/ قال ربنا (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ )
السبُل : جمع سبيل كما أن الطُرُق جمع طريق ، غالبا السبيل يُقال في المحسوس وغير المحسوس أي في المعنويات والطريق يُقال كذلك ، لكن إذا كنا نتكلم عن طُرق معبدة نجمع "طريق" على طُرُق، وإذا كنا نتكلم عن أشياء معنوية فنجمع "طريق" على طرائق قال الله - جل وعلا - عن مؤمني الجن (كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا) .
والفرق بين السبيل والطريق :
السبيل الطريق الذي يسلكه الناس عادة بمعنى طريق مألوف ، معروف يمشي منه الناس. أما الطريق فيسلكه من يعرفه ومن لا يعرفه مثلا رجل ضائع ، تائه يسلك هذا الطريق فيقال له طريق ولا يُقال له سبيل لكن إذا كان جادة معروفة جرت عادة الناس أن يسيروا عليها يُسمى سبيل . قال الله تعالى (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) ثم قال (وَمِنْهَا) أي من السُبل (جَائِرٌ) أي جار عن الحق ، مال ، وهذه كُثُر لا يمكن أن تُعدّ ولا تُحصى ، لا يعلمها إلا الله فالمِلل الضالة كثيرة جدا منها ما نعرف ومنها ما لا نعرف أما الطريق إلى الله - جل وعلا - واحد توحيده واتباع شرع محمد - صلى الله عليه وسلم - بالنسبة لأمتنا ، وتوحيده واتباع شرع ذالكم النبي في كل أمة ومرّ معنا:
هو دين رب العالمين وشرعه ** وهو القديم وسيد الأديان
ثم قال في آخر الأبيات:
وكمال شرع الله دين محمد ** صلى عليه مُنزّل القرآن
فالدين يكون بتوحيد الله - جل وعلا - والإخلاص له ثم يكون بعد ذلك باتباع شرع محمد - صلوات الله وسلامه عليه - لأن الله نعى على أهل الإشراك أن يبتدعوا في دينه ما ليس منه قال ربنا (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ).
قال ربنا هنا (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ) ثم بيّن - جل وعلا - أنه لحكمة بالغة جعل الخلق كذلك (وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) ، ولا ريب أن كل شيء يقع - كما بيّنا في مراتب القدر - إنما يكون بأن الله - جل وعلا - علِمه وكتبه وأراده وخلقه ولكلٍ دليلها في القرآن قال ربنا (وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) وقال ربنا (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ) فالله - جل وعلا- كما أن له على عباده النِعم السابغة له - جل وعلا - الحجّة البالغة فلا يهلك أحد إلا بعدله ولا يتقدم أحد إلا بفضله .[1]
/ قال مجاهد في قوله (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) قال طريق الحق على الله .
وقال السدي (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) الإسلام.
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) يقول وعلى الله البيان أي يبين الهدى والضلالة ، وكذا روى علي بن أبي طلحة عنه وكذا قال قتادة والضحاك وقول مجاهد ههنا أقوى من حيث السياق لأنه تعالى أخبر أن ثَمَّ طرقا تسلك إليه فليس يصل إليه منها إلا طريق الحق وهي الطريق التي شرعها ورضيها وما عداها مسدودة والأعمال فيها مردودة ولهذا قال تعالى (وَمِنْهَا جَائِرٌ) أي حائد مائل زائغ عن الحق ، قال ابن عباس وغيره : هي الطرق المختلفة والآراء والأهواء المتفرقة كاليهودية والنصرانية والمجوسية. وقرأ ابن مسعود "ومنكم جائر" .
ثم أخبر تعالى أن ذلك كله كائن عن قدرته ومشيئته فقال (وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)
كما قال تعالى (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا)
وقال (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ*إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).[2]
السبُل : جمع سبيل كما أن الطُرُق جمع طريق ، غالبا السبيل يُقال في المحسوس وغير المحسوس أي في المعنويات والطريق يُقال كذلك ، لكن إذا كنا نتكلم عن طُرق معبدة نجمع "طريق" على طُرُق، وإذا كنا نتكلم عن أشياء معنوية فنجمع "طريق" على طرائق قال الله - جل وعلا - عن مؤمني الجن (كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا) .
والفرق بين السبيل والطريق :
السبيل الطريق الذي يسلكه الناس عادة بمعنى طريق مألوف ، معروف يمشي منه الناس. أما الطريق فيسلكه من يعرفه ومن لا يعرفه مثلا رجل ضائع ، تائه يسلك هذا الطريق فيقال له طريق ولا يُقال له سبيل لكن إذا كان جادة معروفة جرت عادة الناس أن يسيروا عليها يُسمى سبيل . قال الله تعالى (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) ثم قال (وَمِنْهَا) أي من السُبل (جَائِرٌ) أي جار عن الحق ، مال ، وهذه كُثُر لا يمكن أن تُعدّ ولا تُحصى ، لا يعلمها إلا الله فالمِلل الضالة كثيرة جدا منها ما نعرف ومنها ما لا نعرف أما الطريق إلى الله - جل وعلا - واحد توحيده واتباع شرع محمد - صلى الله عليه وسلم - بالنسبة لأمتنا ، وتوحيده واتباع شرع ذالكم النبي في كل أمة ومرّ معنا:
هو دين رب العالمين وشرعه ** وهو القديم وسيد الأديان
ثم قال في آخر الأبيات:
وكمال شرع الله دين محمد ** صلى عليه مُنزّل القرآن
فالدين يكون بتوحيد الله - جل وعلا - والإخلاص له ثم يكون بعد ذلك باتباع شرع محمد - صلوات الله وسلامه عليه - لأن الله نعى على أهل الإشراك أن يبتدعوا في دينه ما ليس منه قال ربنا (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ).
قال ربنا هنا (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ) ثم بيّن - جل وعلا - أنه لحكمة بالغة جعل الخلق كذلك (وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) ، ولا ريب أن كل شيء يقع - كما بيّنا في مراتب القدر - إنما يكون بأن الله - جل وعلا - علِمه وكتبه وأراده وخلقه ولكلٍ دليلها في القرآن قال ربنا (وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) وقال ربنا (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ) فالله - جل وعلا- كما أن له على عباده النِعم السابغة له - جل وعلا - الحجّة البالغة فلا يهلك أحد إلا بعدله ولا يتقدم أحد إلا بفضله .[1]
/ قال مجاهد في قوله (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) قال طريق الحق على الله .
وقال السدي (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) الإسلام.
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) يقول وعلى الله البيان أي يبين الهدى والضلالة ، وكذا روى علي بن أبي طلحة عنه وكذا قال قتادة والضحاك وقول مجاهد ههنا أقوى من حيث السياق لأنه تعالى أخبر أن ثَمَّ طرقا تسلك إليه فليس يصل إليه منها إلا طريق الحق وهي الطريق التي شرعها ورضيها وما عداها مسدودة والأعمال فيها مردودة ولهذا قال تعالى (وَمِنْهَا جَائِرٌ) أي حائد مائل زائغ عن الحق ، قال ابن عباس وغيره : هي الطرق المختلفة والآراء والأهواء المتفرقة كاليهودية والنصرانية والمجوسية. وقرأ ابن مسعود "ومنكم جائر" .
ثم أخبر تعالى أن ذلك كله كائن عن قدرته ومشيئته فقال (وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)
كما قال تعالى (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا)
وقال (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ*إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).[2]
/ و" في معنى الآية الكريمة وجهين معروفين للعلماء وكل منهما له مصداق في كتاب الله إلا أن أحدهما أظهر عندي من الآخر .
الأول منهما :
أن معنى (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) : أن طريق الحق التي هي قصد السبيل على الله ، أي : موصلة إليه ، ليست حائدة ، ولا جائرة عن الوصول إليه وإلى مرضاته ، (وَمِنْهَا جَائِرٌ) أي : ومن الطريق جائر لا يصل إلى الله ، بل هو زائغ وحائد عن الوصول إليه ، ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى :
(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ)
وقوله : (وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) .
ويؤيد هذا التفسير قوله بعده : (وَمِنْهَا جَائِرٌ) وهذا الوجه أظهر عندي ، واستظهره ابن كثير وغيره ، وهو قول مجاهد .
الوجه الثاني : أن معنى الآية الكريمة : (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) ، أي : عليه - جل وعلا - أن يبين لكم طريق الحق على ألسنة رسله . ويدل لهذا الوجه :
قوله تعالى : (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) وقوله : (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)
وقوله : (فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) ، إلى غير ذلك من الآيات .
وعلى هذا القول ، فمعنى قوله (وَمِنْهَا جَائِرٌ) : غير واضح لأن المعنى : ومن الطريق جائر عن الحق وهو الذي نهاكم الله عن سلوكه . والجائر : المائل عن طريق الحق. والوجهان المذكوران في هذه الآية جاريان في قوله : (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى) الآية .
/ قوله تعالى (وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)
بيّن - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه لو شاء هداية جميع خلقه لهداهم أجمعين ، وأوضح هذا المعنى في آيات أخر :
كقوله (وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ)
وقوله : (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا)
وقوله : (وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكُواْ)
وقوله : (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا) الآية
وقوله : (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً) الآية . إلى غير ذلك من الآيات .
وقد قدمنا هذا في " سورة يونس ".[3]
/ علام يعود قوله تعالى (وَمِنْهَا جَائِرٌ) ؟
قد يشتبه على البعض في قوله تعالى (وَمِنْهَا جَائِرٌ) الظن أن تكون عائدة الى ما قبلها أي (الحيوانات) إلا أن النص القرآني ينتقل ليتحدث عن السبل فيكون معنى الآية :
على الله أن يبين سبيل الهداية وسبل الضلالة (وَمِنْهَا جَائِرٌ) أي من هذه السبل ما يجور عن الحق ويزيغ عنه وهي السبل المتفرقة وطرق الشيطان.. و (قصد السبيل) استعانة الطريق كما قال القرطبي يقال : طريق قاصد أي يؤدى إلى المطلوب.
عَنْ قَتَادَةَ: (وَمِنْهَا جَائِرٌ) " أَيْ مِنَ السُّبُلِ ، سُبُلُ الشَّيْطَانِ، وقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ تزيل اللثام عن المعنى المقصود فقد قرأ:(وَمِنْكُمْ جَائِرٌ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ )".[4]
س: لماذا جاءت هذه الآية بين آيتين : الأولى تتحدث عن الحيوانات والأخرى تتحدث عن الزروع والثمار؟
قال ابن كثير في تفسيره : "لما ذكر تعالى من الحيوانات ما يُسَار عليه في السبل الحسية، نبه على الطرق المعنوية الدينية، وكثيرًا ما يقع في القرآن العبور من الأمور الحسية إلى الأمور المعنوية النافعة الدينية". ا.هـ .
إذاً فالتنبيه هنا في هذه الآية على السبل المعنوية والتي هي أهم من المواصلات وأشكالها وأنواعها ورفاهيتها. فسواء ركب الإنسان حماراً أو بغلاً أو سيارة فارهة أو طائرة نفاثة ولم يهتدي الى سبيل الحق فهو ضال لا يدري الى أين يذهب حتى ولو وصل الى الكواكب والأقمار وطاف حول الأرض فيظل محصوراً في قائمة الجَوْر والتعدي والضلال. والله أعلم .
وفيه لطيفة أخرى : فكما أن الله عزوجل أودع في المخلوقات قوىً وغرائز توصلها إِلى هدفها .. فكذلك هدى اللّهُ الإِنسان بالعقل وأرسل له الأنبياء والوحي بما يعينه للسير على الصراط المستقيم للوصول إلى الهدف من خلقه وهو عبادة الله عزوجل وطاعته . ثم تأتي الأيات التالية لتتحدث عن النعم المادية مرة أخرى ( نزول الماء وانبات الثمرات المختلفة) بما يثير حسّ الشكر للمنعم عند الناس ويدعوهم للتقرب أكثر وأكثر لمعرفة المنعم الحق سبحانه وتعالى . [5]
/ ومن تدبرات الشيخ الددو في آيات الله الحكيمة أنه عند قراءته لقول الله تعالى في سورة النحل: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ )
قال: فذكر المراكب وامتن بها على عباده فذكر منها الحيوانات التي تعوّد العرب على ركوبها وهي الخيل والبغال والحمير، ثم قال: (وَيَخْلُقُ) بصيغة الفعل المضارع الدال على الاستقبال ومعناه سيخلق الله من أنواع المراكب ما لا يعلمه المخاطبون، فهذا يشمل ما عرفناه نحن الآن دخل فيه السيارات والطائرات والمراكب الفضائية وغيرها ولا ندعي انحصاره فيما ذكر بل يخلق أيضا في المستقبل ما لا نعلمه نحن كما خلق الآن ما لم يعلمه من سبقنا. (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ) وجدت أن كل المفسرين يفسرونها بأمر الهداية والضلالة فيقولون على الله قصد السبيل أي الهداية إلى سواء الطريق ، (ومنها) أي السبل ما هو جائر أي عن طريق الحق، لكن وجدت أن السياق يقتضي خلاف ذلك وأنه مرتبط بسياق الامتنان بالمراكب فـ (عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) معناه :
أن المراكب إذا كانت حية لها أعين وتدبر كالخيل والبغال والحمير يمكن أن تهتدي هي بأنفسها، لكن إذا كانت المراكب جمادا كالسيارات والطائرات والمراكب الفضائية فكيف تهتدي؟ على الله قصد السبيل، يخلق لها ما يدلها ولذلك وُجدت الآن الرادارات التي تهتدي بها الطائرات في الليالي الظلماء.
(وَمِنْهَا جَائِرٌ) : وجدت أن المقصود منها : أي من السبل والطرق التي تسلكها تلك المراكب ما هو جائر؛ أي مائل دائما فالخطوط الجوية كلها مائلة ، ولا يمكن أن يوجد أي خط جوي مستقيم ، لأنه لو سارت الطائرة في خط جوي مستقيم لوصلت إلى الفضاء الخارجي واختفت بعيدا عن الأرض لكن لابد أن تكون مائلة دائما حتى تبقى ...[6]
--------------------------------
1- برنامج روح المعاني للشيخ صالح المغامسي .
2- تفسير بن كثير .
3- أضواء البيان .
4- ملتقى أهل التفسير .
5- المرجع السابق .
6- برنامج تدبر القرآن الكريم 3
(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ)
وقوله : (وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) .
ويؤيد هذا التفسير قوله بعده : (وَمِنْهَا جَائِرٌ) وهذا الوجه أظهر عندي ، واستظهره ابن كثير وغيره ، وهو قول مجاهد .
الوجه الثاني : أن معنى الآية الكريمة : (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) ، أي : عليه - جل وعلا - أن يبين لكم طريق الحق على ألسنة رسله . ويدل لهذا الوجه :
قوله تعالى : (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) وقوله : (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)
وقوله : (فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) ، إلى غير ذلك من الآيات .
وعلى هذا القول ، فمعنى قوله (وَمِنْهَا جَائِرٌ) : غير واضح لأن المعنى : ومن الطريق جائر عن الحق وهو الذي نهاكم الله عن سلوكه . والجائر : المائل عن طريق الحق. والوجهان المذكوران في هذه الآية جاريان في قوله : (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى) الآية .
/ قوله تعالى (وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)
بيّن - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه لو شاء هداية جميع خلقه لهداهم أجمعين ، وأوضح هذا المعنى في آيات أخر :
كقوله (وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ)
وقوله : (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا)
وقوله : (وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكُواْ)
وقوله : (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا) الآية
وقوله : (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً) الآية . إلى غير ذلك من الآيات .
وقد قدمنا هذا في " سورة يونس ".[3]
/ علام يعود قوله تعالى (وَمِنْهَا جَائِرٌ) ؟
قد يشتبه على البعض في قوله تعالى (وَمِنْهَا جَائِرٌ) الظن أن تكون عائدة الى ما قبلها أي (الحيوانات) إلا أن النص القرآني ينتقل ليتحدث عن السبل فيكون معنى الآية :
على الله أن يبين سبيل الهداية وسبل الضلالة (وَمِنْهَا جَائِرٌ) أي من هذه السبل ما يجور عن الحق ويزيغ عنه وهي السبل المتفرقة وطرق الشيطان.. و (قصد السبيل) استعانة الطريق كما قال القرطبي يقال : طريق قاصد أي يؤدى إلى المطلوب.
عَنْ قَتَادَةَ: (وَمِنْهَا جَائِرٌ) " أَيْ مِنَ السُّبُلِ ، سُبُلُ الشَّيْطَانِ، وقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ تزيل اللثام عن المعنى المقصود فقد قرأ:(وَمِنْكُمْ جَائِرٌ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ )".[4]
س: لماذا جاءت هذه الآية بين آيتين : الأولى تتحدث عن الحيوانات والأخرى تتحدث عن الزروع والثمار؟
قال ابن كثير في تفسيره : "لما ذكر تعالى من الحيوانات ما يُسَار عليه في السبل الحسية، نبه على الطرق المعنوية الدينية، وكثيرًا ما يقع في القرآن العبور من الأمور الحسية إلى الأمور المعنوية النافعة الدينية". ا.هـ .
إذاً فالتنبيه هنا في هذه الآية على السبل المعنوية والتي هي أهم من المواصلات وأشكالها وأنواعها ورفاهيتها. فسواء ركب الإنسان حماراً أو بغلاً أو سيارة فارهة أو طائرة نفاثة ولم يهتدي الى سبيل الحق فهو ضال لا يدري الى أين يذهب حتى ولو وصل الى الكواكب والأقمار وطاف حول الأرض فيظل محصوراً في قائمة الجَوْر والتعدي والضلال. والله أعلم .
وفيه لطيفة أخرى : فكما أن الله عزوجل أودع في المخلوقات قوىً وغرائز توصلها إِلى هدفها .. فكذلك هدى اللّهُ الإِنسان بالعقل وأرسل له الأنبياء والوحي بما يعينه للسير على الصراط المستقيم للوصول إلى الهدف من خلقه وهو عبادة الله عزوجل وطاعته . ثم تأتي الأيات التالية لتتحدث عن النعم المادية مرة أخرى ( نزول الماء وانبات الثمرات المختلفة) بما يثير حسّ الشكر للمنعم عند الناس ويدعوهم للتقرب أكثر وأكثر لمعرفة المنعم الحق سبحانه وتعالى . [5]
قال: فذكر المراكب وامتن بها على عباده فذكر منها الحيوانات التي تعوّد العرب على ركوبها وهي الخيل والبغال والحمير، ثم قال: (وَيَخْلُقُ) بصيغة الفعل المضارع الدال على الاستقبال ومعناه سيخلق الله من أنواع المراكب ما لا يعلمه المخاطبون، فهذا يشمل ما عرفناه نحن الآن دخل فيه السيارات والطائرات والمراكب الفضائية وغيرها ولا ندعي انحصاره فيما ذكر بل يخلق أيضا في المستقبل ما لا نعلمه نحن كما خلق الآن ما لم يعلمه من سبقنا. (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ) وجدت أن كل المفسرين يفسرونها بأمر الهداية والضلالة فيقولون على الله قصد السبيل أي الهداية إلى سواء الطريق ، (ومنها) أي السبل ما هو جائر أي عن طريق الحق، لكن وجدت أن السياق يقتضي خلاف ذلك وأنه مرتبط بسياق الامتنان بالمراكب فـ (عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) معناه :
أن المراكب إذا كانت حية لها أعين وتدبر كالخيل والبغال والحمير يمكن أن تهتدي هي بأنفسها، لكن إذا كانت المراكب جمادا كالسيارات والطائرات والمراكب الفضائية فكيف تهتدي؟ على الله قصد السبيل، يخلق لها ما يدلها ولذلك وُجدت الآن الرادارات التي تهتدي بها الطائرات في الليالي الظلماء.
(وَمِنْهَا جَائِرٌ) : وجدت أن المقصود منها : أي من السبل والطرق التي تسلكها تلك المراكب ما هو جائر؛ أي مائل دائما فالخطوط الجوية كلها مائلة ، ولا يمكن أن يوجد أي خط جوي مستقيم ، لأنه لو سارت الطائرة في خط جوي مستقيم لوصلت إلى الفضاء الخارجي واختفت بعيدا عن الأرض لكن لابد أن تكون مائلة دائما حتى تبقى ...[6]
--------------------------------
1- برنامج روح المعاني للشيخ صالح المغامسي .
2- تفسير بن كثير .
3- أضواء البيان .
4- ملتقى أهل التفسير .
5- المرجع السابق .
6- برنامج تدبر القرآن الكريم 3
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق