدقه وحج وغير ذلك من الطاعات التي أمر بها، وذكر وقراءة القرآن، وحقوق العباد مثل: حقوق الوالدين، حقوق الأرحام، حقوق الجيران، إلى غير ذلك. فهذه كلها في الشرع تعد أعمال صالحة يثاب عليها فاعلها، فكلما عظُم بره وصلته وأداؤه لهذه الحقوق عظُم أجره، ارتفعت درجته وكثر ثوابه عند الله سبحانه وتعالى. نعم

📖 قال رحمه الله: "وكذلك أمر الله تعالى بالتقوى ومدح المتقين ورتب على التقوى حصول الخيرات وزوال المكروهات، والتقوى الكاملة امتثال أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، واجتناب نهيهما، وتصديق خبرهما، وإذا جمع الله بين التقوى والبر ونحوه كانت التقوى اسما لتوقي جميع المعاصي، والبر اسما لفعل الخيرات، وإذا أُفرد أحدهما دخل فيه الآخر"
🎤 قال في القرآن الكريم آي كثيرة فيها الأمر بالتقوى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) فيها الأمر بالتقوى، وآي كثيرة فيها مدح المتقين (إن الله مع الذين اتقوا) والثناء على المتقين، ورتب على التقوى حصول الخيرات وزوال المكروهات، قال "والتقوى الكاملة امتثال أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم واجتناب نهيهما وتصديق خبرهما" هذا كلام جامع في بيان حقيقة التقوى، حقيقة تقوى الله عز وجل، قد سئل طلق بن حبيب من علماء التابعين رحمه الله عن التقوى قال: "أن تعمل بطاعة الله على نور من الله رجاء ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله مخافة عذاب الله" فالتقوى جمع بين فعل المأمور وترك المنهي، وأيضا جمع بين الرجاء والخوف، رجاء الرحمة وخوف العذاب (يرجون رحمته ويخافون عذابه)، وأيضا مبنية في فعل المأمور وترك المنهي على العلم والبصيرة بدين الله "على نور من الله" فـ "فعل الطاعات" أي وفق ما ورد، وفق ما ورد في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأحيانا يُجمع بين التقوى والبر، أو كذلك التقوى والإيمان، وقال "بين التقوى والبر ونحوه" يعني مثل الجمع بين التقوى والإيمان، كانت التقوى في حال الجمع اسما لتوقي جميع المعاصي، والبر اسما لفعل الخيرات "وإذا أُفرد أحدهما بالذكر تناول المعنيين" يعني إذا أفرد البر بالذكر تناول فعل المأمور وترك المنهي، والتقوى إذا أفردت بالذكر تناولت فعل المأمور وترك المنهي، "وإذا جمع بينهما افترقا" في المعنى صار البر في فعل مأمور، والتقوى في ترك المنهي، وهذا مبني على قاعدة ذكرها أهل العلم وهي: أن من الأسماء ما يكون جامعا لمسميات متعددة عند إفراده وإطلاقه. فإذا قُرن ذلك الاسم بغيره صار دالا على بعض تلك المسميات، الاسم المقرون به دال على باقيها. نعم.

📖 قال رحمه الله: "وذكر الله تعالى الهدى المطلوب في مواضع كثيرة وأثنى على المهتدين وأخبر أن الهدى بيده، وأمرنا بطلبه منه، وبالسعي في كل سبب يحصل الهدى، أو يحصل الهدى وذلك شامل لهداية العلم والعمل، فالمهتدي من عرف الحق وعمل به وضده الغي والضلال، فمن عرف الحق ولم يعمل به فهو الغاوي، ومن جهل الحق فهو الضال".
🎤قال: "وذكر الله الهدى في مواضع كثيرة وأثنى على عباده" وأخبر أن كتابه القرآن هو كتاب الهداية يهدي للتي هي أقوم، وأخبر أيضا جل وعلا أن الهداية بيده يهدي من يشاء ويضل من يشاء (أفمن زين له سوء عمله فرأه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء) (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) فالهداية بيد الله ولهذا أمرنا الله عز وجل بسؤاله الهداية، بل ليس في الدعوات المأثورة المشروعة المأمور بها دعوة أفترضت على العباد يوميا سبعة عشر مرة، إلا هذه الدعوة، سؤال الله الهداية في فاتحة الكتاب (إهدنا الصراط المستقيم) هذه فرضا لازما واجبا في اليوم سبعة عشر مرة تسأل الله الهداية.. أمرنا سبحانه وتعالى طلب الهداية منه، وأيضا، بذل السبب، يعني يدعو سائلا الله عز وجل الهداية، ويبذل السبب في سلوك طريق الهداية كما قال الله جل وعلا (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) ما هي الهداية؟ قال تشمل العلم والعمل، الهداية للعلم والهداية للعمل (إهدنا الصراط المستقيم) هذا يتناول العلم النافع والعمل به لأنه بعدها قال (غير المغضوب عليهم) عندهم علم يعملون به، (ولا الضالين) يعملون بدون علم، فالهداية هي العلم والعمل، العلم النافع والعمل الصالح. قال "فالمهتدي من عرف الحق وعمل به" من عرف الحق ولم يعمل به كان فيه شبه من اليهود الذين غضب الله عليهم (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها) أي لم يعملوا بها، هذا مثل ضربه الله لليهود قال "فالمهتدي من عرف الحق وعمل به وضده الغي والظلال" فمن عرف الحق ولم يعمل به فهو الغاوي، ومن جهل الحق فهو الضال. في أول سورة النجم قال جل وعلا (ما ضل صاحبكم وما غوى) إذا جمع بين الضلال والغواية، الضلال الجهل بالعلم، والغواية ترك العمل بالعلم، وضد الضلال الهداية، وضد الغواية الرشاد (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين) إذا جُمع بين الهدى والرشاد يراد بالهدى العلم النافع ويراد بالرشاد العمل الصالح. وهذا هو الدين الحق، الدين الحق دين القيمة: علم نافع وعمل صالح. نعم.

📖 قال رحمه الله: "أمر الله تعالى بالإحسان وأثنى على المحسنين، وذكر ثوابهم المتنوع في آيات كثيرة، وحقيقة الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وأن تبذل ما تستطيعه من النفع المالي والبدني، والقولي إلى المخلوقين."
🎤 قال أمر الله بالإحسان (وأحسنوا) أمر الله سبحانه وتعالى بالإحسان وأخبر أنه يحب المحسين (إن الله يحب المحسنين) فأمر بالإحسان وأخبر أنه يحب المحسنين وأثنى عليهم وأنه معهم ناصرا وحافظا ومؤيدا (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) وذكر ثوابهم المتنوع في آيات كثيرة. قال: "وحقيقة الإحسان أن تعبد الله كأنك ترا فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وبهذا فسر النبي عليه الصلاة والسلام الإحسان كما في حديث جبريل المشهور (قال أخبرني عن الإحسان؟ قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) والإحسان هو أعلى رُتب الدين إسلام ثم إيمان ثم إحسان، الذي هو أعلى رُتب الدين وأرفعها.
قال: "وأن تبذل ما تستطيعه من النفع المالي والبدني والقولي إلى المخلوقين، ويشير رحمه الله تعالى إلى أن الإحسان الذي أمر الله جل وعلا به (وأحسنوا) على نوعين: إحسان في عبادة الخالق تعبد الله كأنك تراه، إحسان في عبادة الخالق. والنوع الثاني إحسان في معاملة المخلوقين، بر الوالدين إحسان، صلة الرحم إحسان، أداء الحقوق الواجبة والمستحبة إحسان، فالإحسان الذي أمر الله جل وعلا به، وأثنى على أهله، وأخبر عن محبته لهم وذكر أجورهم وثوابهم العظيم عنده سبحانه وتعالى هم ال الذين جمعوا بين الإحسان في عبادة الخالق (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن ترى فإنه يراك)، والإحسان في معاملة الخلق، والإحسان في معاملة الخلق قال في تعريفه: أن تبذل ما تستطيعه من النفع المالي والبدني والقولي إلى المخلوقين. قال: "وحقيقة الإحسان أن تعبد الله" هذا النوع الأول. قال: "وأن تبذل" هذا النوع الثاني،  الإحسان نوعان حقيقة الإحسان قال: "أن تعبد الله …" إلى آخره، هذا النوع الأول، وأن تبذل ما تستطيع إلى آخره، هذا النوع الثاني من الإحسان، إحسان في عبادة الخالق، وإحسان في معاملة المخلوقين. نعم. 

📖 قال رحمه الله: "وأمر بالإصلاح وأثنى على المصلحين، وأخبر أنه لا يضيع ثوابهم وأجرهم، والإصلاح هو أن تسعى في إصلاح عقائد الناس وأخلاقهم، وجميع أحوالهم، بحيث تكون على غاية ما يمكن من الصلاح، وأيضا يشمل إصلاح الأمور الدينية، والأمور الدنيوية، وإصلاح الأفراد والجماعات، وضد هذا الفساد والإفساد قد نهى عنه، وذم المفسدين، وذكر عقوباتهم المتعددة، وأخبر أنه لا يصُلح أعمالهم الدينية والدنيوية"
🎤 قال رحمه الله تعالى "وأمر بالإصلاح وأثنى على المصلحين، وأخبر أنه لا يضيع ثوابهم وأجرهم، وأخبر أنه لا يضيع ثوابهم وأجرهم قال: (اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم)، (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس). ثم ذكر سبحانه وتعالى الثواب العظيم المترتب على ذلك، فأثنى على المصلحين وأمر جل وعلا بالإصلاح، وأخبر أنه لا يضيع ثواب المصلح.
الشيخ في هذا والذي قبله والآتي بعده ينبه إلى أن هناك ألفاظ في القرآن، أمور أمر بها وأثنى على أهلها ورتب عليها الثواب العظيم ولخصها هنا رحمه الله، عرّف كل منها تعريف مختصر حتى يدخل الإنسان في تفسير القرآن وعنده هذه المعاني واضحة، وهذه طريقة جدا نافعة بين يدي تفسير القرآن، ولهذا سيأتي معنا ألفاظ كثيرة وردت، في القرآن شرحها رحمه الله شرحا مختصرا.
قال: "والإصلاح" يعني من أهم ما تعتني به في هذا الذي يذكره التعريفات، قال: "والإصلاح أن تسعى في إصلاح عقائد الناس وأخلاقهم وجميع أحوالهم" بحيث تكون على غاية ما يمكن من الصلاح، وأيضا يشمل إصلاح الأمور الدينية والأمور الدنيوية، وإصلاح الأفراد والجماعات، الإصلاح المأمور به يتناول هذا يتناول هذا كله، والله عز وجل يعلم المفسد من المصلح ولا يصلح عمل المفسدين، فأمر بالإصلاح ونهى عن ضده وهو الإفساد، قال: "الإفساد قد نهى الله عنه وذم المفسدين وذكر عقوباتهم المتعددة" ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، وأخبر أنه لا يُصلح أعمالهم الدينية والدنيوية (والله لا يصلح عمل المفسدين) لا يصلح أعمالهم أي الدينية والدنيوية. ويأتي في القرآن (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) إصلاحها ببعثة النبيين، ونزول الوحي من رب العالمين، فهذا الذي به صلاح الأرض. وفسادها بالأهواء، الضلالات والعقائد الباطلة، والبدع، والأهواء، هذه كلها تفسد في الأرض، تحدث فسادا في الأرض، وصلاح الأرض بطاعة الله سبحانه وتعالى واتباع شرعه وما هدى عباده إليه من الحق والهدى الذي به صلاح أمرهم في دنياهم وأخراهم. نعم.

📖 قال رحمه الله: "أثنى الله على اليقين وعلى الموقنين، وأنهم هم المنتفعون بالآيات القرآنية، والآيات الأفقية، واليقين أخصّ من العلم، فهو العلم الراسخ المثمر للعمل والطمأنينة."
 🎤قال رحمه الله تعالى: "وأثنى الله على اليقين وعلى الموقنين" وذكر أن أهل اليقين هم الذين ينتفعون بالآيات، ينتفعون بالهدايات، هدايات القرآن، قال رحمه الله تعالى "واليقين أخص من العلم" اليقين هو كمال العلم وانتفاء الشك والريب. قال "فهو العلم الراسخ" اليقين علم، لكنه ماذا؟ راسخ متمكن من القلب، قال الله عز وجل (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا) هذا هو اليقين، اليقين زوال الريب، ذهاب الريب والشك، كمال العلم. قال "فهو العلم الراسخ المثمر للعمل والطمأنينة" نعم.

📖 قال رحمه الله "أمر الله تعالى بالصبر وأثنى على الصابرين، وذكر جزاءهم العاجل والآجل في عدة آيات، نحو تسعين موضعا، وهو يشمل أنواعه الثلاثة، الصبر على طاعة الله تعالى حتى يؤديها كاملة من جميع الوجوه، والصبر عن محارم الله حتى ينهى نفسه الأمارة بالسوء عنها، والصبر على أقدار الله المؤلمة فيتلقاها بصبر وتسليم غير متسخط في قلبه، ولا بدنه، ولا لسانه."
🎤قال "أمر الله بالصبر" هذا في آيات كثيرة جدا "وأثنى على الصابرين" وأثنى على الصابرين يقول الشيخ في نحو تسعين موضعا من القرآن الكريم. قال: "وهو يشمل أنواع الصبر الثلاثة" لما تجد الآية (واصبر) مطلقة فإنها تتناول أنواع الصبر الثلاثة، وإذا قُيدت فهي بما قيدت به، (الصابرين على ما أصابهم) فإذا قيدت فبما قيدت به، وإذا أُطلقت تتناول أنواع الصبر الثلاثة، الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على أقدار الله المؤلمة. ولهذا الصبر مقام عظيم من مقامات الدين العلية الرفيعة يصحب المسلم في كل أموره، الذي ما عنده صبر كيف ايصلي؟ كيف يصوم؟ كيف يحج؟ كيف يؤدي الطاعة؟ كل طاعة تحتاج إلى صبر، صبر للنفس على فعلها، صبر للنفس على فعل الطاعة، فالذي لا صبر عنده لا يقوم بالطاعات فهو يحتاج إليه في كل طاعة (استعينوا بالصبر والصلاة)، وأيضا في ترك المنهيات والمعاصي والذنوب يحتاج إلى الصبر، الذي ما عنده صبر كيف يقاوم الحرام والإثم والمنهي.، فالذي يعين على السلامة من هذه الأمور الصبر الذي يحبس النفس، ومنعها عن ارتكاب المعصية، الذي لا صبر عنده لا يقاوم، لا يستطيع أن يقاوم المعاصي والذنوب الذي لا صبر عنده لا قيام ولا مقاومة عنده، لا قيام بطاعة، ولا مقاومة لمعصية، ويحتاج إلى الصبر في المصائب (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا اليه راجعون)، يحتاج إلى الصبر عند المصيبة، عند الأقدار المؤلمة فيتلقاها بصبر وتسليم غير متسخط في قلبه ولا بدنه ولا لسانه، لا يكون متسخطا في قلبه ولا بدنه (ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) ولا بلسانه دعوى الجاهلية الألفاظ القبيحة التي تقال ويقولها ال الجاهل عند المصيبة اعتراضا وتسخطا على قضاء الله سبحانه وتعالى وقدره، نعم.

📖 قال رحمه الله: "وكذلك أثنى الله تعالى على الشكر، وذكر ثواب الشاكرين، وأخبر أنهم أرفع الخلق في الدنيا والآخرة، وحقيقة الشكر هو الاعتراف بجميع بجميع نعم الله والثناء على الله بها والاستعانة بها على طاعة المُنعم.

نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله، وهدانا إليه صراطا مستقيما …..
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا.
اقرأ المزيد...

الجمعة، 8 نوفمبر 2024

مقاصد سورة الفاتحة

في سورة الفاتحة خمسة مقاصد :

المقصد الأول : تَوحِيدُ الله سبحانه: اشتملت السورة على التعريف بالمعبود جَلَّ في علاه، وعلى توحيد الخالق سبحانه، وتَضَمَّنتْ سورة الفاتحة خلاصة وجيزة لعقائد الإسلام، واجتثاث جذور الشرك التي كانت فاشية في الأمم، ومقتضى ذلك توحيد العبادة، والتوجه بها إلى الله سبحانه، فهو جَلَّ شأنه المعبود بحق دون سواه، يرشد إلى ذلك قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) .
ففيها تعليم وإرشاد إلى كيفية التمجيد والثناء والحمد لله تعالى ولا يكون ذلك إلا عن نعمة، وأهمها نعمة الخَلق والإيجاد ومَنْ كان كذلك فهو جدير بالعبادة وحده؛ ولذلك فقد اشتملت السورة على ثلاثة أسماء لله تعالى هي مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا، وعليها مدارها وهي (الله، الرب، الرحمن).
والحمد يتضمن الاعتراف بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات وتوحيدها ... إلخ . وربوبيته سبحانه لخلقه ليست مبنية على القهر والجبروت بل مبنية على الرحمة، فهو سبحانه الرحمن الرحيم، وهذا بيان لحقيقة العلاقة بين الله تعالى وبين خلقه، وأنها مبنية على الرحمة التي تَغْمُرُ الخلائق كلهم، وبخاصة العبد المؤمن.
وقد فصل القرآن الكريم جانب التوحيد ونهى عن الشرك في عشرات السور منه، واعتنى بذلك أيما عناية حيث كان التوحيد هو المهمة الأساس في الفترة المكية، وهى أطول مُدَّتي الرسالة .

المقصد الثاني : الإيمان باليوم الآخر: واشتملت السورة على أهم أركان الإيمان، بعد الإيمان بالله تعالى؛ وهو إثبات المعاد والجزاء على الأعمال والإيمان باليوم الآخر وما فيه من بعث وسؤال وحشر ونشر وحساب وجنة ونار وغير ذلك مما فصله القرآن الكريم في العديد من السور والآيات لا سيما القرآن المكي، الذي يُعنى بغرس العقيدة في النفوس أولا، في مثل جُزْأَيْ (عمّ وتبارك). 
وإذا كان في الدنيا نوع من التقاضي بين الناس، وألوان من الجزاء على الأعمال، فإن الله سبحانه هو المتفرد بالحكم العادل يوم القيامة، وهو سبحانه مَلِكُ هذا اليوم ومالكه . ومن يملك مصير العباد، ومآلهم الدائم يوم الآخرة، فهو المالك الحقيقي لما قبله في الدنيا من باب أولى، وإذا كان في الدنيا نوعُ مُلْكِ لبعض ملوك الأرض، فإن الْمُلْكَ كلَّه لله تعالى في الدنيا والآخرة، وهو ملك حقيقي لا يحول ولا يزول وإلى هذا يشير قوله تعالى (ملِكِ يَوْمِ الدِّينِ) . ويوم الدين هو يوم الحساب والجزاء، الذي يُدان فيه العباد إلى رَبِّ الأرض والسماء .
 وقد أشار القرآن الكريم إلى الإيمان بالله تعالى والإيمان باليوم الآخر، إلى جوار العمل الصالح في كثير من آياته وبيّن أن ذلك هو أساس الفوز بالسعادة الأخروية، قال تعالى : (وإِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَرَى وَالصَّبِئِينَ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَلِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة : ٦٢] . والمراد: إيمان كل أمة برسولها قبل أن تُنسخ رسالته، ولا يقبل الله تعالى إيمان أي من أرباب الشرائع السابقة بعد مجيء الرسالة الخاتمة إلا بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والعمل بشريعته، قال تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَسِرِينَ ) [آل عمران: ٨٥].
وما من أحد يسمع برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ثم لم لا يؤمن بها إلا مات كافرا والعياذ بالله .

 المقصد الثالث : التكاليف الشرعية: أما جانب العبادات مما يتعلق بالصلاة والزكاة والصيام والحج والأذان والذبح والنذر والدعاء والاستغاثة والاستعاذة والرجاء والخوف والتوكل والاستعانة وما إلى ذلك، وتوجيه هذه العباداتِ إلى الله تعالى وحده، فقد أشار إليه قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، وقد تَضَمَّنتْ هذه الآية عهدًا وثيقا بين الناس وربهم يُحقِّقُ رسالتهم في الوجود، فلا عبادة إلا لله، ولا توكل إلا على الله ولا استعانة إلا بالله، وقد فصّل القرآن الكريم أنواع العبادة في أكثر سُوَرِهِ في حديثه عن أركان الإسلام الأربعة، وفصّل القرآن الاستعانة بالله تعالى في آيات التوكل والإنابة ونحوها .

المقصد الرابع : قصص الأنبياء والمرسلين : أما جانب النبوات والرسالات في سورة الفاتحة، فيشير إليه قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) فالقرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد، يهدي للتي هي أقوم، ويدعو إلى الطريق المستقيم، ويأمر بالعدل والقسط والوسطية والاستقامة والسعادة في الدارين لا تتم إلا بترك الانحراف والضلال وسُبُلِ الغواية والاعوجاج، ولا يكون ذلك إلا عن طريق الرسل والكتب المنزلة، والرسل هم أَوَّلُ الذين أنعم الله عليهم ولا سبيل إلى هداية البشر، ولا إلى معرفة الحق من الضلال والخير من الشر، إلا عن طريق الرسل.
وقد فصّل القرآن الكريم ما أجملته سورة الفاتحة من الحديث عن أنبياء الله ورُسُلِهِ في عشرات السور، إلى جانب الحديث عن الصِّدِّيقين والشهداء والصالحين، مما يأخذ بيد المسلم إلى طريق الهداية وسبيل الرشاد، وطريق الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقا . وهذا الجانب من قصص الأنبياء والمرسلين تناولته السور المكية، فالهداية هي التطبيق العملي لدعوة الأنبياء، وهي طريق الإنسان إلى معرفة ربه سبحانه . ولعل هذا هو السر في اختيار هذه السورة ليقرأها المسلم في صلاته وجوبا في اليوم الواحد سبع عشرة مرَّة، ثم يُكثر منها في النوافل وغيرها ما شاء الله له .

المقصد الخامس : أهل الكتاب : أما أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين فصَّل القرآن الكريم الحديث عنهم في سُوَره المدنية، وأوضح زيْغَهُم وضلالهم وأسباب غضب الله تعالى عليهم، فقد أجملت سورة الفاتحة هذه المعاني في قوله تعالى : (غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) . 
ومعلوم أن مقاصد القرآن الكريم تتناول جانب العقيدة والنبوة والرسالة والعبادة والهداية، التي هي الهدف من القصص والأخبار القرآنية وهذا ما أجملته سورة الفاتحة، وَفَصَّلَهُ القرآن الكريم.
____________________________
محتويات سور القرآن الكريم
اقرأ المزيد...

الخميس، 7 نوفمبر 2024

الفاتحة مُتَضَمِّنَةٌ لمُجمل ما فصل في القرآن الكريم

الفاتحة مُتَضَمِّنَةٌ لمُجمل ما فصل في القرآن الكريم :

1- فالإشارة إلى توحيد الألوهية جاءت في لفظ الجلالة (الله)

2- والإشارة إلى توحيد الربوبية جاءت في لفظ  (رَبِّ الْعَالَمِينَ) .

3- والإشارة إلى الأسماء والصفات وجميع صفات الكمال جاءت في آية ( الرحمن الرحيم)، ولفظ (الحمد)

4- والإشارة إلى اليوم الآخر، وما فيه من عدل وفضل، وما فيه من بعث وحشرونشر، وحساب وجزاء، جاءت في آية (ملِكِ يَوْمِ الدِّينِ).

5- والإشارة إلى كافة أنواع العبادات والإخلاص فيها جاءت في آية ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ .

6- والإشارة إلى إثبات النبوات وإلى قصص الأنبياء والمرسلين والصالحين، وإلى إثبات صفة القدر، وأن العبد حرّ مختار والرد على
 أهل البدع والضلال، جاء ذلك قوله سبحانه (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) .

7- وجاء الحثُ على السير على نهج الأنبياء والصالحين والاهتداء بهديهم في قوله جل شأنه: ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) .

8- والحديث عن أهل الكتاب وأهل الزيغ والضلال جاء في نهاية السورة: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِينَ)

__________________________

محتويات سور القرآن الكريم

اقرأ المزيد...

السبت، 2 نوفمبر 2024

الدرس الثاني عشر / من قوله: ومن أصول التفسير إذا فهمت ما دلت عليه الآيات الكريمة..

من قوله: ومن أصول التفسير إذا فهمت ما دلت عليه الآيات الكريمة


🎙الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات أما بعد:
📖 فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "ومن أصول التفسير إذا فهمت ما دلت عليه الآيات الكريمة من المعاني مطابقة، وتضمنا فاعلم أن لوازم هذه المعاني وما لا تتم إلا به وشروطها وتوابعها تابعة لذلك المعنى فما لا يتم الخبر إلا به فهو تابع للخبر، وما لا يتم الحكم إلا به، فهو تابع للحكم" 
🎤 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وأصلح لنا إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أما بعد: هذه القاعدة وجملة من القواعد بعدها قد أوردها الشيخ رحمه الله تعالى في كتابه [القواعد الحسان] وشرحها أيضاً وضرب عليها أمثلة توضيحية ولهذا، يمكن الرجوع إلى القواعد  الحسان في شرح هذه القاعدة، وما بعدها من القواعد، شرحها شرحاً لطيفاً نافعاً ومثل لكل منها ببعض الأمثلة للتوضيح من كتاب الله عز وجل، وهذه القاعدة الأولى تتعلق بدلالة اللازم، لأن الدلالات ثلاث: بالمطابقة والتضمن، والالتزام. وفي هذه القاعدة ينبه رحمه الله تعالى على أهمية دلالة الالتزام، وأيضاً يبين الضابط الذي به يصح الاستدلال، يصح الاستدلال بدلالة الالتزام، وقد ذكر رحمه الله تعالى في القواعد الحسان في كلامه على هذه القاعدة أن المفسر يراعي ما دلت عليه الآية مطابقةً وما دخل أيضا في معنى الآية ضمناً فعليه أيضا أن يراعي لوازم تلك المعاني لأن الدلالات ثلاث: مطابقة وتضمن والتزام. وقالوا في التعريف لهذه الدلالات:
● المطابقة دلالة اللفظ على كامل معناه
● والتضمن دلالة اللفظ على بعض معناه 
● والالتزام دلالة اللفط على أمر خارج معناه يُعرف بالاستنباط ودقة الفهم.
  يقول فيراعي لوازم تلك المعاني وما تستدعيه من المعاني التي لم يعرج في اللفظ على ذكرها.
قال رحمه الله "وهذه القاعدة من أجلّ قواعد التفسير وأنفعها وتستدعي - أي تتطلب - قوة فكر وحسن تدبر في الآية ودلالتها" مثل ما تقدم ما دلت عليه بالمطابقة أولاً ، ثم ما دلت عليه بالتضمن ثانياً ، ثم بعد ذلك يدقق النظر في لوازم المعاني التي يلزم منا ثبوت هذا الحكم في الآية مطابقةً أو ثبوته فيها تضمناً يلزم منه كذا وكذا من أمور إما تكون مثلا من الشروط  أو لا يتم الحكم الذي ذكر بالآية إلا به فما لا يتم الواجب به فهو واجب، أو تكون تابعة تتبع هذا الذي ذكر في الآية، فيتطلب من ذلك قوة فكر، وحسن تدبر، وصحة قصد.
وهذي مهمة جداً صحة القصد لأن فاسد القصد  قد يُدخل في الآية بزعمه بدلالة اللازم ما ليس داخلاً في الآية، كثيراً ما يقول أهل الأهواء يلزم من هذه الآية كذا من أمور هم يعتقدونها من الأهواء الباطلة ويسمى هذا اللوازم الفاسدة لأنها مبنية على فساد القصد لا على صحته. ثم ذكر رحمه الله الطريق إلى سلوك هذا الأصل قال: "أن تفهم ما دل عليه اللفظ من المعاني" 
يقصد مطابقةً وتضمناً ففكر في الأمور التي تتوقف عليها ولا تحصل بدونها، وما يشترط لها، وكذلك فكر فيما يترتب عليها، وما يتفرع عنها، وينبني عليها، وأكثِر من هذا التفكير وداوم عليه حتى تصير لك ملكةٌ جيدة في الغوص على المعاني الدقيقة فإن القرآن حق ولازم الحق حق، وما يتوقف على الحق حق، وما يتفرع عن الحق حق. قال "فمن وفق لهذه الطريقة وأعطاه الله توفيقاً ونوراً انفتحت له في القرآن العلوم النافعة والمعارف الجليلة، والأخلاق السامية، والآداب الكريمة العالية" ثم ذكر رحمه الله تعالى أمثلة على ذلك. نعم

📖 قال رحمه الله "وأن الآيات التي يُفهم منها التعارض والتناقض ليس فيها تناقض ولا تعارض بل يجب حمل كلا منها على الحالة المناسبة اللائقة بها"
🎤 أيضاً هذه القاعدة من القواعد المهمة في التفسير، كتاب الله عز وجل مثل ما وصفه الله عز وجل كتاباً متشابها يعني لا تعارض فيه ولا تناقض، يؤيد بعضه بعضاً ، ويشهد بعضه لبعض ولا يعارض بعضه بعضا، ولا يناقض بعضه بعضا فالآيات التي يفهم منها التعارض أو التناقض التي يقول عنها الناظر في الآيات ظاهرها التعارض ليس هذا التعارض في الآيات من حيث هي وإنما من حيث فهم القارئ لتلك الآيات والتالي لها يظهر له أن هذه تعارض، هذه تُثبت وهذه تنفي، الآية هذه تثبت هذا الشيء، والآية الأخرى تنفيه، فيقول أُثبت هذا ونُفي ظاهره التعارض. يجب أن يُعلم أن الآيات التي يفهم منها يعني يظهر لمن يقرأ الآية أن ظاهرها التعارض ليس فيها تناقض ولا تعارض هذا أصل ..
ليس فيها تعارض، هذا مهم جداً كل ما يقرأه الإنسان من الآيات التي يظهر له أن فيها تعارض يجب أن يعتقد أنها لا تعارض فيها ولا تناقض لكن هذا إشكال في ذهنه، فيقول الآيات التي يُفهم منها التعارض والتناقض ليس فيها تناقض ولا تعارض، بل يجب حمل كل منها على الحال المناسبة اللائقة بها في الآية، وهذا كثيراً في اللفظ الذي يُثبت ثم يأتي أيضا نفي نفس اللفظ وسيأتي تمثيل عدد من الأمثلة مثل: شفاعة مثبتة وشفاعة منفية،  يجد في آيات إثبات للشفاعة، وآيات نفي للشفاعة، يعني خذ مثال في قوله عز وجل (وما رميت إذ رميت ) إثبات رمي ونفي رمي أيضاً، في هذه الجملة، (وما رميت إذ رميت) نفى وأثبت هنا، والقاعدة أيضا في هذا الباب: أن الشيء نفسه إذا أُثبت ونُفي في النص أو في نص آخر فالمثبت غير المنفي، وهذا الذي يشير إليه الشيخ هنا بقوله "يُحمل على الحال المناسبة اللائقة به" 
الآن (وما رميت) يعني أصبت، (إذ رميت) إذ باشرت الرمي، مباشرة الرمي كامت بفعله أخذ الحصى بيده عليه الصلاة والسلام ورمى في وجه العدو هذا مثبت، والمنفي إصابة كل حصاة كل واحد منهم، هذا التسديد والإصابة هذا  من الله، "فالمثبت يحمل كل على الحال اللائقة به" ومثل ما أشرت يعني  أن إذا أثبت الشيء ونفي، فالمثبت غير المنفي هذا يحمل على حال وهذا يحمل على حال.
 الشيخ رحمه الله ضرب أمثلة عديدة في القواعد الحسان توضح هذه القاعدة قد تجد مثلا آيات في القرآن فيها الإخبار بأن الكفار لا ينطقون يوم القيامة ولا يتكلمون يوم القيامة وفي بعضها أنهم ينطقون ويحاجون ويعتذرون (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ) فتجد في آيات تثبت وآيات تنفي قال في تطبيق للقاعدة يحمل كل على الحال اللائقة به، قال: فيُحمل كلامهم ونطقهم في أول الأمر  يتكلمون ويعتذرون وقد ينكرون ما هم عليه من الكفر ويقسمون على ذلك، ثم إذا ختم على ألسنتهم وأفواههم، وشهدت عليهم جوارحهم بما كانوا يكسبون، ورأوا أن الكذب غير مفيد لهم أخرسوا فلم ينطقوا. أيضاً الإخبار بأن الله لا يكلمهم ولا ينظر إليهم مع أنه أثبت الكلام لهم وكلام الله لهم (قال اخسؤوا فيها) هذا أيضاً يحمل المثبت على معنى غير المنفي فالنفي يكون واقع على الكلام الذي يسرهم ويجعل لهم نوع اعتبار، والمثبت من الكلام على الواقع في غير الصورة  المتقدمة الذي هو كلام الإكرام والإنعام هذا منفي. مثلا في بعض الآيات قال (لا أنساب بينهم) وفي بعضها إثبات (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه) هذه أنساب، قال (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) قد يُشكل يقول (فلا أنساب) وفي آيات فيها الأنساب (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه) هذا نسب، فالمثبت في مثل قوله (يوم يفر المرء من أخيه) المثبت هو الأمر الواقع والنسب الحاصل بين الناس فلان بن فلان، والمنفي هو الانتفاع بها فلا أنساب بينهم يعني لا ينتفعون بالأنساب مثل ما قال عليه الصلاة والسلام (من بطأ به عمله لم يُسرع به نسبه ولهذا قال الله في القرآن (يوم لا ينفع مال ولا بنون) فالأنساب بينهم يعني لا نسب ينفع (يوم لا ينفع مال ولا ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم). وذكر أيضا - رحمه الله - أمثلة أخرى مثل الشفاعة المثبتة والشفاعة المنفية، ومحمل كل منها، وذكر أمثلة عديدة يمكن الرجوع إليها في كتابه النافع، القواعد الحسان. 

📖 قال رحمه الله: "وأن حذف المتعلقات من مفعولات وغيرها يدل على تعميم المعنى لأن هذا من أعظم فوائد الحذف"
🎙يقول في ذكر قواعد التفسير أن حذف المتعلقات هذا كثير جدا في القرآن ، حذف المتعلقات من مفعولات وغيرها يدل على تعميم المعنى لأن هذا من أعظم فوائد الحذف، قال الشيخ رحمه الله عن هذه القاعدة في كتابه قواعد التفسير  "وهذه قاعدة مفيدة جداً متى اعتبرها الإنسان في الآيات القرآنية أكسبته فوائد جليلة" قال "وذلك أن الفعل وما هو معناه متى قُيد بشيء تقيد به وإذا أُطلق وحذف المتعلق كان القصد من ذلك التعميم" مثلاً قوله تعالى: (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم) هذه ثلاثة أشياء،
لما تأتي مثلا إلى قوله (فبشر عباد) بماذا؟ ليس فيها تقييد مثل الآية الأولى، (فبشر عباد ) بماذا؟  حُذف، ماذا يفيد الحذف؟ التعميم. بشرهم بالجنة، بشرهم بالرضوان، بشرهم بسعادة الدنيا. ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) هذا يوضح فالبشارة عندما تُطلق فهي تعم كل خير في الدنيا والآخرة، وإذا حذفت (وبشر الصابرين) بماذا؟ حذف المتعلق يقولون يفيد العموم.
من الأمثلة على هذه القاعدة مما ذكر رحمه الله تعالى في القواعد الحسان آيات كثيرة فيها (لعلكم تعقلون)، (لعلكم تذكرون)، (لعلكم تتقون)، (لعلهم يهتدون) يتقون ماذا؟ يتذكرون ماذا؟ يعقلون ماذا؟ هذا حذف فيفيد العموم.
فمثلا قوله ( لعلكم تعقلون) أي عن الله كل ما أرشدكم إليه، وكل ما علمكموه، وكل ما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة، وكل ما يدخل في ذلك المعاني. مثلا قوله (ألهاكم التكاثر ) حذف المتكاثر به.(ألهاكم التكاثر) ما هو هذا الذي ألهى الناس مما يتكاثرون به؟ هل هو تكاثر الأموال؟ هل هو التكاثر بالأولاد؟ هل هو التكاثر بالأعمال والمناصب والرئاسات؟ أنا عملت كذا، وأنا عملت كذا، وأنا عملت كذا إلى آخره، الحذف يفيد العموم، (ألهاكم التكاثر) حذف المتكاثر به ليعم جميع ما يقصد الناس فيه المكاثرة من الرئاسات والأموال والجاه والضيعات والأولاد. الآن لما يقول طالب علم لصاحبه مكتبتي أكبر من مكتبتك، والكتب التي عندي أكثر منك وأنا أكثر منك حفظاً، وأكثر منك جلوساً في مجالس العلم، وأنا أكثر منك...، هذا ليس مقصوده التكاثر، وهذا ذكره ابن القيم في تفسير عظيم جداً لهذه الصورة في كتابه الفوائد. فإذا حذف المتكاثر به يفيد العموم حذف المتعلق من مفعولات وغيرها يدل على تعميم المعنى. نعم

📖 قال رحمه الله: "وأنه لا يجوز حذف ما لا يدل عليه السياق اللفظي أو القرينة الحالية"
🎙هذه لها تعلق بالقاعدة التي قبلها، "لا يجوز حذف ما لا يدل عليه  السياق اللفظي أو القرينة الحالية" إذا تأمل المرء في القرآن وبخاصة في القصص قصص الأنبياء وأخبارهم مع أممهم يجد أحياناً في بعض القصص حذف بعض التفاصيل ، إما لأن السياق كافي في الدلالة عليها، أو يوجد قرائن تدل عليه، إذاً إذا كان في السياق دلالة على المحذوف أو قرينة تدل على المحذوف ناسب حينئذ  الحذف فلا يجوز حذف ما لا يدل عليه السياق اللفظي والقرينة الحالية.
مثلا في قوله ( فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق) قبل (فانفلق) هناك شيء يدل عليه السياق، ففعل موسى أو فضرب موسى البحر، أو ففعل ما أمره الله به، هذه لفظا ما ذُكرت، لكن السياق يدل عليها (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر) أي ففعل أو فضرب فانفلق، فهنا السياق يدل. مثلا قوله (فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميراً) السياق يدل على إنهم ذهبوا وأنذروا، دعوا وحذروا، وما استجاب  الأقوام وكذبوا فدمرهم الله، قال: "والمعنى أنه قبل التدمير حصل البلاغ من المرسل والتكذيب من المرسل إليهم" نعم 

📖 قال رحمه الله "كما أن الأحكام المقيدة بشروط  أو صفات تدل على أن تلك القيود لابد منها في ثبوت الحكم"
🎙قال "كما أن" أي أيضا من قواعد التفسير "أن الأحكام المقيدة بشروط أو صفات تدل على أن تلك القيود لا بد منها في ثبوت الحكم" في القواعد الحسان ذكر في كلامه على هذه القاعدة قال "الأصل أن الآيات التي فيها قيود لا تثبت أحكامها إلا بوجود تلك القيود إلا في آيات يسيرة" وهذه قاعدة لطيفة، فإن الله متى رتب في كتابه حكما على شيء، وقيده بقيد شرط لذلك شرطا تعلق الحكم به على ذلك الوصف الذي وصفه الله، وهذا في القرآن لا حصر له" يعني مثلا (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه) ، (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا) (فأولئك كان سعيهم مشكورا) هذا الحكم الجزائي، والثواب المُعد قُيد بأوصاف لابد أن تتوافر  لا يكفي بعضها، لابد أن تتوافر هذه الأوصاف التي قُيد هذا الحكم بوجود هذه الأوصاف. قوله "إلا في آيات يسيرة" يعني  تجد الحكم مقيد بشيء لكن لا يقال الحكم لا يثبت إلا بهذا القيد مثل قوله (وربائبكم  اللاتي في حجوركم) الربيبة سواء كانت في حجر الزوج أو في بيت رجل آخر، ما عاشت عند زوج أمها عاشت في بيت رجل آخر تعتبر ربيبة ولها حكم الربيبة لكن ذكر الربيبة التي في الحجر فقط فيه تنبيه على استهجان مثل هذه يعني تتربى في حجره وتنشأ عنده كما أنها بنت له ثم ينكحها، وإلا الحكم لا يختص بالربيبة التي في الحجر بل تعم من كانت تربت في حجر زوج أمها، أو لم تتربى في حجره.

📖 قال رحمه الله: "إذا أمر الله بشيء كان ناهيا عن ضده، وإذا نهى عن شيء كان آمرا بضده"
🎙أيضاً هذه قاعدة من قواعد التفسير "إذا أمر الله بشيء كان ناهياً عن ضده، وإذا نهى عن شيء كان آمرا  بضده"  يقول رحمه الله في توضيح هذه القاعدة في كتابه القواعد الحسان قال: لأنه لا يمكن امتثال الأمر على وجه الكمال إلا بترك ضده.
قال "فحيث أمر بالتوحيد والصلاة والزكاة، والصوم والحج، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والعدل، والإحسان كان ناهيا - أي بهذا الأمر-
عن الشرك
وناهيا عن ترك الصلاة،
وناهيا عن ترك الزكاة،
وناهيا عن ترك الصوم، 
وناهيا  عن ترك الحج، 
وناهيا عن العقوق، 
وناهيا عن القطيعة
وناهيا عن الظلم،
وناهيا عن الإساءة، 
كل هذه النواهي تستفاد من الأوامر، فالأمر بشيء نهيٌ عن ضده لأن الامتثال للأمر على وجه الكمال لا يكون إلا بذلك، أيضاً العكس النهي عن الشيء أمر بضده مثلا: 
النهي عن الشرك أمر بالتوحيد
النهي عن الظلم أمر بالعدل 
النهي عن الفسوق والعصيان أمر بالطاعة وهكذا. نعم

📖 قال رحمه الله "وإذا أثنى على نفسه بنفي شيء من النقائص كان إثباتا للكمال المنافي لذلك النقص". 
🎙هذه لها تعلق بالتي قبلها "إذا أثنى على نفسه بنفي شيء من النقائص كان إثباتاً للكمال المنافي لذلك النقص" وهذه قاعدة مهمة في باب توحيد الأسماء والصفات، لأن النفي المتعلق بالأسماء والصفات، ليس نفيا، صرفا وإنما هو نفي متضمن ثبوت كمال ضد المنفي لأن العدم المحض لا كمال فيه. إذاً كل ما يتعلق بصفات الله متضمن لثبوت كمال المنفي. لما تقرأ (وما ربك بظلام للعبيد) (ولا يظلم ربك أحدا) نفي الظلم يتضمن ثبوت كمال العدل. 
(وما مسنا من لغوب) لغوب التعب، ومامسنا من لغوب ثبوت كمال للقوة.
(لا تأخذه سنة ولا نوم) في السنة والنوم ثبوت كمال الحياة، 
(وما كان ربك نسيا) ثبوت كمال العلم وهكذا. نعم 

📖 قال رحمه الله: (وكذلك إذا أثنى على رسوله وأوليائه ونزههم عن شيء من النقائص فهو مدح لهم بما يضاد ذلك النقص"
🎙هذه أيضاً لها تعلق بالتي قبلها "إذا أثنى على رسله وأوليائه ونزههم عن شيء من النقائص فهو مدح لهم بما يضاد ذلك النقص" اقرأ في أول النجم (والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى) نفى عن الرسول عليه الصلاة والسلام الضلال والغواية، القاعدة هنا إذا أثنى على رسله وأوليائه ونزههم عن شيء من النقائص فهو مدح لهم بما يضاد ذلك. إذا لما تقرأ (ما ضل صاحبكم وما غوى) نفي الضلال فيه إثبات كمال الهداية ونفى الغواية فيه إثبات كمال الرشد، (عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين) هداية ورشد، الهداية والرشد إذا اجتمعا: الهداية في صلاح العلم والرشد صلاح العمل. الآيات التي فيها نفي اتباع الرسول للهوى ، نفي الجنون، نفي السحر، نفي الشعر، إلى غير ذلك كلها تتضمن المدح لهم بما يضاد ذلك النقص، قال في كتابه القواعد الحسان "تفطن لهذه القاعدة في كل ما يمر عليك من الآيات القرآنية في هذه الأمور وغيرها تنال خيرا كثيرا" يعني في فهم الآيات ودلالاتها. نعم

📖 قال رحمه الله: "ومثله نفي النقائص عن دار النعيم يدل على إثبات ضد ذلك" 
🎙"مثله نفي النقائص عن دار النعيم" لما تقرأ قول الله عز وجل (لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين) يقول الشيخ "نفي الله عن أهل الجنة النصب وهو التعب والإعياء، كما نفى عنهم الإخراج من هذا النعيم وفي هذا إثبات كمال الراحة وكمال الخلود والأمن من المزعجات والمنقصات.

📖 قال رحمه الله: "ومن الكليات أنه إذا وضح الحق، وظهر ظهورا جليا لم يبق للمجادلات العلمية والمعارضات العملية محل، بل تبطل المعارضات وتضمحل المجادلات"
🎙 كما قال الله عز وجل (فماذا بعد الحق إلا الضلال) ويقول (جاء الحق وزهق الباطل)
يقول الشيخ رحمه الله في القواعد الحسان: "هذه قاعدة شرعية عقلية فطرية قد وردت في القرآن، وأرشد إليها في مواضع كثيرة" قال "وذلك أنه من المعلوم أن محل المعارضات وموضع الاستشكالات وموضع التوقفات، ووقت المشاوارات، إذا كان الشئ فيه اشتباه، واحتمال احتمالات، فترِد عليه هذه الأمور لأنها الطريق إلى البيان والتوضيح، أما إذا كان الشيء لا يحتمل إلا معنى واحدا واضحا قد تعينت المصلحة فالمجادلة والمعارضة من باب العبث، والمعارض هنا لا يُلتفت إلى اعتراضاته لأنه يشبه المكابر المنكر للمحسوسات" وذكر أيضا في القواعد الحسان على هذا الشيء من الأمثلة. 

📖 قال رحمه الله: "ما نفاه القرآن فإما أن يكون غير موجود، أو أنه موجود ولكنه غير مفيد ولا نافع".
نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله، وهدانا إليه صراطا مستقيما...
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا.
اقرأ المزيد...