الأربعاء، 30 يناير 2013

تفسير سورة الطور (17- 22) / الشيخ محمد بن علي الشنقيطي



الحمد لله البر الكريم ، الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولانوم ، يعلم ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ، يعلم ما في نفوسنا ولا نعلم ما في نفسه وهو علاّم الغيوب . خلق الإنسان علّمه البيان وأعدّ له في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر إذا هو آمن واستقام على الدين . وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين . أما بعد :
أيها الأحبة في الله مرحبا في روضة من رياض الجنة يُتلى فيها كتاب الله ويُتدارس ، تنزل فيها السكينة وتغشاها الرحمة ويذكر الله الحضور فيها فيمن عنده ويقول لهم بعد نهاية اجتماعهم (قوموا مغفورا لكم وقد بُدّلت سيئاتكم حسنات) .
بالأمس وصلنا إلى قول الله - جل وعلا - (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ*فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ*كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) وتحدثنا عن الجنة وبعض صفاتها وطعام أهلها وشراب أهلها فقد جمع الله - جل وعلا - فيها عوامل السعادة الأربعة ، فعوامل السعادة للإنسان أربعة :
- مسكن يؤيه 
- فراش في هذا المسكن 
- طعام وشراب
- مؤنس يؤنسه كزوجة وذرية 
فهذه الأربع هي عوامل سعادة الإنسان في الحياة ، لكن جمع الله - جل وعلا - للإنسان هذه العوامل على أحسن ما يكون :
- أما المسكن : فالجنة تجري من تحتها الأنهار ، بناؤها لبنة من فضة ولبنة من ذهب مفتحت لهم الأبواب ، لكل واحد منهم جنتان (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) جنة وهبها الله - جل وعلا - له وجنة أخرى ورثها من الكافر الذي ذهب إلى النار لأن الجنان التي خلقها الله - جل وعلا - خلقها على قدر بني آدم ، على قدر الخلق ، على قدر الإنس والجن لكل إنسان جنة ، فإذا ذهب الكفار إلى النار خلت جنانهم من الناس وورثهم المؤمنون (تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا) فمنها ما ورثه بالعمل ومنها ما ورثه من الكافر فضلا من الله - سبحانه وتعالى - إذ لم يدخل الكافر الجنة فيُعطيها الله - عز وجل - للمؤمن ، وهناك تجد أقل المؤمنين له جنتين وزد على ذلك كلما زاد فضل الله - جل وعلا - عليك.
/ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ*فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ) ذكرت يوم أمس أن الفاكه هذا نعيم القلب لأن النعيم يكون على أربعة أحوال : نعيم القلب ، ونعيم البدن ، ونعيم الروح ، والنعيم الجامع لذلك كله .
-  أما نعيم القلب فهو أفضل هذه كلها ، ويحصل هذا النعيم بسماع كلام الله - جل وعلا - (سَلامٌ قَوْلا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) ، ويحصل بالنظر إلى وجه الله - جل وعلا - (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ*إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) .  
- أما نعيم البدن فيحصل بالطعام والشراب وكذلك اللباس الجميل الذي يكون على البدن (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ) وغير ذلك من نعيم البدن ، وأيضا هناك نعيم للنفس ويدخل فيه الزواج بالحور العين (وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ).
/ (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا) هنا جاء فعل الأمر مطلق "كلوا" وفعل الأمر الآخر مطلق "واشربوا"،كلوا ماذا؟ واشربوا ماذا؟ لما كثُرت المأكولات في الجنة وكثُرت المشروبات وتنوعت وتعددت كان الأمر مطلق "كلوا" فكل شيء تأكلونه حلال ، "اشربوا" فكل شيء تشربونه حلال ، لكن في الدنيا ليس الأمر مُطلقا (كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) أما الجنة فلا حرام فيها ، (كُلُوا وَاشْرَبُوا) فكل شيء أمامكم حلال ، كلوا مما تشاؤون ، واشربوا مما تشاؤون .
/ ماذا يأكلون ؟ وماذا يشربون ؟
أول ما يأكل أهل الجنة إذا دخلوا الجنة زيادة كبد الحوت ، هذا أول طعام يأكله أهل الجنة بعد دخول الجنة ، يأكلوا الزيادة ، هناك حوت كبير خلقه الله تعالى زيادة كبده هي أول طعام يأكله أهل الجنة وهو ألذّ طعام موجود ، فإذا أكلوا تلك الزيادة وعمتهم جميعا ، إما أن لكل واحد زيادة كبد حوت يأكله أو أنها حوت واحد يأكلون من زيادته جميعا ، لم يرد تفصيل في ذلك ، وكل ذلك وارد .
ثانيا يبدؤن بالفواكه ، أكلوا زيادة كبد الحوت ثم يأكلون من الفواكه قال تعالى (وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ*وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ) فيبدؤون بالفاكهة بعد زيادة كبد الحوت ، فاكهة الجنة تختلف عن فاكهة الدنيا كما ليس بينهم إلا المسميات ، الجنة فيها جميع أنواع الفواكه التي تخطر ببالك والتي لا تخطر ببالك بل هنالك فواكه خلقها الله في الجنة ليست في الدنيا لا إسما لها ولا وصفا لها إذ في الجنة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ) لك أن تختار فأنت في جنة والجنة كلها فواكه ، بساتين ، جنة تدلت أغصانها ، تدلت ثمارها ، وأنت على سريرك في الجنة تنظر إلى الفاكهة التي تختار فلا تحتاج أن تمدّ يدك ، لا تحتاج أن تُحرك أصبع من أصابعك بل تأتي الفاكهة إليك حتى تصل إليك فإذا وصلت إليك أكلت منها ما تشاء ثم رجعت مكانها كما كانت من قبل ، الجنة ليس فيها مزابل ، ليس فيها قمامة ، تأكل ثم ترجع مكانها في الشجرة ، تشرب ويخرج ذلك الشراب عرقا ، وذلك الطعام يخرج عرقا ، وتأكل من لحم (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ) وكل ما في الجنة سماه الله طيرا ، ليس في الجنة دواب ، الدواب التي تمشي على رجلين وعلى أربع هذه ليست في الجنة ، كل الأنعام في الجنة تطير ، فالإبل لها أجنحة تطير والبقر تطير ، والغنم تطير ، والإنسان نفسه يطير في الجنة ولذلك أهل الجنة درجات والسير في الجنة إلى الأعلى والأسفل فإذا أردت زيارة شخص معين ، مثلا : تريد أن تزور محمد - صلى الله عليه وسلم - واشتهيت لقاء الحبيب ما هي إلا لحظة والنبي - صلى الله عليه وسلم نازل إليك ، هو الذي يزورك لست أنت الذي تزوره لماذا ؟ لأن مقامه عالٍ عنك وأنت يقول الله كل شيء تراه هو لك إذا لا يؤذن لك أن ترتفع حتى لا ترى شيئا ليس عندك مثله فتنزل إلى الأدنى فلا ترى شيئا تريده ، وهكذا عمل أهل الجنة ولقاء أهل الجنة الأعلى ينزل للأدنى ، والأدنى ينزل للذي دونه وليس فيهم دني ، ولهذا إذا أراد الله جمع أهل الجنة أتدرون أين يجتمعون ؟ لا يجتمع أهل الجنة جميعا إلا عند أدنى رجل في الجنة ، وذلكم الرجل قصّ علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - قصته ، هو آخر رجل يدخل الجنة ، آخر أهل الجنة دخولا وقد أُغلقت أبوابها وهو آخر رجل يخرج من النار بعدما تفحّم ، أصبح فحمة سوداء ، يخرج من النار إلى شفيرها ثم يقول : يارب ابعدني عنها فيُبعده الله فتتراءا له شجرتان فيقول : يارب أوصلني تلك الشجرة ولا أسألك غير ذلك ، فيقول الله له : عبدي أتعطيني العهود والمواثيق ألا تسألني غير ذلك ؟ قال : نعم يارب أعطيك العهود والمواثيق ألاّ أسألك غير ذلك ، توصلني شجرتين أتظلل بظلهما ، فإذا وصل إلى الشجرتين تراءت له الجنة فإذا رأها وقد أعطى الله العهود والمواثيق ألاّ يسأله يُخلف العبد العهد فيقول : يارب أوصلني باب الجنة ولا تدخلني ، فيوصله الله فيقول له : عبدي ألم تعطيني العهود والمواثيق ألاّ تسألني غير هذا ؟ قال : أوصلني باب الجنة ، فيُوصله الله باب الجنة . الجنة مغلقة والعبد هذا واقف عند هذا الباب فيقول الله له : عبدي أترضى أن أعطيك مثل مُلك ملِك من ملوك الدنيا ؟ فيقول العبد : أي ربي رضيت ، يقول : عبدي أترضى أن أعطيك مثل مُلك عشرة ملوك من ملوك الدنيا ؟ فيقول العبد : أي ربي رضيت ، فيقول : عبدي أترضى أن أعطيك مثل الدنيا كلها ؟ فيقول العبد : أي ربي رضيت ، فيقول الله - جل وعلا - : عبدي لك ذلك ومثله ومثله ومثله عشرات أمثاله (1) . هذا أدنى واحد في الجنة ، الدنيا كم مرة ، منذ خلقها الله إلى أن انتهت عشرات المرات تُعطى لأدنى واحد في الجنة ، فإذا دخل هذا الرجل وأُعطي مثل الدنيا عشرات المرات يتخيل إليه أنه أسعد رجل خلقه الله وإذا بالأنبياء والشهداء والصديقين والصالحين وأهل الجنة الذين دخلوها من قبل يأتون يسلمون عليه ، هذا محمد - صلى الله عليه وسلم - فسلم عليه ، هذا إبراهيم ، هذا موسى ، هذا عيسى ، وجميع الأنبياء والشهداء والصالحين وبقيت أهل الجنة يسلمون عليه والرجل مبسوط ، ما شاء الله - ملِك - وهو أدنى واحد في الجنة ، فيجتمع أهل الجنة كلهم عنده . طيب ماذا يأكلون ؟ (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا) أي شيء يبغونه يجدونه ، فيُصبح هذا الرجل - وهو أدنى رجل في الجنة - كأنه ملِك أهل الجنة جميعا ، أيكم يحب أن يكون ذاك الرجل ؟ فقط ذهب إلى النار وعُذب حتى أصبح فحمة ، هذا آخر واحد يدخل الجنة . 
/ الجنة أيضا أبوابها مفتّحة ، لكل قصر في الجنة أربعة أبواب من الجهات الأربعة يدخل الملائكة عليه من الأبواب (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُم) فيُسلم عليه من كل اتجاه ، في كل وقت وخصوصا أوقات الصلوات الخمس التي كان هو يُسلم فيها على عباد الله الصالحين يُسلَّم عليه فيها وهو في الجنة فإذا جاء وقت صلاة الجمعة ، ويوم الجمعة عند أهل الجنة يُسمّى يوم المزيد فإذا جاءت ساعة صعود الإمام على المنبر يوم الجمعة ، في ذلك الوقت يجمع الله أهل الجنّة ويأمرهم بزيارته ويُعدّ الله - جل وعلا- لهم المقام الكريم الذي يجتمعون فيه للنظر إلى وجه الله ولِسماع كلام الله ، فتأتي الدعوة إلى كل مؤمن عن طريق أي شيء يليه ، إذا كان بيده فاكهة إذا أكل منها خرجت بطاقة الدعوة ، من ضمن الفاكهة ، تفاحة أو برتقالة أو موزة تخرج بطاقة الدعوة ربك يدعوك لزيارته ، أقرب شيء ، لا يحتاج لرسول ليحملها . فإذا جاءت الدعوات فرِح المؤمنون بدعوة الله -جل وعلا- لهم فيحصل في ذلك المقام الكريم الذي أعدّه الله -جل وعلا- لأهل الجنة ، تُوضع الكراسي وهؤلاء هم السابقون ، هناك خمس كراسي لأولي العزم ،على رأسهم محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم الرسل ثم الأنبياء ثم الصدّيقون ثم الشهداء ثم الصالحون بعد ذلك وآخر الصالحين لا يجد كرسي إنما تكون هناك كُثبان من طيب ، من رمل من الطيب يجلسون عليها ، أما أصحاب المقاعد في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، هذا كل له مقام ، كل له مقعده ، هؤلاء الناس الذين حجزوا مقعد صدق (رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ) ، عندما يكون الله أحبّ إليك من كل شيء ، وما يحبه الله أحبّ إليك من كل شيء ، فتُقدم محاب الله على محاب نفسك يُقدم الله لك في الآخرة ما تُحب أنت ، فإذا جاء المؤمنون ، كلٌ جلس على مقعده يُسلّم الله عليه سلاما واحدا يسمعونه جميعا قبل أن ينظروا إلى وجهه فتسمع آذانهم كلام ربهم (سَلامٌ قَوْلا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) يسمعها أهل الجنة ، ثم يقول الله لأهل النار (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) ثم يُخاطب أهل النار (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ*وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ*وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ*هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) هذا خطابه لأهل النار ، أما أهل الجنة فيُسلّم عليهم ثم يقول (عبادي سلوني أعطكم) فيقولوا ماذا نسألك وقد غفرت ذنوبنا وسترت عيوبنا وكفرّت سيئاتنا وأعتقتنا من النار وأدخلتنا الجنة ، ماذا نسألك ؟ فيقول الله لهم (يا عبادي سلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) فالعلماء يُنتفع بهم في الدنيا والآخرة فاحرص على أن تكون منهم ، فيسألون أهل الذكر ، الأنبياء والعلماء والمرسلين ، فيقول لهم آدم -عليه الصلاة والسلام- أبونا ، أبو البشر : سلوا ربكم أن يُحلّ عليكم رضوانه فلا يسخط عليكم أبدا فإنه إن سخط عليكم أخرجكم من الجنة كما أخرج أبويكم من قبل . فيقولون : ياربنا نسألك رضاك الأكبر الذي لا سخط بعده ، فيقول الله : قد أحللت عليكم رضاي فلا أسخط عليكم أبدا . ثم يقول : عبادي سلوني أعطكم ، الله كريم والجنة دار التكريم ، والمؤمنون بين يديه وهو يقول للمرة الثانية سلوني أعطكم ، فيقولون ماذا نسألك ، لم يبقَ شيء ، يقول : اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ، فيتكلم موسى -عليه الصلاة والسلام- فيقول: سلو الله أن يُريكم وجهه فإني سألته ذلك فقال (لن تراني) - مادام فتح الباب سلوه- فيقولون : ربنا نسألك النظر إلى وجهك الكريم ، فيقول الله -جل وعلا- لهم وقد شخصت أبصارهم ونظرت إلى حجاب الله - جل وعلا- وحجابه النور فيكشف الله -جل وعلا- عن وجهه حتى لا يبقى في الجنة أحد إلا ونظر إلى وجه الله ليس بينهم وبينه حجاب ، وكل واحد منهم يكلمه الله ، يُحاضره الله من غير ترجمان ، من غير رسول ، من غير مُوصل فيُخاطبه عبدي خلقتك ولم تكُ شيئا ، رزقتك ولم تكن تملِك شيئا ، هديتك بعد أن كنت ضالا ، غفرت لك ، سترتك ، فعلت وفعلت ، أنقذتك من النار ، أدخلتك جنتي ، قربتك إلى جواري ، اسمعتك كلامي ، أريتك وجهي فهل أنت راضٍ عني ؟ (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) فتصبح وجوههم بعد نظرها إلى وجه الله على أتمّ وأكمل النضارة والجمال . فيخرجون بعد ذلك اللقاء يوم المزيد في ساعة الجمعة ، يخرجون كما كانوا يخرجون من الجامع بعد صلاة الجمعة (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ) كذلك في الجنة إذا قُضي اللقاء مع الله ونظرتم إلى وجه الله فانتشروا في الجنة وابتغوا من فضل الله ، فأول فضل الله يواجههم سوق قد بناه الله وأعدّه لأهل الجنة ، ملأه بالصور الجميلة التي هي أجمل ما رأت العين ، فإذا دخل الواحد منهم ، دخلوا سوق الجنة ورأوا صورا فالصورة التي أعجبتك تتخلق بها فيتخلّق أهل الجنة في كل أسبوع خلقا يختلف عن الخلق الذي كان في الأسبوع الماضي فإذا رأتك زوجتك في الجنة تقول : لقد زادك الله جمالا ، وتقول أنت لها : لقد زادك الله جمالا ، فتقول إذا هذا يوم المزيد فسُمي يوم الجمعة عند أهل الجنة بيوم المزيد قال تعالى (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) الحسنى هي : الجنة كلها ، والزيادة : النظر إلى وجه الله وتكون في الغالب يوم المزيد أي يوم الجمعة ، ومن أهل الجنة من يرى الله خلال العمر كله في الجنة مثل النبي -صلى الله عليه وسلم- والأنبياء ، ومنهم من يراه مرة في اليوم ، ومنهم من يراه مرتين في اليوم ، ومنهم من يراه في الأسبوع مرة ، ومنهم من يراه في الشهر مرة ، على حسب العمل والقرب من الله . وأكثر الناس حظا في رؤية الله -جل وعلا- أكثرهم ذكرا لله -سبحانه وتعالى- (2) .
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ*فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ*كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ*مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ)
 (مُتَّكِئِينَ) يعني يأكلون وهم متكؤون وهذا دليل على كمال الراحة ، في الدنيا نُهي أن يأكل الإنسان وهو متكئ والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد أن يأكل يجلس على قدم وينصب الأخرى ويقول (إنما أن عبد ابن أمة كانت تأكل القديد) ويأكل على الأرض.
/ يقول الله -سبحانه وتعالى- (وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ
هنا مسألة مفيدة جدا : (بِحُورٍ عِينٍ) "الباء" تكلم عليه العلماء كلام جميل ، قالوا : ليس هناك عقود زواج مع الحور العين ، ولا مآذين يكتبون الأنكحة -العقود- ، إذا كيف تكون (بِحُورٍ عِينٍ)؟ قالوا : الزواج إن عُدي بحرف كان بالمعنى العام وإن لم يُعدّ بحرف كان بالمعنى الشرعي مثل قول الله -عز وجل- (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا) لم يقل زوجناك بها (زَوَّجْنَاكَهَا) فالزواج إذا عُدّي معناه الجمع غير العقد وإذا لم يُعدَ كان العقد الشرعي ، إذا الحور العين هل هن زوجات بعقد شرعي أو أنهن مُلك يمين ؟ مُلك يمين ، ولذلك لم يُصف في الجنة إلا ملك اليمين ، لا يُوصف في الجنة إلا أدنى ما في الجنة ، فالحورية التي ذاب بعض الناس من جمالها هذه مُلك يمين أما المرأة الحرة التي دخلت الدنيا وصلت وصامت هذه لا يمكن تُوصف ، احرص على زوجتك تكون معاك في الجنة تراها أجمل من الحور العين آلآف المرات (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) . وهذه الآيات التي ستأتينا بعد قليل (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) سيأتينا فيها كلام جميل .
(وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍأي جعلنا الحور العين معهم في الجنة كما جعلنا لهم في الدنيا مُلك اليمين ولذلك وصف الله بطائن الأسرة ، بطائن الفُرش ، فُرُش بطائنها من استبرق ، البطائن اللي تحت ، الآن لو جئت لأكبر قصر وقلبت الكنب يكون تحت الكنب خرقة سوداء أو بيضاء ليس فيها من الجمال شيء هذه الخرقة السوداء أو البيضاء بطائنها من استبرق -أحسن أنواع الحرير- (بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ) .
كذلك غِلمان مُلك يمين (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ) ، (وَحُورٍ عِينٍ) مُلك يمين ، فما وُصف في الجنة هو المُلك أما الزوجة التي تزوجتها في الدنيا وماتت على الإسلام فهذه لا يمكن تُوصف كما أنك أنت في الجنة لا يمكن تُوصف .
/ لو أُعطيت بيتا في أحسن منطقة في مدينتك وأولادك في أسوأ حي في مدينتك فهل ترتاح ؟ لذلك قال الله (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ) ومعنى هذه الآية : إذا كنت أنت مؤمن وعملت صالحا وأبناؤك صالحين مؤمنين ولم يصلوا إلى مرتبتك ، أنت في الفردوس الأعلى وأبناؤك تحت ، هل يعطيهم الله من عملك شيئا يرتفعون به ؟ لا ، يُلحقهم بك إكراما لك من غير نقص من عملك (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ) اختلف العلماء في المراد بالذرية هنا على قولين :
- هل هم الذرية الذين ماتوا قبل البلوغ وليس عندهم إلا الإيمان الذي وُلِدوا عليه . 
- أو أنهم الأولاد الذين بلغوا وعملوا لكن عملهم قصُر أن يُوصلهم مرتبة آبائهم . 
فطائفة من أهل العلم ومنهم ابن القيم -رحمه الله- قال "المراد الأطفال الذين ماتوا قبل البلوغ فإن الوالد يتسلى بالأطفال الصغار أكثر من تسليه بالرجال الكبار ولو كانوا أبناءه ، ولأن الرجل الكبير مستقل وله أبناء هو كذلك سيُلحقون به فكان الحكم للصغار دون الكبار" . (3) فهذا قول ابن القيم ورجحه .
والقول الثاني يقول ابن القيم أننا لو قلنا أن الأمر داخل فيه الكبار لدخل أهل الجنة جميعا في الفردوس الأعلى إذ ما هم إلا أبناء صالحين ، أبناء الصحابة ، فالتابعين أبناؤهم صحابة ، وتابعوا التابعين أباؤهم صحابة وهكذا ، فيُلحق الجميع في الفردوس الأعلى .
فالابن إذا عمل صالحا أُلحق بوالده بشرط أن يدخل الجنة والله على كل شيء قدير . 
في الدنيا ما الذي يمنع من اللحوق بين الأولاد والوالدين ؟ يمنعه الموت ، الآن أجداكم ، جد رقم عشرة أين هو ؟ في بطن الأرض ، رقم ثمانية ، رقم سبعة ، حتى يمكن رقم أربعة هؤلاء كلهم ستُلحقون بهم في الأرض ، هذا إلحاق أكيد لكن هل تُلحقون بهم في الجنة ؟ نعم إذا عملتم .
/ الذرية في القرآن تأتي بمعنى الأبوة قال تعالى (وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) يعني آباءهم فيكون أيضا الأباء الصالحين يُلحقون بأبنائهم الصالحين فأصبح الإلحاق من جهتين : إلحاق الأبناء بالأباء وإلحاق الآباء بالأبناء فليكن في الأسرة رجل واحد صالح أبوه يرتفع إليه وأبناؤه يرتفعون إليه ، أو امرأة صالحة لأن "الذين"  وإن غلبت للمذكر يدخل فيها المؤنث لأن المذكر يدخل فيه المؤنث ولهذا قال تعالى (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) وقال الله -عز وجل- (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ) وقال الله -عز وجل- (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) لأنهم إذا ماتوا مسلمين لحقوا بك إذا كنت أعلى منهم أو لحقت بهم إذا كانوا أعلى منك .
(أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) وقيل : أن الإلحاق هنا المراد به إلحاق العمل ، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ : صدقةٍ جاريةٍ ، وعلمٍ ينتفعُ به ، وولدٍ صالحٍ يدعو له) فإذا كانوا أولاد صالحين يلحق عملهم بك ، يُكتب لك ، كلما صلى واحد تُكتب له صلاة ومثلها لك ، كلما صام يُكتب له صيام ومثله لك ، كلما زكى تُكتب له زكاة ومثلها لك ، فإلحاق عمله بعملك من غير نقص في عمله ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (الولد من كسب أبيه) ومنه قول الله -جل وعلا- (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ*مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) يعني ولده فالولد من كسب الأب ، فإن كان صالحا كان كسبا صالحا في الدنيا والآخرة وإن كان غير صالح كان كسبا سيئا في الدنيا والآخرة .
/ (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) هذه الآية دلت على كمال عدل الله، كما أن في الجزء الأول من هذه الآية دليل كمال فضله والجزء الثاني دليل كمال عدله . كيف ؟ قد يقول قائل ما دام الآباء يلحقون بالأبناء إذا الكفار أبناء الفراعنة سيلحقون بالفراعنة ، لا ، هذا في الجنة فقط ، الكافر لا يلحق هو وأولاده في كفره ، لو أن فرعون دخل النار -وهو سيدخلها- وله أولاد ، دعنا من فرعون ، مثلا أبو جهل كافر وهو فرعون هذه الأمة ، في جهنم بالتأكيد لكن أبناؤه هل سيلحقون به في جهنم ؟ طبعا لا ، عكرمة بن أبي جهل في الجنة ، لكن حتى لو أنه كافر هل سيكون في الكفر على درجته (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) ، (كُلُّ امْرِئٍ) هذه الآية محمولة على الكفار دون المؤمنين ، كيف ؟ 
الآن من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يُجزى إلا مثلها ، طيب (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ*وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) ،(كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) هناك "كسب" وهناك "اكتسب" لكن لما جاءت (رهين) حُملت "كسب" على كسب السيئات لأن الإنسان لا يُرهن بفعل الطاعات إنما يُرهن بالسيئات .
دخلنا الآن في باب الرِهان ، الرهان نوعان : رهان في القبر ، ورهان يوم الحشر :
- أما رهان القبر فيحصل للمؤمنين كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (نفس المؤمن مرهونة بدينه) فالإنسان إذا مات وعليه دين فلا يدخل الجنة حتى يُسدد دينه حتى ولو كان شهيدا ، حتى لو قُتل في سبيل الله ، فهذا الرهان يحصل للمؤمنين .
- أما رهان الآخرة فلا يحصل إلا للكفار ولذلك قال الله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ*إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ) استثناء.
/ (وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ) هنا فائدة طبية : إذا أردت أن تستفيد من اللحم ومن الطعام فقبل أن تأكل الغداء أو العشاء خذ فاكهة وكلها لمدة نصف ساعة قبل الأكل ، فهذه الفاكهة تفتح الشهية وتكون مُنظفة للمعدة ومُسهّلة للهضم ولهذا قدم الله ذكر الفاكهة على اللحم في مواطن كثيرة منها قوله تعالى (وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ*وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ) ومنها قوله تعالى (وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ) .
/ (فاكهة) نكرة في سياق الإثبات تُفيد العموم ، و(لحم) نكرة في سياق الإثبات تُفيد العموم ، أي لحم تريد وأي فاكهة تريدها ، لكن أحسن الفاكهة ما أقسم الله به (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) وأكثرها فوائد ، ثم اللحم أفضله لحم الطير وهو اللحم الأبيض.
 ______________________________
1- عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا الجنة رجل يخرج من النار حبوا فيقول الله تبارك وتعالى له اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى فيقول الله تبارك وتعالى له اذهب فادخل الجنة قال فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى فيقول الله له اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها أو إن لك عشرة أمثال الدنيا قال فيقول أتسخر بي أو أتضحك بي وأنت الملك قال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه قال فكان يقال ذاك أدنى أهل الجنة منزلة. [صحيح مسلم / كتاب الإيمان / باب آخر أهل النار خروجا ].
2- قال -صلى الله عليه وسلم-: (فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا)، يعني صلاة العصر وصلاة الفجر، ذكر أهل العلم أن السر في ذلك أن من حافظ عليهما يكون ممن ينظر إلى الله بكرة وعشيا، ينظر إلى الله بكرة وعشيا، في الجنة، يعني في مقدار البكرة والعشي، لأن الجنة ليس فيها ليل، كلها نهار مطرد، لكن بمقدار البكرة والعشي، كما قال تعالى: (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً) [مريم: 62]، يعني في مقدار البكرة والعشي في الدنيا، وهكذا في الرؤية في مقدار البكرة والعشي، يعني خواص أهل الجنة لهم الرؤية ما بين البكرة والعشي، يعني رؤية كثيرة بسبب أعمالهم الطيبة وإيمانهم الصادق، ومن أسباب ذلك محافظتهم على صلاة العصر وصلاة الصبح [موقع الشيخ بن باز -رحمه الله-].
3- قال ابن قيم الجوزية رحمه الله : " وقد اختلف المفسرون في " الذرية " في هذه الآية ، هل المراد بها : الصغار ، أو الكبار ، أو النوعان ، على ثلاثة أقوال : .... ثم قال : "واختصاص " الذرية " ههنا بالصغار : أظهر ؛ لئلا يلزم استواء المتأخرين بالسابقين في الدرجات ، ولا يلزم مثل هذا في الصغار ؛ فإن أطفال كل رجل وذريته معه في درجته ، والله أعلم " انتهى . "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" (ص 279-281) باختصار . [موقع الإسلام سؤال وجواب]
- قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : " إذا كان الأولاد سعداء ، والأب من السعداء : فإن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ) يعني : أن الإنسان إذا كان له ذرية ، وكانوا من أهل الجنة : فإنهم يَتبعون آباءهم ، وإن نزلت درجتُهم عن الآباء ، ولهذا قال : ( وَمَا أَلَتْنَاهُمْ ) أي : ما نقصنا الآباء ( مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ) بل الآباء بقي ثوابهم موفَّراً ، ورُفعت الذرية إلى مكان آبائها ، هذا ما لم يَخرج الأبناء عن الذرية بحيث ينفردون بأزواجهم ، وأهليهم ، فيكون هؤلاء لهم فضلهم الخاص ، ولا يلحقون بآبائهم ؛ لأننا لو قلنا : كل واحد يلحق بأبيه ولو كان له أزواج ، أو كان منفرداً بنفسه : لكان أهل الجنة كلهم في مرتبة واحدة ؛ لأن كل واحد من ذرية من فوقه ، لكن المراد بالذرية : الذين كانوا معه ، ولم ينفردوا بأنفسهم ، وأزواجهم ، وأولادهم ، فهؤلاء يرفعون إلى منزلة آبائهم ، ولا يُنقص الآباء من عملهم من شيء " انتهى . "فتاوى نور على الدرب" ( شريط 324 ، وجه : أ ) .
- وقال رحمه الله - أيضاً - : " ثم قال عز وجل : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) الطور/21 ، الذين آمنوا واتبعتهم الذرية بالإيمان ، والذرية التي يكون إيمانها تبعاً : هي الذرية الصغار ، فيقول الله عز وجل : ( أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) أي : جعلنا ذريتهم تلحقهم في درجاتهم . وأما الكبار الذين تزوجوا : فهم مستقلون بأنفسهم في درجاتهم في الجنة ، لا يلحقون بآبائهم ؛ لأن لهم ذرية ، فهم في مقرهم ، أما الذرية الصغار التابعون لآبائهم : فإنهم يرقَّون إلى آبائهم ، هذه الترقية لا تستلزم النقص من ثواب ودرجات الآباء ، ولهذا قال : ( وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ) ، ( ألتناهم ) يعني : نقصناهم ، يعني : أن ذريتهم تلحق بهم ، ولا يقال أخصم من درجات الآباء بقدر ما رفعتم درجات الذرية ، بل يقول : ( وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ) " انتهى . "تفسير القرآن من الحجرات إلى الحديد" (ص 187) .
[موقع الإسلام سؤال وجواب] .

    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق