الاثنين، 27 أكتوبر 2025

التعليق على تفسير سورة الإنسان الآيات (۱-۱۱)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله في هذه الفقرة المتعلقة بالتعليق على تفسير الآيات من سورة الإنسان من الآية الأولى وحتى الآية الحادية عشرة من المختصر في تفسير القرآن الكريم.

ن/ سورة الإنسان: مكية.
مِنْ مَقَاصِدِ السُّورَةِ تذكير الإنسان بأصل خلقه ومصيره، وبيان ما أعد الله في الجنة لأوليائه.
ت/ نعم من مقاصد سورة الإنسان، تذكير الإنسان بأصل خلقه، ومن أي شيء خلقه الله وأنه كان عدما قبل أن يخلقه الله، وتذكيره كذلك بمصيره الذي سيصير إليه في الآخرة من دخول الجنة أو النار، ومن مقاصدها كذلك بيان ما أعد الله في الجنة لأوليائه، وهذا ما جاء تفصيلا في هذه السورة، بينما جاء عذاب الكافرين مجملا في آية واحدة، أما في سورة المرسلات فقد جاء عذاب المكذبين مفصلا وجاء نعيم المتقين مجملا. نعم

ن/ قال تعالى (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَذْكُورًا )
 قد مر على الإنسان دهر طويل كان فيه معدوما لا ذكر له. 
ت/ نعم، قال: هل أتى على الإنسان؟ الاستفهام هنا استفهام تقريري، فـ (هل أتى) بمعنى قد مر على الإنسان، وقد أتى على الإنسان حين من الدهر، يعني زمن طويل من الدهر، لم يكن شيئا مذكورا. بمعنى أنه كان عدما لا أثر له ولا ذكر، وذلك قبل أن يخلق، وقبل أن تنفخ فيه الروح، نعم

ن/ قال تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَهُ سَمِيعًا بَصِيرًا)
 أي: إنا خلقنا الإنسان من نطفة خليطة بين ماء الرجل وماء المرأة 
ت/ نعم  قال: (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج) يعني أن النطفة مخلوطة بين ماء الرجل وماء المرأة،

ن/ نختبره بما نُلزمه به من التكاليف.
ت/ هذا معنى قوله (نبتليه) يعني خلقناه لنبتليه، لنختبره بما نلزمه به من الأوامر والنواهي الشرعية، نعم

ن/ فجعلناه سميعا بصيرا ليقوم بما كلفناه به من الشرع.
ت/ يعني أن الله سبحانه وتعالى جعل الإنسان سميعا ليسمع آيات الله سبحانه وتعالى، وجعله بصيرا ليرى دلائل الله في خلقه، فيكون سببا في إيمانه والتزامه بالتكاليف الشرعية، نعم

ن/ قوله تعالى (إِنَّا هَدَيْنَهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)
أي بينا له على ألسنة رسلنا طريق الهداية، فاستبانت له بذلك طريق الضلال..
ت/ نعم قال (إنا هديناه السبيل) أي بينا له طريق الهداية، ومن عرف طريق الهداية استباkت له طرق الضلال، لأن الهدى واحد غير متعدد، وما عدا الهدى ضلال مهما كثر، فماذا بعد الحق إلا الضلال، نعم.

ن/ فهو بعد ذلك إما أن يهتدي للصراط المستقيم، فيكون عبدًا مؤمنا شكورا الله، وإما أن يضل عنها فيكون عبدًا كافرًا جحودا لآيات الله.
ت/ نعم، قال (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) فالله سبحانه وتعالى بيّن له طريق الهداية، و(هديناه) هنا، بمعنى بينا له، فهو إما أن يكون بعد ذلك شاكرا مهتديا، بمعنى أنه يوفق للهداية، وإما أن يكون كفورا جحودا لآيات الله سبحانه وتعالى.

ن/ ولما بيّن الله نوعي المهتدي والضال بيّن جزاءهما فقال:
 (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَفِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا) أي: إنا أعددنا للكافرين بالله وبرسله سلاسل يسحبون بها في النار، وأغلالًا يُغَلّون بها فيها، ونارًا مُسْتَعِرة. 
ت/ نعم، قال (إنا أعتدنا) أعتدنا أي: أعددنا للكافرين. 
(سلاسل وأغلالا وسعيرا) السلاسل: حِلق غليظة من حديد تشد بها أرجلهم، كما قال تعالى: (ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه)، والأغلال: قيود من حديد تُغل بها أيديهم إلى أعناقهم ويوثقون بها كما قال تعالى (فسوف يعلمون* إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون* في الحميم ثم في النار يسجرون) نسأل الله العافية. نعم

ن/ (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا)
أي: إن المؤمنين المطيعين الله يشربون يوم القيامة من كأس خمر مملوءة ممزوجة بالكافور لطيب رائحته.
ت/ نعم، إن الأبرار الأبرار هم المؤمنون المطيعون لله سبحانه وتعالى، ذكر من نعيمهم أنهم يشربون من كأس، كان مزاجها كافورا، يعني يشربون من كأس خمر مملوءة ممزوجة بالكافور ليطيب الرائحة، وليكسر حدة الخمر، نعم

ن/ قال تعالى (عَيْنَا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِرُونَهَا تَفْجِيرًا )
أي: هذا الشراب المُعدّ لأهل الطاعة هو من عين سهلة التناول غزيرة لا تَنْضَب ، يَرْوَى بها عباد الله، يسيلونها ويُجرونها أين شاؤوا.
ت/ نعم، ذكر أن مزاج كأس الخمر من عين يشرب بها عباد الله، فإما أن تكون الخمر نفسها من هذه العين، أو يكون مزاج الخمر الذي هو الكافور من هذه العين، قال: (يشرب بها) ولم يقل (يشرب منها، وتعدية فعل يشرب بالباء يدل على تضمين فعل يشرب معنى فعل آخر، فيكون مضمنا معنى يروى بها عباد الله، أو يتلذذ بها عباد الله، فهم يشربون منها، ويرون بها، ويتلذذون بها. وهذه العين لا تنضب بمعنى أنهم لا يخشون نفادها وانتهاء مائها، ثم قال (يفجرونها تفجيرا) بمعنى أنهم يوجهونها حيث شاءوا، يتحكمون في مجرى هذه العين نسأل الله من فضله نعم.

ن/ قال تعالى (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا )

أي: وصفات العباد الذين يشربونها أنهم يوفون بما ألزموا به أنفسهم من الطاعات، ويخافون يوما كان شره منتشرا فاشيا وهو يوم القيامة.
ت/ نعم ذكر صفات الأبرار التي استحقوا بها النعيم المقيم، فذكر من صفاتهم أنهم يوفون بالنذر، يعني أنهم كانوا في الدنيا يوفون بما ألزموا به أنفسهم من الطاعات مما لم يكن واجب عليهم بأصل الشرع، والوفاء يدل على أنهم يؤدون ما ألزموا به أنفسهم كامل وافيا دون نقص، فإذا كان هذا حالهم مع ما أوجبوه هم على أنفسهم ولم يكن واجبا عليهم بأصل الشرع، فلا شك أن حالهم مع ما هو واجب عليهم بما أوجبه الله يكون أعلى وأكمل.
ثم ذكر من صفاتهم أنهم يخافون يوما كان شره مستطيرا، يعني أنهم يخافون يوم القيامة، وهذا ما ذكره الله عنهم في آيات كثيرة. من ذلك ما جاء من قول الله سبحانه وتعالى (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون* قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين*فمنّ الله علينا ووقانا عذاب السموم) فحالهم في الدنيا أنهم يخافون من يوم القيامة فيعملون لذلك اليوم، ويخافون أن يكونوا من المعذبين في ذلك اليوم الذي شره منتشر عام يصيب كثيرا من الناس. والله المستعان، نعم

ن/ قال تعالى (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينَا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ) ويطعمون الطعام مع كونهم في حال يحبونه لحاجتهم إليه واشتهائهم له، يطعمونه المحتاجين من الفقراء واليتامى والأسارى.
ت/ نعم ذكر من صفاتهم ثالثا أنهم يطعمون الطعام على حبه، أي مع حبهم لهذا الطعام لحاجتهم إليه، أو لاشتهائهم له مع ذلك يطعمونه المسكين وهو الفقير، واليتيم وهو: من فقد أباه صغيرا، والأسير: الذي أسره الكفار نعم

ن/ قال تعالى (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شَكُورًا)

أي: ويُسرون في أنفسهم أنهم لا يطعمونهم إلا لوجه الله، فهم لا يريدون منهم ثوابًا ولا ثناء على إطعامهم إياهم.
ت/ نعم قال: ويسرون في أنفسهم أنهم لا يطعمونهم إلا لوجه الله، لو قالوها في وجوه المساكين واليتامى والأسارى، لكان فيه نوع منٍّ عليهم، ولكان فيه نوع من عدم الإخلاص التام لله سبحانه وتعالى، لكنهم حينما يطعمون الطعام يقولون في أنفسهم إنما نطعمكم لوجه الله، أي ابتغاء ثواب الله، لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، لا نريد منكم مقابل هذا الإطعام مدحا، ولا شكرا، ولا ثناء ولا مالا، ولا جاها، ولا غير ذلك، نعم

ن/ قال تعالى (إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبَّنَا يَوْمًا عَبُوسًا فَتَطَرِيرًا )

أي: إنا نخاف من ربنا يوما تكلح فيه وجوه الأشقياء لشدّته وفظاعته.
ت/ نعم، قال (إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا) كرر ذكر خوفهم من يوم القيامة، بعد أن ذكره قبل آيات قليلة فقال سابقا (ويخافون يوما كان شره مستطيرا)، ثم قال هنا (إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا) فحالهم في الدنيا أنهم خائفون، وجلون من عاقبتهم ومصيرهم يوم القيامة مع أنهم يعملون الصالحات كما قال الله سبحانه وتعالى (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون* والذين هم بآيات ربهم يؤمنون* والذين هم بربهم لا يشركون* والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون* أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون). عائشة رضي الله عنها (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أهم الذين يزنون ويسرقون ويخافون؟ قال: لا يا ابنة الصديق، إنما هم الذين يصلّون ويصومون ويتصدقون ويخافون ألا يقبل منهم) فحالهم الخوف الشديد من عذاب الله سبحانه وتعالى، ومن عدم قبول أعمالهم، وهنا وصف اليوم بأنه عبوس قمطرير أي: أن الوجوه فيه تعبس وتتقطب الجباه، وفيه من الضيق والشدة ما الله به عليم. نسأل الله السلامة والعافية، نعم

ن/ قال تعالى (فَوَقَتَهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَتَهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا)

أي: فوقاهم الله بفضله شر ذلك اليوم العظيم، وأعطاهم بهاءً ونورا في وجوههم؛ إكراما لهم، وسرورًا في قلوبهم.
ت/ نعم. قال (فوقاهم الله شر ذلك اليوم) لأنهم خافوا من ذلك اليوم في الدنيا كما قال في آية سورة الطور (إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين) قال (فمنّ الله علينا ووقانا عذاب السموم).
(ولقّاهم نضرة وسرورا) أي وجعلهم يلقون النضرة وهي البهاء والنور والحسن في الوجوه، والسرور: الذي هو سرور القلب. فاجتمع لهم سرور الظاهر والباطن.

من فوائد الآيات:

ثبوت الاختيار للإنسان، وهذا من تكريم الله له،
نعم، وهذا مأخوذ من قول الله سبحانه وتعالى (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا) جعله الله سميعا بصيرا عاقلا. ليختبره بالتكاليف.
الوفاء بالنذر، وإطعام المحتاج، والإخلاص في العمل، والخوف من الله، أسباب للنجاة من النار، ولدخول الجنة،
نعم هذه الأربعة جاءت في الآيات السابقة:
 الوفاء بالنذر في قوله (يوفون بالنذر)
وإطعام المحتاج في قوله (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا)
والإخلاص في العمل في قوله (إنما نطعمكم لوجه الله)
والخوف من الله في قوله (إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا) ، وكذلك في قوله (ويخافون يوما كان شره مستطيرا)
فهذه الأربعة كلها أسباب للنجاة من النار ولدخول الجنة.
نسأل الله الجنة من فضله ونعوذ به من النار .

هذا آخر ما في هذا المقطع. أسال الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علما وعملا وهدى وتقى، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
_________________________________________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق