▪️وقال ابن تيمية رحمه الله: اعلم أن سورة (هل أتى على الإنسان) سورة عجيبة الشأن من سور القرآن على اختصارها، فإن الله سبحانه ابتدأها بذكر كيفية خلق الإنسان من النطفة ذات الأمشاج والأخلاط التي لم يزل بقدرته ولطفه وحكمته يُصرّفُه عليها أطوارا، وينقله من حال إلى حال إلى أن تمت خلقته وكمُلت صورته، فأخرجه إنسانا سويا سميعا بصيرا، ثم لما تكامل تمييزه وإدراكه هداه طريقي الخير والشر، والهدى والضلال، وأنه بعد هذه الهداية إما أن يشكر ربه وإما أن يكفره، ثم ذكر مآل أهل الشكر والكفر، وما أعد لهؤلاء وهؤلاء، وبدأ أولا بذكر عاقبة أهل الكفر، ثم عاقبة أهل الشكر، وفي آخر السورة ذكر أولا أهل الرحمة ثم أهل العذاب. فبدأ السورة بأول أحوال الإنسان وهي النطفة، وختمها بآخر أحواله وهي كونه من أهل الرحمة أو العذاب، ووسّطها بأعمال الفريقين، فذكر أعمال أهل العذاب مجملة في قوله: (إنا أعتدنا للكافرين)، وأعمال أهل الرحمة مفصّلة وجزاءهم مفصلا». «جامع الرسائل لابن تيمية» (١/ ٦٩).
الجمعة، 7 نوفمبر 2025
فوائد سورة الإنسان الآيات (۱-۱۱)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة اللهَ وبركاته
أبدأ بفوائد عامة في سورة الإنسان
▪️عن أبي هريرة رضي اللهَ عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح يوم الجمعة بـ (الم تنزيل) - أي السجدة- في الركعة الأولى، وفي الثانية (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا)». «صحیح مسلم» (۲) (٥٩٩)
▪️قوله تعالى: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا):
قال الطبري رحمه الله:" قيل: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) لأنه أتى عليه وهو جسم مُصوّر لم تنفخ فيه الروح أربعون عاما، فكان شيئا، غير أنه لم يكن شيئا مذكورا، قالوا: ومعنى قوله: (لم يكن شيئا مذكورا) لم يكن شيئا له نباهة، ولا رفعة، ولا شرف، إنما كان طينا لازبا وحمأ مسنونا".
(تفسير الطبري (٢٤ / ٨٨)).
وقال ابن الجوزي رحمه الله: "قوله تعالى: (هل أتى) قال الفراء : معناه: قد أتى، و (هل) تكون خبرا، وتكون جحدا - أي نفيا- فهذا من الخبر، لأنك تقول: هل وعظتك ؟ هل أعطيتك ؟ فتقرره بأنك قد فعلت ذلك. والجحد أن تقول: وهل يقدر أحد على مثل هذا؟ وهذا قول المفسرين، وأهل اللغة.
وفي هذا الإنسان قولان:
أحدهما: أنه آدم عليه السلام. والحين الذي أتى عليه أربعون سنة، وكان مصورا من طين لم ينفخ فيه الروح، هذا قول الجمهور.
والثاني: أنه جميع الناس، روي عن ابن عباس، وابن جريج، فعلى هذا يكون الإنسان اسم جنس، ويكون الحين زمان كونه نطفة، وعلقة، ومضغة". (زاد المسير في علم التفسير) (٤ / ٣٧٤).
وقال البغوي رحمه الله: "روي أن عمر سمع رجلا يقرأ هذه الآية: (لم يكن شيئا مذكورا) فقال عمر: ليتها تمت، يريد ليته بقي على ما كان" (تفسير البغوي (۸) (۲۸۹)). أي: ليته لم يُخلق ويُكلّف بهذا التكليف.
▪️قوله تعالى: (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا)
قال الطبري رحمه الله: "كان بعض أهل العربية يقول: المعنى: جعلناه سميعا بصيرا لنبتليه، فهي مقدمة معناها التأخير، إنما المعنى خلقناه وجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه، ولا وجه عندي لما قال يصح، وذلك أن الابتلاء إنما هو بصحة الآلات وسلامة العقل من الآفات، وإن عُدم السمع والبصر، وأما إخباره إيانا أنه جعل لنا أسماعا وأبصارا في هذه الآية، فتذكير منه لنا بنعمه، وتنبيه على موضع الشكر؛ فأما الابتلاء فبالخلق مع صحة الفطرة، وسلامة العقل من الآفة". (تفسير الطبري» (٢٤/ ٩١).
وقال البغوي رحمه الله: قال ابن عباس والحسن ومجاهد، والربيع: (من نطفة أمشاج): يعني ماء الرجل وماء المرأة يختلطان في الرحم، فيكون منهما الولد، فماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا صاحبه كان الشبه له". (تفسير البغوي (۲۹۲۸))
▪️قوله تعالى: (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا)
قال ابن القيم رحمه الله: "قسّم الناس إلى شكور وكفور، فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهله، وأحب الأشياء إليه الشكر وأهله، قال تعالى في الإنسان: (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا)، وقال نبيه سليمان: (هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم)، وقال تعالى: {وإذ تأذّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد، وقال تعالى: (إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم). وهذا كثير في القرآن يقابل سبحانه بين الشكر والكفر، فهو ضده.
وقال تعالى : {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين)، والشاكرون هم الذين ثبتوا على نعمة الإيمان، فلم ينقلبوا على أعقابهم". (عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين)
وقال ابن كثير رحمه الله: "(إنا هديناه السبيل) أي بيّناه له ووضحناه وبصرناه به كقوله: (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى)، وكقوله: (وهديناه النجدين) أي: بيّنا له طريق الخير وطريق الشر....
جاء في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل الناس يغدو فبائع نفسه فموبقها أو معتقها)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة حتى يُعرب عنه لسانه، فإذا أعرب عنه لسانه، فإما شاكرا وإما كفورا)». «تفسير ابن كثير» (٨ ٢٨٦).
▪️قوله تعالى: (إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا)
قال القرطبي رحمه الله: "عن أبي الدرداء كان يقول : "ارفعوا هذه الأيدي إلى الله جل ثناؤه قبل أن تُغل بالأغلال". وقال الحسن: "إن الأغلال لم تجعل في أعناق أهل النار، لأنهم أعجزوا الرب سبحانه، ولكن إذلالا". (الجامع لأحكام القرآن | (١٩/ ١٢٤)).
▪️قوله تعالى: (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا)
قال ابن الجوزي رحمه الله: "(كان مزاجها) يعني مزاج الكأس (كافورا)، وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الكافور المعروف قاله مجاهد و مقاتل، فعلى هذا في المراد بالكافور ثلاثة أقوال:
أحدها: برده، قاله الحسن
والثاني: ريحه، قاله قتادة
والثالث: طعمه، قاله السدي.
والثاني : أنه اسم عين في الجنة، قاله عطاء، وابن السائب.
والثالث: أن المعنى مزاجها كالكافور لطيب ريحه، وأجازه الفراء والزجاج". (زاد المسير في علم التفسير \ (٤ / ٣٧٥)).
وقال السعدي رحمه الله: "(يشربون من كأس) أي شراب لذيذ من خمر قد مُزج بكافور، أي: خُلط به ليبرده ويكسر حدته، وهذا الكافور في غاية اللذة، قد سلم من كل مكدر ومنغص موجود في كافور الدنيا، فإن الآفة الموجودة في الأسماء التي ذكر الله أنها في الجنة وهي في الدنيا تُعدم في الآخرة. كما قال تعالى: (في سدر مخضود وطلح منضود) ،(وأزواج مطهرة)، (لهم دار السلام عند ربهم)، (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين)". (تفسير السعدي) (ص ۹۰۱).
■ قوله تعالى: (عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا)
قال ابن القيم: قوله تعالى: "عينا يشرب بها عباد الله" فإنهم يضمنون ( يشرب) معنى (يروى) فيعدونه بالباء التي تطلبها، فيكون في ذلك دليل على الفعلين أحدهما بالتصريح به والثاني بالتضمن والإشارة إليه بالحرف الذي يقتضيه مع غاية الاختصار، وهذا من بديع اللغة ومحاسنها وكمالها وهذا أحسن من أن يقال: يشرب منها، فإنه لا دلالة فيه على الري، وأن يقال: يروى بها؛ لأنه لا يدل على الشرب بصريحه بل باللزوم، فإذا قال: يشرب بها، دل على الشرب بصريحه، وعلى الري بحرف الباء. فتأمله».
بدائع الفوائد» (٢/ ٤٢٤).
وقال ابن القيم أيضا: وأما سورة الإنسان فقال تعالى: (إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا) فهؤلاء الظالمون أصحاب المشأمة. ثم قال: (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) فهؤلاء المقتصدون أصحاب اليمين. ثم قال: (عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا) فهؤلاء المقربون السابقون، ولهذا خصهم بالإضافة إليه، وأخبر أنهم يشربون بتلك العين صرفا محضا، وأنها تمزج للأبرار مزجا كما قال في سورة المطففين في شراب الأبرار: (ومزاجه من تسنيم* عينا يشرب بها المقربون).
[طريق الهجرتين وباب السعادتين (١/ ٤٢١)]
وقال ابن كثير رحمه الله: "(يفجرونها تفجيرا) أي: يتصرفون فيها حيث شاؤوا وأين شاؤوا، من قصورهم ودورهم ومجالسهم ومحالهم والتفجير هو الإنباع، كما قال تعالى: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا)، وقال: (وفجرنا خلالهما نهرا). تفسير ابن كثير) (۲۸۷/۸).
■ قوله تعالى: (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا) قال البغوي رحمه الله: "ويخافون يوما كان شره مستطيرا فاشيا ممتدا ، يقال : استطار الصبح، إذا امتد وانتشر".
قال مقاتل: "كان شره فاشيا في السماوات فانشقت وتناثرت الكواكب، وكورت الشمس والقمر، وفزعت الملائكة، وفي الأرض فنسفت الجبال، وغارت المياه، وتكسر كل شيء على الأرض من جبل وبناء". تفسير البغوي (٢٩٤٨).
وقال القرطبي رحمه الله: (يوفون بالنذر ) أي لا يخلفون إذا نذروا.
وقال معمر عن قتادة: "بما فرض الله عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة وغيره من الواجبات".
وقال مجاهد وعكرمة: يوفون إذا نذروا في حق الله جل ثناؤه". وقال الفراء والجرجاني: "وفي الكلام إضمار ، أي كانوا يوفون بالنذر في الدنيا. والعرب قد تزيد مرة كان وتحذف أخرى وقد قال الله تعالى : (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم) أي أعمال نسكهم التي ألزموها أنفسهم بإحرامهم بالحج. وهذا يقوي قول قتادة. وأن النذر يندرج فيه ما التزمه المرء بإيمانه من امتثال أمر الله». (الجامع لأحكام القرآن» (۱۹/ ۱۲۷). يعني أن الواجبات في أصل الشرع داخلات في قوله تعالى : (يوفون بالنذر). والله تعالى أعلم.
وقال ابن كثير رحمه الله: "يتعبدون الله فيما أوجبه عليهم من فعل الطاعات الواجبة بأصل الشرع، وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر، وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) رواه البخاري. ثم قال: "ويتركون المحرمات التي نهاهم عنها خيفة من سوء الحساب يوم المعاد، وهو اليوم الذي شره مستطير أي منتشر عام على الناس إلا من رحم الله». «تفسیر ابن کثیر» (۸) ۲۸۷).
■ قوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا):
قال ابن الجوزي رحمه الله : "في الأسير أربعة أقوال:
أحدها: أنه المسجون من أهل القبلة، قاله مجاهد، وعطاء، وسعيد بن جبير.
والثاني: أنه الأسير المشرك، قاله الحسن، وقتادة.
والثالث: المرأة، قاله أبو حمزة الثمالي. - أخذا له من قول النبي صلى الله عليه وسلم عن النساء (فإنهن عوان عندكم) -
والرابع: العبد
ذكره الماوردي». زاد المسير في علم التفسير (٤ / ٣٧٧).
وقال القرطبي رحمه الله: "(ويطعمون الطعام على حبه) قال ابن عباس ومجاهد: "على قِلته وحبهم إياه وشهوتهم له"
وقال الداراني: "على حب الله". وقال الفضيل بن عياض: "على حب إطعام الطعام. وكان الربيع بن خثيم إذا جاءه السائل قال: "أطعموه سُكرا، فإن الربيع يحب السكر". الجامع لأحكام القرآن» (۱۹) .(۱۲۸)
وقال ابن تيمية رحمه الله : "أخبر عنهم بإطعام الطعام على محبتهم له، وذلك يدل على نفاسته عندهم وحاجتهم إليه، وما كان كذلك فالنفوس به أشح، والقلوب به أعلق، واليد له أمسك فإذا بذلوه في هذه الحال فهم لما سواه من حقوق العباد أبذل.
فذكر من حقوق العباد بذل قوت النفس على نفاسته وشدة الحاجة منبها على الوفاء بما دونه، كما ذكر من حقوقه الوفاء بالنذر منبها على الوفاء بما هو فوقه وأوجب منه، ونبه بقوله : (على حبه) أنه لولا أن الله سبحانه أحب إليهم منه لما آثروه على ما يحبونه، فآثروا المحبوب الأعلى على الأدنى". «جامع الرسائل لابن تيمية (۱) (۷۲)».
وقال ابن القيم رحمه الله: فطر الله العباد على أن من تقرب إلى محبوبه بأفضل هدية يقدر عليها وأجلها وأعلاها كان أحظى لديه وأحب إليه ممن تقرب إليه بألف واحد رديء من ذلك النوع. وقد نبه سبحانه على هذا بقوله: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد)،
وقال تعالى: { ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه)، وقال: (ويطعمون الطعام على حبه) وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الرقاب، فقال: (أغلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها.
«أعلام الموقعين عن رب العالمين) (۲/ ۸۹)».
وقال ابن كثير رحمه الله: "روى البيهقي، من طريق الأعمش عن نافع قال: "مرض ابن عمر فاشتهى عنبا أول ما جاء العنب فأرسلت صفية - يعني امرأته - فاشترت عنقودا بدرهم، فاتبع الرسول السائل - يعني المُرسل لشراء العنب اتبعه سائل فقير - فلما دخل به قال السائل: السائل، فقال ابن عمر رضي الله عنهما: "أعطوه إياه" فأعطوه إياه، ثم أرسلت بدرهم آخر فاشترت عنقودا، فاتبع الرسول السائل، فلما دخل قال السائل: السائل، فقال ابن عمر: أعطوه إياه، فأعطوه إياه، فأرسلت صفية إلى السائل فقالت: "والله إن عدت لا تصيب منه خيرا أبدا" ثم أرسلت بدرهم آخر فاشترت به".
وفي الصحيح: (أفضل الصدقة أن تصدّق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى، وتخشى الفقر) أي: في حال محبتك للمال وحرصك عليه وحاجتك إليه". «تفسير ابن كثير (۲۸۸۸)»
■ قوله تعالى: (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا)
أخرج الطبري في تفسيره عن سعيد بن جبير رحمه الله أنه قال في قوله تعالى: (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) قال: "أما والله ما قالوه بألسنتهم، ولكن علمه الله من قلوبهم فأثنى عليهم ليرغب في ذلك راغب". «تفسير الطبري» (٢٤/ ٩٨).
وقال ابن تيمية رحمه الله: "ومن الجزاء أن يطلب الدعاء، قال تعالى عمن أثنى عليهم: {إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، والدعاء جزاء، كما في الحديث: (من أسدى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه).
وكانت عائشة إذا أرسلت إلى قوم بصدقة تقول للرسول - المُرسل بالصدقة ـ : اسمع ما يدعون به لنا حتى ندعو لهم بمثل ما دعوا لنا، ويبقى أجرنا على الله.
وقال بعض السلف : "إذا قال لك السائل : بارك الله فيك فقل : وفيك بارك الله".
فمن عمل خيرا مع المخلوقين سواء كان المخلوق نبيا أو رجلا صالحا أو ملكا من الملوك أو غنيا من الأغنياء فهذا العامل للخير مأمور بأن يفعل ذلك خالصا الله يبتغي به وجه الله ، لا يطلب به من المخلوق جزاء ولا دعاء ولا غيره، لا من نبي ولا رجل صالح ولا من الملائكة". «مجموع الفتاوى» (۱) ۱۸۸).
وقال ابن تيمية رحمه الله: "فلا يطلب ممن أحسن إليه جزاء ولا شكورا لأنه إنما عمل له ما عمل الله، كما قال الأبرار: {إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا)، ولا يمُنّ عليه بذلك ولا يؤذيه فإنه قد عُلم أن الله هو المانّ عليه إذ استعمله في الإحسان، وأن المنة الله عليه وعلى ذلك الشخص - أي المُحسن إليه - فعليه هو : أن يشكر الله إذ يسره لليسرى، وعلى ذلك: أن يشكر الله إذ يسر له من يقدم له ما ينفعه من رزق أو علم أو نصر أو غير ذلك". «مجموع الفتاوى (١٤ / ٣٣٠)».
■ قوله تعالى: (إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا)
قال البغوي رحمه الله: " (إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا) تعبس فيه الوجوه من هوله وشدته، نسب العبوس إلى اليوم كما يقال: يوم صائم وليل قائم، وقيل وُصِف اليوم بالعبوس لما فيه من الشدة.
(قمطريرا) قال قتادة، ومجاهد، ومقاتل: " القمطرير: الذي يقبض الوجوه والجباه بالتعبيس". قال الكلبي: "العبوس الذي لا انبساط فيه والقمطرير الشديد"، قال الأخفش : "القمطرير أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء يقال: يوم قمطرير وقماطر، إذا كان شديدا كريها». «تفسير البغوي (٢٩٥/٨)».
■ قوله تعالى: (فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا)
قال ابن القيم رحمه الله: "وقد جمع سبحانه بين الجمالين - أعني جمال الظاهر والباطن - في غير موضع من كتابه:
منها قوله: (يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سواتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير).
ومنها قوله في نساء الجنة (فيهن خيرات حسان) فهن حسان الوجوه، خيرات الأخلاق.
ومنها قوله: (ولقاهم نضرة وسرورا) فالنضرة جمال الوجوه، والسرور جمال القلوب.
ومنها قوله : (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) فالنضرة تزين ظواهرها، والنظر يجمل بواطنها.
ومنها قوله: (وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا) فالأساور جملت ظواهرهم، والشراب الطهور طهر بواطنهم.
ومنها قوله: (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب* وحفظا من كل شيطان مارد) فجمل ظاهرها بالكواكب، وباطنها بالحراسة من الشياطين. «مدارج السالكين» (٤) ٢٢١-٢٢٢).
وقال ابن كثير رحمه الله: "القلب إذا سُر استنار الوجه"، قال كعب بن مالك في حديثه الطويل: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، وقالت عائشة: "دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا تبرق أسارير وجهه..) الحديث. «تفسير ابن كثير (۲۸۹/۸)».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. أبصار الإسلام https://youtu.be/PYB0PPmEIZM
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق