الأحد، 18 نوفمبر 2012

إثبات صفة العلو والفوقية في سورة الزمر

إن أول ما افتتحت به "سورة الزمر" هو :
 إثبات صفة العلو والفوقية ـ للباري جل وعلا ـ وذلك في خمس آيات منها:
- قال تعالى {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهِ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} .
- وقال تعالى: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} .
- وقال تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} .
- وقال تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} .
 ففي هذه الآيات الخمس دلالة واضحة على إثبات علو الله ـ تعالى ـ وأنه فوق المخلوقات جميعها، لأن نزول الشيء يكون من أعلى إلى أسفل.
/ فالآية الأولى : من تلك الآيات المتقدمة هي قوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} فيها إخبار منه ـ تعالى ـ بأن مبدأ تنزيل القرآن كائن منه ـ جل وعلا ـ ومن عنده ـ تبارك وتعالى ـ.

/ وأما الآية الثانية : فهي قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ... } الآية.
 أخبر تعالى بأنه أنزل الكتاب الذي هو القرآن على نبيه صلى الله عليه وسلم من عنده بالحق الذي لا مرية فيه ولا شك.

/ وأما الآية الثالثة : فهي قوله تعالى: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ... } الآية فقد دلت على علو الله ـ تعالى ـ لأن التنزيل يكون من أعلى إلى أسفل كما تضمنت وصف القرآن المنزل من عنده ـ تعالى ـ بثلاثة صفات هي:
- كونه "متشابهاً" أي : يشبه بعضه بعضاً في الكمال والجودة ويصدق بعضه بعضاً في المعنى ويماثله.
- وكونه "مثاني" حيث ثنى الله فيه الأنباء والأخبار والقضاء والأحكام. قال قتادة : "ثنى الله فيه الفرائض والقضاء والحدود"1
- وكونه تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم أي : تقشعر منه جلود الأبرار الذين يخشون ربهم لما يفهمون منه من الوعد والوعيد والتخويف والتهديد.

/ وأما الآية الرابعة : فهي قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ ... } الآية.
 فقد بين تعالى بأنه أنزل كتابه على رسوله من عنده ـ تعالى ـ فالآية دلت على علوه ـ تعالى ـ كما دلت أيضاً: أنه ـ تعالى ـ أنزل هذا الكتاب لجميع الخلق من الجن والإنس لينذرهم به، وأن من اهتدى منهم فإنما يعود نفع ذلك إلى نفسه، ومن ضل فإنما يعود وبال ضلاله عليه، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بموكل على هدايتهم، وإنما هو نذير عليه البلاغ، وعلى الله الحساب.

/ وأما الآية الخامسة : وهي قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ... } الآية. فقد تضمنت أمراً من الله ـ جل وعلا ـ لجميع عباده بأن يتبعوا ما أمرهم به ـ تعالى ـ في كتابه الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وبذلك دليل على علوه سبحانه.
  قال العلامة ابن جرير:
" فإن قال قائل : ومن القرآن شيء أحسن من شيء
 قيل له : القرآن كله حسن وليس معنى ذلك ما توهمت، وإنما معناه : واتبعوا مما أنزل إليكم ربكم من الأمر والنهي والخبر والمثل والقصص والجدل والوعد والوعيد أحسنه، وأحسنه أن تأتمروا لأمره وتنتهوا عما نهى عنه، لأن النهي مما أنزل في الكتاب، فلو عملوا بما نهوا عنه كانوا عاملين بأقبحه ـ أي العمل ـ فذلك وجهه" أ. هـ 2.
 فهذه الآيات الخمس من الآيات المحكمة التي أثبتت علو ـ الباري سبحانه ـ على جميع خلقه وأنه ـ جل جلاله ـ في السماء أي: "العلو" لا كما يزعمه أهل الباطل من الجهمية المعطلة من أنه ـ تعالى ـ في أسفل الأرضين، بل هو ـ تعالى ـ في السماء كما أخبر بذلك عن نفسه في مواضع كثيرة من كتابه، وأكد ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة.
 قال ابن خزيمة ـ رحمه الله تعالى ـ: "إن الرب ـ جل وعلا ـ في السماء لا كما قالت الجهمية المعطلة أنه في أسفل الأرضيين فهو في السماء" أ. هـ 3.
 ---------------------------------
1- جامع البيان 23/210.
2- جامع البيان 24/17 ـ 18.
3- كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب ص 110.
------------------------------------
/ مباحث العقيدة في سورة الزمر (رسالة جامعية). تأليف : ناصر بن علي عايض حسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق